الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِلرَّمَّاحِ إذَا قِيلَ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ فَقَالَ لَهَا الذِّمَامُ لَا أَتَزَوَّجُهَا، فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ بِالذِّمَامِ ذِمَّةَ اللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفَّرُ عَنْهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ ذِمَامَةَ النَّاسِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي آخِرِ رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْعَهْدَ إذًا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاقَدَةِ وَالْمُعَاهَدَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَنْ أَنْصَحَكَ وَأَنْ لَا أَخُونَكَ وَأَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَيَلْزَمُ فِيهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ قَالَ: وَقَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْوَاضِحَةِ، انْتَهَى.
(قُلْت) وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا بَلْ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ أَوْ أُعْطِيكَ عَهْدًا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَشَرَحَهُ الشَّارِحُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا إذَا قَالَ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ لِعِظَمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ إبْرَارُ الْمُقْسِمِ وَالْمُقْسَمِ بِهِ فِيهِ مَعْنَيَانِ]
(مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ: عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَا الْيَمِينَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ صَدَقَ، انْتَهَى مِنْ الْبُرْزُلِيِّ.
ص (وَعَزَمْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ)
ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِبْرَارُ الْمُقْسِمِ وَالْمُقْسَمِ بِهِ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَالِفَ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مَأْمُورٌ أَنْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ تَبَرَّ يَمِينَ مَنْ حَلَفَ عَلَيْكَ، وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: تَارَةً يَشُوبُهُ مَعْنَى السُّؤَالِ كَقَوْلِهِ: بِاَللَّهِ إلَّا مَا فَعَلْت كَذَا، وَتَارَةً لَا يَشُوبُهُ كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَبَرَّ قَسَمَهُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي الثَّانِي لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ، هَذَا كُلُّهُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ وُجِدَ مُعَارِضٌ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا عَبَّرَ عَنْ الرُّؤْيَا بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَصَبْت بَعْضًا وَأَخْطَأْت بَعْضًا، فَقَالَ: أَقْسَمْت عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرنِي، فَقَالَ: لَا تُقْسِمُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّانِي مَا نَصُّهُ:
[فَرْعٌ إذَا حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ ليفعلن فَامْتَنَعَ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ لَيَفْعَلَنَّ فَامْتَنَعَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا أَقْسَمَ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ فَيَحْنَثُ إذَا لَمْ تُجِبْهُ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْزِمُ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ إلَّا فَعَلْت كَذَا فَيَأْبَى فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَسْأَلُكَ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَامْتَنَعَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً، وَهُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] وَكَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَقْسَمْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهَذَا يُحْنِثُ الَّذِي أَقْسَمَ إنْ لَمْ يُجِبْهُ الْآخَرُ كَقَوْلِهِ: حَلَفْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا بِاَللَّهِ وَلَا نَوَاهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: إذَا قَالَ أَقْسَمْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ، فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ فَتَجِبُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِهَا بِاللَّفْظِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَلَوْ قَالَ عَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ وَلَمْ يَقْصِدْ يَمِينًا فَالْأَصَحُّ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَكَذَا أَعْزِمُ عَلَيْكَ بِهِ وَأَسْأَلُكَ بِهِ، انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: يُكْرَهُ مَنْعُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ، رُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِأَسَانِيدِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ بِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا يُكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ الْجَنَّةِ رُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» انْتَهَى.
وَفِي كِتَابِ الذَّكَاةِ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ قَالَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ مَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا شَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُجْرًا بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ أَيْ مَا لَمْ يَسْأَلْ أَمْرًا قَبِيحًا لَا يَلِيقُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يَسْأَلْ سُؤَالًا قَبِيحًا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، انْتَهَى
. ص (وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ: حَرَامٌ أَيْ بِغَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ كَالْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّحْرِيمُ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وَفِي الْمُوَطَّإِ وَمُسْلِمٍ: «فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَأَيْضًا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى تَأْدِيبِ الْحَالِفِ بِهِمَا، وَلَا يَكُونُ الْأَدَبُ فِي الْمَكْرُوهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إطْلَاقُ الْأَيْمَانِ عَلَيْهِمَا مَجَازٌ أَلَا تَرَى إلَى حُرُوفِ الْقَسَمِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا يُعَظَّمُ بِهِ اللَّهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مَحْلُوفٍ بِهِ غَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآبَاءَ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الَّذِي أَثَارَ الْحَدِيثَ حِينَ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، فَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ فَيَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَعْبُودَاتِ دُونَ اللَّهِ أَوْ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَحْلِفُ بِهِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَنْصَابِ فَهَذَا لَا يُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالْآبَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَرُءُوسِ السَّلَاطِينِ وَحَيَاتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ تَنَاوُلُهُمْ بِحُكْمِ عُمُومِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مُعَظَّمًا فِي الشَّرْعِ مِثْلَ النَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَحُرْمَةِ الصَّالِحِينَ فَأَصْحَابُنَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَلِفِ بِهَا الْكَرَاهَةَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ فِي الْمَعْنَى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّحْرِيمُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَاخْتُلِفَ فِي الْيَمِينِ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ فَقِيلَ: مَمْنُوعٌ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَرَّحَ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ الْكَرَاهَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُعَظَّمَةِ صَادِقًا، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ بِهَا كَاذِبًا، فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ وَالْكَذِبُ مُحَرَّمٌ وَاسْتِهْزَاءٌ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ الْمُعَظَّمِ فِي الشَّرْعِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَاعِدَةُ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ إجْمَاعًا كَتَوْحِيدِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْخَلْقِ وَالْأَرْزَاقِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يُشْرِكَ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْمَاعًا كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ إجْمَاعًا وَيُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْحَلِفِ بِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّ الْقَسَمَ بِهَا تَعْظِيمٌ لَهَا نَحْوُ قَوْلِكَ: بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا وَنَحْوِهِ، وَقَدْ حَصَلَ فِيهِ تَوَقُّفٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ إنَّمَا هُوَ التَّعْظِيمُ بِالْحَلِفِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا التَّعْظِيمُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ فَلَيْسَ بِمَحْذُورٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نُعَظِّمَ بَعْضَ عِبَادِهِ بَلْ أَمَرَنَا
بِذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْنَا فِي حَقِّ رُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَصْحَابِ نَبِيِّهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي فَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ، انْتَهَى. وَفِعْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ لِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ قَسَمُهُ تَعَالَى بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَالسَّمَاءِ، وَالشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ تَقْدِيرُهُ: أُقْسِمُ بِرَبِّ الزَّيْتُونِ، وَقِيلَ: أَقْسَمَ بِهَا لِيُنَبِّهَ عِبَادَهُ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْنَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ الْمَلِكُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ سُؤَالٌ قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ لِلسَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ، فَقَدْ حَلَفَ عليه السلام بِمَخْلُوقٍ جَوَابُهُ أَنَّهُ مَنْعُ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ، وَأَمَّا بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ لَا الْحَلِفِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَكْرَمَهُ، وَقَوْلِهِ عليه السلام لِعَائِشَةَ رضي الله عنها تَرِبَتْ يَدَاكِ خَرَجَ عَنْ الدُّعَاءِ إلَى تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ، وَفِي أَسْئِلَةِ عِزِّ الدِّينِ: هَلْ يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ فِي دُعَائِهِ بِمُعَظَّمٍ مِنْ خَلْقِهِ كَالنَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْمَلِكِ أَوْ يُكْرَهُ.؟ فَأَجَابَ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ عليه السلام عَلَّمَ النَّاسَ الدُّعَاءَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ، وَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِهِ تَنْبِيهًا عَلَى دَرَجَتِهِ وَارْتِفَاعِ رُتْبَتِهِ (قُلْت) وَكَانَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ يَخْتَارُ الْجَوَازَ وَيَحْتَجُّ بِسُؤَالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ الْعَبَّاسِ حِينَ أَخْرَجَهُ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا لَعَلَّهُ مِنْ بَرَكَتِهِ عليه السلام؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبَبِهِ وَبِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِتَضَرُّعِ الشَّيْخِ الصَّالِحِ الْمُؤَدِّبِ مُحْرِزِ بْنِ خَلَفٍ وَسُؤَالِهِ لِبُرْءِ ابْنَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَرَغْبَتِهِ إلَى اللَّهِ بِبَرَكَةِ أَبِيهَا، وَبِقَوْلِ الْعَبْدِ الَّذِي اسْتَسْقَى بِالْبَصْرَةِ بِحُبِّكَ لِي إلَّا مَا أَسْقَيْتَنَا السَّاعَةَ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَايَاتِ الْعَدِيدَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَظِنَّةَ إجَابَةِ الدُّعَاءِ كَمَا شُرِعَ الدُّعَاءُ فِي بِقَاعِ الصَّالِحِينَ وَعِنْدَ قُبُورِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَنْ عَقَدَ نِيَّتَهُ فِي شَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ كَمَا وَرَدَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى.
(قُلْت) وَهَذَا كُلُّهُ تَوَسُّلٌ وَهُوَ غَيْرُ الْقَسَمِ، وَالْقَسَمُ أَنْ يَقُولَ: أَقْسَمْت عَلَيْك بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَمَّا التَّوَسُّلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
. ص (وَكَالْخَلْقِ وَالْأَمَانَةِ)
ش: وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْحَلِفِ بِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ: لَا يُفْهَمُ مِنْهُ قَصْرُ الْيَمِينِ الْجَائِزَةِ عَلَى هَذَا الِاسْمِ، بَلْ حُكْمُ جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ حُكْمُ هَذَا الِاسْمِ كَالْعَزِيزِ وَالْعَلِيمِ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ مِمَّا تَتَمَحَّضُ فِيهِ لِلصِّفَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا الْقَسَمِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ، وَأَمَّا مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ كَقَوْلِهِ: وَخَلْقِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ وَرِزْقِهِ وَبَيْتِهِ فَهَذِهِ لَيْسَتْ بِأَيْمَانٍ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّهَا حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَبَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ قِسْمٌ آخَرُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ كَقَوْلِهِ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ فَعِنْدَنَا أَنَّهَا أَيْمَانٌ مُلْحَقَةٌ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ بِأَيْمَانٍ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجُوزُ الْيَمِينُ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ، وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَقَوْلِهِ: