الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَرُورَةٍ يَنْبَغِي إذَا اسْتَغْنَى عَنْ رُكُوبِهَا أَنْ يُرِيحَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَلَا يَرْكَبُ عَلَيْهَا، وَلَا يُحَمِّلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَإِذَا زَالَتْ بَادَرَ لِلنُّزُولِ وَالْحَطِّ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: لِأَنَّ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ قُيِّدَ بِقَدْرِهَا وَالْمَشْهُورُ لَيْسَ عَلَيْهِ النُّزُولُ بَعْدَ رَاحَتِهِ، وَلَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا لِعُذْرٍ انْتَهَى.
ص (وَأَجْزَأَ إنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ عَنْهُ مُقَلِّدًا وَلَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ إنْ غَلِطَ)
ش: قَوْلُهُ عَنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَبْحٍ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ بَعْدَهُ، وَلَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى إذَا قَصَدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ كَانَ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ أَجْزَأَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ إنْ غَلِطَ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ الْغَيْرَ إذَا نَوَى الْهَدْيَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ غَلَطًا، وَأَمَّا إنْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ تَعَدِّيًا، فَلَا يُجْزِئُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَسَوَاءٌ وَكَّلَهُ صَاحِبُهُ عَلَى ذَبْحِهِ، أَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي الرُّفَقَاءِ يَغْلَطُونَ فَيَذْبَحُ هَذَا هَدْيَ هَذَا، وَيَذْبَحُ الْآخَرُ هَدْيَ الْآخَرِ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِذَا لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الذَّابِحَ وَرَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِي الذَّابِحَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِذَا قُلْنَا لَا يُجْزِئُ الْأَوَّلُ فَلَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّانِي
[فَرْعٌ إذَا نَحَرَ الْهَدْيَ غَيْرُ صَاحِبِهِ عَنْ صَاحِبِهِ]
(فَرْعٌ) : إذَا نَحَرَ الْهَدْيَ غَيْرُ صَاحِبِهِ عَنْ صَاحِبِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي مِنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ فِتْنَةٌ عَنْ الْحَجّ]
ص (فَصْلٌ وَإِنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ فِتْنَةٌ)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَحَصْرُ الْعَدُوِّ مَعْلُومٌ وَالْفِتَنُ مَا قَدْ يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجِ (فَرْعٌ) : قَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: وَالرِّيحُ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ لَيْسَ يَكُونُ تَعَذُّرُهُ كَحَصْرِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ مِثْلُ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ فَيَمْضُوا لَحَجِّهِمْ انْتَهَى.
ص (أَوْ حَبْسٌ لَا بِحَقٍّ)
ش: حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي حَبْسِ السُّلْطَانِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ كَالْمَرَضِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْعَدُوِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَثَالِثُهَا: إنْ كَانَ الْحَبْسُ بِحَقٍّ فَكَالْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ بِبَاطِلٍ فَكَالْعَدُوِّ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الْبَيَانُ عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ خِلَافًا لِلْأَوَّلِ بَلْ سَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ وِفَاقٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ انْتَهَى.
وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَجَعَلَ الْحَبْسَ لَا بِحَقٍّ كَحَبْسِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَبْسَ بِحَقٍّ، وَجَعَلَهُ كَالْمَرَضِ
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُوجِبَ لِتَحَلُّلِ الْمَحْبُوسِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْعَدُوِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا وَعَدَاءً فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى أَنَّهُ إنْ حُبِسَ بِتُهْمَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَهُوَ كَالْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ بَرِيءٌ قَالَ: وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَالَ الْمَرْءُ عَلَى مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ وَالْإِحْرَامَ
مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلْوُلَاةِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْبَرَاءَةَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلَ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ ظَاهِرًا انْتَهَى.
وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَجَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِيمَنْ حُبِسَ بِتُهْمَةٍ وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ حُبِسَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تُهْمَةٍ، وَلَا سَبَبٍ، فَهُوَ كَالْعَدُوِّ خَارِجًا عَنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ حُبِسَ فِي حَقٍّ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ قِصَاصٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ إذْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي حَبْسِهِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، أَوْ حُبِسَ عُدْوَانًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَجِّ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، فَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ اُتُّهِمُوا بِدَمٍ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَحُبِسُوا فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا يُحِلُّهُمْ إلَّا الْبَيْتُ، وَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ حَتَّى يُقْتَلُوا، أَوْ يُخَلَّوْا فَيَحِلُّوا بِالْبَيْتِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَنَصُّهَا: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ مُحْرِمَيْنِ خَرَجَا إلَى الْحَجِّ حَتَّى إذَا كَانَا بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِالْجُحْفَةِ اُتُّهِمَا بِقَتْلِ رَجُلٍ وُجِدَ قَتِيلًا، فَأُخِذَا فَرُدَّا إلَى الْمَدِينَةِ فَحَبَسَهُمَا عَامِلُ الْمَدِينَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَزَالَانِ مُحْرِمَيْنِ حَتَّى يَطُوفَا بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَيَا وَأَرَاهُمَا مِثْلَ الْمَرِيضِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: زَادَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ يَثْبُتُ عَلَيْهِمَا مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا، فَيُقْتَلَانِ، وَهُوَ تَمَامُ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى.
(قُلْت) : قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا رَآهُمَا كَمَنْ حُصِرَ بِمَرَضٍ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا حُبِسَا بِالْحُكْمِ الَّذِي، أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَانَ كَالْمَرَضِ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَوْ حُبِسَا ظُلْمًا وَعَدَاءً لَكَانَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ، وَيَحِلَّانِ مَوْضِعَهُمَا الَّذِي حُبِسَا فِيهِ، وَيَحْلِقَانِ، وَيَنْحَرَانِ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُمَا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْبَيَانِ فِيمَنْ زَنَى، وَكَانَ بِكْرًا وَأُخِذَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْحَجِّ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، فَتَعْجِيلُهُ وَاجِبٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَخَّرَ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَحْرَمَ فِرَارًا مِنْ السِّجْنِ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ إذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ أَسْرَعَ الْجَوَابَ وَأَظْهَرَ السُّرُورَ، وَقَالَ بَلَغَنِي أَنْ يُقَالَ لَحَدٌّ يُقَامُ بِأَرْضٍ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِذَا سُجِنَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ انْتَهَى.
ص (إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ)
ش: أَيْ بِالْمَنْعِ، وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَدُوِّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَحْرَى إذَا طَرَأَ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ حَالَاتٍ الَّتِي ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِحْلَالُ فِيهَا، وَهِيَ مَا إذَا طَرَأَ الْعَدُوُّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ طَرَأَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ عَلِمَ بِهِ وَكَانَ يَرَى أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ هَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِالْمَنْعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِحْلَالُ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ، أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ، أَوْ شَكَّ فِيهِ، أَوْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَنَعُوهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ، فَلَا كَلَامَ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَنَصُّهُ: مَوَانِعُ الْحَجِّ سِتَّةً (الْأَوَّلُ) : الْعَدُوُّ وَالْفِتَنُ وَهُوَ مُبِيحٌ لِلتَّحَلُّلِ وَنَحْرِ الْهَدْيِ حَيْثُ كَانَ إذَا طَرَأَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ كَانَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَا يَصُدُّونَهُ انْتَهَى. .
فَأَحْرَى إذَا كَانَ أَوَّلًا عَالِمًا بِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إنْ عَلِمَ مَنْعَهُمْ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْلَالُ نَقَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى.
وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي مَنْعِهِمْ إيَّاهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ فَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِحْلَالُ، وَنَصُّهُ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ شَكَّ فِي مَنْعِهِمْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِحْلَالُ، ثُمَّ قَالَ خَلِيلٌ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ شَرْطَ الْإِحْلَالِ لَا يُفِيدُ انْتَهَى
وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي فَقَالَ: وَلَا يُعِيدُ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ نِيَّةَ التَّحَلُّلِ بِحُصُولِهِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَعِيَاضٍ وَإِذَا كَانَ لَا يَتَحَلَّلُ إذَا أَحْرَمَ مَعَ الشَّكِّ فَأَحْرَى مَعَ الْوَهْمِ (الثَّانِي) : إذَا أَحْرَمَ هَذَا فِي وَقْتٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ، وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُصِرَ لَمْ يَتَحَلَّلْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يُدْرِكُ، فَلْيَثْبُتْ هَذَا حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَيْسَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الْحَجِّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى وَقْتٍ إنْ خُلِّيَ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ عَامًا قَابِلًا انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) : قَالَ سَنَدٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ أَحْرَمَ، وَفَاتَهُ الْحَجُّ لِطُولِ سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: أَحْسَبُ هَذَا لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْمَنْعُ انْتَهَى.
ص (قَبْلَ فَوْتِهِ)
ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ وَيَكُونُ قَدْ أَشَارَ بِهِ إلَى مُخَالَفَةِ قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ وَالْأَوَّلُ، أَوْلَى لِإِفَادَتِهِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا الثَّانِي، فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيِسَ مِنْ زَوَالِ الْعُذْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا أَيِسَ مِنْ زَوَالِ الْعَدُوِّ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَوْ زَالَ الْعُذْرُ لَأَدْرَكَ فِيهِ الْحَجَّ، وَهَذَا ظَاهِرُ أَوَّلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَوْضِعَانِ الْأَوَّلُ إذَا أَيِسَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ، فَيَحِلُّ بِمَوْضِعِهِ حَيْثُ كَانَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَكُونُ مُحْصِرًا حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَيَصِيرَ إنْ خُلِّيَ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَيَّامِ، فَذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ رَاجِعٌ لِلثَّانِي قَالَ: وَقَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى إيَاسٍ مِنْ انْكِشَافِهِ حَلَّ مَكَانَهُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَاَلَّذِي قَالَهُ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُ حَتَّى يَكُونَ فِي زَمَانٍ يَخْشَى فِيهِ فَوَاتَ الْحَجِّ، وَقَالَ: إنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ إذَا عُلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوْتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَيْلَةِ النَّحْرِ زَمَانٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ السَّيْرُ وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِيمَنْ أُحْصِرَ فَلَمَّا بَلَغَ أَنْ يَحِلَّ انْكَشَفَ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَنْحَرَ: فَلَهُ أَنْ يَحِلَّ وَيَحْلِقَ مِثْلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ قَائِمًا، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا فَاتَهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ فِي عَامِهِ، وَهُوَ أَيْضًا عَلَى بُعْدٍ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ، فَلَا يَحِلُّ، وَلَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ إحْرَامِهِ بِكَمَالِ فِعْلِهِ أَمَّا فِعْلُ الْحَجِّ، أَوْ فِعْلُ الْعُمْرَةِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ بِقُرْبِ مَكَّةَ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ مَضَرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْحَصْرُ فِي الْعُمْرَةِ، فَهَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ الْعُمْرَةِ كَمَا لَوْ انْكَشَفَ الْعَدُوُّ فِي الْحَجِّ، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ: وَأَمَّا حَدُّ مَا يُؤَخَّرُ إلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْشَى فِيهَا فَوْتًا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُقِيمُ إنْ رَجَا إدْرَاكَهَا لِفَوْرِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْجُهُ إلَّا فِي طُولٍ فَلْيُحْلِلْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ لِحَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ فِي تَرَبُّصِهِ، وَلَا يَفُوتُهُ الْعَوْدُ إلَى أَهْلِهِ تَرَبَّصَ، فَإِنْ خَافَ تَعَذُّرَ رُجُوعِهِ إنْ تَرَبَّصَ تَحَلَّلَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّقَرُّبِ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، وَيَحِلُّ بِمَوْضِعِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْبَاجِيِّ (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: فَإِذَا أُحْصِرَ، فَلَمْ يَتَحَلَّلْ
حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْفَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُهْدِي هَدْيَيْنِ لِلْفَوَاتِ وَلِلْحَصْرِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُهْدِي لِلْفَوَاتِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْصَرُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ لِلْحَصْرِ، وَيَكُونُ الْحَصْرُ بَعْدَ الْفَوَاتِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ فَمُنِعَ مِنْ مَكَّةَ كَانَ كَالْحَصْرِ فِي الْعُمْرَةِ، فَيَتَحَلَّلُ هَذَا فِي غَيْرِ طَوَافٍ، وَيَقْضِي الْحَجَّ لَا الْعُمْرَةَ، فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِنَحْرِ الْهَدْيِ وَالْحِلَاقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْحَلْقُ مِنْ سُنَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ بَلْ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَلُّلَ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ نَحْرُ الْهَدْيِ، وَصَرَّحَ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا أَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّحَلُّلِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُحْصَرِ، فَأَحْرَى عَلَى الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَفِي الشَّامِلِ وَكَفَتْ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(تَنْبِيهٌ) : وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ حَرَمٍ لَكِنْ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إنْ قَدَرَ عَلَى إرْسَالِهِ إلَى مَكَّةَ فَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَحُكْمُهُ فِي الْأَكْلِ حُكْمُ مَا بَلَغَ مَحِلَّهُ؛ لِأَنَّ مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ الْمَضْمُونُ، فَإِنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْحَجِّ الْمَضْمُونِ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ عَنْهُ أَجْزَأَ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى.
ص (وَلَا دَمَ إنْ أَخَّرَهُ)
ش: سَوَاءٌ أَخَّرَ التَّحَلُّلَ، أَوْ تَحَلَّلَ، وَأَخَّرَ الْحِلَاقَ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
ص (وَلَا يَلْزَمُهُ طَرِيقٌ مَخُوفَةٌ)
ش: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَخُوفَةً لَزِمَهُ سُلُوكُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ مَسَاقِهِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَتْ طَرِيقٌ غَيْرُ مَخُوفَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ أَبْعَدَ فَلَيْسَ بِمَحْصُورٍ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ انْتَهَى. فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ أَنَّهُ مَحْصُورٌ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إنْ كَانَتْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهَا لَا يُخَافُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمَحْصُورٍ، وَلْيَسْلُكْ تِلْكَ الطَّرِيقَ طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ قَصِيرَةً يُخَافُ فِيهَا الْفَوَاتُ أَوْ لَمْ يُخَفْ، وَهُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ مِصْرَ أَوْ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْبَيْتِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ فَإِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ مُخَالِفٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَكُرِهَ إبْقَاءُ إحْرَامِهِ إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا)
ش: لَيْسَ هَذَا مِنْ فُرُوعِ الْمُحْصَرِ، وَإِنَّمَا هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فَاتَهُ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ أَجْزَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ كَتَأْخِيرِ أَفْعَالِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ إذْ الْغَالِبُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْإِحْرَامِ مَعَ طُولِ الْمَقَامِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْهَدْيَ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَمَاطَ أَذًى.
ص (وَلَا
يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ)
ش: قَالَ سَنَدٌ: مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ، وَهُوَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا، وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي ذَلِكَ كَالتَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ مَضْمُونٍ كَالنَّذْرِ، وَفِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَوْ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: يَبْقَى الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِبُّ لَهُ مَالِكٌ الْقَضَاءَ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنْ لَمْ يَنْذُرْهَا أَوْ نَذَرَهَا نَذْرًا مُعَيَّنًا، فَهِيَ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مَضْمُونًا، فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَتَأَمَّلْ كَلَامَ سَنَدٍ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ تَقْيِيدَ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ بِالْحَجِّ وَإِطْلَاقَهُ فِي الْبَاقِي وَأَمَّا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ لِمُقَاضَاتِهِ عليه السلام وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: لِأَنَّهَا قَضَاءٌ انْتَهَى. وَلَوْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهَا قَضَاءٌ لَمْ يَلْزَمْنَا مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُهُ، وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ فِي وُجُوبِهِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صُدُّوا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَاَلَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَهُ كَانُوا نَفَرًا يَسِيرًا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ الْبَاقِينَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ قَالَهُ سَنَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ إنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ)
ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَصَابَ النِّسَاءُ أَنَّهُ إنْ نَوَى أَنْ يَحِلَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَا سَلَفَ؟ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ حِلَاقٍ وَأَنَّ الْحِلَاقَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى هَذَا أَنَّهُ تَحَلَّلَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ جَامَعَ بَعْدَ رَمْيِهِ وَإِفَاضَتِهِ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ بِالْجِمَاعِ تَوَالِيَ نُسُكِهِ وَهَاهُنَا سَقَطَتْ الْمَنَاسِكُ رَأْسًا، فَسَقَطَ حُكْمُ تَوَالِيهَا.
(فَإِنْ قِيلَ) بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ وَلَا التَّحَلُّلَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حِينَئِذٍ، وَلَا يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ (فَالْجَوَابُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ، فَقَدْ نَوَى الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ.
ص (كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ)
ش: هَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْجَمِيعِ تَعَدَّدَتْ عَلَيْهِ الْهَدَايَا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ خَلِيلٌ: وَلَوْ قِيلَ إذَا نَسِيَ الرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِالتَّعَدُّدِ مَا بَعُدَ لِتَعَدُّدِ الْمُوجِبَاتِ كَمَا فِي الْعَمْدِ، وَكَأَنَّهُمْ لَاحَظُوا أَنَّ الْمُوجِبَ وَاحِدٌ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ مَعْذُورٌ انْتَهَى. هَكَذَا رَأَيْتُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْكَلَامَ مَنْسُوبًا لِلْمُصَنَّفِ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْعَمْدَ مِثْلُ النِّسْيَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يَقِفُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَمْضِي عَلَى وَجْهِهِ إلَى بِلَادِهِ كَمْ عَلَيْهِ مِنْ دَمٍ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا دَمًا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً ابْنُ رُشْدٍ أَجْزَأَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى قِيَاسًا عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَيُهْدِي هَدْيًا وَاحِدًا إذَا حَلَّ بِعُمْرَةٍ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ، وَقَدْ فَاتَهُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ هَدَايَا هَدْيٌ لِتَرْكِ الْجِمَارِ، وَهَدْيٌ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَهَدْيٌ لِتَرْكِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ أَقْيَسُ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ: أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَرِيضٍ أَفَاضَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَأْتِ مِنًى، وَلَمْ يَرْمِ الْجِمَارَ كُلَّهَا حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى قَالَ: أَرَى أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ هَذَا ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِمَارَ لِعُذْرٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى أَنَّهُ يُهْدِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ
فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفَ إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ، فَرَمَاهُ فِي اللَّيْلِ، وَفِيمَا بَقِيَ مِنْهَا انْتَهَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا لِتَعَدُّدِ الْهَدْيِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ حُكْمِ مِنًى وَالرَّمْيِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى التَّعْجِيلِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ بِمِنًى ثُمَّ أَرَادَ التَّعْجِيلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ جَهِلَ فَتَعَجَّلَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ لِيَبِيتَ بِمِنًى، وَكَذَلِكَ إذَا أَصْبَحَ عَادَ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لِخَطَإِ التَّعْجِيلِ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ تَرْكِ الرَّمْيِ بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ الْأُولَى، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَرْعِ الْمُتَعَجِّلِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الدَّمَ يَتَعَدَّدُ، وَذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ (وَالْحَاصِلُ) أَنَّ فِي التَّعَدُّدِ مَعَ الْعَمْدِ قَوْلَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ يَتَعَدَّدُ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي مَنَاسِكِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ إلَخْ)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُورِ عَنْ الْإِفَاضَةِ تَبِعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُحْصَرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بَلْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِنْ وَقَفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ، فَحَجُّهُ تَمَّ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَإِنْ تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ النُّسَخُ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا وَصَوَابُهُ وَإِنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ، وَبِهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ إنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ خَاصَّةً دَخَلَ مَكَّةَ، وَحَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ أَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَنْ الْبَيْتِ، وَعَرَفَةَ مَعًا، وَعَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ، وَعَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ، وَبِمَا صَوَّرْنَاهُ يَكُونُ قَدْ اسْتَوَى هُنَا الثَّلَاثَةُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى.
(قُلْت) : مَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَصْرِ عَنْ الْوُقُوفِ بِالْحَصْرِ عَنْ الْإِفَاضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] لَكِنْ فِي إطْلَاقِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الْوُقُوفِ بُعْدٌ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِفَاضَةَ عَلَى الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ لَا عَلَى الْوُقُوفِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَحُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مِنْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ: وَفَوَاتُهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ آخِرُهَا: فَوَاتُ أَعْمَالِهِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي: فَوَاتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ أَدْرَكَ غَيْرَهَا مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالثَّالِثُ: مَنْ أَقَامَ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ وَقَفَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَقِفْ انْتَهَى.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ جُزَيٍّ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ بِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً عِنْدَ الْفَجْرِ، وَكَانَ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ، وَأَيْضًا فَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ تَرَكَ الْخُرُوجَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَنْ تَرَكَهُ لِأَجْلِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : هَذَا الْقِسْمُ أَعْنِي الْمُحْصَرَ عَنْ الْوُقُوفِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي كَوْنِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرُوا أَقْسَامَ الْمُحْصَرِ الثَّلَاثَةَ قَالُوا: وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَحْصُورٍ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا فَاتَهُ وَلَوْ كَانَ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا.
(الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَةَ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ أُحْصِرَ
عَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ وَبَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ حَلَّ مَكَانَهُ صَوَابٌ، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا، فَفِي كَوْنِ تَحَلُّلِهِ بِعُمْرَةٍ أَوْ دُونَهَا قَوْلَانِ لِنَصِّ اللَّخْمِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ بِمَكَّةَ إنَّمَا يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُعْتَمِرُ، وَهَذَا عِنْدِي اسْتِحْسَانٌ، وَإِنَّمَا الْعُمْرَةُ فِي حَقِّ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِفِعْلِ إحْرَامٍ تَامٍّ، وَالْحَصْرُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ بِدَلِيلِ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ، فَفِي الْمَوْضِعَيْنِ مِمَّنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ قَادِمًا عَلَى مَكَّةَ دَخَلَهَا، وَطَافَ، وَسَعَى وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَقَدْ دَخَلَ مِنْ الْحِلِّ مُحْرِمًا، فَإِنَّهُ يَطُوفُ، وَيَسْعَى، وَلَا يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ فَإِنْ طَرَأَ الْحَصْرُ وَسَعْيُهُ، اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِعَادَةُ لِيَتَحَلَّلَ بِالسَّعْيِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُعْتَمِرُ، فَإِنْ أَخَّرَ تَحَلُّلَهُ حَتَّى خَرَجَ زَمَنَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِهِ وَفَاتَهُ الْحَجُّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَمَلُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِعُمْرَةٍ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَفُتْهُ، وَإِنَّمَا يَتَحَلَّلُ لِلْحَصْرِ، فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمْ يَطُفْ، وَلَمْ يَسْعَ حَتَّى أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَةَ أَخَّرَ مَا رَجَا كَشْفَ ذَلِكَ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوَاتَ حَلَّ، فَيَطُوفُ وَيَسْعَى؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى السَّعْيِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ لِيَكُونَ سَعْيُهُ عَقِبَ طَوَافٍ مِنْ الْحِلِّ قَدِمَ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى، وَلَمْ يَخْرُجْ أَجْزَأَهُ كَمَا يُجْزِي ذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، فَطَافَ، وَسَعَى، ثُمَّ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَمِرِ وَلَا دَمَ فِيهِ بِخِلَافِ الرَّاجِعِ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ فِي إحْرَامِهِ، ثُمَّ يَعُودَ إلَيْهَا، فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَسْعَى عَقِبَ إفَاضَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَتَّى رَجَعَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهَذَا سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا إفَاضَةَ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْإِفَاضَةُ بِالرُّجُوعِ مِنْ مِنًى، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَدْخُلَ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ لَا يَخْلُو الْمُحْصَرُ عَنْ الْحَجِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ مَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا، وَلَمْ يَقِفْ أَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ مَكَّةَ حَلَّ مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَصُدَّ عَنْ الْبَيْتِ، وَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ خَاصَّةً دَخَلَ مَكَّةَ، وَحَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهَا، وَكَانَ إحْرَامُهُ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَلَا يَخْرُجُ لِلْحِلِّ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ مَكَّةَ، وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْحِلِّ فَعَلَ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَطَافَ، وَسَعَى، وَحَلَقَ، ثُمَّ أَصَابَ النِّسَاءَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، وَطَافَ، وَسَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ، ثُمَّ طَافَ الْإِفَاضَةَ ثُمَّ حَلَّ، وَأَصَابَ النِّسَاءَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ صُدَّ عَنْ الْوُقُوفِ خَاصَّةً حَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ صُدَّ عَنْ الْوُقُوفِ وَعَنْ مَكَّةَ حَلَّ مَكَانَهُ، وَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) : إذَا أَفْسَدَ الْمُحْرِمُ حَجَّهُ، ثُمَّ حُصِرَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ إنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَدَمٌ لِلْفَسَادِ، وَدَمٌ لِلْحَصْرِ كَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا هَدْيَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ بَاقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقَلِبْ عُمْرَةً، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَأَرَادَ التَّحَلُّلَ هَلْ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَيَحِلُّ بِهَا أَوْ لَا؟ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ فِي حَجِّهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ تَحَلُّلِهِ إذْ لَا يَكْمُلُ تَحَلُّلٌ حَتَّى يَطُوفَ، وَيَسْعَى فَيَكُونَ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ لِتَحَلُّلِهِ مِنْ حَجِّهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِ حَجِّهِ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً، وَيَنْوِيهَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَتَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَلْيَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ، وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَنْوِي بِهَا عُمْرَةً وَهَلْ تَنْقَلِبُ عُمْرَةً مِنْ أَصْلِ الْإِحْرَامِ أَوْ مِنْ وَقْتِ يَنْوِي فِعْلَ عُمْرَةٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ: وَيُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً، وَيَنْوِي أَنَّهُ فِي عُمْرَةٍ؟ أَوْ يَطُوفُ وَيَسْعَى عَلَى اعْتِقَادِ الْحَجِّ
وَيَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ؟ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْمُحْصَرِ، وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِمَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَقَالَ ابْن عَرَفَةَ التُّونُسِيُّ: مَعْنَى تَحَلُّلِهِ بِعُمْرَةٍ أَيْ بِفِعْلِهَا لَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ قَضَاؤُهُ عُمْرَةً لَوْ وَطِئَ فِي أَثْنَائِهَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا خِلَافُ نَصِّهَا، وَنَصُّ سَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ طَافَ وَسَعَى، وَنَوَى بِهِ الْعُمْرَةَ، وَخِلَافُ قَوْلِ الْأَشْيَاخِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى، ثُمَّ بَحَثَ مَعَهُ فِي الْإِلْزَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيُجَابُ بِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ يَسْتَلْزِمُ قَضَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْعَلُ بِإِحْرَامِهِ.
ص (وَحَبْسُ هَدْيِهِ مَعَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ) ش قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّ مَنْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَكُونَ صُحْبَتَهُ فَإِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْعَطَبَ كَانَ بُلُوغُهُ مَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْ عَطَبِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ أَوْ حَبَسَهُ مَعَ الْخَوْفِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا هُوَ الْأَحْسَنُ انْتَهَى.
ص (وَخَرَجَ لِلْحِلِّ إنْ أَحْرَمَ بِحَرَمٍ أَوْ أَرْدَفَ)
ش: اُنْظُرْ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ فَوَقَفَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَخَرَجَ مِنْهَا نَهَارًا، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ، ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى مَكَّةَ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ.
: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَأْتِي عَرَفَةَ، وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى مَكَّةَ وَيَنْوِي بِهِ عُمْرَةً فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَحِلُّ وَيَرْجِعُ إلَى بِلَادِهِ وَيَحُجُّ قَابِلًا وَيُهْدِي؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى.
وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ لِلْحِلِّ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ ذَلِكَ لَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَخَّرَ دَمَ الْفَوَاتِ لِلْقَضَاءِ)
ش: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالْقَضَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْحَجُّ الْفَائِتُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَةِ الْفَوَاتِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِخَطَإِ الْعَدَدِ أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ بِخَفَاءِ الْهِلَالِ أَوْ بِشُغْلٍ بِأَيِّ وَجْهٍ غَيْرِ الْعَدُوِّ فَلَا، يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ، وَيَحُجُّ قَابِلًا، وَيُهْدِي قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: كَانَ إحْرَامُهُ بِحَجٍّ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَقَامَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَحَلَّلْ دُونَ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُتَطَوِّعًا كَانَ أَوْ مُفْتَرِضًا انْتَهَى.
وَقَالَ التُّونُسِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْصَارِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَمَنْ دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا سَوَاءٌ غُلِبَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُغْلَبْ؛ لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مَغْلُوبٌ وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَغْلُوبٌ، وَمَنْ مَرِضَ مَغْلُوبٌ فَجُعِلَ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِغَلَبَةٍ الْقَضَاءُ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا خِلَافًا لِنَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الَّتِي إذَا غُلِبَ عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءٌ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي النَّوَافِلِ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ حَصْرُ الْعَدُوِّ عَمَّا سِوَاهُ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى حَصْرِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَوَقَّفَ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ حَيْثُ لَمْ يَرَهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمُتَدَاوَلَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَجْزَأَ إنْ قَدَّمَ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُقَدِّمُ هَدْيَ الْفَوَاتِ، وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أُهْدِيَ
عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا أُهْدِيَ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
ص (تَحَلَّلَ وَقَضَاهُ)
ش: أَيْ وُجُوبًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا اجْتَمَعَ فِي الْحَجِّ فَوَاتٌ وَإِفْسَادٌ سَوَاءٌ كَانَ الْإِفْسَادُ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ هُنَا عَلَى إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمَادِيًا عَلَى الْفَسَادِ، وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ أَرْدَفَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَحَلَّلَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ.
(تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ أَخَّرَ إحْرَامَهُ حَتَّى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ وَطِئَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهَلْ يُؤْمَرُ هُنَا بِالتَّحَلُّلِ وُجُوبًا؟ أَوْ يَأْتِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ لِيَخْلُصَ مِنْ الْفَاسِدِ وَيَقْضِيَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ مَالٍ لِحَاصِرٍ إنْ كَفَرَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَصَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَبْذُلْ لَهُمْ الطَّرِيقَ إلَّا بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ.
قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لِأَنَّهُ وَهْنٌ وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ بَذَلَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ الطَّرِيقَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُونَهُ لَهُمْ كُرِهَ لَهُمْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الذِّلَّةِ، وَكَانَ التَّحَلُّلُ أَوْلَى، وَيَجُوزُ دَفْعُهُ لَهُمْ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُكْرَهُ إعْطَاءُ الْحَاصِرِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا مَالًا؛ لِأَنَّهُ ذِلَّةٌ ابْنُ شَاسٍ لَا يُعْطِيهِ إنْ كَانَ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ وَهْنٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت الْأَظْهَرُ جَوَازُهُ، وَوَهْنُ الرُّجُوعِ لِصَدِّهِ أَشَدُّ مِنْ إعْطَائِهِ انْتَهَى.
(قُلْت) : فَكَأَنَّهُ يَسْتَظْهِرُ جَوَازَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِلَّا، فَقَدْ صَرَّحَ سَنَدٌ بِجَوَازِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَهْنَ الرُّجُوعِ أَشَدُّ قَوْلٌ يُسَلَّمُ لَهُ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ سَنَدٍ مِنْ كَرَاهَةِ دَفْعِ الْمَالِ لِلْحَاصِرِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ سَنَدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاصِرُ مُسْلِمًا، وَلَعَلَّهُ قَالَ: لَا مُسْلِمًا فَتَصَحَّفَتْ لَا بِأَوْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَتَحَصَّلَ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْحَاصِرِ الْكَافِرِ عَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ عَرَفَةَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ: لِابْنِ شَاسٍ وَتَابِعَيْهِ وَالْكَرَاهَةُ: لِسَنَدٍ وَالْجَوَازُ: لِابْنِ عَرَفَةَ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ كَفَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَاصِرُ مُسْلِمًا لَجَازَ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ لِلْكَافِرِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ: وَأَمَّا إعْطَاءُ الْمَالِ فَقَدْ مَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَلَا يُوجَدُ عَنْهَا مَحِيصٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَوَّزَ ذَلِكَ هُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي تَخْلِيصِ مَكَّةَ أَوْ تَحْصِيلِ الْمَنَاسِكِ آكِدٌ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ كَانَ الصَّادُّونَ مُسْلِمِينَ، فَهُمْ فِي الْقِتَالِ كَالْكُفَّارِ، فَإِنْ بَذَلُوا التَّخْلِيَةَ بِجُعْلٍ فَإِنْ كَانَ بِيَسِيرٍ لَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهِ لَمْ يَتَحَلَّلُوا، وَهَذَا نَحْوُ مَا يُبْذَلُ لِلسَّلَّابَةِ، وَلَا يُقَاتَلُوا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا كَانَ الَّذِي طَلَبُوهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَلَوْ وَجَبَ دَفْعُ الْيَسِيرِ لَوَجَبَ دَفْعُ الْكَثِيرِ إنْ كَانَ سَبَبُهُمَا وَاحِدًا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ دَفْعِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذْ لَا صَغَارَ فِيهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَظْلِمَةٌ يَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ بَذْلُهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلظَّالِمِ أَخْذُهَا انْتَهَى. .
فَصَرَّحَ بِجَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بَلْ إذَا كَانَ قَلِيلًا لَزِمَ دَفْعُهُ، وَلَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلَ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ مَا لَا يُجْحِفُ لِلظَّالِمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ مُخَالَفَةُ كَلَامِ سَنَدٍ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ
ص (وَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ قِتَالِ الْحَاصِرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ
كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَسَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْحَرَمِ، وَذَكَرَ سَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قِتَالَ الْحَاصِرِ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ قِتَالِ الْحَاصِرِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْدَءُوا الْحَاصِرَ بِالْقِتَالِ، فَإِذَا بَدَأَ بِهِ جَازَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قِتَالُ الْحَاصِرِ الْبَادِئِ بِهِ جِهَادٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَفِي قِتَالِهِ غَيْرَ بَادِئِهِ نَقْلَا سَنَدٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ ابْنِ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ كَانَ الْحَاصِرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ بِهَا، فَالْأَظْهَرُ نَقْلُ ابْنِ شَاسٍ لِحَدِيثِ إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ وَقَوْلِ ابْنِ هَارُونَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ قِتَالِ الْحَاصِرِ، وَأَظُنُّ أَنِّي رَأَيْتُهُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا نَصًّا، وَقَدْ قَاتَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عُقْبَةَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ وَعُقْبَةَ بَدَآ بِهِ وَكَانُوا يَطْلُبُونَ النَّفْسَ وَنَقْلُهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا أَعْرِفُهُ إلَّا قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إنْ ثَارَ بِهَا أَحَدٌ، وَاعْتَدَى عَلَى اللَّهِ قُوتِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] انْتَهَى.
(قُلْت) قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ كَانَ الْحَاصِرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ يُرِيدُ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْحَرَمِ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ قِتَالِهِ، وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى ابْنِ هَارُونَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَ عَنْ سَنَدٍ جَوَازَهُ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ جَوَازَهُ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ كَافٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا حَدِيثُ إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَيُجَابُ عَنْهُ وَعَمَّا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ الْقِتَالِ بِهَا بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ يَحْرُمُ نَصْبُ الْقِتَالِ وَقِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ صَلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ هَكَذَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) : قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْقِتَالِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ وَالْكَثْرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَثْرَةُ لِلْكُفَّارِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِينَ فَتْحُ قِتَالِهِمْ إذْ رُبَمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى وَهْنٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الصَّادُّونَ مُسْلِمِينَ فَهُمْ فِي الْقِتَالِ كَالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ ظَلَمَةٌ بَاغُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَلَّلُوا، وَلَا يُقَاتِلُوهُمْ، وَلَا يَقْتُلُوا الْحُجَّاجَ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْحُجَّاجُ أَقْوَى انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) : قَالَ سَنَدٌ: إذَا بَذَلَ الْحَاصِرُ الْكَافِرُ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، فَإِنْ وَثِقُوا بِعُهُودِهِمْ لَمْ يَتَحَلَّلُوا، وَإِنْ خَافُوا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ، وَقَالَ: فِي الْحَاصِرِ الْمُسْلِمِ إذَا بَذَلُوا التَّخْلِيَةَ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، فَإِنْ وُثِقَ بِقَوْلِهِمْ لَزِمَ الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَثِقُوا تَثَبَّتُوا حَتَّى يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ.
(الرَّابِعُ) : قَالَ سَنَدٌ: إنْ رَأَوْا أَنْ يُقَاتِلُوا الصَّادِّينَ جَازَ لَهُمْ لُبْسُ الدُّرُوعِ وَالْجَوَاشِنِ وَالْجَآذِرِ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَا فِي لِبَاسِ الْمُحْرِمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى
(الْخَامِسُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا حُكْمُ قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى تَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ مَعَ بَغْيِهِمْ، وَأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ الْبَغْيِ، وَرَأَوْا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ إلَّا بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحِفْظُ حَقِّهِ فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُضَاعًا فِيهِ نَقَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ الْإِكْمَالِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ بِمَكَّةَ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَمْلِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ وَحَاجَةٌ إلَيْهِ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَشَذَّ مِنْ الْجَمَاعَةِ عِكْرِمَةُ فَرَأَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهُ إذَا احْتَاجَ الْفِدْيَةَ وَلَعَلَّ هَذَا فِي الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ وَشَبَهِهِمَا، فَلَا يَكُونُ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْكَافَّةِ إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «، إنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» فَخُصَّ بِمَا لَمْ يُخَصَّ بِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَابِ الْجِهَادِ: وَلَمْ
يُخْتَلَفْ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ حَلَالًا لِدُخُولِهِ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُحَارِبًا حَامِلًا لِلسِّلَاحِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْصِيصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مَنْ دَخَلَهَا لِحَرْبِ بُغَاةٍ أَوْ بَغْيٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا انْتَهَى. فَانْظُرْهُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا حُلِّلَ لَهُ تِلْكَ السَّاعَةَ إرَاقَةُ الدَّمِ دُونَ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَرْجَحَ قِتَالُ الْبُغَاةِ إذَا كَانُوا بِمَكَّةَ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَمْلُ السِّلَاحِ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَنَّ حَمْلَهُ لِضَرُورَةٍ جَائِزٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا لِحَرْبِ إلَخْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ لِحَرْبٍ غَيْرِ جَائِزٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّاخِلَ لِقِتَالٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ يَجُوزُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِلْوَلِيِّ مَنْعُ سَفِيهٍ وَزَوْجٍ فِي تَطَوُّعٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَلَهُ التَّحْلِيلُ، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ)
ش وَقِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَصَحَّحَهُ شَارِحُ الْعُمْدَةِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، فَمُنِعَتْ مِنْ إتْمَامِهِ إجْبَارًا كَالْمُحْصَرِ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّفِيهَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ مَوَانِعِ الْحَجِّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ سَنَدٍ، وَكَذَلِكَ التَّادَلِيُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بَهْرَامُ، وَنَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) : مِنْ الْمَوَانِعِ السَّفَهُ قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحُجُّ السَّفِيهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ رَأَى وَلِيُّهُ ذَلِكَ نَظَرًا أَذِنَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا حَلَّلَهُ وَلِيُّهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَنَصُّهُ: فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ، وَهُوَ مُولًى عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِيهَا أَوْ عِنْدَ زَوْجِهَا إنْ ذَلِكَ مِنْ السَّفَهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يَمْضِي لِمَنْ فَعَلَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَهُ إذَا هَلَكَ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَقَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ أَنْ لَا يُمْضُوا فِعْلَهُمْ وَأَنْ يُحِلُّوهُمْ مِنْ إحْرَامِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ مِنْهُمْ وَتَعَدٍّ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَ إذَا هَلَكَ أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إذَا قَضَوْا حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ لِلْإِحْرَامِ الَّذِي حَلَّلَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانُوا إنَّمَا أَحْرَمُوا بِحَجِّ تَطَوُّعٍ، وَتَرَكُوا الْفَرِيضَةَ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْحَجَّةِ الَّتِي حُلِّلُوا مِنْهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَحَلَّلَهُ مِنْ إحْرَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَّلَهُ فِي حَجَّةٍ بِعَيْنِهَا كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، فَمَنَعَهُ مِنْ صِيَامِهِ عُذْرٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ الْمُولَى عَلَيْهِ وَالْمَرْأَةَ عِنْدَ أَبِيهَا لَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الَّذِي حُلِّلُوا مِنْهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ الْعِتْقُ إذَا وُلُّوا أَنْفُسَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَقَلَ كَلَامَهُ بِالْمَعْنَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ: اتَّفَقَ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ بَلْ يَصْحَبُهُ الْوَلِيُّ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُنْفِقَ فِيمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
(الثَّانِي) : إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَطَوُّعٍ وَلَمْ يَقُلْ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ لِيَشْمَلَ الْإِحْرَامَ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالْعُمْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) : قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: إنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ، وَإِنَّهُ إذَا أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، فَالْمَهْرُ لَازِمٌ لَهُ، وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ أَنَّهَا إذَا أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يُحِجَّهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مَا يُعَارِضُهُ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَعْنَى مَا فِي الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ إذَا أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا، فَكَانَ مَا بَذَلَتْ لَهُ عَلَى دَفْعِ