الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِنَازَةٍ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ السَّعْيِ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ جَلَسَ مَعَ أَحَدٍ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَنَى فِيمَا خَفَّ، وَلَمْ يَتَطَاوَلْ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ فِي سَعْيِهِ مَضَى وَتَوَضَّأَ، وَبَنَى انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ: وَلَوْ جَلَسَ لِيَسْتَرِيحَ فَنَعَسَ، وَاحْتَلَمَ فَلْيَذْهَبْ فَيَغْتَسِلْ وَيَبْنِي، وَإِنْ أَتَمَّهُ جُنُبًا أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَسْعَى، وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ طَافَ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَسْعَى إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ يُخَافُ فَوَاتُهَا أَوْ يَتَعَذَّرُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَيَرْجُو بِالْخُرُوجِ ذَهَابَهَا كَالْحَقْنِ وَالْخَوْفِ عَلَى الْمَنْزِلِ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَصَارَ كَتَارِكِ مَا كَانَ فِيهِ فَلْيَبْتَدِئْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ السَّعْيَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ سَعْيُهُ كَانَ كَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْعَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَسَدَ الطَّوَافُ (الثَّالِثُ:) تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ التَّهْذِيبِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَتَبَاعَدَ وَجَامَعَ النِّسَاءَ، فَعَطْفُ قَوْلِهِ: وَجَامَعَ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ عَطْفُهُ بِأَوْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ
ص (وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَتِهِ حَرَامًا)
ش يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَتِهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ بَلَدِهِ مُحْرِمًا مُتَجَرِّدًا مِنْ الْمَخِيطِ، كَمَا كَانَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، وَلَمْ يَسْعَ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعُمْرَةَ، وَيُهْدِي قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ.
(قُلْتُ:) وَيَقْضِيهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ أَوَّلًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ تَطَيَّبَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
(تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَتَعَدَّدَتْ مِنْهُ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَاتَّحَدَتْ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله هَذَا التَّفْرِيعَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شُرُوطَ الطَّوَافِ، وَقَالَ فِيهِ: إنْ لَمْ يَصِحَّ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِمَنْ طَافَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا هَذَا التَّفْرِيعَ فِيمَنْ طَافَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، وَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَسَنٌ.
ص (وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ فَقَارَنَ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.
[فَرْعٌ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَهَا عَنْ ذَكَرِهِمَا]
(فَرْعٌ) : فَإِنْ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَهَا عَنْ ذَكَرِهِمَا بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بِالْقُرْبِ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَهَلْ يَكُونُ قَارِنًا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَارِنٌ؛ لِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ الرَّكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنْ كَانَ قَدْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي، وَإِنْ وَطِئَ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ، أَمَّا إنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَرْكَعُهُمَا وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا، وَأَنَّ إحْرَامَهُ يَقُومُ مَقَامَ الطَّوَافِ وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي حَسَنٌ وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا عَقَدَ الْحَجَّ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالطُّولِ الَّذِي لَا يَطُوفُ مَعَهُ، وَلَا يَسْعَى فَلَا يَكُونُ قَارِنًا، فَعَقْدُهُ الْحَجَّ إذَا تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ طَوَافِ عُمْرَتِهِ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَكَانَ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِعُمْرَةٍ]
(فَرْعٌ) : فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِعُمْرَةٍ كَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ تَحَلُّلًا مِنْ الْأُولَى قَالَهُ سَنَدٌ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ كَانَ اعْتَمَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعُمْرَةِ الَّتِي فِيهَا الْخَلَلُ لَكَانَ قَدْ تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الثَّانِيَةِ انْتَهَى.
وَانْظُرْ لَوْ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى بَعْدَهُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى بِلَادِهِ أَنَّ طَوَافَهُ لَمْ يَصِحَّ، هَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي سَنَدٍ أَمَّا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ فَلَا
كَلَامَ فِي الْإِعَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ، وَلَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِذَلِكَ إنْ كَانَ أَوْقَعَ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ السَّعْيِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلسَّعْيِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَاقْتَصَرَ مِمَّا لَوْ ذَكَرَ أَنَّ طَوَافَ قُدُومِهِ لَمْ يَصِحَّ فَأَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ إفَاضَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ أَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ إفَاضَتِهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ، فَإِنَّ ابْنَ يُونُسَ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَقَدْ أَتَى بِهِ، وَإِنَّمَا عَدِمَ النِّيَّةَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَعَادَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَاهُ كَمَنْ طَافَ أَوَّلَ دُخُولِهِ لَا يَنْوِي فَرِيضَةً، وَلَا تَطَوُّعًا وَسَعَى، وَلَمْ يَذَّكَّرْ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ خَفِيفٌ فَكَذَلِكَ هَذَا انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هَذَا الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ بِسَعْيِهِ السَّعْيَ الْفَرْضَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِمَا تَقَدَّمَ وَانْظُرْ إذَا أَحْرَمَ هَذَا الَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ لَهَا وَسَعَى وَكَمَّلَ عُمْرَتَهُ فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَا كَلَامَ فِي عَدَمِ انْعِقَادِهَا لِبَقَاءِ رُكْنٍ مِنْ الْحَجِّ، وَهُوَ السَّعْيُ، وَهَلْ يُجْزِيهِ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ لِلْعُمْرَةِ عَنْ سَعْيِ حَجِّهِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لِحَجِّهِ لِيَأْتِيَ بِذَلِكَ بِنِيَّةٍ تَخُصُّهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ تَعْلِيلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يُتَطَوَّعُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ أَتَى بِهِ فِي الْعُمْرَةِ الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى لَهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْإِفَاضَةَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ، وَلَا دَمَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ طَوَافَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ طَوَافًا صَحِيحًا تَطَوُّعًا أَوْ لِوَدَاعٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ حِينَئِذٍ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَيُجْزِئُهُ مَا طَافَهُ تَطَوُّعًا عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ رَجَعَ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ فَيَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَيُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ إعَادَةً إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا إذَا فَاتَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) لَا إشْكَالَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالْإِعَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَصَاحِبِ النُّكَتِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعًا أَمْ لَا؟ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، وَمِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ مَعَ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ (الثَّانِي:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمَشْهُورَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِسْيَانًا بِخِلَافِ الْعَمْدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى النِّسْيَانِ، وَقَدْ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ: لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ الْإِفَاضَةَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ:) حُكْمُ مَنْ نَسِيَ الطَّوَافَ بِالْكُلِّيَّةِ حُكْمُ مَنْ طَافَ، وَلَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ وَنَسِيَ ذَلِكَ حَتَّى طَافَ لِلْوَدَاعِ أَوْ غَيْرِهِ وَخَرَجَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يُجْزِئُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَيْتِ فَافْتَقَرَتْ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَوَجْهُ
مَا قُلْنَاهُ: أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينٍ بِدَلِيلِ الْوُقُوفِ وَالْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ، وَهَذَا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينٍ نَعَمْ نِيَّةُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ الْحَجِّ فِي زَمَانِ الْحَجِّ فَلَمَّا صَحَّ الطَّوَافُ فِي نَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمُ أَنَّهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَيَسْتَحِبُّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ الدَّمَ، كَمَنْ طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَسَعَى، وَلَمْ يُعِدْ سَعْيَهُ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَلْ يُجْزِئُ طَوَافُ الْقُدُومِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ
ص (حَلَالًا إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَكُرِهَ الطِّيبُ وَاعْتَمَرَ، وَإِلَّا كَثُرَ إنْ وَطِئَ) ش هَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ أَوْ طَوَافُ إفَاضَتِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَكَانَ طَوَافُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَمْ يُعِدْ بَعْدَ طَوَافِ السَّعْيِ الْإِفَاضَةَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ، وَكَانَ طَوَافُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجِعُ مِنْ بَلَدِهِ حَلَالًا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ كُلِّهَا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، أَمَّا الطِّيبُ فَيُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا يَحْرُمُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ: بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِذَا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ فَلَا يُجَدِّدُ إحْرَامًا مِنْ الْمِيقَاتِ إذَا مَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى بَقِيَّةِ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَا يُلَبِّي فِي طَرِيقِهِ؛ لِأَنَّ تَلْبِيَتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، فَإِذَا وَصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَكَّةَ كَمَّلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ بَقِيَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لَكِنَّ السَّعْيَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ فَيَطُوفُ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْعَى فَيُتِمُّ تَحَلُّلَهُ مِنْ الْحَجِّ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
(قُلْتُ:) وَيَنْوِي بِطَوَافِهِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ قَبْلَ السَّعْيِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَاتَ مَحِلُّهُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَطَلَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَصَارَ كَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ إفَاضَتِهِ يَطُوفُ الْإِفَاضَةَ فَقَطْ، وَلَا يَحْلِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَقَ بِمِنًى، فَإِذَا كَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إحْرَامَهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ، وَأَنَّ جُلَّ النَّاسِ يَقُولُونَ: لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْرَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِيمَنْ أَصَابَ النِّسَاءَ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ: وَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ الْمَوَاقِفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَمْ يَسْعَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَأَصَابَ النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ فَلْيَرْجِعْ لَابِسًا لِلثِّيَابِ حَلَالًا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى ثُمَّ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ إذَا رَجَعَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَقَ بِمِنًى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ حَلَّ لَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَهُوَ خَفِيفٌ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ الَّذِي طَافَهُ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ، وَهُوَ كَالْمُرَاهِقِ
وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْهَدْيِ تُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
فَلَمْ يَذْكُرْ الْعُمْرَةَ إلَّا مَعَ إصَابَةِ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ وَتَهْذِيبِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ يَطَأْ فَلْيَرْجِعْ فَيَفْعَلْ مَا وَصَفْنَا وَيُهْدِي هَدْيًا وَاحِدًا، وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ فَلِيُعِدْ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النُّكَتِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الَّذِي طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَطَأْ فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ فَلْيُعِدْ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ فِي تَهْذِيبِهِ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَإِنْ لَمْ يَقْرَبْ النِّسَاءَ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ مَعَ عَدَمِ إصَابَةِ النِّسَاءِ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ فَرْحُونٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ: قَوْلُ جُلِّ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الطَّوَافِ بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ عَلَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافٍ صَحِيحٍ لَا وَطْءَ قَبْلَهُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ، وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَلَا وَجْهَ لِلْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ جُلَّ النَّاسِ يَقُولُونَ: تَجِبُ الْعُمْرَةُ إذَا وَطِئَ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ جُلِّ النَّاسِ أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَ النِّسَاءَ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي، وَقِيلَ: لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَ وَجُلُّ النَّاسِ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُخْتَلَفُ فِي طَلَبِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ، هَلْ يُؤْمَرُ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَ انْتَهَى.
وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ رحمه الله فِي عَدَمِ اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ كَثْرَةِ تَنْبِيهِهِ عَلَى مَا خَالَفَ فِيهِ نَقْلَ الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَقَدَّمَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَسَعَى بَعْدَهُ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَهُ، وَقَدْ سَوَّى ابْنُ الْحَاجِبِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ سِيَاقَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّهُ خَلَطَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ قَوْلَهُ: وَيَرْجِعُ حَلَالًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ لِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ الثَّانِي فِي الصُّورَتَيْنِ (الثَّالِثُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ هُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٌ، وَقِيلَ: يَطُوفُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَيَقْضِي قَابِلًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ شِهَابٍ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَ جُلُّ النَّاسِ أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَوَى مَالِكٌ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ وَحَكَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ أَنَّهُ يَنْحَرُ بَدَنَةً، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِم وَعَطَاءٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نَحْرُ بَدَنَةٍ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَبِيعَةَ قَالَ، وَرَوَى ابْنُ الْجَهْمِ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ أَقِيسُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَعَطَاءٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا انْتَهَى.
(قُلْت:) وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِلُزُومِ الْعُمْرَةِ مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ
جُلُّ النَّاسِ، وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: الْأَكْثَرُ جُلُّ الْعُلَمَاءِ خَارِجُ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْهَدْيِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ النِّسَاءُ وَجَبَ الْهَدْيُ مَعَ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ إلَى الْمُحَرَّمِ فَهَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاحِدٌ أَوْ هَدْيَانِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: يُخْتَلَفُ فِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ يُهْدِي هَدْيَيْنِ فِي عُمْرَتِهِ هَدْيًا لِلْوَطْءِ، وَهَدْيًا لِلتَّفْرِقَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى فِي ذَلِكَ هَدْيًا، وَالْأَوَّلُ: أَقِيسُ؛ لِأَنَّهُمَا هَدْيَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْوَقْتُ فَيَجِبُ إيقَاعُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فِي أَشْهَرِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ شَيْئًا عَنْ زَمَانِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَبْرُ لِخَلَلِ مَا تَرَكَ، وَالْجَبْرُ فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ الدَّمُ، وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ، فَكَانَ خَفِيفًا كَتَرْكِ الْهَرْوَلَةِ وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْعُمْرَةِ، وَالدَّمُ يَفِي بِذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى.
أَمَّا إذَا لَمْ يُصِبْ النِّسَاءَ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَجِّهِ يُرِيدُ قَبْلَ دُخُولِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَسَادٌ يَعْنِي لِلْوَطْءِ، هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهَدْيُ، وَيُخْتَلَفُ فِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِمَالِكٍ: مَنْ جَهِلَ فَلَمْ يَسْعَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيَرْجِعْ مَتَى مَا ذَكَرَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَحْسَنُ فِيهِ أَنْ يُرَاعِيَ الْوَقْتَ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ خُرُوجِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ خَفِيفٌ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَاَلَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْمُحَرَّمُ، وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ (الْخَامِسُ:) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ قَوْلُهُ: وَاعْتَمَرَ يَعْنِي إذَا رَجَعَ حَلَالًا فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ أَيْ: إذَا رَجَعَ مَكَّةَ فَلَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِعُمْرَةٍ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
(قُلْت:) لَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَاقِضٌ فَتَأَمَّلْهُ (السَّادِسُ:) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إلَخْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَحُكْمُ الْقَارِنِ كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَلَوْ مَرَّ إنْ نَوَاهُ)
ش: هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الْحَجُّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ وَإِضَافَةُ الْحُضُورِ لِجُزْءِ عَرَفَةَ عَلَى مَعْنَى فِي وَسَاعَةَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَهِيَ مُضَافَةٌ لِلَيْلَةِ النَّحْرِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: جُزْءِ عَرَفَةَ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ يَقِفُ النَّاسُ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى الْهِضَابِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى الْهِضَابِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ، وَحَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، ثُمَّ قَالَ: فَفِيهَا عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ، وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ إذَا وَقَفَ مَعَ النَّاسِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ فَوَقَفَ دُونَهُمْ أَجْزَأَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا ارْتَفَعَ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا: قَالَ أَشْهَبُ: وَأَحَبُّ مَوْقِفِ عَرَفَةَ إلَيَّ مَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ مَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: مَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا قَرُبَ مِنْهَا إلَى مَوْضِعِ وُقُوفِ النَّاسِ فَمِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ عَرَفَةَ عَلَى أَصْلِهَا، وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَعْنَى الَّذِي فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَقُولُ: إنَّ الِاسْتِنَادَ إلَى الْهِضَبِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ، وَحَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ، كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ بِالْوَاوِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ، وَهُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَلَفْظُهُ: إذَا انْقَضَتْ الصَّلَاةُ فَخُذْ
فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَامْضِ إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَاسْتَنِدْ إلَى الْهِضَابِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أُفَضِّلُ ذَلِكَ، وَحَيْثُ مَا وَقَفْتَ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَك انْتَهَى.
وَكَانَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَقِفُ هُنَاكَ، وَأَمَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَقِفُ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ آخِرِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَتَحَصَّلَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ إذَا وَقَفَ حَيْثُ يَقِفُ النَّاسُ، وَأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى جَبَلِ عَرَفَةَ، وَلَا يَبْعُدُ عَنْ مَحَلِّ وُقُوفِ النَّاسِ، وَنَحْوُهُ مَا حَكَاهُ أَشْهَبُ هَذَا الَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ، وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَالِاخْتِيَارُ الْوُقُوفُ مَعَ النَّاسِ وَيُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ انْتَهَى.
وَظَاهِرُهُ مُتَدَافِعٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ أَيْ: مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُوَافِقًا لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيَزُولُ عَنْهُ التَّدَافُعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ: لَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَحَبُّوا الْوُقُوفَ حَيْثُ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَهَذَا الْمَوْقِفُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي تَوَسَّطَ أَرْضَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ هُنَاكَ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ نَصَّ حُذَّاقُ الْمَذْهَبِ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوُقُوفِ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامُ بِالْقَصْدِ إلَيْهِ تَبَرُّكًا بِآثَارِهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
، وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الْوُقُوفَ بِمَوْضِعِ وُقُوفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحٍ قَوْلُهُ: حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقُصْوَى إلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ، فِيهِ إنَّ السُّنَّةَ الْوُقُوفُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَاسْتَحَبُّوا هَذَا الْمَوْضِعَ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ تَعْرِيفٌ بِتَوْسِعَةِ الْأَمْرِ عَلَى أُمَّتِهِ وَبَيَانٌ لَهُمْ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الْوُقُوفَ بِمَوْضِعِ وُقُوفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى مَا قَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مُعَلَّى هُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ خِلَافُهُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَأَفْضَلُ الْمَوَاقِفِ فِي قَوْلِ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَةِ فِي طُرُقِ الرَّوَابِي الصِّغَارِ الَّتِي عِنْدَ ذَيْلِ الْجَبَلِ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ، وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُسَمَّى بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ لَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ وَيَقِفُ مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ أَيْ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ يَقْتَضِي فَضْلَ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ الْقُرْبِ مِنْ مَحِلِّ وُقُوفِهِ صلى الله عليه وسلم تَبَرُّكًا بِهِ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ مَكْرُوهٌ، وَمِثْلُهُ الْبَعْدُ عَنْ مَحِلِّ وُقُوفِ النَّاسِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي مَحَلِّ وُقُوفِ النَّاسِ، وَالْقُرْبُ مِنْ الْهِضَابِ حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ، وَالْهِضَابُ بِكَسْرِ الْهَاءِ جَمْعُ هَضْبَةٍ عَلَى وَزْنٍ تَمْرَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْهَضْبَةُ الْجَبَلُ الْمُنْبَسِطُ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ جَبَلٌ خُلِقَ مِنْ صَخْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ الْمُمْتَنِعُ الْمُنْفَرِدُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي حِجْرِ الْجَبَلِ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَيُقَالُ: لِجَبَلِ الرَّحْمَةِ إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ اجْتَهَدَ وَالِدِي - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ - فِي تَعْيِينِ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
وَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَقَالَ: إنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْمَوْقِفِ صَاعِدَةٌ فِي الرَّابِيَةِ، وَهِيَ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَاءَهَا صَخْرٌ نَاتِئٌ مُتَّصِلٌ بِصَخْرِ الْجَبَلِ الْمُسَمَّى بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ الْمَذْكُورِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ، وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَبَلُ قُبَالَةَ الْوَاقِفِ بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَيَكُونُ طَرَفُ الْجَبَلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ، وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِهِ بِقَلِيلٍ وَرَاءَ، وَقَالَ: إنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ أَيْ: يَسَارِ الْجَبَلِ، وَقَوْلُهُ: بِيَمِينٍ أَيْ: فِي جِهَةِ يَمِينِ الْوَاقِفِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ بِقَلِيلٍ وَرَاءَ أَيْ: عَنْ يَسَارِهِ إلَى جِهَةِ وَرَاءَ، وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: بَيْتُ آدَمَ قَالَ الْفَاسِيُّ، وَكَانَ سِقَايَةً لِلْحَاجِّ أَمَرَتْ بِعَمَلِهَا وَالِدَةُ الْمُقْتَدِرِ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَالْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَقِفُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا يَقِفُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْجَبَلِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَرَاهُمْ النَّاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ:) نَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَدَّ عَرَفَةَ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ بِالنُّونِ إلَى جِبَالِ عَرَفَةَ إلَى وَصِيقٍ إلَى مُلْتَقَى وَصِيقٍ وَوَادِي عَرَفَةَ بِالْفَاءِ وَوَصِيقٍ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَقَافٍ قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ: وَعَرَفَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ إلَى أَنْ تَقْضِيَ إلَى طَرِيقِ نَعْمَانَ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ مِنْ عَرَفَةَ انْتَهَى.
وَأَصْلُهُ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الزَّاهِي، وَيَقِفُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَشِمَالِهِ وَأَمَامِهِ وَخَلْفِهِ وَعَرَفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَعُرَنَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ نَعْمَانَ، وَاَلَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ حِضْنٍ، مَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ مِنْ عَرَفَاتٍ انْتَهَى.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ كَلَامًا طَوِيلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَبَلَ الرَّحْمَةِ فِي وَسَطِ عَرَفَةَ، وَالنَّاسُ يَنْزِلُونَ حَوْلَهُ فِي قِطْعَةٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَهِيَ مُتَّسِعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَات، وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُدُودِهَا مَا يَلِي الْحَرَمَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَلِئَلَّا يُجَاوِزَهُ الْحَاجُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا بِالْأَعْلَامِ الَّتِي بُنِيَتْ، وَكَانَتْ ثَلَاثَةً فَسَقَطَ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَبَقِيَ اثْنَانِ مَكْتُوبٌ فِي أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ أَنْ يُجَاوِزَ هَذِهِ الْأَعْلَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ اُشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ تَرْجِيحُ الْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَيُوقِدُونَ الشَّمْعَ عَلَيْهِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ، وَيَهْتَمُّونَ بِاسْتِصْحَابِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيَخْتَلِطُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ فِي الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ وَجَهَالَةٌ، وَابْتِدَاعٌ قَبِيحٌ حَدَثَ بَعْدَ انْقِرَاضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ نَسْأَلُ اللَّهَ إزَالَتَهُ وَسَائِرَ الْبِدَعِ، وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ فَاسْتَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ، وَسَمَّاهُ جَبَلَ الدُّعَاءِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ انْتَهَى.
(قُلْت:) ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى اسْتِحْبَابَ طُلُوعِهِ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُضُورِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ الْكَوْنُ بِعَرَفَةَ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ ذَلِكَ بِقِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ مَا عَدَا الْمُرُورَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ سَنَدٌ، وَلَا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ فِي الْوُقُوفِ قِيَامًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَوْنُ بِعَرَفَةَ فَكَيْفَ مَا كَانَ أَجْزَأَهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ جَالِسًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، وَكَيْفَ مَا تَصَوَّرَ، وَقَالَ بَعْدَهُ: الْوَاجِبُ مِنْ الْوُقُوفِ الْكَوْنُ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ قَائِمًا إنْ كَانَ مَاشِيًا أَوْ يَرْكَبَ نَاقَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْوَقُورِ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الطُّمَأْنِينَةُ بِعَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا وَاقِفًا أَوْ جَالِسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مَا عَدَا الْمُرُورَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ الْوُقُوفَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ
الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَالرُّكُوبُ لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الْأَكْثَرِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُرَادُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الطُّمَأْنِينَةُ، وَلَوْ جَالِسًا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُقُوفِ الْقِيَامَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فَالرَّاكِبُ بِغَيْرِهِ يُسَمَّى وَاقِفًا بَلْ الْمُرَادُ الطُّمَأْنِينَةُ بِعَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا وَاقِفًا أَوْ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا مَا عَدَا الْمُرُورَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ مَرَّ إنْ نَوَاهُ أَشَارَ بِهِ إلَى الْخِلَافِ فِي إجْزَاءِ الْمُرُورِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ يُجْزِئُ إذَا نَوَى بِهِ الْوُقُوفَ، وَيُرِيدُ إذَا عَرَّفَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدَ هَذَا إلَّا لِجَاهِلٍ، مَا ذَكَرَهُ مِنْ إجْزَاءِ الْمُرُورِ إذَا نَوَى بِهِ الْوُقُوفَ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلِابْنِ مُحْرِزٍ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ أَنَّهُ شَهَرَ إجْزَاءَ الْمُرُورِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَلَمْ يَنْوِ الْوُقُوفَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مُرُورُهُ إذَا عَرَفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْوُقُوفَ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الْمُرُورَ إذَا عَرَفَهَا وَنَوَى الْوُقُوفَ، وَذَكَرَ اللَّهَ، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ عَرَفَةَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِذَا قِيلَ: إنَّ الْمُرُورَ يُجْزِئُ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ
(الثَّانِي:) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، وَلَمْ يَقِفْ لَيْلًا لَمْ يُجْزِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ: وَهِيَ قَوْلُهُ: عِنْدَنَا فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ لَيْلًا يُجْزِيهِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ زَمَنَ الْوُجُوبِ مُوَسَّعٌ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْدَئِهِ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَمَالِكٌ يَقُولُ: مِنْ الْغُرُوبِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَاسْتَقْرَأَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ مَسَائِلَ، وَلَيْسَ اسْتِقْرَاؤُهُ بِالْبَيِّنِ فَلِذَلِكَ لَمْ نَنْقُلْهُ هُنَا نِعْمَ الْحَقُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَيْهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ أَعْلَمُ
بِالسُّنَّةِ، وَبِمَا وَرَدَ مِنْهَا، وَبِمَا هُوَ مِنْهَا مَعْمُولٌ بِهِ، وَجَرَى بِهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَفَتَاوِيهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ بِالنَّاسِ الْإِمَامُ الْمَالِكِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ الْمَالِكِيِّ يُفْسِدُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ حَجَّهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَإِنْ كَانَ مَالِكِيًّا لَمْ يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ (قُلْت:) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى طَلَبِ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ (الثَّالِثُ:) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله حُكْمَ الْوُقُوفِ نَهَارًا، وَهُوَ وَاجِبٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَمَنْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَمَحِلُّهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ، وَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ ذَكَرَ فَرَجَعَ وَوَقَفَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ: وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَدْفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مَغْلُوبًا فَهَلْ يُجْزِيهِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: نَفْيُ الْإِجْزَاءِ أَصْلُ الْمَذْهَبِ، وَثُبُوتُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيّ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَالْقَوْلُ بِالْإِجْزَاءِ لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الْمَوْسِمِ يَنْزِلُ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ سَنَةَ الْغُلُوِّ مِنْ هُرُوبِهِمْ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يُتِمُّوا الْوُقُوفَ أَنَّهُ يُجْزِيهِمْ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ:) مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ سَنَدٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِنِيَّتِهِ الِانْصِرَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ (قُلْت:) فَعَلَى هَذَا مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ لِأَجْلِ الزَّحْمَةِ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِلسِّعَةِ وَيَقِفَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) إذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا قَالَ فِي الزَّاهِي: فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ