المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقابلة صحفية: وأخيرًا ننقل هنا مقابلة صحفية أجرتها جريدة الجزيرة التي - معجم أسر بريدة - جـ ٨

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌الرِّشِيد:

- ‌ الرشيد

- ‌الرِّشِيد:

- ‌الرِّشِيد:

- ‌الرِّشَيد:

- ‌الرَّشَيد:

- ‌الرّشَيْد:

- ‌ الرشيد

- ‌‌‌ الرشيد

- ‌ الرشيد

- ‌الرّشَيْد:

- ‌الرّشَيد:

- ‌الرشيد:

- ‌الرِّشِيدي:

- ‌الرّضَيْمان:

- ‌الرّعْوجي:

- ‌ الرعوجي

- ‌الرّعَيْجاني:

- ‌الرفيعي:

- ‌الرُّفَيْعي:

- ‌الرّقَيْبَة:

- ‌من أخبار راشد الرقيبة:

- ‌خط راشد بن سبيهين:

- ‌وصية راشد بن سليمان (أبو رقيبة) بخط يده:

- ‌تحليل وصية راشد أبو رقيبة:

- ‌الرِّقيبة:

- ‌الرّقَيعي:

- ‌الرِّكْبان:

- ‌الرُّكبِي:

- ‌الرِّكَف:

- ‌الرْكَيَّان:

- ‌الرَّمَال:

- ‌الرْمَيَّان:

- ‌رميان بن صالح الرميان:

- ‌وثائق الرميان:

- ‌وثيقة واضحة:

- ‌وصايا للرميان:

- ‌وصية عثمان بن عبد الله الرميان:

- ‌وثائق ذكر فيها نساء من الرميان:

- ‌معاصرون من الرميان:

- ‌البحوث المحكمة المنشورة:

- ‌الرّميح:

- ‌الرّمَيْح:

- ‌الرميح:

- ‌الرميحي:

- ‌الرْمَيْخاني:

- ‌الرَّمَيزان:

- ‌الرَّوَّاف:

- ‌إبراهيم المحمد الرواف:

- ‌خليل الرواف:

- ‌رسالة إلى خليل الرواف:

- ‌مقابلة صحفية:

- ‌معمرون من الرواف:

- ‌سليمان بن عبد الله الرواف:

- ‌تاريخ سليمان بن عبد الله الرواف:

- ‌وثائق لأسرة الرواف:

- ‌ حوادث سنة 1236 ه

- ‌عود إلى وثائق الرواف:

- ‌وصية عبد الرحمن الرواف:

- ‌سليمان بن عبد الله الرواف (1330 ه

- ‌الرَّوِسي:

- ‌الروضان:

- ‌ الروضان

- ‌الرَّوضان:

- ‌الرَّوْق:

- ‌ محمد بن علي بن سليمان الروق

- ‌الروَّق:

- ‌ عبد الله الروق

- ‌الرْوَيْسَان:

- ‌مسجد الرويسان (1372 ه

- ‌ محمد بن سليمان الرويسان

- ‌الرويشد:

- ‌الرياعي:

- ‌باب الزاي

- ‌الزَّابَن:

- ‌الزَّارع:

- ‌‌‌الزامل:

- ‌الزامل:

- ‌الزايد:

- ‌الزايدي:

- ‌الزَّبِنْ:

- ‌الزّعَاق:

- ‌الزغَيْبِي:

- ‌الزِّلفاوي:

- ‌ الزلفاوي

- ‌ الزلفاوي

- ‌الزّمَيْع:

- ‌ولد الزّميع:

- ‌مسجد الزمعان:

- ‌أوقظ بكنز:

- ‌الزْناتي:

- ‌الزِّنقاحي:

- ‌الزْنيدي:

- ‌الزُّومان:

- ‌الزومان:

- ‌الزوَيِّد:

- ‌الزَّوَيِّد:

- ‌الزّوَيْمل:

- ‌الزّهَيْر:

- ‌الزْهَيْرِي:

- ‌‌‌الزَّيْد:

- ‌الزَّيْد:

- ‌الزَّيْدان:

- ‌الزيدان:

- ‌الزيداني:

- ‌زَيْن العَيْن:

الفصل: ‌ ‌مقابلة صحفية: وأخيرًا ننقل هنا مقابلة صحفية أجرتها جريدة الجزيرة التي

‌مقابلة صحفية:

وأخيرًا ننقل هنا مقابلة صحفية أجرتها جريدة الجزيرة التي تصدر في الرياض ونشرتها في عددها 4894 الصادر في يوم الجمعة 12 جمادى الآخرة 1406 هـ - مع الشيخ خليل الرواف، وهي مقابلة مبسوطة تطرقت إلى نواح مهمة من نواحي حياته، وذكرت أيضًا أحداثًا وأشخاصًا بشكل لا يوجد في غيرها.

لذلك رأيت أن أختم بها الحديث عن هذه الشخصية الفذة (خليل الرواف).

قالت الجريدة:

رحلة في قلب وعقل التاجر وابن العقيلات والمؤرخ والداعية الإسلامي خليل إبراهيم محمد الرواف:

- عم خليل، هناك دوافع حدت بك إلى الهجرة، واعتقد أنه كان قرارًا صعبًا أن تقرر ترك حياة العقيلات للسفر إلى أمريكا، فيم تكمن تكل الدوافع والأسباب يا ترى؟ هذا ما قد يريد الاستفسار عنه القارئ، وقبل أن نتناول تلك الأسباب دعني أسألك، متى اختمرت فكرة الهجرة في ذهنك؟

بدأت الفكرة تختمر في ذهني وعقلي عندما كنت في بغداد وأذكر وقتها أنني أحضرت مكتوبًا من جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله إلى الملك فيصل ملك العراق ليساعدني في استرداد (الوقف).

- أي وقف؟

وقف الرواف في بغداد، والموجود الآن ويحمل اسم الرواف.

- وقابلت الملك فيصل - ملك العراق آنذاك؟

نعم قابلت الملك فيصل ملك العراق، وقدمت له مكتوب جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله.

ص: 236

ماذا كان رد الفعل لديه؟

- قال: حبذا لو أكون أخًا للملك عبد العزيز، ووعدني بالمساعدة وبقوة.

- استعنت بأحد المحامين في هذه القضية؟

- نعم، اتفقت مع المحامي الأستاذ بهجت زين نقيب المحامين آنذاك بالعراق وكذلك مع إبراهيم الراوي ومع شخص آخر، له خبرته بالعلوم الشرعية الإسلامية - نسيت اسمه الآن.

- ونجحت القضية؟

- أبدًا للأسف فشلت، وكان هذا الفشل سببًا في أسباب ذهابي لأمريكا.

- الفشل كان وراء الهجرة لأمريكا؟

- نعم فشلي في استرجاع الوقف كان وراء هجرتي لأمريكا.

- كيف ضاع الوقف؟

- بعد أن قرر القاضي أن يثبت حقنا في الوقف، ثم تعين قاض آخر وأعاد هذا القاضي القضية من أولها، وهذا أمر مرهق جدًّا، إضافة إلى كونه مضيعة للوقت بدون فائدة تذكر.

- لكن الذي أعرفه أن هناك أسبابًا أخرى كانت وراء الهجرة، بجانب عدم توفيقك في استرداد الوقف؟

- نعم كان من جملة الأسباب إلتقائي في غضون هذه الظروف بسيدة أمريكية كانت تقيم في الفندق الذي أقيم أنا فيه، وبعد أن تعارفنا عرضت هي علي فكرة الزواج لكي نسافر معًا إلى أمريكا.

- الزواج كان في العراق؟

ص: 237

- لا، تزوجنا في الشام.

- أين؟

- في بيت أخي الشيخ ياسين الرواف.

- ما اسم الزوجة الأمريكية؟

- فرانسيس اليسون وكانت من خيرة العائلات الأمريكية في مدينة نيوجرسي، وكان لوالدها أراض واسعة مملوكة له على شاطئ نهر هادسون، وقد أهدى هذه الأراضي هدية منه للبلدية لكي تصبح منتزهًا كبيرًا فيما بعد، وتقديرًا له وضعت البلدية صورة مكبرة له في مدخل المنتزه.

- متى كان ذلك؟

بعد الحرب العالمية الأولى.

- والزواج؟

- في عام 1934 هـ.

- وبعد الزواج من الأمريكية في الشام؟

- سافرنا إلى أوروبا.

- من أين بدأت الرحلة إلى أوروبا ثم إلى أمريكا؟

- بدأت من لبنان، حيث قضينا في لبنان عدة أسابيع تجولنا خلالها في منتزهات لبنان، وفي زحلة كانت لنا أيام جميلة، لا زلت أذكر تلك الأيام صورها الطبيعية لا زالت تتلألأ أمامي، نهر البردوني زحلة المشهورة بجمالها، أذكر وقتها أن أمير الشعراء أحمد شوقي كان قد زار زحلة وألقى فيها قصيدته

ص: 238

المشهورة التي غناها فيما بعد الفنان محمد عبد الوهاب.

يا جارة الوادي طربت وعادني

ما يشبه الأحلام من ذكراك

مثلت في الذكري هواك وفي الكرى

والذكريات صدى السنين الحاكي

ودخلت في ليلين فرعك والدجى

ولثمت كالصبح المنور فاك

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت

عيني في لغة الهوى عيناك

- وغادرت بيروت إلى أين؟

- إلى إيطاليا.

- بالباخرة؟

- لا، بالطائرة.

- وفي إيطاليا؟

- نزلنا في روما، وأخذنا القطار إلى نابولي حيث القنصلية الأمريكية، وراجعنا القنصل الأمريكي لكي يتسنى لنا الحصول على تأشيرة دخول لأمريكا.

- وماذا فعل؟

- قال: إنه من الصعب جدًّا أن أقول لك أي شيء الآن، راجعني بعد أسبوع حتى يتسنى لي مخاطبة واشنطن، وفعلا بعد أسبوع راجعناه، فطلب منا القنصل الأوراق التي تثبت زواجي من الأمريكية والتي أنهيناها في دمشق، وكذلك طلب مني ما يثبت بأنني لم أدخل السجن في حياتي.

- من أين أتيت بطلبه الأخير، وهو ما يثبت بأنك لم تدخل السجن في حياتك، فأنت على حد قولك موجود في روما؟

ص: 239

- نعم، ما كان مني إلَّا أن أبرق لأخي محمد عيد وكان قائمقام في جدة وفعلًا أرسلها لي أخي محمد عيد بسرعة، وهي عبارة عن شهادة من وزارة الخارجية (لم يسبق لي أن سجنت في أي ظرف من الظروف).

- إلى من أرسلها؟

- أرسلها إليَّ في نابولي، على عنواني بالفندق.

- وقدمتها للقنصل؟

- نعم.

صاحب التأشيرة رقم (1):

- ومنحت تأشيرة دخول أمريكية ولأول مرة في حياتك؟

- نعم، وقد قال لي قنصل أمريكا آنذاك أنت أول رجل من المملكة العربية السعودية يدخل أمريكا بصورة رسمية.

- بعد ذلك سافرت؟

- نعم سافرت بالباخرة إلى نيويورك.

- سنة 1935 م.

في أثينا؟

- ذكرت أن محطة الاستراحة الأولى في الرحلة كانت بيروت، ومحطة الاستراحة الثانية أين كانت يا ترى؟

- قضينا بعض الوقت في أوروبا (أثينا).

- ومتى وصلت إلى نيويورك؟

ص: 240

- في 3 أكتوبر 1935.

- قبل 51 عامًا من الآن؟

- نعم كنت أول سعودي يحمل تأشيرة دخول رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

- عم خليل بعد أن دخلت أمريكا ووصلت إلى نيويورك انفصلت عن زوجتك الأمريكية؟

- لا.

- استمررت في الحياة معها؟

- قالت لي إذا تريد أن تنفصل فأفضل ذلك في كاليفورنيا، وعرضت أيضًا أن نشتري سيارة لكي تبدأ الرحلة وخلالها جلسنا في أحد الأحراش ونصبنا خيمتنا ومتى تعبنا نزلنا بأحد الفنادق.

- سافرت من نيويورك إلى لوس أنجلوس؟

- نعم.

- كم استغرقت الرحلة؟ 5 شهور.

- بالسيارة؟ نعم.

- نوعها؟

- بويك.

- من أين اشتريتها؟

- من نيويورك وكذلك اشترينا عدة أسرة صغيرة وخيمة صغيرة ومجموعة

ص: 241

من الكراسي ومع كل منا شنطة صغيرة بها بعض الملابس.

- السيارة كانت مكشوفة؟

- لا، مغطاة.

- قمت بقيادة هذه المسافة الطويلة جدًّا جدًّا بمفردك؟

- أبدًا، كنت أتبادل قيادة السيارة مع زوجتي الأمريكية.

- هذا يجرنا إلى السؤال منذ متى تعلمت قيادة السيارات؟

- في فترة مبكرة من حياتي وأنا في الشام.

- الرحلة استغرقت 5 شهور من نيويورك إلى لوس أنجلوس.

- 5 شهور، نعم.

- بالطبع شاهدت أكثر من ولاية وأنت في الطريق للوس أنجلوس؟

- نعم 16 ولاية على الأقل.

- كانت أول تجربة لك في أمريكا؟

- نعم. تود أن تكررها الآن؟ يا ليت، بس الشباب بعود تاني ليت الشباب يعود ولو ليوم واحد.

- نعود لاستراحتك التي تعتبر الثالثة أثناء الرحلة كلها، والأولى في رحلتك من نيويورك إلى لوس أنجلوس، أين كانت؟

- في فلوريدا. والمدة؟ حوالي شهر جلسنا في فلوريدا تحت الأشجار وعلى الرمال البيضاء، لا نسمع إلَّا وشوشة المياه، ولا نشوف غير ألوان الطبيعة الخلابة.

ص: 242

- حدثنا عن البرنامج الغذائي لكما أثناء الرحلة الطويلة، كيف كنتما تحصلان على الغذاء قياسًا بطول المسافة وربما لا تكون هناك فنادق أو مطاعم على الطريق؟

- أبدًا كنا نقابل كل 100 كيلومتر محلات وفنادق كثيرة.

- لو أردنا أن نعطي للقارئ صورة حية عن الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها المجتمع الأمريكي آنذاك، ماذا ستقول يا ترى؟

- بصراحة، كان هناك أمان بكل معنى الكلمة، لم يسألنا أحد رغم طول الرحلة من أين جئتم، ولا إلى اين ستذهبون، حتى في الفندق لم يسألني أحد أو يستفسر عن أي شيء.

- كنت مرتدية ملابسك العربية؟

- لا، بالملابس الأفرنجية.

- انفصلت عن زوجتك هناك؟

- نعم.

- ربما يسأل القارئ عن الجوانب التي شدت خليل في زوجته الأمريكية الأولى؟

- بصراحة كانت تعشق الصحراء بمعنى الكلمة وتحب أن تسمع كل أخبار المملكة وحكايات البادية، وتحب الترحال جدًّا، فقد قضت حوالي 5 سنوات في زيارة البلاد العربية والتجول بين بلدانها.

- دعني أسأل يا عم خليل، ما الذي حدا بهذه السيدة أن تترك بلادها، لتعيش حياة صعبة إضافة إلى أن الطرق كانت وعرة، هذا إذا عرفنا أنها متيسرة الحال على حد قولك؟

ص: 243

- نعم، أعتقد أنها مرت بظروف صعبة خصوصًا بعد وفاة زوجها في أمريكا، وأعتقد أنها أرادت أن تروح عن نفسها بهذه الرحلة الطويلة.

- كانت تتكلم العربية؟

- نعم العربية والفرنسية، وأنا كنت أتكلم الفرنسية ولو بصورة بسيطة إلا أنني كنت أستطيع التفاهم بها.

- عم خليل تعرف تقاليد المجتمعات آنذاك وبالتأكيد تعرض لبعض الحرج زواجك من أمريكية، لكن ليس هذا سؤالي، دعني أسألك عن محطات أستراحاتك منذ خرجت من العراق لا شك أنه اكتنفها بعض المواقف الطريفة؟

- نعم، في العراق كنت معروفًا عند الناس بتديني وكنت أجد بعض الحرج خصوصًا بعد زواجي من الأمريكية كنت بصراحة أتفادى أن أمشي مع زوجتي في شوارع بغداد.

- وفي دمشق؟

- كنا نمشي في شوارع دمشق وخصوصًا على فروع نهر بردى، والذي يقول فيه شوقي الكثير والكثير من الكلمات الشجية المليئة بالأحاسيس الشاعرية.

- وفي بيروت؟

- قمنا بنزهة على شجر الأرز في السفوح هناك وأذكر أنه كان هناك فندق نزلنا فيه، وكم سمعنا من حكايات على لسان مدير هذا الفندق عن تجاربه ونزلائه من الزعماء والملوك.

- وفي أثينا؟

ص: 244

- أذكر أثناء رحلتنا على أحد الشواطئ هناك العديد من الذكريات، منها ما حدث بأحد المطاعم هناك، كنت بملابسي الإفرنجية وكان هناك بالمطعم كلب كبير كنا نطعمه، وبعد ثلاثة أيام ذهبنا لنفس المطعم ولكن هذه المرة كنت بملابسي العربية وما أن رآني الكلب الضخم إلى وهجم عليَّ، ثم وقف، وأخيرًا استدرك نفسه حيث تعرف عليّ فقد استغرب كوني غيرت ملابسي، وكان مشهدًا غريبًا على زبائن المطعم.

- وفي روما؟

- روما، أينما مشينا أو جلسنا في منتزهاتها أو شوارعها، نسمع عن إنجازات موسوليني حتى في الرياضة، وقبل أن نغادر إيطاليا سمعنا هتلر بصوته الجهوري في الراديو، وكنا نسمع موسوليني وهو يكيل الشتائم للإنجليز.

- العم خليل، كما تصفحنا أوراق ذكرياتك مع العقيلات ومع قصة سفرك أمريكا وزوجتك الأمريكية هل لنا أن نتصفح أوراقًا أخرى في حياتك؟

- نعم، تفضل.

- أوراقك هذه المرة وذكرياتك الكثيرة أعتقد أنها كبيرة وشاملة أيضًا عن بداياتك مع التعليم، وليكن بداية سؤالي الأول عن المكان الذي تلقيت فيه تعليمك؟

- تعليمي كان بدمشق.

- في مدرسة؟ التوفيق بدمشق.

- تتذكر أساتذتك الآن الذين درسوا لك بعض المواد بمدرسة التوفيق؟

- أذكر الأستاذ العلامة محمد بهجت البيطار رحمه الله وكان يعلمنا التفسير والفقه والتوحيد كذلك أذكر الأستاذ ممدوح وهو من أحسن

ص: 245

الخطاطين في العالم العربي حسب معلوماتي.

- من كان مديرًا للمدرسة؟

- الأستاذ عبد الحكيم الطرابلسي.

- في مدرسة التوفيق لا شك أنه كان لك فيها زملاء من بعض الأسر النجدية؟

- كان من بين الذين أعرفهم وقتذاك عبد الله بن علي الربدي وهو ابن علي الربدي وكان متزوجًا من شامية ويسكن بالشام، وقد أرسله والده من بريدة ليتعلم في هذه المدرسة.

- وغيره من الزملاء؟

- لم يكن هناك أحد.

هكذا كانت الدراسة:

- كيف كانت الدراسة في المدرسة؟

- كان هناك 5 صفوف والمتخرج يكون قد أنهى دراسته بالمدرسة.

- أخواك، الشيخ محمد عيد والشيخ ياسين درسا أيضًا في هذه المدرسة؟ لا.

- هناك شخصيات لعبت دورًا بارزًا في تاريخ سوريا وكانوا من أبناء هذه المدرسة؟ .

- نعم، أذكر منهم ابن هاشم الموجود الآن في الرياض.

- متى التحقت بمدرسة التوفيق؟

- عام 1906 م وبقيت فيها 5 سنوات، وقد تخرجت فيها سنة 1911 م.

ص: 246

- نعود للحديث عن رحلتك إلى أمريكا مرة أخرى؟

- نعم.

- لك ذكريات كثيرة عن المركز الإسلامي الموجود هناك؟

- نعم، ذكريات كثيرة فقد كان هناك بلدة تسمى (سيدي الرايس أبوا) وكان فيها 13 عائلة من بلدة واحدة، كلهم مسلمون وكان لديهم جمعية يسمونها (زهرة الإحسان).

- وكان ذلك إبان الحرب العالمية الثانية.

- كنت في ذلك الوقت قد انفصلت عن زوجتي الأمريكية، واستقررت في هذه المنطقة.

- لكنني أسأل لماذا اخترت هذه البلدة بالذات؟

- أبدًا، كنت أود الرجوع إلى نيويورك إلا أنني في طريق العودة فضلت الإقامة بهذه البلدة (سيدي الرايس أيوا).

- كانت جمعية (زهرة الإحسان) قائمة عند مجيئك للبلدة؟

- نعم، حيث كان يجتمع فيه المسلمون.

- اعتقد أنك أسست مدرسة بهذه البلدة؟

- نعم، ساعدنا على ذلك أن الأولاد بهذه البلدة كانوا يتكلمون العربية، والحمد لله نجحنا نجاحًا كبيرًا.

- أي المواد التي كنت تهتم بتدريسها في هذه المدرسة؟

- علوم الإسلام واللغة العربية والتاريخ العربي.

- كم بقيت في هذه المدرسة؟ 14 شهرًا.

ص: 247

- لكن خلال هذه الفترة نمت لديك هوايات أخرى؟

- نعم، نما لدي حب الكتابة بالجرائد الأمريكية، والعربية ومنها البيان التي كانت تصدر بأمريكا وقتذاك.

- حول أي الموضوعات كنت تكتب؟

- حول أخبار الجاليات العربية وعن الإسلام وبصراحة فقد أكرموني كثيرًا وخصصوا لي مسكنًا، وكانت أيامًا مليئة بالعمل والجد، فبعد مضي 14 شهرًا حفظ كثير منهم القرآن الكريم.

- عرفوا كيف يقرءونه، وختمت معهم قراءة القرآن.

- وكان عدد الطلبة وقتذاك بالمدرسة 35 طالبًا وطالبة.

- نعود للحديث عن مقالاتك بالجرائد الأمريكية؟

- نعم، كتبت حوالي 9 مقالات، وكنت أحرص على الكتابة عن أركان الإسلام الخمسة، وبعدها أفردت معظم مقالاتي للحديث عن المملكة العربية خصوصًا في جريدة البيان التي كانت تصدر بالعربية وكنت موفقًا ولله الحمد، فكانت جريدة البيان توزع على الأقطار العربية المختلفة.

هناك نشاطات إسلامية كبيرة اضطلعت بها في جمعية الشبان المسلمين بنيويورك، واختارك المسلمون هناك وقتها إمامًا للجمعية التي ترعى مصالحهم آنذاك، سؤالي، هل كانت الجمعية قائمة بنيويورك قبل مجيئك إليها؟

- نعم، كانت موجودة قبل الحرب العالمية الثانية.

- من قام على تأسيس هذه الجمعية؟

- أذكر أن علي محيي الدين (سوري الجنسية) عمل من بين مجموعة على تأسيسها.

ص: 248

- ومن تتذكر من الزملاء بجمعية الشبان المسلمين بنيويورك؟

- أذكر من بين الزملاء حمدان غنام (فلسطيني) والعبد (فلسطيني) وشاعر ظاهر - سكرتير - فلسطيني أيضًا، وكان هناك أمينان لصندوق الجمعية.

- متى اختارك المسلمون هناك لتكون إمامًا للجمعية؟

- في عام 1941 م.

- وإلى متى بقيت هناك؟

- إلى عام 1948 م عندما تركت أمريكا.

- الحديث عن نشاطاتك الإسلامية آنذاك - ذو شجون - لكنني أود أن أسألك عن أبرز هذه النشاطات خصوصًا وأنت على رأس جمعية الشبان المسلمين، من أجل خدمة الإسلام والمسلمين والعرب في الولايات المتحدة الأمريكية؟

- هناك نشاطات إسلامية كبيرة من بينها قيامي بطبع كتب صغيرة بعنوان الموجز لقواعد الدين الإسلامي بالعربية والإنجليزية.

- قواعد الدين الإسلامي الحنيف وكيفية الصلاة والصوم، وقد أخذت المفوضية المصرية آنذاك 500 نسخة من هذا الكتيب وهناك شخص يدعي خليل البزي أخذ أيضًا 500 نسخة ووزعت النسخ الباقية بالمجان.

- من بين نشاطات الجمعية أيضًا كنت تحرص على القيام بزيارة الولايات المختلفة التي يوجد بها مسلمون؟

- نعم، أذكر زيارتي لكاليفورنيا، وكنا نجتمع لنناقش أمور المسلمين وللأسف كان معظم المهاجرين من المسلمين لا يملكون اللباقة الكافية لكي يختلطوا مع المجتمع المحيط بهم، ولهذا كانت أحوالهم المادية بسيطة جدا، إلا أنهم فيما بعد تحسنت أحوالهم وصاروا من بين الأغنياء.

ص: 249

- والولايات الأخرى؟

- زرت ولايات كثيرة منها لوس أنجلوس وهوليود وغيرها من المدن والولايات، وكنا نزور المسلمين هناك تلبية لدعواتهم.

- وبعد أن صرت إمامًا للجمعية ذهبت إلى واشنطن؟

- نعم، وخلال هذه الفترة زرت 42 ولاية من ولايات أمريكا.

- العم خليل هناك ذكريات أخرى هل لنا أن نقلب بعضًا من أوراقها؟

- نعم، تفضل.

- قد يسأل البعض وخصوصًا المقربين منك عن علاقة خليل إمام جمعية الشبان المسلمين وصاحب النشاطات الإسلامية الكثيرة بصاحبة منجم الذهب مس (مزر) الأمريكية؟

- مس (مزر) هذه لها قصة.

- هذه سيدة أمريكية من كليفلاند أوهايا صاحبة منجم ذهب، وقد أتت إلى القنصل المصري وقالت له تريد شخصًا يستطيع أن يتكلم، ولديه سعة اطلاع عن العراق وإيران، وكان القنصل المصري يعرفني في ذلك الوقت، فما كان منه إلا أن اتصل بي، فقلت له: نعم أستطيع ذلك، فقد جلست في العراق 3 سنوات، وتعرفت خلالها على كبار الشخصيات المهم أن هذه السيدة كانت لديها جمعية نسائية، وكانت تبحث كل أسبوع عن محاضر جديد في مناحي العلوم المختلفة.

- ووصلت إلى كليفلاند أوهايا؟

- نعم، فقد أرسلت إليَّ بتذكرة الطائرة، وما أن وصلت إلَّا ووجدت سيارة فارهة في انتظاري وتفقدت شوارع المدينة، يا لها من جميلة وكم هي نظيفة، المهم دخلت قصر هذه السيدة، وكانت تحفه حديقة كبيرة مليئة

ص: 250

بالفواكه ولفت نظري الغرفة التي سكنت فيها كان طولها أكثر من 12 مترًا، وعرضها أكثر من 8 أمتار، وبالوسط سرير أصعده بدرج، أما الحمام فكان رخامًا في رخام.

- قرأت قصاصات من بعض الصحف الأمريكية القديمة التي تحتفظ بها في حقيبة ذكرياتك، بعض هذه القصاصات يشير إلى محاولة لإطلاق اسم (مكة) على مدينة في فلوريدا؟

- نعم، هذا حقيقة فقد كانت هناك أرض فضاء بمدينة فلوريدا وهي قريبة من مدينة (دونيدن).

- لمن هذه الأرض؟

- كانت مملوكة لشخص من أصل إنجليزي ينتمي إلى العائلة المالكة البريطانية، وكان يمتلك قسمًا كبيرًا جدًّا من الأراضي الواسعة تعرفت عليه أثناء وجوده في عرض للخيول بنيويورك حيث يأتي أرباب الخيول من جميع بلدان العالم، وقد تعرفت عليه قبل أن يبدأ هذا العرض بيومين أو ثلاثة، وقد عرض عليّ أن أسكن بفلوريدا عنده، وطرح فكرة أنشاء مدينة تحمل اسم (مكة).

- كان مسلمًا؟

- غير مسلم.

- وأنشأ فعلًا مدينة تحمل اسم (مكة)؟

- نعم، أنشأ مدينة صغيرة وأقام بها مخطط الشوارع والمحلات البريد والبلديات، ووضع اللمسات الأخيرة، وأعتقد كان ذلك أثناء الحرب.

- من اقترح عليه تسمية المدينة بمكة؟

- أنا، ووقتها كتبت الصحف كلمات ممتازة حولها.

ص: 251

- كنت تطمح أن يسكنها المسلمون هناك؟

- نعم، العرب كلهم.

- تتذكر اسم هذا الرجل الإنجليزي؟

- نعم، اسمه مستر افنس. 1939 م.

- كانت هناك نشاطات إنسانية واجتماعية أخرى تضطلع بها جمعية الشبان المسلمين بأمريكا؟

- كنا ننتظر أي مناسبة لنضطلع بدور فيها وأذكر أننا أقمنا حفلة تأبينية المستشار جلالة الملك عبد العزيز المالي، عبد المنعم المفتي والذي توفي في نيويورك وكان من جملة وفد جلالته آنذاك.

- ربما يسأل القارئ عن علاقة خليل الرواف بنشر ترجمة معاني القرآن الكريم؟

- كنت على اتصال بوكيل العلامة عبد الله يوسف علي الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية، جنسيته باكستاني.

- قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية؟

- وبشكل جيد جدًّا.

- على ماذا اتفقت مع وكيل العلامة عبد الله يوسف علي؟

- أعطيته 16 ألف دولار نظير أن يسمح بطباعته باسمي.

- وما هي علاقة عبد المنعم المفتي وعبد الله السليمان رحمهما الله في ترجمة معاني القرآن الكريم؟

- لقد بينت لعبد المنعم المفتي أهمية نشر ترجمة معاني القرآن الكريم ونقل ذلك بدوره لعبد الله السليمان.

ص: 252

- وماذا كان موقف ابن سليمان؟

- شجع الفكرة وقال لي اطبع 25 ألف نسخة من كتاب معاني القرآن الكريم و 25 ألف نسخة من كتاب غلوش عن سيرة محمد (ص).

- ومن هو غلوش؟

- كان رئيسا لجمعية الشبان المسلمين في القاهرة وكان له مؤلف بالإنجليزية عن سيدنا محمد (ص).

- كم تكلف طبع المجلدين؟

- 100 ألف دولار وكانت النسخة الواحدة تكلف 3 دولارات.

- وكيف دبرت المبلغ؟

- من عبد الله السليمان.

- ونفدت كل النسخ؟

- قال لي عبد الله السليمان عندما تبيعون هذه النسخ بسعر التكلفة أبق الدراهم عندك وعندما ترى كتابًا جيدًا ينفع الإسلام والمسلمين فاطبعه، وقال: لقد كلفتك بهذا الأمر نظرا لإخلاصك لوطنك، وكتاباتك الكثيرة تكفي عن ذلك، فأنا واثق فيك.

- كانت لك أيضًا علاقة مع بعض الشخصيات النجدية التي اشتغلت بالتجارة؟

- نعم، في هذه الأيام جاء ابن سليمان إلى أمريكا وبرفقته عبد الله الخريجي، وصدقة كعكي وقد وعدهم ابن سليمان بأن يعطيهم ما يحتاجون إليه من فلوس لقاء شراء بضاعة من أمريكا عندئذ كلفني عبد الله الخريجي وصدقة كعكي بشراء بضاعة لهما قيمتها 350 ألف دولار.

ص: 253

- ومن أعطاك الـ 350 ألف دولار؟

- أنا قمت بشراء البضاعة المطلوبة لهما، وبعد شهر دفع ابن سليمان قيمة البضاعة التي دفعتها (350 ألف دولار) وقد قال لي السليمان: اشتري لي مثل ما اشتريت من بضاعة للخريجي والكعكي، وإن شاء الله عندما يستلم أسعد الفقيه شيكا با 10 ملايين دولار، سندفع لك المبلغ المطلوب، وأعطاني 100 ألف دولار.

- بشيك؟

- من كتب الشيك؟

- أحمد الموصلي الموجود حاليًا بجدة.

- أقصد من أعطاك المبلغ المتبقي؟

- أبدًا، قال لي لن نعطيك ثمن البضاعة حتى تعرفنا كم بالة هي، وكم عدد الموجودات في كل بالة.

- كم كانت قيمة البضاعة؟

- 400 ألف دولار.

- ومتي استلمت هذا المبلغ؟

- استلمته بعد أن وصلت البضائع بمدة وبعد أن وصل كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مكة المكرمة وجاءني ما يثبت الاستلام وللأسف استلمت المبلغ بالتقسيط على 7 شهور وكانت آخر دفعة 7 آلاف دولار، وهذا بطبيعة الحال ضرني ضررًا كبيرًا.

- وزعت نسخًا من كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم في أمريكا؟

- لا، نقلت الكمية المطبوعة كلها إلى المملكة.

ص: 254

- ولا في جمعية الشبان المسلمين؟

- لا.

- طبع مرة أخرى؟

- نعم، أعيدت طباعته مرة أخرى، وقد أخذت الرابطة الإسلامية منه 40 ألف نسخة وذلك بعد عودتي من أمريكا.

- وزع على العالم الإسلامي؟

- نعم.

6 دولارات فقط:

- عم خليل، مارست العمل التجاري بجانب كونك إمامًا لجمعية الشبان المسلمين، ربما يسأل البعض من أين أتى خليل برأس المال اللازم المزاولة العمل التجاري خصوصًا وأنت في أمريكا؟

- قبل أن يجيب عن سؤالي استرسل في الضحك وقال: بدأت عملي التجاري ولم يكن معي آنذاك سوى 6 دولارات، وكان على ألَّا أغامر إلا أنني ذهبت إلى البنك الأمريكي بنيويورك وقابلت المدير، وعرفته بنفسي وبعائلتي وطلبت منه المساعدة.

فقال لي: كم معك؟

قلت: 6 دولارات فقط.

فتغير وجهه وقال: مع الأسف لا نساعد إلا من يملك قدرة مالية مناسبة.

هنا شربت القهوة وخرجت، وبينما أنا خارج قال لي: راجعني بعد أسبوعين.

ص: 255

- وماذا فعل مدير البنك؟

- كتب للقنصلية الأمريكية في جدة يسألها عن عائلتي وأعمالي، وهل أنا صادق أم لا، وراجعته مرة أخرى فقال لي: أنا استقصيت عن أخبارك، والآن وضعت باسمك 50 ألف دولار في البنك كرصيد لك، والآن يمكنك أن تخوض غمار ميدان التجارة.

- متى؟

- في عام 1934 م، وبدأت بمحل واحد وكنت أدفع إيجاره 1000 دولار في الشهر.

- أي أنواع التجارة امتهنتها؟

- كنت أصدر بعض السيارات المملكة لكن أغلب تجارتي كانت في الأقمشة.

- من تتذكر من عملائك؟

- الخريجي وصدقة كعكي وعبد الرحمن القصيبي وأحد التجار السوريين وآخرين.

- البضاعة كنت تحددها أنت أم ترسلها حسب الطلب؟

- نعم، حسب طلبهم أقوم بشرائها وإرسالها لهم إلى المملكة.

- كنت كمصدر؟

- نعم، للمملكة وللشام وللخليج أيضًا.

- متى ازدهرت تجارتك وشهدت رواجًا كبيرًا؟

- بعد عدة شهور من بداية العمل التجاري ازداد رصيدي بالبنك من 50 ألف دولار إلى 59 ألف دولار، وفي عام 1945 م ازدهرت تجارتي ازدهارًا كبيرًا.

ص: 256

- على ضوء إجابتك في الحلقة الماضية عن بعض رجالات العقيلات، هل تستطيع إعطاء القراء عددًا تقريبيًا للعقيلات؟

- إن هذا من الصعب جدًّا فالعقيلات كثيرون جدًّا ولقد اتجهوا إلى أماكن متعددة مثل سوريا والعراق وفلسطين والأردن ومصر والخليج والهند، وأماكن أخرى، ولا يمكن لي أو لأي أحد آخر أن يتذكر كل أبناء العقيلات، وأنا لم أذكر إلا أمثلة قليلة منهم ومن الممكن أن أكون قد نسيت حتى ذكر بعض أصدقائي منهم، وأرجوهم المعذرة، والعتب على الذاكرة، وبهذا الخصوص أشير إلى أن الأخ إبراهيم المسلم وهو من سلالة العقيلات قد أصدر كتابين عن العقيلات.

- حياتك في أمريكا حفلت بالكثير والكثير ولا شك أنها أيضًا كانت فاتحة خير عليك، فقد سنحت لك أكثر من فرصة للالتقاء بأصحاب السمو الأمراء وكبار الشخصيات؟

- نعم، أذكر أن أصحاب السمو الأمراء جاءوا إلى أمريكا مع وفدين، أو ثلاثة على ما أتذكر وأنا كنت في أمريكا.

- جاء الوفد الأول سنة 1943 م أيام الحرب، وكان يتكون من جلالة الملك فيصل والملك خالد رحمهم الله، وكان معهما إبراهيم السليمان، وكان رئيس مكتب جلالة الملك فيصل، وقد مكث الوفد بأمريكا أيامًا قليلة، وقد قابل الملك فيصل والملك خالد رحمهما الله روزفلت إبان هذه الزيارة.

- الوفد الثاني: جاء إلى سان فرانسيسكو سنة 1945 م وكان يرأسه جلالة الملك فيصل رحمه الله والأمير محمد بن عبد العزيز وجلالة الملك فهد بن عبد العزيز والأمير نواف بن عبد العزيز وحفيد جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله الأمير عبد الله الفيصل، وكان ضمن الوفد علي رضا ودياب

ص: 257

الجوهر، وكانت مهمة الوفد التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، وأذكر أيضًا أن الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز أتي إلى أمريكا سنة 1946 م وفي نفس السنة جاء الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز رحمه الله وكذلك سمو الأمير طلال بن عبد العزيز، وكان هذا أول لقاء لي بسموه.

- الوفد الثالث: جاء لأمريكا برئاسة جلالة الملك سعود رحمه الله وكان ضمن الوفد فؤاد حمزة وسليمان الحمد السليمان، وكان ذلك في منتصف عام 1947 م.

- رافقت أصحاب السمو الأمراء؟

- نعم.

- أيضًا عملت كمترجم لجلالة الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله؟

- نعم، وكانت فرصة عظيمة أن أكون في معية جلالته بأمريكا، وقد أخبرني جلالته آنذاك بأنه مهتم بشكل خاص بتنمية قدرات الشباب السعودي، وأن والده جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله سوف يلقي بأعباء وزارة المعارف على جلالته، وهذا سوف يعطيه مجالًا أوسع لكي يقوم بتنمية القدرات البشرية الشابة، وقال لي جلالته آنذاك، بأنه سيعمل على إتاحة الفرصة للشباب السعودي ليتلقى العلوم الحديثة، وعندما كان جلالته وزيرًا للمعارف عمل جل جهده على تحقيق ما يصبو إليه في تعليم الشبيبة السعودية وها هو اليوم كملك يقود مسيرة التنمية الشاملة في المملكة.

- أثناء حديثي معك ذكرت أنك خدمت في الجيش الأمريكي؟

- نعم، خدمت 9 شهور، ثم أعطوني في نهاية هذه المدة إعفاء شرفيًا لكون رجلي مصابة بكسر قديم.

ص: 258

- ربما يسأل القارئ كيف يدخل مواطن سعودي الجيش الأمريكي؟

- تأتيك القصة، قبل أن أدخل الجيش الأمريكي بشهرين، جاءني ثلاثة أشخاص تابعين للجيش الأمريكي وسألوني: إذا دخلت أمريكا الحرب، فهل في مقدورك أن تنضم للخدمة في الجيش الأمريكي، قلت: طبعًا، أنا في بلادكم والواجب علي ذلك، كان ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، وكنت في نيويورك آنذاك.

- في أي عام دخلت الخدمة بالجيش الأمريكي؟

- عام 1942 م عندما كنت إمامًا لجمعية الشبان المسلمين، وأذكر وقتها أنه كان لي صديق لبناني الجنسية، وكان له صديق جنرال بالجيش الأمريكي، وكان هذا الأخير مكلفًا كرئيس للفرقة التي من المقرر أن ترسل لأفريقيا فقال هذا الصديقي: نريد شخصًا يعرف التركية والعربية.

- كان هذا سببًا في اتصال الأمريكيين بك؟

- هكذا قال صديقي، واعتقد أنهم كانوا يريدون ذلك.

- في هذا الوقت كان يتحتم عليك أن تأخذ الجنسية الأمريكية، وبعد، هل التحقت بالجيش؟

- نعم، لكن فيما بعد اتضح أن هناك شخصًا صهيونيا استلم مكاني ليذهب هو إلى إفريقيا.

في صوت أمريكا:

- سمعت أثناء حديثي معك أنك أيضًا عملت بإذاعة صوت أمريكا؟

- نعم، كان ذلك قبل أن أدخل الخدمة في الجيش الأمريكي.

ص: 259

- ماذا كنت تتناول من مواضيع أثناء عملك بإذاعة صوت أمريكا؟

- كانت مواضيعي كلها تدور حول الدول العربية.

- كان الهدف أن تتحدث للدول العربية بمعنى أن إذاعة صوت أمريكا كانت موجهة للعالم العربي.

- نعم.

وما هي المشكلة التي نشأت مع إذاعة صوت أمريكا؟

- قال لي المسئول آنذاك أنه عليَّ أن أهاجم ألمانيا مثلما كان يفعل (يونس البحري)، كان يهاجم الولايات المتحدة الأمريكية من إذاعة ألمانيا.

- وقبلت؟

- أبدًا، أبلغت مدير إذاعة صوت أمريكا آنذاك برفضي لهذا المبدأ؟

- قرارك بالامتناع راجع لقرارك الشخصي؟

- نعم، كان نابعًا من منطلق شعوري كمواطن سعودي، ولم تكن المملكة آنذاك قد اتخذت بعد موقفا معاديًا لألمانيا، وكنت أحس واري بأنه من غير اللائق أن أهاجم ألمانيا وأنا مواطن سعودي، وقدمت استقالتي بعد أن عملت في الإذاعة 16 يومًا فقط.

موقف مع سيدة أمريكية:

- هناك بعض المواقف والقصص والطرائف التي لا يزال لها وقع في نفسك؟

- نعم، هناك مواقف كثيرة لا زلت أذكرها، منها أتذكر في يوم من الأيام وعندما كنت أهم بزيارة خاصة لأستوديو R.K.O. بأمريكا، وفجأة وجدت على الرصيف كيسًا صغيرًا فركلته برجلي فسمعت صوتًا مما لفت نظري

ص: 260

فأخذته وفتحته فوجدت به 3 خواتم ألماس و 250 دولارًا، وهداني تفكيري إلى أن أخذ 3 دولارات من المبلغ قيمة إعلان أنشره في الجرائد الأمريكية بأن لدي خواتم ألماس وبعض الدراهم، لعل صاحبتهم تهتدي إليهم عن طريق الإعلان، وراجعني أناس كثيرون من المحتالين إلى أن جاءتني سيدة ووصفت الخواتم الوصف الحقيقي، وكذا الدراهم، بعدها أصررت أن يتم التسليم في مركز الشرطة، وهناك قام الضابط بعد المبلغ فوجده 247 دولارًا، فقال المبلغ ناقص 3 دولارات، فأجبته: هذا قيمة الإعلان.

- وفعلًا سلمت الخواتم وأعطتني إدارة الشرطة وصلا بالاستلام لا زالت معي منه صورة حتى اليوم، المهم أن السيدة الأمريكية أرادت أن تعطيني المبلغ فرفضت وبشدة.

- وأعتقد أن بعض الصحف الأمريكية كتبت عن هذه الواقعة، واذكر في هذا الصدد أن إحدى الصحف الأمريكية في لوس أنجلوس كتبت تقول: لو أن كل الناس الذين يأتون إلى أمريكا من المملكة العربية السعودية ومثل خليل الرواف شهامة وصدقًا وأمانة فالواجب على الجهات المختصة في أمريكا أن تفتح أبوابها لكل من يأتي من هذه البلاد.

- تتذكر اسم هذه الصحيفة؟

- أتذكر أن جريدة البيان في نيويورك وجريدة السائح أيضًا قد نقلا هذه الواقعة عن جريدة لوس أنجلوس.

- سنة 1927 م.

- كانت تصدر جرائد عربية في نيويورك؟

- نعم، في نيويورك كانت تصدر 5 صحف عربية.

- تصدر يوميًا.

ص: 261

- تتذكر أسماء هذه الصحف؟

- نعم، (الحياة) للمكرزل وهو لبناني و (السمير) لاليا أبي ماضي، و (البيان) لسليمان بدور وهو لبناني أيضًا، و (مرأة الغرب) وأخرى لا أتذكرها.

- وعدد صفحات بعضها؟

- كانت تتراوح ما بين 4 صفحات و 6 صفحات.

- كانت هناك صحف أخرى ببعض المناطق الأخرى؟

- نعم، في ديترويت كانت هناك مجموعة من المجلات أذكر من بينها مجلة الحياة، وكانت تصدر أسبوعيًا.

- وكان ثمن النسخة الواحدة من جريدة البيان، 10 سنتات.

الهنود الحمر:

- خلال فترة إقامتك بأمريكا أعتقد حوالي 18 سنة، ومن خلال تنقلاتك ورحلاتك الطويلة هل سنحت لك الظروف الآنفة الذكر في الالتقاء ببعض الأشخاص من الهنود الحمر؟

- أذكر عندما أتينا إلى أمريكا وأثناء رحلتنا الطويلة توقفنا بعض الوقت في ميامي بولاية فلوريدا، وهناك تعرفنا على جماعة من الهنود الحمر، الذين وجهوا إلينا الدعوة لنشرب القهوة معهم.

- حياتك كانت حافلة بالعديد من النشاطات المتنوعة، خصوصًا نشاطاتك الصحفية التي استحوذت على تفكيرك لبعض الوقت حتى إنه في وقت من الأوقات فكرت بإنشاء مكتب عربي ليقوم بتوزيع الأخبار على الجرائد الأمريكية، سؤالي، لماذا لم يكتب لهذا المكتب النجاح؟

ص: 262

- نعم، اختمرت في عقلي وقتئذ فكرة افتتاح مكتب عربي أقوم من خلاله بتوزيع الأخبار على الجرائد الأمريكية.

- وفتحت المكتب؟

- نعم، افتتحته في هوليود، لكن للأسف أغلق بعد 25 يومًا فقط من افتتاحه.

- لماذا؟

- لأنه لم يكن معي ترخيص من الحكومة بافتتاحه، وأذكر وقتها أنه كان يعمل معي شباب عربي يعاونني في التقاط الأخبار وتوزيعها على الجرائد الأمريكية.

- وخلال الـ 25 يومًا ماذا فعلت على صعيد نقل الأخبار؟

- بطبيعة الحال النشاط كان لا يزال في بداية الطريق، لكن أتذكر من جملة الأعمال أنني كتبت إلى جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله بخصوص ذلك، وكذلك كتبت إلى الرئيس السوري السابق شكري القوتلي وإلى الزعيم العراقي ياسين باشا الهاشمي، فأخذت من ياسين باشا كتابًا لكنه لم يرسل لي أخبارًا، وأنا أحتفظ به إلى الآن.

- أراك متمسكًا بالتقاليد العربية، هل هذا راجع لكون رحلات العقيلات متأصلة في نفسك أم ماذا؟ ويا ترى بيتك في نيويورك كان به مسحة من الطابع العربي؟

- كانت شقتي بنيويورك كبيرة جدًّا وغرفها واسعة جدًّا، وقد وضعت فيها معظم الأشياء العربية حتى علم المملكة أبقاه عندي جلالة الملك فيصل رحمه الله وهو علم كبير أعطاني إياه هدية.

ص: 263

شقتي سكنها نيكسون:

- وهذه الشقة أيضًا شهدت العديد من الحفلات ومن طرائف الصدف أنه بينا كنت جالسًا في مكتب سمو الأمير طلال بالرياض وبعد عودتي من أمريكا بعدة أعوام فوجئت بسموه يعطيني قصاصة من جريدة أمريكية ويظهر فيها الرئيس الأمريكي السابق نيكسون وعائلته أمام البناية التي كنت أسكنها في نيويورك وعلى نفس عنواني 817 الشارع الخامس، وقد أخبرني سمو الأمير طلال أن الرئيس الأمريكي السابق نيكسون بعد انتهاء فترة رئاسته تمكن من العثور على نفس الشقة التي كنت أسكنها واستأجرها.

- اهتمامك بالإعلام بلغ إلى درجة فتح مكتب لنقل الأخبار أشبه بوكالة أنباء صغيرة، سؤالي يا ترى هل كان هنالك من يسيئون للعرب خصوصًا وأنه كان هناك إعلام معادٍ؟

- نعم، سمعت الكثير، وكتب الكثير في الجرائد الأمريكية، وقد قمت بالرد على هؤلاء ما استطعت إلى ذلك سبيلًا لكن في المقابل هناك من كتب من بين العرب كلامًا يبيض الوجه هناك.

- كيف؟

- أذكر أن عميد الأدب العربي طه حسين رحمه الله قد نشر من جملة ما نشره بشيكاغو مقالًا باللغة الإنجليزية في مجلة (أوين كورت) يتحدث في مقاله بأن الحركة الوهابية الإصلاحية هي الحركة الصحيحة في نجد واستعرض أشياء جميلة جدًّا عن المملكة.

- كان هذا عام؟

- أنا طبعت مقالة طه حسين في الشام سنة 1933 م، قبل أن أذهب لأمريكا وبعدئذ طبعت مقالته ووزعتها في أمريكا.

ص: 264

- وزعت مقالته باللغة العربية أم بالإنجليزية؟

- بالعربية.

- من ترجمها؟

- نقل تداولها بالشام عن طريق الهلال المصرية المكتب العربي للترجمة.

- من كان يرأسه؟

- ظافر القاسمي رحمه الله.

- إذن كانت لك نشاطات إعلامية في الشام قبل سفرك؟

- نعم، هذا العمل كان جزءًا من مجهوداتي مع أخي الشيخ ياسين.

- إذن كانت هناك اتصالات بكبار الشخصيات في الشام؟

- نعم، كنا على اتصال بالشيخ محمد بهجت البيطار العلامة في دمشق ومع الشيخ علي الطنطاوي، وكانت لهما مواقف في شرح الحركة الوهابية وأفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنا تابعت هذا العمل وذاك الإنجاز الكبير منذ صغري في الشام وفي البلاد العربية، وفي أوروبا وفي أمريكا.

- في أمريكا كتبت العديد من المقالات، من بينها مقال شهير كتبته بعنوان (من هو عبد العزيز) أين نشر هذا المقال؟

- في جريدة البيان بنيويورك سنة 1942 م، وقد نقلت هذا المقال جريدة بيونس ايرس الأرجنتينية عن جريدة البيان.

ذكرت بأنك تزوجت بأمريكا للمرة الثانية؟

- نعم.

ص: 265

- لك أولاد منها؟

- لي ولد سميته نواف، ولد سنة 1947 م وولد في نيويورك.

- في السنة الأخيرة قبل عودتك للمملكة؟

- نعم.

- أين هو الآن؟

- لا أعرف عنه أي شيء.

- كان يرسل إليّ خطابات كثيرة ولكن منذ 8 سنوات لم أعد أسمع عنه أية أخبار، وقد كتبت إلى بعض الإخوان في نيويورك لكي أعرف أخباره، فقالوا لي بأنه جند وذهب إلى فيتنام.

- من هم الإخوان؟

- أذكر منهم حمدان غانم، وعلي محيي الدين وهما من كبار التجار، كذلك أرسلت للسيدة أبو شادي ابنة أحمد زكي أبو شادي فهي تعرف نواف، لأن زوجتي الثانية وبعد انفصالنا تزوجت أحمد زكي أبو شادي.

- ونواف؟

- سكن معهم في البيت وقد غيرت زوجتي الأمريكية اسمه من نواف إلى كيف أبو شادي.

- وبعد؟

- بعد 6 سنوات من زواجها من أبو شادي توفي وتزوجت من رجل أعمال اسمه كيث جاردنر وذهبت معه إلى بريطانيا ومعهما نواف ابني.

- من أين حصلت على هذه المعلومات؟

ص: 266

- من ابنة أبو شادي وهي مذيعة مشهورة في صوت أمريكا.

- وبقي نواف في لندن؟

- عرفت فيما بعد أن زوجها توفي ورجعت هي وابني نواف إلى نيويورك.

- أخبرتني السيدة أبو شادي أن الأخبار قد انقطعت عنها بعد أن رجعت زوجتي الثانية إلى نيويورك وذكرت أنها قرأت بإحدى الجرائد الأمريكية أنه التحق بالجيش الأمريكي الذي ذهب إلى فيتنام بالفرقة الأولى، وانتهزت فرصة ذهاب ابن أخي ياسين، د. عثمان لياخذ شهادة الدكتوراه من هناك وأخبرته بأن يقوم بالاتصال بالسيدة أبو شادي ليتتبع أخبار ابني، وأن يتصل بوزارة الدفاع الأمريكية للبحث عنه، لكنه لم ينجح في الوصول إلى أي معلومات، وكان من الصعوبة أن يحقق أي شيء، لأن وزارة الدفاع الأمريكية طلبت منه شهادة الميلاد ورقم الضمان الاجتماعي ولم تكن هذه المعلومات متوفرة لديه.

- لا شك أنك الآن في لهفة لرؤية نواف؟

- نعم، فهذا ضنايا، وسأحاول مرة أخرى أن أسافر لأمريكا لعلي أجده، أو أسمع أي أخبار عنه، فقد كانت والدته الأمريكية تمنعه من الاتصال بي، فأرجو أن تكون قد توفيت ويعود إلينا، وأذكر أثناء زيارتي لأمريكا مع سمو الأمير طلال بن عبد العزيز سنة 1955 م حاول سموه بمشاعره الإنسانية أن يرسل من يتصل بزوجتي، إلا أن ذاك لم يأت بنتيجة.

- زوجتك هذه كانت إحدى تلميذاتك واللاتي علمتهن اللغة العربية؟

- نعم، متى تزوجتها؟ في عام 1943 م.

- والطلاق كان في سنة 1947 م.

ص: 267

- لا شك أن هناك أسبابًا وراء الانفصال؟

- نعم، من جملة الأسباب تأخر فلوس كانت قد تعهدت بسدادها شخصية عربية فتأثرت زوجتي بالتأخير وقالت لي: خاف الله يا خليل فلك ابن يستحق كل شيء، وإذا لم يعطونا الفلوس فمن أين نعيش، اسمح لي أن أكتب في الجرائد الأمريكية بحق هذه الشخصية لتأخرها في سداد التزاماته المالية نحوي، وأبيت هذا الموقف، وقلت لها مستحيل أن يحدث ذلك، فقالت: تحب الآخرين أكثر من ولدك.

- المهم حدثت خلافات كبيرة، وذهبت إلى المحكمة التي حكمت لها بوضع نواف ابني في حضانتها فكان عمره يومئذ 7 شهور، وأخذت بعض الأموال مني.

- واحتفظت بنواف بعد أن حكمت لها المحكمة الأمريكية؟

- نعم، وأرادت بعد ذلك أن تكتب عن هذا الموقف بالجرائد مرة أخرى فمنعتها، وازداد طمعها فطالبت في مقابل ذلك أن يكون كل مالي بالبنك لها، قلت: موافق، وقالت: جميع الأشغال التي بيدك لي أيضًا، قلت وهو كذلك، وتنازلت لها عن كل شيء في أمريكا.

- شعرت بأسف بعد الطلاق منها خصوصًا وأن لك ابنًا منها؟

- أبدًا، عرفت أنها امرأة مادية، ولكن حزني كان على ولدي الذي فقدته.

- نعود مرة أخرى للحديث عن نشاطاتك كانت في أمريكا فرصة للاحتكاك أكثر ببعض الشخصيات؟

- نعم، أذكر من بين الشخصيات العربية آنذاك الوزير المفوض العراقي بواشنطن عام 1943 م وأثناء الحرب عندما سئل في أحد المجالس عن فكرة وضع جيش صهيوني يرافق الحملات الحربية في الحرب العالمية

ص: 268

الثانية بفلسطين عندئذ هب السيد جودت علي بك الأيوبي الوزير المفوض العراقي من مكانه ووسط الجالسين، وقف شامخ الرأس عالي الجبين يجيب على فكرة طرحت عليه قائلًا: إن إنشاء مثل هذا الجيش في فلسطين سيؤدي حتمًا إلى إثارة حفيظة العرب، وليس من الحكمة إثارة غضب الملك عبد العزيز بن سعود ومناصبته العداء، وهو صاحب الصوت القوي الذي يهز القسم الأكبر من العالم العربي لمكانته ونفوذه بينهم فكلمة منه تجعلهم يميلون إما إلى الحلفاء أو إلى أعدائهم، وقد نشرت كلمته في كل صحف العاصمة آنذاك، وصرت أضع هذه المقولة في كل مقالاتي التي كتبتها.

- هناك شخصيات كثيرة - وباعترافك - لعبت دورًا مهمًا في حياتك؟

- كثيرون هم الذين لعبوا دورًا في حياتي، لكن هناك شخصًا رافقته في رحلاتي مع العقيلات منذ كان عمري 12 سنة، كنت أذهب معه إلى البادية لنشتري الجمال والخيل ونعود بها إلى سوريا وفلسطين ومصر.

- من هو؟

- محمد الأحمد الرواف، ابن عم والدي وأحد أمراء العقيلات الذين كانوا يتعاملون في شراء الجمال وبيعها.

- رافقت سمو الأمير طلال بن عبد العزيز في أمريكا ومن يومها وأنت تعمل مع سموه، ولا شك أنك ترى وعن قرب مواقف سموه الإنسانية وعمله المضني من خلال برنامج دول الخليج لدعم المنظمات الإنمائية، طلال الإنسان كيف يراه خليل الرواف؟

- سمو الأمير طلال بن عبد العزيز يعيش داخله إنسان بمعنى الكلمة يتجلى ذلك

ص: 269

فيما يقوم به سموه من أعمال إنسانية شتى، ولا يتوقف عن دعم أي موقف إنساني، وسموه زار حتى الآن ما ينيف عن 60 دولة في العالم لهذا الهدف وحيث أنني أعمل مع سمو الأمير طلال فأنا أعرف الكثير والكثير عن أعماله الخيرية والإنسانية التي يحفظها لنفسه، ولا يعرفها الناس عنه.

- عملت أيضًا مع سموه في وزارة المواصلات عندما كان سموه وزيرًا للمواصلات؟

- نعم.

- من تتذكر من بين الشخصيات الذين عملت معهم بوزارة المواصلات؟

- أذكر منهم معالي وزير المواصلات الحالي المهندس حسين المنصوري كذلك صالح ناظر وغيرهما، كذلك كان هناك زملاء من أهل بريدة من جماعتنا كابن جاسر.

- كنت تعمل بأي إدارة في وزارة المواصلات؟

- مدير إدارة المشتريات.

- وبعد؟

- استقال سمو الأمير طلال بن عبد العزيز من وزارة المواصلات واستقلت أنا كذلك، ومن يومها وأنا أعمل مع سموه، وأصحبه في كل سفراته، أما عمله فلا أتدخل فيه على الإطلاق.

في بريدة مرة أخرى:

- نعود إلى موطن الآباء والأجداد، بريدة عندما زرتها ولأول مرة يوم كان عمرك 12 سنة ماذا بقي في ذاكرتك يومئذ عنها؟

ص: 270

- بريدة عزيزة علي جدًّا، فعندما كان عمري 10 سنوات كان يأتي أولاد عمومتي إلينا في الشام ويتكلمون في لغتهم العربية الفصحى عن بريدة المدينة التي كافح أهلها وجاهدوا جهادًا مريرًا في سبيل تعزيز كلمتهم والاحتفاظ بعاداتهم وأخلاقهم، فبقيت محافظة على سمعتها ومكانتها الاقتصادية إلى يومنا هذا، وعند قيام جلالة الملك عبد العزيز بتوحيد المملكة ولم الشمل رأت فيه بريدة زعيمًا ملهمًا وقائدًا بطلا آزروه وناصروه في جميع غزواته وحروبه وقدموا لجلالته الرجال، هذه المدينة التي هي موطن من مواطن آبائي وأجدادي كنت مرتبطًا بها وأجالس أهلها مجالسهم وأتمتع بكرم ضيافتهم وأمرح في مزارعهم وأشاركهم غدوهم ورواحهم خارج المدينة، وننتقل على رمالها الصفراء، وأذكر أثناء تجوالنا في أطراف بريدة أن تقابلنا بسمو الأمير تركي بن عبد العزيز شقيق الملك سعود رحمه الله وهو أكبر أنجال الملك عبد العزيز رحمه الله، والذي توفي في سنة الرحمة، قابلناه واقفًا بجانب حصانه لابسًا عباءة، ومتمنطقًا بحزام جلدي فسلمنا على سموه، فسأل أبناء عمومتي من يكون هذا الذي معكم؟ فقالوا له هذا خليل ابن عمنا إبراهيم الرواف أتي من الشام وهو من مواليد دمشق، فقال لي سموه: أهلًا بخليل، إنك الآن بين أهلك وفي وطنك، وركب حصانه وكانت آخر كلمة اسمعها من سموه.

- متى زرت الرياض؟

- الرياض رأيتها ولأول مرة في سنة السبلة عندما انتصر الملك عبد العزيز رحمه الله على الإخوان.

- كيف كانت الرياض؟

- الرياض كانت بسيطة جدًّا بكل معنى هذه الكلمة، أما الآن ولله الحمد

ص: 271

فانتشر العمران وعم الرخاء وازدهرت التجارة وتألقت الرياض بشوارعها ونظافتها وكانت محاطة بسور مثل جدة والمدينة وكانت أسواقها صغيرة ودكاكينها كذلك، وكانت أبواب الدكاكين صغيرة أيضًا، والآن الحمد لله تغيرت الصورة تمامًا.

- حياتك كلها كانت عبارة عن مواقف والمواقف بدون شك قد يكون منها الطريف والعكس كذلك، نعود لرحلاتك مع العقيلات، وعلى هذا النمط ماذا تتذكر من تلك المواقف؟

- هناك موقفان قد لا يخلوان من طرافة رغم صعوبة الموقف، الأول: مع حمد المديفر من مدينة بريدة، وقد سافر إلى مصر وترك ولده محمد وعمره سنتان، وطال به السفر حتى استقر في مصر مدة 25 سنة، كانت هناك وقتها رحلات للعقيلات إلى مصر تحط بجمالها في القنطرة شرق، وهناك يستقبلون تجار العقيلات ويشترون منهم الجمال والخيل، كان ضمن هذه الرحلة محمد بن حمد المديفر وكان حمد المديفر قد نزل على ولده محمد بالقنطرة شرق ليشتري منه، وهو لا يعرف أن الذي سيشتري منه هو ابنه، فمر عليهم أحد رجالات العقيلات وكان يعرف الاثنين فاندهش حمد المديفر وقال له: أين هو؟ بصوت قوي فقال له: هو الذي أمامك وتشتري منه الجمال، وكان المفاجأة المذهلة.

- والموقف الثاني: كنا في رحلة مع العقيلات وكان رئيس الرحلة العم محمد الأحمد الرواف، وكنا متجهين نحو دمشق، وقبل أن نصلها بحوالي 300 كيلومتر صادفنا في الطريق 6 أشخاص ومعهم جريح من بني صخر، فنزلوا في ضيافتنا وفي الليل توفي الجريح، وكنا لا نرغب أن نراهم لكونهم غرباء عنا، كنا نخشى أن يكون وراءهم أمر خفي، وفي

ص: 272

الصباح وجدنا آثارا لبعارين كثيرة، فقال كبيرهم ويدعى مشمش: هذه آثار بني صخر ربعنا، ولما سمع عمي محمد هذا الكلام قال له: يا مشمش، ترى حنا بوجهك ولك 25 جنيهًا، فقال مشمش: تسلم يا محمد.

- وفي ليل اليوم التالي، سمعنا أصواتًا من بعيد، أناس يريدون الهجوم علينا، وفي الصباح قدموا علينا وكان مشمش يقول لأحد رجال العقيلات والذي يحمل سلاحه، (لا تلحموا) أي تضربوا باللحم أي اضربوا في الهواء فقط للتخويف، فلما قربوا منا بمسافة 200 متر ناداهم مشمش: يا بني صخر ترى ما هنا غير مشمش وخوياه واللي يبي الزاد والقهوة والطعام يبعد ويأتي إلى هذا المكان وأشار إلى مكان يبعد عنا قليلًا، وشربوا القهوة وأخذوا الدراهم وانصرفوا.

- وفي الليلة نفسها سمعنا الدبيب فقال العم محمد هذه خيول عنزة يمكن يكونوا غازين وكانوا حوالي 150 خيلًا، ولم يأتوا إلينا كلهم وإنما أتى منهم عشرة فقط فأعطاهم العم محمد ما فيه النصيب وتصادف أن أحد الذين كانوا معنا (عنزي) فذهب وكلم رئيس خيول عنزة. وقال له إنه بصحبتنا 6 أفراد من بني صخر هنا قال كبيرهم للعم محمد من معك؟ فقال له: هادول خوايانا، ومن الصعب أن نسلمهم، فقال للعم محمد: ما نبي الأشخاص نبي فقط ركايبهم، فقال كذلك ركايبهم، قال لماذا؟ قال لأنهم فكونا بالأمس من بني صخر والله ما نسلمهم أبدًا، وفي الصباح قال مشمش للعم محمد: واحدة بواحدة يا أبو الرواف.

- بعد هذا العمر الطويل، والتجارب الكبيرة يا ترى تنوي كتابة مذكراتك؟

- نعم، فقد قمت بكتابة مئات الصفحات وسأقوم بتنقيحها وإن شاء الله سأنشرها قريبًا مع العلم بأن كل ما قلته من معلومات أو مواقف تعتبر

ص: 273

- بمثابة رؤوس أقلام فقط إن لم تكن أقل.

- عندما تركت أمريكا، رجعت للمملكة مباشرة؟

- أنا تركت أمريكا سنة 1948 م ثم ذهبت إلى القاهرة وبعدها رجعت إلى المملكة في طائرة سمو الأمير عبد الله الفيصل.

- متى سكنت في الرياض؟

- من 12 سنة فقط.

- إقامتك كانت في جدة؟

- نعم، منذ عام 50 وحتى السبعينيات أي حوالي 20 عامًا.

- عملت في جدة؟

- عندما أتيت إلى جدة وجدت ذات يوم إعلانًا بالجرائد يخبر عن حاجة وزارة الدفاع الألف خيمة وبزات عسكرية وبعض المستلزمات العسكرية وسافرت إلى مصر وأحضرت المطلوب.

- معنى ذلك أنك عملت متعهد لوزارة الدفاع في تلك الفترة؟

- نعم.

- كانت الروح التجارية لا تزال موجودة لديك حتى بعد عودتك من أمريكا؟

- نعم، كذلك عندما كان الأمير عبد الله الفيصل وزيرًا للداخلية أوصاني على مجموعة من البزات العسكرية الصيفية والشتوية للضباط والجنود وسافرت أيضًا للقاهرة وأحضرت هذه المستلزمات العسكرية.

- ذكرت أن إحدى بناتك أسميتها (آسيا)؟

ص: 274

- نعم، كنا نسكن قريبًا من قصر جلالة الملك فيصل بجدة وكانت زوجتي تقوم بزيارة الأميرة أم محمد ووالدتها، وكن يقضين بعض الوقت هناك في ذلك الوقت كانت زوجتي حاملًا ومن ثم رأت والدة الأمير أم محمد أنه إذا من الله علينا بابنة فعلينا أن نسميها (آسيا) على اسم سموها، وابنتي آسيا دكتورة جراحة وإن شاء الله تكون مشهورة في كل قارة آسيا.

- اليوم تحب الترحال؟

- نعم، أحب الترحال جدًّا فبعد أن بلغت هذا السن فمنذ 10 سنوات ولكن أحرص دائمًا على أن أقضي شهرين بين القاهرة والإسكندرية وأقضي شهرين أيضًا في جنيف وأنا والعائلة طبعًا.

- حياة العقيلات تركت في نفسك حب الرحلات؟

- نعم، الرحلات أصبحت جزءًا مهما في حياتي فأنا (عقيلي) منذ كان عمري 12 سنة.

- أعود لأسأل عن برنامج حياتك اليومي، فأنت ما شاء الله ربنا يمتك بالصحة؟

- الحديث عن حياتي اليومية ذو شجون، ففي كل صباح أفطر مع العائلة، وأقوم بإيقاظ بناتي، ثم أقوم بجولة بالسيارة في شوارع الرياض، وأمشي قليلًا، وأحرص على مشاهدة ملاعب الخيل في التلفزيون وكذلك سباق الهجن، فهكذا نشأت بيني وبينها علاقة قوية، فماذا تنتظر من عقيلي مثلي أن يقول عنها، وأي حديث سيكون هذا؟

- انتهى هذا الحديث الشيق مع الأستاذ خليل الرواف الذي يجب أن ننوه هنا أنه قد توفي بعد أن بلغ من العمر مائة سنة وأربع سنوات.

- عم خليل بهذا السؤال ينتهي حوارنا الطويل معك واعذرنا إن كانت

ص: 275