الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثالث}
1658-
(10) عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، أن عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام وكان صائماً، فقال: قتل مصعب بن عمير
ــ
ابن عباس. قال الحافظ في التلخيص (ص159) : في إسناده ضعف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، وهو مما حدث به عطاء بعد الاختلاط-انتهى. قلت: قال أحمد من سمع من عطاء بن السائب قديماً فسماعه صحيح، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيء، سمع منه قديماً سفيان وشعبة، وسمع منه حديثاً جرير وخالد وإسماعيل وعلي بن عاصم، كذا في تهذيب التهذيب (ج7ص204) . وفي الباب أحاديث وقد تقدم بعضها، فينجبر بها ضعف هذا الحديث.
1658-
قوله: (عن سعد بن إبراهيم) أي ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، ولي قضاء المدينة، وكان ثقة فاضلاً عابداً من صغار التابعين. رأى ابن عمر وسمع أباه وغيره، مات سنة (125)، وقيل بعدها وهو ابن. (72) سنة. (عن أبيه) أي إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. قال المصنف: ادخل على عمر رضي الله عنه وهو صغير، سمع أباه وسعد بن أبي وقاص، روى عنه ابنه والزهري. وقال الحافظ في التقريب: قيل له رؤية وسماعه من عمر أثبته يعقوب بن شيبة، مات سنة (95) وقيل:(96) . قال في التهذيب: قال العجلي تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة، يعد في الطبقة الأولى من التابعين، ولا نعلم أحداً من ولد عبد الرحمن روى عن عمر سماعاً غيره، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. (أن عبد الرحمن بن عوف) الزهري القرشي أحد العشرة المبشرة أسلم قديماً ومناقبه شهيرة. (أتى) بضم الهمزة مبنياً للمفعول أي جيء (بطعام) أي للإفطار وكان خبزاً ولحماً كما في الشمائل للترمذي. (وكان) أي عبد الرحمن يومئذٍ (صائماً) ذكر ابن عبد البر أن ذلك كان في مرض موته. (قتل) بضم القاف مبنياً للمفعول. (مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين نائب عن الفاعل، وعمير بضم العين مصغراً القرشي العبدري. قال ابن عبد البر: كان مصعب بن عمير من أجلة الصحابة وفضلائهم، أسلم قديماً والنبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، فعلمه عثمان بن طلحة فأعلم أهله، فأوثقوه فلم يزل محبوساً إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة فهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، ثم شهد أحداً، ومعه اللواء، فاستشهد، قتله عمرو بن قمئة الليثي، وهو ابن أربعين سنة وأزيد شيئاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث مصعباً إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وكان يدعى القاري والمقري، وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشاً وألينهم لباساً وأحسنهم جمالاً،
وهو خير مني، كفن في بردة، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، ولقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي، حتى ترك الطعام)) .
ــ
وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال، فلما أسلم وزهد في الدنيا وتقشف فتشف جلده تخشف الحية. ويقال إن فيه نزلت وفي أصحابه:{رجال صدقوا ما عاهدوا الله} الآية [الأحزاب: 23] . (وهو خير مني) قاله تواضعاً وهضماً لنفسه، وإلا فقد صرح العلماء بأن العشرة المبشرة أفضل من غيرهم. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. (كفن في بردة) وفي رواية للبخاري: فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا برده، بالضمير العائد على مصعب، وفي رواية: إلا بردة، بلفظ واحدة البرود، وفي حديث خباب عند البخاري: قتل مصعب بن عمير ولم يترك إلا نمرة. (إن غطي) بضم الغين أي ستر. (رأسه) بالرفع أي بالبردة. (بدت) أي ظهرت رجلاه. (وإن غطي رجلاه بدا رأسه) أي ظهر، وسيأتي في جامع المناقب أنه غطي بها رأسه وجعل على رجليه الإذخر. (وأراه) بضم الهمزة أي أظنه. (قال) أي عبد الرحمن. (وقتل حمزة) هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف القرشي الهاشمي أبوعمارة عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل بأربع، أسلم قديماً في السنة الثانية من البعثة، ولازم نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر معه، وقد ذكر ابن إسحاق قصة إسلامه مطولة، وقيل: كان إسلامه بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في السنة السادسة، فاعتز الإسلام بإسلامه، وشهد بدراً وأبلى فيها بلاء حسناً مشهوراً، واستشهد يوم أحد، قتله وحشي بن حرب الحبشي، وقد مثّل به وبأصحابه يومئذٍ، وكان ذلك في النصف من شوال سنة (3) من الهجرة، فعاش دون الستين، ولقبه النبي صلى الله عليه وسلم أسد الله، وسماه سيد الشهداء، روى عنه علي والعباس وزيد بن حارثة. (وهو خير مني) وروى الحاكم في مستدركه من حديث أنس أن حمزة كفن أيضاً كذلك. (ثم بسط) بضم الباء أي وسع وكثر. (لنا) أراد نفسه وبقية مياسير الصحابة. (من الدنيا ما بسط) أشار إلى ما فتح لهم من الفتوح والغنائم وحصل من الأموال، وكان لعبد الرحمن بن عوف من ذلك الحظ الوافر. (ولقد خشينا أن تكون حسناتنا) وفي رواية: طيباتنا. (عجلت لنا) أي أعطيت عاجلاً لنا أي في حياتنا الدنيا. (ثم جعل) عبد الرحمن (يبكي) قال العيني: كان خوفه وبكاؤه وإن كان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة مما كان عليه الصحابة من الإشفاق والخوف من التأخر عن اللحاق بالدرجات العلى. (حتى ترك الطعام) أي في
رواه البخاري.
1659-
(11) وعن جابر، قال: ((أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته،
ــ
وقت الإفطار، وفي الحديث دليل على أن الكفن من جميع المال أي من رأسه لا من الثلث، وهو قول جمهور العلماء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كفن مصعباً في نمرته، وكذا حمزة في بردته، ولم يلتفت إلى غريم ولا إلى وصية ولا إلى وارث، وبدأ بالتكفين على ذلك كله، فعلم أن التكفين مقدم وأنه من رأس المال؛ لأن جميع مالهما كان لكل منهما بردة، وفيه فضل الزهد، وأن الفاضل في الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدنيا لئلا تنقص حسناته، وإلى ذلك أشار عبد الرحمن بقوله: خشينا أن تكون حسناتنا عجلت، وفيه أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدنيا لتقل رغبته فيها، والبكاء خوفاً من تأخر اللحاق بالأخيار والإشفاق من ذلك، وفيه إيثار الفقر على الغنى، وإيثار التخلي للعبادة على تعاطي الاكتساب، فلذلك امتنع عبد الرحمن من تناول ذلك الطعام مع أنه كان صائماً. (رواه البخاري) في الجنائز والمغازي، وأخرجه البيهقي (ج3ص401) أيضاً ويظهر من كلام الحافظ في الفتح أن الحديث عند أحمد أيضاً حيث قال: في رواية أحمد عن غندر عن شعبة وأحسبه لم يأكله-انتهى. ولم أجده في مسند عبد الرحمن بن عوف.
1659-
قوله: (عبد الله) بالنصب مفعول أتى، أي جاء قبره. (بن أبيّ) بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف ابن سلول:(هي علم لأم عبد الله فيكتب الابن بالألف؛ لأنه صفة لعبد الله لا صفة أبي) وعبد الله بن أبيّ هذا كان رأس المنافقين، وكان سيد الخزرج في الجاهلية، وهو الذي تولى كبر الإفك في قصة الصديقة، وهو الذي قال:{ليخرجن الأعز منها الأذل} ، وقال:{لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} [المنافقون: 7] . ورجع يوم أحد بثلث العسكر إلى المدينة بعد أن خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي: مرض عبد الله بن أبيّ في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة سنة تسع منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وكان مرضه عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها. (إلى آخر ما قال) وجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على وصيته أو باستدعاء ولده المؤمن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، وكان اسم ابنه الحباب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله كاسم أبيه، وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم، شهد المشاهد واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، وكان أشد الناس على أبيه، ولو أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لضرب عنقه. (بعد ما أدخل حفرته) بضم الحاء المهملة أي قبره. وفي رواية النسائي: أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي واقد وضع في حفرته
فأمر به، فأخرج، فوضعه على ركبتيه، فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، قال: وكان كسا عباساً قميصاً)) .
ــ
فوقف عليه. (فأخرج) أي من قبره. (فنفث فيه) أي في جلده كما في تفسير الثعلبي. (وألبسه قميصه) إنجازاً لوعده في تكفينه في قميصه، والحديث صريح في أن إعطاء القميص وإلباسه إياه كان بعد ما أدخل ووضع في القبر، وهذا معارض لما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه قميصه وقال: آذاني أصلي عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر- الحديث. وقد جمع بينهما بأن المراد من قوله في حديث ابن عمر "فأعطاه" أي أنعم له بذلك، فأطلق على الوعد اسم العطية مجازاً لتحقق وقوعها، وكان أهل عبد الله بن أبيّ خشوا على النبي صلى الله عليه وسلم المشقة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه إنجازاً لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه. وقيل: المراد من حديث جابر أن الواقع بعد إخراجه من حفرته، هو النفث، وأما القميص فقد كان ألبس، والجمع بينهما في الذكر لا يدل على وقوعهما معاً؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب ولا المعية، فلعله أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه صلى الله عليه وسلم له من غير إرادة الترتيب. وقيل: أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أحد قميصيه أولاً، ولما دفن أعطاه الثاني بسؤال ولده عبد الله. وفي الإكليل للحاكم ما يؤيد ذلك، كذا في الفتح وغيره، ولا يخفى أن هذه التوجيهات لا يندفع بها الإيراد بالكلية، فإن حديث ابن عمر صريح في أنه حضر الصلاة عليه وأعطاه القميص، ورواية ابن عباس عن عمر عند الترمذي في تفسير سورة التوبة، وقد صححا أشد صراحة في ذلك، ففيها دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه. (إلى أن قال:) ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه، فإنه صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان مع الجنازة إلى أن أتي به القبر، وحديث جابر يفيد أنه جاء بعد ذلك وألبسه القميص بعد، نبه على ذلك السندي في حاشية النسائي. وقال الولي العراقي في شرح التقريب: ويحتمل الجمع بين الحديثين بصرف حديث ابن عمر عن ظاهره، إما بأن يكون ولده إنما طلب القميص بعد تكفينه وإدخاله حفرته، أو طلبه من أول موته لكن تأخر إعطاءه له حتى أدخل قبره، والفاء التي في قوله "فأعطاه قميصه" لا تنافي هذا؛ لأن زمن تجهيزه زمن يسير لا ينافي التعقيب. وفي الحديث جواز إخراج الميت من قبره لحاجة أو لمصلحة، وأن التكفين في القميص ليس ممتنعاً سواء كان مكفوف أو غير مكفوف، خلافاً لمن قال: إن القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو كان غير مزرر ليشبه الرداء، وفي الخلافيات للبيهقي من طريق ابن عون قال: كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففاً مزرراً. (قال) أي جابر. (وكان) أي عبد الله بن أبيّ (كسا عباساً) عمه صلى الله عليه وسلم حين أسر ببدر (قميصاً) وفي