الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيد أن هذه الكتب أصبحت غير وافية بحاجة الزمان، لحدوث مالم يكن، ودروس ما قد كان. وقد قلبتُ الطرف فلم أجد بين العصريين من عُني بذلك إلاّ أفراداً في رسائل لهم مختصرة، وشذرات غير وافية، بحيث أصبحنا في حاجة كبرى لوضع كتاب كافٍ، يكشف عن أصول الكلمات العامية ومعانيها، ويحل معقودها، ويوضح غامضها، ويبين مرادفها من الفصيح.
فاستخرت الله في جمع هذا الكتاب «خاصاً بلغة عامة المصريين المستعملة الآن» وقيدت فيها ما وصل إليه الجهد، مرتباً إياه على حروف المعجم، ومصدرِّاً له بمقدمة تشتمل على ثلاثة أبواب، لا بد للمطالع من الوقوف عليها، وسميته بعد ترتيبه وتهذيبه - بـ «المعجم الكبير» . والله آسأل أن يعمم به النفع، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.
الغرض الأول من الكتاب وبيان ترتيبه
غرضنا الأول من وضع هذا الكتاب: إحياء اللغة العربية الصحيحة بذكر العاميّ، وتفسيره، ورده إلى نصابه من الصحة إن كان عربيّ الأصل، أو بيان مرادفه - إن لم يكن كذلك - ليحلّ محله، ويرجع إليه في الاستعمال.
فإن جهلناه اقتصرنا على تفسير المعنى وتوضيحه، ليتسنى لمن وجده بعدنا أن يتمم ما بدأنا به، ويوفي ما قصرّنا فيه، فيكون ذكرنا له بمثابة التنبيه والإرشاد إليه.
وليس قصدنا إثبات كل ما نطقت به العامة، سواء صح أو لم يصح، بل القصد الاقتصار على ما تتطلبه الحاجة، وتدعو إليه الضرورة، وإهمال
ما عداه مما اشتهرت صحته، أو تغير تغيراً طفيفاً لا يطمس معالمه أو يصرفه عن منحاه، وكان أمر تصحيحه ميسوراً بالرجوع إلى معاجم اللغة وقواعد العربية.
ولتفصيل هذا الإجمال نقول: تقسم الكلمات العامية من حيث أصولها، إلى ثلاثة أقسام:
قسم عربيّ الأصل، وهو الكثير الغالب.
وقسم دخيل، من لغات شتى.
وقسم عاميّ محض لا أصل لهو أو غاب عنا أصله.
(1)
أما العربيّ الأصل: فمنه ما أبقى على أصله، واستعمل في معناه الموضوع له، كـ «باب، وجامع، وجمل، وإنسان» وكـ «ضرب، وبنى» وكـ «على» و «في» . ولا عبرة بتسكين الأواخر، فإنه لا يعد تغييراً في بنية الكلمة، بل هي قاعدة لهم في حذف الإعراب، وتسكين أواخر الكلم، سنتكلم عليها في باب القواعد. فمثل هذا لا نرى داعياً لذكره، إلاّ لفائدة تعرض، أو يتوّهم فيه أنه على خلاف أصله.
ومنه ما حرّفوه بعض التحريف بتغيير حركة بحركة مثل (قِفل) بالكسر في (قُفل) بالضم، و (صَنْدوقْ) بالفتح في (صُنْدوق) بالضمّ. وحاله في الذكر كحال سابقه، إلاّ إذا وافق تحريفه لغة من لغات العرب كقولهم:(شِعير) بالكسر في (شَعير) بالفتح، وككسرهم أحرف المضارعة، فنذكره لبيان ذلك، إما في حرفه من الكتاب، إن كان خاصاً بالكلمة، أو في باب القواعد، إن كان عاماً.
ومن ما أُبقى على أصله، إلاّ أنه استعمل في غير معناه إما اعتباطاً أو تجوزاً لعلاقة ما، فمثله نذكره ونبين الصواب فيه. ومنه ما كان التغيير
فيه كثيراً، أو أبدت بعض أحرفه بأخرى. وحاله في الذكر كحال سابقه.
(2)
وأما الدخيل من اللغات الأخرى كالتركية، والفارسية، والمصرية القديمة وغيرها، فنذكره، ونفسره، ونبين أصله، ومرادفه - إن وقفنا عليه - خلا أشياء من اللغات الإفرنجية، ضربنا عنها صفحا، كبعض أسماء الآلات المستحدثة ودقائق أجزائها، لأنا لم نجد فائدة في ذكرها مجردة، ولأن إيجاد مرادفات لها ليس مما يستقل به الفرد.
كما أننا أهملنا أعلام البلدان والقرى المصرية، مما كان منها أعجميّ الأصل، أو عربيه، إلاّ في النادر، أو لمناسبة، لأن في كتبها الموضوعة لها ما يغني عن ذكرها.
(3)
وأما العاميّ المحض: وهو ما ارتجلته العامة، أو لم نصل إلى معرفة أصله، فنذكره، ونبين معناه ومرادفه. وقد لا نذكر للكلمة مرادفاً، لأنه يعرف من تفسيرها. وربما وضعنا لبعض المعرّبات العامية مرادفات أصلها معرّب، وذلك لأن العرب عرّبتها فصارت عربية.
ولا تخالنّ أننا استقصينا في كتابنا هذا جميع ما كان على شرطنا من الكلام العاميّ بحيث لم تشذ عنا كلمة، فذلك مما لا سبيل إليه، إلاّ بالتفرغ التام، وإفناء الزمن الطويل بحثاً وتنقيباً. وإنما مرادنا أنّ ما نذكره فيه لا يخرج عما اشترطناه، ونرجو أن يكون ما فاتنا غير كثير. هذا، ولما كان في العاميّ ما هو قديم الاستعمال، وما هو حديثه، ولا تخفى الفائدة من معرفة تاريخ الكلمة، وبدء استعمالها عندهم، وكان إثبات ذلك متعذراً، بل مستحيلاً، أردنا تقريبه بالتنبيه على ما رأيناه مذكوراً في كتاب أو شعر أو عبارة مع ذكر وفاة المؤلف أو القائل أو زمنه، إذا تيسير لنا ذلك ليُعلم أن الكلمة مما استُعمل في ذلك العصر أو قبله.
كما أننا لم نُخل الكتاب من ذكر كثير من أمثالهم السائرة وألفاظهم المستعملة في المناداة على السلع، وفي التندير والضنترة (الطنز) المعبر عنهما عندهم بالتنكيت والتأليس، وأقوالهم في الرقي والدعوات، وكلمات نسائهم في التأخيذ المسمى عندهن بالشبشبة، وشرح ألعابهم، وغير ذلك كلما جرت إليه المناسبة، واقتضاه المقام، بحيث أصبح شاملاً لكثير من احوالهم وعاداتهم، فوق ما فيه من لغاتهم. وذكرنا أيضاً كناياتهم ورموزهم.
أما ترتيبه فعلى حروف المعجم، باعتبار أوائل الكلمات، مع مراعاة الحرف الثاني فالثالث، وهلم جراً، معتمدين في الوضع على هيئة الكلمة وتركيبها، بلا نظر إلى زائد أو أصلي إلاّ فيما اقتضته اشتقاقاتهم وتصاريفهم، أو دعا إليه تيسير الكشف وتسهيل الراجعة. ولفظ ابن، وأب، وغيرهما - المضافة إلى الأسماء - لا تعتد بها في ترتيب الكلمات في حروفها.
وربما اضطررنا لتفسير كلمة مع أخرى من غير حرفها، إما لأنها من متمماتها، أو لفائدة تعرض. ففي هذه الحالة نثبتها في موضعها من حرفها ونحيل على مكان تفسيرها.
وما فسرناه من الألفاظ اللغوية لم نقتصر فيه على كتاب واحد، كالقاموس أو نحوه. ولا نتسرع بالانتقاد إلاّ بعد البحث إنصافاً.
وربما رجعنا فيها إلى كتبها المؤلفة فيها، إن كانت في الفلاحة، أو الكتابة وأدواتها أو غير ذلك.
«أحمد تيمور»