الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَمْتٌ كَتَفْوِيضِهَا " ش يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرُ الْمُجْبِرِ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِرِضَاهَا وَيَكْفِي فِي رِضَا الْبِكْرِ الصُّمَاتُ وَكَذَلِكَ يَكْفِي الصُّمَاتُ فِي تَفْوِيضِهَا إلَيْهِ الْعَقْدَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْمُوَثِّقِينَ قَالَ: وَانْظُرْ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَوْضِعِ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ وَأَرَادَتْ التَّفْوِيضَ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.
وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَعْقِدُ إلَّا بِتَفْوِيضٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(فَائِدَةٌ) فِي الْحَدِيثِ «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَالْأَيِّمُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» أَيْ تُبِينُ، وَالْأَيِّمُ فِي اللُّغَةِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا وَلَكِنْ فُهِمَ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْبِكْرِ وَتَأْنِيثِ فِعْلِهِ تَخْصِيصُهُ بِالْأُنْثَى الثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص " أَوْ بَكَتْ " ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي كَوْنِهِ إنْكَارًا قَوْلَا الْجَلَّابِ مَعَ الْمُتَيْطِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ مُغِيثٍ قَائِلًا: نَزَلَتْ فَاخْتُلِفَ فِيهَا وَحَكَمَ بِإِمْضَائِهِ قُلْت: الصَّوَابُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ بُكَائِهَا هَلْ هُوَ إنْكَارٌ، أَوْ لَا؟ انْتَهَى وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ رِضًا لِلْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَرْشِيدِهَا وَيَرُدَّهَا فِي وِلَايَتِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ]
ص " كَبِكْرٍ رَشَدَتْ "
ش: يَعْنِي بَعْدَ الْبُلُوغِ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ.
(فَرْعٌ) فَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَرْشِيدِهَا
وَيَرُدَّهَا فِي وِلَايَتِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُعِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (، أَوْ اُفْتِيتَ عَلَيْهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ رِضَاهَا إلَّا بِالنُّطْقِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا بَلَغَتْ الْيَتِيمَةُ فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِالْقُرْبِ فَرَضِيَتْ جَازَ وَلَا يَكُونُ سُكُوتُهَا هُنَا رِضًا ابْنُ يُونُسَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ سُكُوتَهَا رِضًا لِتَعَدِّيهِ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ إعْلَامِهَا فَزَوَالُ الْحَيَاءِ عَنْهَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ صَمْتُهَا رِضًا وَالْأَوَّلُ إنَّمَا عَقَدَ بَعْدَ إعْلَامِهَا فَجَعَلَ سُكُوتَهَا رِضًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِذَلِكَ فَسَكَتَتْ فَأَعْلَمَهَا أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا وَتَرَكَ رَدَّهَا لَهُ نُطْقًا؛ يَكُونُ رِضًا بِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ وَهِيَ سَاكِنَةٌ؛ لَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهَا رِضًا وَلَا كَلَامَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا أَخُوهَا، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ قَالَ: تُسْأَلُ هِيَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ رَضِيتُ؛ فَذَلِكَ لَهَا، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ الْبَلَدِ، أَوْ فِيهِ فَتَأَخَّرَ إعْلَامُهَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَضِيَتْ قَالَ سَحْنُونٌ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ وَمِنْهَا الْمَرْأَةُ تُزَوَّجُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَتَسْكُتُ وَلَا تُنْكِرُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ تُنْكِرُ النِّكَاحَ وَتَقُولُ: لَمْ أَرْضَ بِهِ وَتَدَّعِي الْجَهْلَ انْتَهَى.
ص (وَإِنْ أَجَازَهُ مُجْبِرٌ إلَخْ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ مُجْبِرٌ يَشْمَلُ الْبِنْتَ الْبِكْرَ وَالْأَمَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي تَرْجَمَةِ نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفَسَخَ تَزْوِيجَ حَاكِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرٍ
وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةَ وَظَاهِرُهَا مِنْ مِصْرَ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثِ وَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ فَالْأَبْعَدُ)
ش: أَشَارَ رحمه الله بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى اخْتِصَارِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: غَيْبَةُ الْأَبِ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ فِي مَغِيبِهِ فَإِنْ زُوِّجَتْ فُسِخَ النِّكَاحُ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ، أَوْ السُّلْطَانُ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ انْتَهَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: زَادَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُفْسَخُ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَإِنْ أَجَازَهُ الْأَبُ انْتَهَى.
وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " وَفَسَخَ نِكَاحَ حَاكِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرٍ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ ابْنَتَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُجْبِرِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَجَازَهُ مُجْبِرٌ إلَخْ.
(تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ الرَّجْرَاجِيُّ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا بِأَنْ لَا يَتَبَيَّنَ ضَرَرُ الْأَبِ فَإِنْ تَبَيَّنَ، زُوِّجَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً مُنْقَطِعَةً مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ، أَوْ طَنْجَةَ، أَوْ الْأَنْدَلُسِ مِنْ مِصْرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا وَلَا اسْتَوْطَنَ الْأَبُ الْبَلَدَ الَّذِي هُوَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ تُؤَوَّلُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ تَاجِرًا لِغَيْرِ مُقَامٍ فَلَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَلَا سُلْطَانٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ وَلَيْسَ يُرِيدُ الْمُقَامَ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ فَلَا تَهَجُّمَ لِلسُّلْطَانِ عَلَى ابْنَتِهِ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ إلَّا أَنْ يَسْتَوْطِنَ ذَلِكَ الْبَلَدَ وَيَطُولَ مُقَامُهُ فِيهِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَالثَّلَاثِينَ حَتَّى يُؤَيِّسْ مِنْ رَجْعَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ أَبَدًا وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.
وَمَنْ غَابَ عَنْ ابْنَتِهِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ كَمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَغَازِي إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَطَنْجَةَ فَأَقَامَ بِهَا فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا وَلْيُزَوِّجْهَا، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ تَاجِرًا، أَوْ فِي سَفَرٍ لِغَيْرِ مُقَامٍ؛ فَلَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَلَا سُلْطَانٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ الِابْنَةُ انْتَهَى فَحُمِلَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَّةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مِصْرَ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: ذَلِكَ مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ انْتَهَى.
وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا الرَّجْرَاجِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةِ وَظَهَرَ مِنْ مِصْرَ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ فَصَدَّرَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَأَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ: وَظَهَرَ مِنْ مِصْرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لِقُوَّتِهِمَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِمَا وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ضَعَّفَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ قَالَ
فِي آخِرِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ بِالِاسْتِيطَانِ فَلَا وَجْهَ لَهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِحَيْثُ لَا يُرْتَجَى قُدُومُهُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، أَوْ تِجَارَةٍ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ فَلَا تُزَوَّجُ ابْنَتُهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَرُبَّمَا يُسْتَرْوَحُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: غَيْبَةُ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: غَيْبَةُ انْقِطَاعٍ، وَغَيْبَةُ ارْتِجَاعٍ، وَغَيْبَةُ انْقِطَاعٍ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ وَالِاضْطِرَارِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالِاخْتِيَارِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَعْنَى الْغَلَبَةِ وَالِاضْطِرَارِ كَالْأَسِيرِ فَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ فِي حِرْزٍ وَتَخْصِيصٍ وَنَفَقَةٍ جَارِيَةٍ وَلَمْ تَدْعُ إلَى النِّكَاحِ فَلَا تُزَوَّجُ فِي غَيْبَةٍ؛ إذْ لَا يُجْبِرُهَا سِوَاهُ وَإِنْ دَعَتْ إلَى النِّكَاحِ؛ زُوِّجَتْ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ حِرْزٍ وَتَحْصِينٍ، أَوْ كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَلَا كِفَايَةَ وَلَا مُؤْنَةَ مَعَهَا فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ إذَا خُشِيَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ وَالضَّيْعَةُ دَعَتْ إلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الِانْقِطَاعِ عَلَى مَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالِاخْتِيَارِ؛ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تُعْلَمَ حَيَاتُهُ، أَوْ تُجْهَلَ فَإِنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ وَكَانَ مَوْضِعُهُ قَرِيبًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي إنْكَاحِ بَنَاتِهِ دُعَوْنَ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِهِنَّ فَيَكُونُ كَالْعَاضِلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ الْمَدِينَةِ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تُزَوَّجُ بِلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ إلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا الْفَسَادُ وَالضَّيْعَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ جُهِلَتْ حَيَاتُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْإِمَامُ يَنْظُرُ لَهَا وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَخَ يُزَوِّجُهَا بِرِضَاهَا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَفْقُودِ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيِّ، أَوْ الْمَيِّتِ؟ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَبِ غَيْبَةَ ارْتِجَاعٍ كَمَنْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ، أَوْ لِطَلَبِ حَاجَةٍ فَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ بَنَاتِهِ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ هُوَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُعْتَبَرُ فِي غَيْبَةِ أَبِي الْبِكْرِ إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَّةَ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: لِغَيْرِ تِجَارَةٍ مِمَّا لَوْ خَرَجَ إلَى تِجَارَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُزَوَّجُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ يَرْجِعَ عَاجِلًا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ غَيْبَةُ انْقِطَاعٍ لَكِنْ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ التِّجَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الِانْقِطَاعِ وَمِثْلُ مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ انْتَهَى فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةَ مَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِاسْتِيطَانُ الَّذِي هُوَ السُّكْنَى بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَنْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ لَا تُزَوَّجُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَرْجِعَ عَاجِلًا وَيُفْهَمُ أَيْضًا ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْآتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا تُزَوَّجُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ الْأَبِ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ وَنَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادَ فَلَا تُزَوَّجُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْيَتِيمَةَ إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ فَلَا تُزَوَّجُ فَأَحْرَى الَّتِي أَبُوهَا حَيٌّ، نَعَمْ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، أَوْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا النَّفَقَةُ فَتُزَوَّجُ حِينَئِذٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ سَفَرُ الْأَبِ قَرِيبًا لَمْ تُزَوَّجْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعِيدًا، أَوْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ وَهِيَ فِي حَالِ صِيَانَةٍ وَلَمْ تَدْعُ إلَى التَّزْوِيجِ فَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ نَفَقَةٌ وَهِيَ تَحْتَ حَاجَةٍ؛ زُوِّجَتْ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَكَانَ أَسِيرًا، أَوْ فَقَيْدًا زُوِّجَتْ
وَاخْتُلِفَ إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَسِيرًا فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تُزَوَّجُ وَإِنْ خُشِيَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ؛ زُوِّجَتْ وَلَمْ تُتْرَكْ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَالتَّزْوِيجُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَهِيَ بِحَالِ الصِّيَانَةِ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِذَا عَدِمَتْ النَّفَقَةَ وَكَانَتْ تَحْتَ الْحَاجَةِ، أَوْ خُشِيَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُلُوغٌ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا غَابَ الْأَبُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ فَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً وَمَكَانُهُ مَعْرُوفًا إلَّا أَنَّ اسْتِئْذَانَهُ يَتَعَذَّرُ وَهِيَ بَالِغَةٌ فَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: يُزَوِّجُهَا الْإِمَامُ إنْ رَفَعَتْ إلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ بِوَجْهٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ قَطَعَ عَنْهَا النَّفَقَةَ جَازَ إنْكَاحُهَا بِرِضَاهَا وَإِنْ أَكْرَهَهَا لَمْ يَجُزْ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ طُولَ غَيْبَتِهِ ضَرَرٌ بِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ عَضَلَهَا انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا قَطَعَ الْأَبُ عَنْهَا النَّفَقَةَ فِي غَيْبَتِهِ وَخُشِيَتْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ فِي أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُزَوِّجُهَا هُنَا السُّلْطَانُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَوْ الْوَلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً أَمْ لَا فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا تُزَوَّجُ مَعَ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ فَأَحْرَى إنْ انْقَطَعَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَسِيرًا، أَوْ فَقَيْدًا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي نَفَقَتِهِ وَأُمِنَتْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْوَلِيَّ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ فُقِدَ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَأَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ انْتَقَلَ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ كَانَ مُجْبِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْقَضَاءُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ الْوَلِيُّ عِنْدَ الْحَاكِمِ طُولَ غَيْبَةِ الْأَبِ وَانْقِطَاعَ خَبَرِهِ وَالْجَهْلَ بِمَكَانِهِ، وَحِينَئِذٍ يُبِيحُ لِلْوَلِيِّ إنْكَاحَهَا اهـ. وَفِي الطِّرَازِ أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ فَجُعِلَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا اهـ. وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ فَالْأَبْعَدُ) فَمَشَى عَلَى مَا شَهَرَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثَ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْآخَرِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَقْرَبِ فَإِذَا غَابَ هَذَا الْأَقْرَبُ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ وَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ أَمْ لَا؟
قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ يُرِيدُ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ لَا لِلْأَبْعَدِ؛ لِأَنَّ غَيْبَةَ الْأَقْرَبِ لَا تُسْقِطُ حَقَّهُ وَالْحَاكِمُ وَكِيلُ الْغَائِبِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَقْرَبِ عَلَى مَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَفْعَلُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُرْسِلُ لِلْوَلِيِّ وَيُعْلِمُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقُرْبُ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ كَحُضُورِهِ، وَبَعِيدُهَا قَالَ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ الْوَلِيِّ زَوَّجَ السُّلْطَانُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كَوْنِ السُّلْطَانِ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ أَحَقَّ مِنْ الْأَبْعَدِ، أَوْ الْعَكْسَ قَوْلُهَا وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ انْتَهَى، وَانْظُرْ إذَا أُسِرَ الْأَقْرَبُ غَيْرُ الْأَبِ، أَوْ فُقِدَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ انْتَقَلَ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ كَانَ مُجْبِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْقَضَاءُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَإِنْ أُسِرَ أَيْ الْأَبُ، أَوْ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ
لِلْأَبْعَدِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ إذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ذَكَرَتْ مَعْرِفَةَ الشُّهُودِ أَنَّ النِّكَاحَ نَظَرٌ لَهَا وَأَنَّ الصَّدَاقَ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا يُفْعَلُ فِي الْوَصِيِّ؛ إذْ الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِي هَذَا النَّظَرِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ كَمَا يَفْعَلُ فِي إنْكَاحِهِ لَهَا غَيْرَهُ فَانْظُرْهُ.
ص (كَذِي رِقٍّ وَصِغَرٍ وَعَتَهٍ وَأُنُوثَةٍ)
ش: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَذْكُرَ شُرُوطَ الْوَلِيِّ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِضِدِّ الشُّرُوطِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ عَلَى ابْنَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا وَيَقْبَلُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَعْتُوهٍ وَلَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا وَلَا غَيْرَهَا، بَلْ تَلِي عَلَى عَبْدِهَا وَعَلَى الذَّكَرِ الْمُوَلَّاةِ هِيَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: شُرُوطُ الْوِلَايَةِ ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَالسِّتَّةُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حَلَالًا مُسْلِمًا وَالِاثْنَانِ: أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا عَدْلًا اهـ. فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله بِكَلَامِهِ هَذَا ذِكْرُ شُرُوطِ الْوِلَايَةِ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِضِدِّ الشُّرُوطِ فَهُوَ مُشَبَّهٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي سُقُوطِ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لَا فِي الِانْتِقَالِ فَقَدْ لَا يَكُونُ هُنَاكَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُشْكِلُ ذِكْرُ الْأُنُوثَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا: التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِانْتِقَالِ الْوِلَايَةِ، أَوْ لِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً وَمَالِكَةً وَمُعْتِقَةً لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوصَفَ بِالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ أُنُوثَتَهَا لَا تُفَارِقُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ فَإِنَّ الْمَانِعَ لَهُمْ عَارِضٌ غَيْرُ ذَاتِيٍّ يُرْتَجَى زَوَالُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص " كَعَبْدٍ أَوْصَى "
ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ فِي بَنَاتِهِمَا فَلَا يَعْقِدَانِ النِّكَاحَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَسْتَخْلِفَانِ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا فَالْعَبْدُ يُزَوِّجُ ابْنَهُ وَابْنَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَا يُزَوِّجُ
ابْنَتَهُ، أَوْ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُزَوِّجُ ابْنَةَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَا يُزَوِّجُهَا هُوَ وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ سَوَاءٌ مِثْلُ الْعَبْدِ فِي هَذَا وَالْمَرْأَةُ تَلِي الْعَقْدَ عَلَى مَنْ إلَى نَظَرِهَا مِنْ الذُّكُورِ وَلَا تَلِيهِ عَمَّنْ إلَى نَظَرِهَا مِنْ النِّسَاءِ لَكِنَّهَا تَسْتَخْلِفُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا يَصِحُّ لَهُ الْعَقْدُ اهـ. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي آخِرِ رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص " وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجِ الْجَمِيعِ "
ش: يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ الْمَحْرَمَ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص " لَا الْعَكْسُ "
ش: يَعْنِي إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا يُزَوِّجُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمَرْأَةَ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَلِيقُ بِهِ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ.
ص " وَلِابْنِ عَمٍّ وَنَحْوِهِ إنْ عَيَّنَ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِ تَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا وَتَرْضَى وَتُوَلِّي الطَّرَفَيْنِ "
ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ، أَوْ وَصِيًّا، أَوْ كَافِلًا أَوْ مَوْلَى أَعْلَى فَأَرَادَ تَزْوِيجَ وَلِيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَهُ ذَلِكَ وَيَتَوَلَّى طَرَفِي الْعَقْدِ فَيَعْقِدُ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ وَلَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا وَلِلَّخْمِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ: لَا يَعْقِدُ وَلَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَهَا مِنْهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي مِمَّنْ أَحْبَبْت فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ وَلَهَا أَنْ تُجِيزَ، أَوْ تَرُدَّ اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فَإِذَا رَضِيَتْ بِهِ أَشْهَدَ عَلَى رِضَاهَا خَوْفَ إنْكَارِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا اهـ. وَنَحْوُ ابْنِ الْعَمِّ الْحَاكِمُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ فَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ صِحَّةُ ذَلِكَ فِي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ خُصُوصًا عِبَارَةُ التَّلْقِينِ وَنَصُّهُ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَلِيَ نِكَاحَ نَفْسِهِ مِنْ وَلِيَّتِهِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ وِلَايَتُهُ اهـ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: بَابٌ إذَا كَانَ الزَّوْجُ وَلِيًّا هَلْ تُوَكِّلُهُ فَيُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ؟
اُخْتُلِفَ فِيهِ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَكُونُ زَوْجًا وَوَلِيًّا وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَأَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا وَلِيَّ لَهَا وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى وِلَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَتْ دَنِيَّةً لَا قَدْرَ لَهَا يَجُوزُ أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يُزَوِّجُهَا عَلَى الْعَقْدِ فَيَعْقِدُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَوْلِيَائِهَا وَيُمْنَعُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ يَعْقِدُ لَهَا مِنْهُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَإِنْ وَكَّلَهُ مَضَى وَجَازَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
. ص (وَإِنْ تَنَازَعَ الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي الزَّوْجِ، أَوْ الْعَقْدِ نَظَرَ
الْحَاكِمُ) ش هَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ سَعْدُونَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَوْلِيَاءُ وَهُمْ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ نَظَرَ السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيمَنْ يَعْقِدُ، أَوْ فِي الزَّوْجِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ فِي الزَّوْجِ تَعَيَّنَ مَنْ عَيَّنَتْهُ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَ كُفُؤًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتُحْمَلُ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ تُعَيِّنْ أَحَدًا وَفَوَّضَتْ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَلِي الْعَقْدَ فَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ سِتَّةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ يَنْظُرُ السُّلْطَانُ الثَّانِي لِعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: تُعَيِّنُ الْمَرْأَةُ أَحَدَهُمْ الثَّالِثُ لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: أَفْضَلَهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَسَنَّهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَلِيَهُ كُلُّهُمْ إنْ تَشَاحُّوا وَزَادَ الْمُتَيْطِيُّ وَالْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُفَوِّضَ لِأَحَدِهِمْ دُونَ سَائِرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلِيِّ.
(قُلْت) وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَلِيَهُ كُلُّهُمْ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولُوا لَهُ جَمِيعًا زَوَّجْنَاكَ فُلَانَةَ؟
وَلَفْظُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ وَالسِّنِّ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عَقْدِ ذَلِكَ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَلَا إشْكَالَ إنْ فَوَّضُوا جَمِيعًا لِرَجُلٍ يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) لِلْكَافِي أَفْضَلُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا عَقَدَ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ يُعَيِّنُهُ مِنْهُمْ.
(الْخَامِسُ) أَيْضًا يُعَيِّنُ أَحَدَهُمْ وَلَا يَعْقِدُ هُوَ.
(السَّادِسُ) اللَّخْمِيُّ لَوْ قِيلَ: يَعْقِدُونَ أَجْمَعُونَ دُونَ تَعْيِينِ الْأَفْضَلِ كَانَ حَسَنًا وَلَا إشْكَالَ إنْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَعَقَدَ فِي صِحَّةِ عَقْدِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ بِمَا عِنْدَ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا لِلْآخَرِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانُوا فِي دَرَجَةٍ أَنْ يُزَوِّجَ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إذْنِ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص " وَإِنْ أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَعَقَدَا فَلِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ الثَّانِي بِلَا عِلْمٍ "
ش: أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ يَعْنِي بِأَنْ تَكُونَ فَوَّضَتْ إلَيْهِمَا فِي رَجُلَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ، أَوْ لِمَا عَيَّنَ لَهَا الثَّانِي نَاسِيَةً الْأَوَّلَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ الثَّانِي فَإِنْ تَلَذَّذَ فَهِيَ لِلثَّانِي وَهُوَ كَذَلِكَ وَانْظُرْ لَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ تَصَادَقَ هُوَ وَالزَّوْجَةُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَلَذُّذٌ وَلَا وَطْءٌ مَا الْحُكْمُ؟ هَلْ تَكُونُ هَذِهِ الْخَلْوَةُ فَوْتًا عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ لَا تَكُونُ فَوْتًا؟
وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الدُّخُولَ فَوْتٌ وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا ثَبَتَ لِلثَّانِي هَلْ يُفْسَخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؟
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ أَحَدُهُمَا وَجُهِلَ الْأَوَّلُ فَهَلْ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، أَوْ الْوَلِيَّانِ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْأَوَّلُ فِيهِ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْوَاضِحَةِ: التَّصْدِيقُ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ: وَانْظُرْ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّهُ زَوَّجَ وَقَدْ عَلِمَ بِتَزْوِيجِ الْآخَرِ قَبْلَهُ هَلْ يَصِحُّ لَهُ النِّكَاحُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، أَوْ لَا؟ انْتَهَى.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا عِلْمٍ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَدَخَلَ لَمْ تَفُتْ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الدُّخُولُ وَكَانَتْ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهَا لِلثَّانِي أَنْ يَدْخُلَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْأَوَّلِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ ثَانٍ؛ فَلَا انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يُفِيدُهُ طَلَاقُ الْأَوَّلِ، أَوْ مَوْتُهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ هَلْ يُحَدُّ، أَوْ لَا يُحَدُّ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَدَخَلَا جَمِيعًا فُسِخَ النِّكَاحَانِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ وَيَدْخُلُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَاقُهَا الْمُسَمَّى بِالْمَسِيسِ انْتَهَى، وَأَمَّا إذَا دَخَلَا جَمِيعًا وَعُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَمْ يَعْلَمْ بِعَقْدِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ دُخُولُ الثَّانِي قَبْلَ دُخُولِ الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَهُ لِكَوْنِهِ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي دَخَلَ قَبْلَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَا شَكَّ فِي مُضِيِّ نِكَاحِهِ وَإِبْطَالِ إنْكَاحِ الْآخَرِ انْتَهَى.
، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي انْتَهَى إلَّا أَنَّهُمَا قَالَاهُ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي