المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم احتسبه إلا الجنة)) . رواه البخاري. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1746- (11) عن - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ثم احتسبه إلا الجنة)) . رواه البخاري. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1746- (11) عن

ثم احتسبه إلا الجنة)) . رواه البخاري.

{الفصل الثاني}

1746-

(11) عن أبي سعيد الخدري قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة)) رواه أبوداود.

ــ

الله تعالى ورضوان من الله أكبر-انتهى. قال القاري: وتعقبه ابن حجر بما لا طائل تحته، وجعله بياناً للواقع. (ثم احتسبه) ، أي صبر على فقد صفيه وقبض روحه راجياً الأجر من الله تعالى على ذلك، وأصل الحسبة بالكسر الأجر، والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصاً. (إلا الجنة) متعلق بقوله "ما لعبدي المؤمن". قال القاري: بالنصب والرفع أي ماله جزاء إلا الجنة، ويؤخذ من هذا الحديث أن الثواب المترتب على الثلاثة والاثنين مرتب على الواحد، كما في رواية أخرى-انتهى. قال الحافظ: استدل به ابن بطال على أن من مات له ولد واحد يلتحق بمن مات له ثلاثة، وكذا اثنان، وأن قول الصحابي في بعض الروايات: ولم نسأله عن الواحد، لا يمنع من حصول الفضل لمن مات له واحد، فلعله صلى الله عليه وسلم سئل بعد ذلك عن الواحد فأخبر بذلك، أو أعلم بأن حكم الواحد حكم ما زاد عليه. قال الحافظ: وجه الدلالة من الحديث أن الصفي أعم من أن يكون ولداً أم غيره. وقد أفرد ورتب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه، ويدخل في هذا ما أخرجه أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس: أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال: أتحبه؟ قال: نعم، ففقده، فقال: ما فعل فلان؟ قالوا: يا رسول الله! مات ابنه، فقال: ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ فقال رجل: يا رسول الله! أله خاصة أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم، وسنده على شرط الصحيح، وقد صححه ابن حبان والحاكم-انتهى. وسيأتي هذا الحديث في الفصل الثالث. (رواه البخاري) في باب العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى من أوائل الرقاق، والحديث من إفراده.

1746-

قوله: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة) النوح هو رفع الصوت بتعديد شمائل الميت ومحاسن أفعاله، والحديث دليل على تحريم ذلك، وهو مجمع عليه. قال القاري: يقال: ناحت المرأة على الميت إذا ندبته، أي بكت عليه وعددت محاسنه. وقيل: النوح بكاء مع الصوت. والمراد بها التي تنوح على الميت أو على ما فاتها من متاع الدنيا، فإنه ممنوع منه في الحديث. وأما التي تنوح على معصيتها فذلك نوع من العبادة. وخص النائحة لأن النوح يكون من النساء غالباً. (والمستمعة) أي التي تقعد السماع ويعجبها، كما أن المستمع والمغتاب شريكان في الوزر، والمستمع والقاري مشتركان في الأجر. (رواه أبوداود) وأخرجه أحمد والبيهقي (ج4:ص63) قال

ص: 473

1747-

(12) وعن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجب للمؤمن: إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر، والمؤمن يؤجر في كل أمره حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته)) .

ــ

المنذري: في إسناده محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده، وثلاثتهم ضعفاء-انتهى. وقال الحافظ في التلخيص بعد عزوه لأحمد ما لفظه: واستنكره أبوحاتم في العلل، ورواه الطبراني والبيهقي من حديث عطاء عن ابن عمر، ورواه ابن عدي من حديث الحسن عن أبي هريرة، وكلها ضعيفة.

1747-

قوله: (عجب) أي أمر غريب وشأن عجيب. (للمؤمن) أي الكامل، وقال الطيبي: أصله أعجب عجباً. فعدل من النصب إلى الرفع للثبات، كقولك: سلام عليك. قيل: ومن ثم كان سلام إبراهيم في قوله: {قالوا سلاماً قال سلام} [هود:69] أبلغ من سلام الملائكة، كذا في المرقاة. وذكر السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير بلفظ: عجبت للمسلم، وعزاه للطيالسي والبيهقي في الشعب. ثم بين وجه العجب بقوله:(إن أصابه خير) كصحة وسلامة، ومال وولد وجاه. (حمد الله وشكر) على نعمة الخير ودفع الشر. (وإن أصابته مصيبة) أي بلية ومحنة. (حمد الله وصبر) على حكم ربه واحتسب. قال القاري: وفيه إشارة إلى أن الإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر، قال تعالى:{إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [إبراهيم:5] . وقال ابن الملك: قوله "إن أصابته مصيبة حمد الله" أي حمده عندها لعلمه بما يثاب عليه من الثواب العظيم، والثواب نعمة، فحمد الله لذلك يدل على أن الحمد محمود عند النعمة وعند المصيبة-انتهى. وقد يقال: معناه حمده على سائر نعمه، ولذلك ذكره في الحالين لقوله تعالى:{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [إبراهيم:34] . أو حمده على أن المصيبة ليست في دينه، أو على أنه ما دفع أكبر أو أكثر منها. قال المظهر: وتحقق الحمد عند المصيبة؛ لأنه يحصل بسببها ثواب عظيم، وهو نعمة تستوعب الشكر عليها. قال الطيبي: وتوضيحه قول القائل:

فإن مس بالنعماء عم سرورها وإن مس بالضراء أعقبه الأجر

ويحتمل أن يراد بالحمد الثناء على الله بقوله: {إن لله وإنا إليه راجعون} [البقرة:156] انتهى. (والمؤمن يؤجر) بالهمزة ويبدل فيهما، أي المؤمن الكامل يثاب. (في كل أمره) أي شأنه من الصبر والشكر وغيرهما حتى في أمور المباح. قيل: المراد بالأمر هنا الخير، فالمباح ينقلب خيراً بالنية والقصد. (حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته) أي فمها. في الحديث دليل على أن المباحات وإن كان يرى كل واحد منها في الظاهر من قبيل حظ النفس، لكنها باشتمالها على نية التقريب إلى الله تصير عبادات، ويؤجر فاعلها على حسب نيته ببركة إيمانه. قال الطيبي: الفاء جزاء شرط مقدر، يعني إذا أصابته نعمة فحمد أجر،

ص: 474

رواه البيهقي في شعب الإيمان.

1748-

(13) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مؤمن إلا وله بابان: باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه،

ــ

وإذا أصابته مصيبة فصبر أجر، فهو مأجور في كل أموره حتى في الشهوانية ببركة إيمانه، وإذا قصد بالنوم زوال التعب للقيام إلى العبادة عن نشاط كان النوم طاعة، وعلى هذا الأكل وجميع المباحات. (رواه البيهقي في شعب الإيمان) وأخرجه النسائي في اليوم والليلة، وفيه عمر بن سعد بن أبي وقاص وهو صدوق، لكنه مقته الناس، لكونه كان أميراً على الجيش الذي قتلوا الحسين بن علي. قال القاري: قد يقال: إنه لم يباشر قتله، ولعل حضوره مع العسكر كان بإكراه، أو ربما حسن حاله وطاب مآله. والحديث ظاهر صحته مبنى ومعنى، ولا يتعلق به حكم من الأحكام ديناً ودنياً. قلت: وللحديث شواهد: منها ما رواه أحمد ومسلم من حديث صهيب الرومي مرفوعاً: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، ومنها ما رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري عن أبي الدرداء مرفوعاً: إن الله عزوجل قال: ياعيسى! إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم، فقال: يا رب! كيف يكون هذا؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي.

1748-

قوله: (وله) أي مختص به. (بابان) أي من السماء. (يصعد) بفتح الياء وتضم أي يطلع ويرفع. (عمله) أي الصالح إلى مستقر الأعمال. وهو محل كتابتها في السماء بعد كتابتها في الأرض. وفي إطلاقه العمل إشعار بأن عمله كله صالح. (ينزل) بصيغة الفاعل أو المفعول. (رزقه) أي الحسي أو المعنوي إلى مستقر الأرزاق من الأرض. (بكيا) أي البابان. (عليه) أي على فراقه؛ لأنه انقطع خيره منهما، بخلاف الكافر، فإنهما يتأذيان بشره فلا يبكيان عليه، قاله ابن الملك. وهو ظاهر موافق لمذهب أهل السنة على ما نقله البغوي أن للأشياء كلها علماً بالله، ولها تسبيح ولها خشية وغيرها. وقيل: أي بكى عليه أهلهما من الملائكة والناس، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقال الطيبي: الكشاف هذا تمثيل وتخييل مبالغة في فقدان من درج وانقطع خيره، وكذلك ما روي عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل، ونفي ذلك في قوله تعالى:{فما بكت عليهم السماء والأرض} [الدخان:29] تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده، فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض-انتهى. وهو مخالف لظاهر الآية والحديث، ولا وجه للعدول لمجرد

ص: 475

فذلك قوله تعالى: {فما بكت عليهم السماء والأرض} ) . رواه الترمذي.

1749-

(14) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة، فقالت عائشة: فمن كان له فرط من أمتك؟ قال: ومن كان له فرط يا موفقة! فقالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: فأنا فرط أمتي، لن يصابوا بمثلي)) . رواه الترمذي.

ــ

مخالفته لظاهر العقول، كذا في المرقاة. (فذلك) أي مفهوم الحديث أو مصداقه (قوله تعالى) في سورة الدخان:{فما بكت عليهم السماء والأرض} بقية الآية {وما كانوا منظرين} [الدخان:29] . قال ابن كثير: أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم. (رواه الترمذي) في تفسير سورة الدخان، وقال: حديث غريب، وأخرجه أبويعلى وابن أبي حاتم وغيرهما، وفي سنده عندهم موسى بن عبيدة الربذي ويزيد بن إبان الرقاشي، قال الترمذي: يضعفان في الحديث-انتهى. وفي الباب عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلاً مرفوعاً عند ابن جرير، وعن علي عند ابن أبي حاتم، وعن ابن عباس عند ابن جرير موقوفاً من قولهما، ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

1749-

قوله: (من كان له فرطان) بفتحتين أي ولدان لم يبلغا أوان الحلم بل ماتا قبله، يقال: فرط إذا تقدم وسبق فهو فارط. والفرط هنا الولد الذي مات قبله، فإنه يتقدم يهنئ لوالديه نزلاً ومنزلاً في الجنة، كما يتقدم فراط القافلة إلى المنازل، فيعدون لهم ما يحتاجون إليه من الماء والمرعى وغيرهما. قال الطيبي: الفرط بالتحريك من يتقدم القافلة، فيطلب الماء والمرعى، ويهيئ لهم ما يحتاجون إليه في المنزل، فعل بمعنى فاعل يستوي فيه الواحد والجميع مثل تبع وتابع. المعنى الطفل المتوفى يتقدم والديه، فيهئ لهما في الجنة منزلاً ونزلاً، كما يتقدم فراط القافلة، فيعدون لهم ما يفتقرون إليه من الأسباب، ويهيئون لهم المنازل. (من أمتي) بيان لمن. (فمن كان له فرط من أمتك) أي فما حكمه أو فهل له هذا الثواب؟ (قال: ومن كان له فرط) أي فكذلك. (يا موفقة) أي في الخيرات وللأسئلة الواقعة موقعها شفقة على الأمة. وقيل: أي الحريصة على تعلم الشرائع. وقال الطيبي: يعني وفقك الله تعالى للسؤال، حتى تفضل على العباد، وسهل عليهم حصول ذلك المعنى من ولد واحد، حتى يفضل من لا ولد له بفرط مثلي، ونعم الفارط أنا. (فمن لم يكن له فرط من أمتك) أي فما حاله. (فأنا فرط أمتي) أي سابقهم وإلى الجنة بالشفاعة سائقهم، بل أنا أعظم من كل فرط، فإن الأجر على قدر المشقة. (لن يصابوا) أي أمتي. (بمثلي) أي بمثل مصيبتي لهم، فإن مصيبتي أشد عليهم من سائر المصائب، فأكون أنا فرطهم. (رواه الترمذي)

ص: 476

وقال هذا حديث غريب.

1750-

(15) وعن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ما قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله. ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد)) رواه أحمد، والترمذي.

ــ

وأخرجه أحمد (ج1:ص3340335) والبيهقي. (وقال: هذا حديث غريب) في نسخ الترمذي الموجودة عندنا: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه بن بارق، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة-انتهى. قلت: عبد ربه هذا قال في تهذيب التهذيب في ترجمته: قال أحمد: ما به بأس، وأثنى عليه عمرو بن علي الفلاس خيراً، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال في التقريب: إنه صدوق يخطئ، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن، والله تعالى أعلم.

1750-

قوله: (إذا مات ولد العبد) أي المؤمن. (قال الله تعالى لملائكته) أي ملك الموت وأعوانه. (قبضتم) بتقدير الاستفهام. (ولد عبدي) أي روحه، فيقول (قبضتم ثمرة فؤاده) أي يقول ثانياً إظهاراً لكمال الرحمة كما أن الوالد العطوف يسأل الفصاد، هل فصدت ولدي، مع أنه بأمره ورضاه. قيل: سمي الولد ثمرة فؤاده؛ لأنه نتيجة الأب كالثمرة للشجرة. (واسترجع) أي قال: إنا لله وإن إليه راجعون. (وسموه بيت الحمد) قال القاري: أضاف البيت إلى الحمد الذي قاله عند المصيبة؛ لأنه جزاء ذلك الحمد. قال الطيبي: مرجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد الله تعالى من التفضيل على عبده الحاضر لأجل تصبره على المصائب، أو عدم تشكيه، بل إعداده إياها من جملة النعماء التي تستوجب الشكر عليها، ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله، وإليه المصير في العاقبة. قال أولاً: ولد عبدي أي فرع شجرته، ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته، فإن خلاصة الإنسان الفؤاد، والفؤاد إنما يعتد به لما هو مكان اللطيفة التي خلق لها وبها شرفه وكرامته، فتحقيق لمن فقد مثل تلك النعمة الخطيرة وتلقاها بمثل ذلك الحمد، أن تكون محموداً حتى المكان الذي يسكن فيه، ولذلك سمي بيت الحمد، والله أعلم-انتهى. (رواه أحمد) (ج4:ص415) . (والترمذي) واللفظ له. ولفظ أحمد: قال الله تعالى: يا ملك الموت قبضت ولدي، قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده؟ قال: نعم، قال: فما قال؟ قال: حمدك واسترجع. قال: ابنوا له بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه، والبيهقي وحسنه الترمذي.

ص: 477

1751-

(16) وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عزى مصاباً، فله مثل أجره)) . رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث علي بن عاصم الراوي، وقال: رواه بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد موقوفاً.

ــ

1751-

قوله: (من عزى) من التعزية أي سلى. (مصاباً) أي بأي شيء كان أعم من فقد الولد وغيره. قال القاري: من عزى مصاباً أي ولو بغير موت بالمأتي لديه أو بالكتابة إليه بما يهون المصيبة عليه، ويحمله على الصبر بوعد الأجر أو بالدعاء له بنحو: أعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقك الشكر. (فله) أي للمعزي. (مثل أجره) أي نحو المصاب على صبره؛ لأن الدال على الخير كفاعله. وقيل: إن من حمله على العزاء بالمد وهو الصبر فله لأجل هذه التعزية ثواب مثل ثواب المصاب لأجل صبره في المصيبة. (رواه الترمذي وابن ماجه) وأخرجه البيهقي في السنن (ج4:ص59) كلهم من طريق علي بن عاصم عن محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله، وأخرجه أيضاً الحاكم والخطيب وغيرهما من طرق عن ابن سوقة. (وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث علي بن عاصم) . وقال البيهقي: تفرد به علي بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه واعترض عليه بأنه قد تابعه عن ابن سوقة عبد الحكيم بن منصور وشعبة وإسرائيل ومحمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن بن مالك بن مغول والحارث بن عمران وغيرهم، لكن قال الخطيب: ليس شيء منها ثابتاً، ولذلك قال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: وهذه المتابعات لا ترد على البيهقي لضعف أسانيدها. (الراوي) بسكون الياء. وعلي بن عاصم هذا هو علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، أبوالحسن التيمي مولاهم، صدوق يخطئ ويصر، مات سنة (201) وقد جاوز التسعين، كذا في التقريب، وسيأتي ذكر شيء من الكلام عليه في شرح كلام الترمذي الآتي. (وقال) أي الترمذي:(رواه بعضهم عن محمد بن سوقة) بضم المهملة، الغنوي الكوفي، ثقة مرضي عابد. (بهذا الإسناد موقوفاً) أي على ابن مسعود. وتمام كلام الترمذي: ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم، بهذا الحديث نقموا عليه. وقال الخطيب: هذا الحديث مما أنكر الناس على علي بن عاصم، وكان أكثر كلامهم فيه بسببه، وقال يعقوب بن شيبة: هذا حديث كوفي منكر، يرون أنه لا أصل له، لا نعلم أحداً أسنده، ولا أوقفه غير علي بن عاصم، وقد رواه أبوبكر النهشلي، وهو صدوق ضعيف الحديث عن محمد بن سوقة فلم يجاوز به محمداً، وقال: يرفع الحديث، قال يعقوب: وهذا الحديث من أعظم ما أنكره الناس على علي بن عاصم، وتكلموا فيه مع ما أنكر عليه سواه-انتهى. ويحكى عن أبي داود قال: عاتب يحيى بن سعيد القطان علي بن عاصم في وصل هذا

ص: 478

الحديث. وإنما هو عدهم منقطع. وقال: إن أصحابك الذين سمعوه معك لا يسندونه، فأبى أن يرجع. والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: تفرد به علي بن عاصم عن محمد بن سوقة، وقد كذبه شعبة ويحيى بن معين ويزيد بن هارون. قال السيوطي في تعقباته (ص24-25) : أخرجه الترمذي وابن ماجه من طريقه. وقال الترمذي: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم، بهذا الحديث نقموا عليه. وقال الذهبي: أبلغ ما شنع به عليه هذا الحديث، وهو مع ضعفه صدوق في نفسه، وله صورة كبيرة في زمانه، وقد تابعه على هذا الحديث ضعفاء، وقد وثقه جماعة، فقال يعقوب بن شيبة: كان من أهل الدين والصلاح والخير البارع، وكان شديد التوقي، أنكر عليه كثرة الغلط مع تماديه على ذلك. وقال وكيع: ما زلنا نعرفه بالخير، فخذوا الصحاح من حديثه، ودعوا الغلط. وقال أحمد بن حنبل: أما أنا فأحدث عنه، كان فيه لجاج ولم يكن متهماً. وقال الفلاس: صدوق. وقد أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب من طريق معمر بن عن ابن سوقة، وأخرجه البيهقي أيضاً من طريق عبد الحكيم بن منصور الخزاعي عن ابن سوقة، وعبد الحكيم من رجال الترمذي، وهو ضعيف أيضاً. وأخرجه ابن أبي الدنيا في العزاء من طريق عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن ابن سوقة، وعبد الرحمن متروك. وقال الخطيب: تابع علي بن عاصم على هذا الحديث جماعة، منهم الحارث بن عمران الجعفري. وقال الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي: كل المتابعين له أضعف منه بكثير، وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلا طريق إسرائيل، فقد ذكره صاحب الكمال من طريق وكيع عنه. ولم أقف على إسنادها بعد-انتهى. وقال الصلاح العلائي: علي بن عاصم أحد الحفاظ المكثرين، ولكن له أوهام كثيرة تكلموا فيه بسببها، ومن جملتها هذا الحديث، وقد تابعه عليه عن ابن سوقة: عبد الحكيم بن منصور، لكنه ليس بشيء. قال فيه ابن معين والنسائي: متروك. وقد رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سوقة، وإبراهيم بن مسلم هذا ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يتكلم فيه أحد، وقيس بن الربيع صدوق متكلم فيه، لكن حديثه يؤيد رواية علي بن عاصم، ويخرج به عن يكون ضعيفاً واهياً فضلاً عن أن يكون موضوعاً-انتهى. وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي بعد ذكر المتابعات المذكورة: وهذا كله يرد على ابن الجوزي حيث ذكر الحديث في الموضوعات-انتهى. وللحديث شواهد: منها حديث جابر بهذا اللفظ، وهو أضعف منه، رواه ابن عدي وابن أبي الدنيا من طريق محمد بن عبيد الله العزرمي عن أبي الزبير عن جابر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعله بالعزرمي، ومنها حديث عمرو بن حزم مرفوعاً: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة، أخرجه ابن ماجه، وحسنه النووي. ومنها حديث أبي برزة الآتي: هذا. وقد بسط السيوطي الكلام على حديث ابن

ص: 479

1752-

(17) وعن أبي برزة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة)) . رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1753-

(18) وعن عبد الله بن جعفر، قال:((لما جاء نعي جعفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم))

ــ

مسعود في اللآلئ المصنوعة (ج2:ص225-226) من أحب الاطلاع عليه رجع إليه.

1752-

قوله: (من عزى ثكلى) بفتح المثلثة مقصوراً أي المرأة التي فقدت ولدها. (كسي) بصيغة المجهول. (برداً) بضم الباء أي ثوباً عظيماً مكافأة له على تعزيتها. قال المناوي في شرح الجامع الصغير: لا يعزى المرأة الشابة إلا زوجها أو محرمها. (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب) وليس إسناده بالقوي؛ لأن فيه مسنية ابنة عبيد بن أبي برزة، وهي مجهولة، قال الحافظ في التقريب: لا يعرف حالها.

1753-

قوله: (وعن عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب. (لما جاء نعي جعفر) بفتح النون وسكون العين، أي خبر موته بموتة، وهي موضع عند تبوك، سنة ثمان. (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) فيه أنه ينبغي للأقرباء أن يرسلوا إلى أهل الميت طعاماً لاشتغالهم عن أنفسهم يما دهمهم من المصيبة. قال الترمذي. وقد كان بعض أهل العلم يستحب أن يوجه إلى أهل الميت بشيء لشغلهم بالمصيبة، وهو قول الشافعي. (ما يشغلهم) بفتح الياء والغين. وقيل: بضم الأول وكسر الثالث. قال في القاموس: شغله كمنعه شغلاً ويضم، وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة. والمعنى جاءهم ما يمنعهم من الحزن تهيئة الطعام لأنفسهم، فيحصل لهم الضرر وهم لا يشعرون. قال الطيبي: دل على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت-انتهى. قال ابن العربي في شرح الترمذي: والحديث أصل في المشاركات عند الحاجة، وصححه الترمذي. والسنة فيه أن يصنع في اليوم الذي مات فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"فقد جاءهم ما يشغلهم عن حالهم، فحزن موت وليهم اقتضى أن يتكلف لهم عيشهم"، وقد كانت للعرب مشاركات ومواصلات في باب الأطعمة باختلاف أسباب وفي حالات جماعها-انتهى. قال القاري: والمراد طعام يشبعهم يومهم وليلتهم، فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يستمر أكثر من يوم، ثم إذا صنع لهم ما ذكر سن أن يلح عليهم في الأكل لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط جزع-انتهى. وقال ابن المهام: ويستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً"، وقال: يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت؛ لأنه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة-انتهى. وقال القاري: واصطناع أهل الميت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروه، بل صح عن جرير

ص: 480

رواه الترمذي، وأبوداود، وابن ماجه.

ــ

رضي الله عنه، كنا نعده من النياحة، وهو ظاهر في التحريم-انتهى. قلت: حديث جرير بن عبد الله البجلي هذا أخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. قال السندي: قوله "كنا نعد" الخ. هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة أو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني فحكمه الرفع على التقديرين فهو حجة، ثم نقل عن البوصيري أنه قال في الزوائد: إسناده صحيح-انتهى. فإن قيل: حديث جرير هذا مخالف لما سيأتي في آخر باب المعجزات من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأته فأجاب، ونحن معه، فجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا-الحديث. رواه أبوداود والبيهقي في دلائل النبوة. فقوله:"فلما رجع استقبله داعي امرأته" الخ صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة أهل بيت الميت، واجتمع هو وأصحابه بعد دفنه، وأكلوا مما صنعه أهل الميت له ولأصحابه، فإن الضمير المجرور في امرأته راجع إلى ذلك الميت الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازته، فما وجه التوفيق بين هذين الحديثين؟ قلت: منشأ المخالفة بين الحديثين هو قوله: "داعى امرأته" أي بإضافة لفظ امرأة إلى الضمير المجرور، وهو غلط. والصواب داعي امرأة منوناً أي بغير الإضافة وإسقاط الضمير المجرور. والدليل عليه أنه وقع في سنن أبي داود "داعي امرأة" بغير الإضافة، أي بإسقاط الضمير، وهكذا ذكره الجزري في جامع الأصول (ج12:ص65) نقلاً عن سنن أبي داود، وروى هذا الحديث أحمد في مسنده (ج5:ص293) ، وقد وقع فيه أيضاً "داعي امرأة" بغير الإضافة" بل زاد فيه بعد "داعي امرأة" لفظ "من قريش"، وهكذا وقع في السنن للدارقطني (ص545) ولفظه: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما انصرف تلقاه داعي امرأة من قريش. وفي رواية له عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من مزينة قال: صنعت امرأة من المسلمين من قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فدعته وأصحابه الخ. ورواه البيهقي في السنن الكبرى (ج6:ص97) بلفظ: صنعت امرأة من قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعامه، فدعته وأصحابه. ورواه الطحاوي في شرح الآثار (ج2:ص320) بلفظ: إن رجلاً من الأنصار كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلقيه رسول امرأة من قريش يدعوه إلى الطعام، وهذا كله يدل على أن الصحيح في حديث عاصم بن كليب هذا لفظ "داعي امرأة" منوناً، أي بغير إضافة امرأة إلى الضمير المجرور، بل بإسقاط الضمير، وعلى هذا فلا مخالفة بين الحديثين، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى التفكر والتأمل. (رواه الترمذي) وحسنه. (وأبوداود) وسكت عنه، ونقل المنذري عن الترمذي أنه قال: هذا حديث حسن صحيح، وأقر تصحيحه. (وابن ماجه) وأخرجه

ص: 481