الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه الْكَعْبَةَ عَبِيدًا، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى انْقِرَاضِ الْحَجَبَةِ؛ لِأَنَّ خُدَّامَ الْكَعْبَةِ غَيْرُ وُلَاةِ فَتْحِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ إلَى زَمَانِنَا، وَكَثِيرًا يَقَعُ فِي كَلَامِ الْأَزْرَقِيِّ وَالْفَاكِهِيِّ ذِكْرُ الْحَجَبَةِ، ثُمَّ ذِكْرُ خَدَمَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ عَبِيدِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ انْقِرَاضُهُمْ فِي زَمَانِ سَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، وَالنُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ صَرِيحَةٌ فِي بَقَائِهِمْ بَعْدَهُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، بَلْ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَاشَ إلَى أَيَّامِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِمْ إلَى زَمَانِهِ، وَقَدْ عَاشَ إلَى سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَلَوْ انْقَرَضُوا لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقِفَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ عَلَى مَا نَقَلَ الشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ خُصُوصًا مَعَ مَا قَوَّى بِهِ مِمَّا نُسِبَ لِسَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ فَيُتَوَهَّمُ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ مَا أَشَارَ الْعُلَمَاءُ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنْ بَقَائِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَوَائِدُ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَفْتَحُ الْكَعْبَةَ إلَّا الْحَجَبَةُ]
(فَوَائِدُ الْأُولَى) ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَخَذَ الْمِفْتَاحَ مِنْ عُثْمَانَ فَتَحَهَا بِيَدِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَفْتَحُ الْكَعْبَةَ إلَّا الْحَجَبَةُ.
(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ كَانَ مُضْطَبِعًا عَلَيْهِ رِدَاءَهُ مُغَيِّبًا لَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ، وَقَالَ: غَيِّبُوهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلِذَلِكَ يُغَيَّبُ الْمِفْتَاحُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ:) فَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يُرْخُونَ سِتْرَ الْبَابِ حِينَ فَتْحِهِ وَحِينَ إغْلَاقِهِ
[سُنَّة الْمَكِّيِّينَ إذَا ثَقَلَ لِسَانُ الصَّبِيِّ]
(الثَّالِثَةُ) قَالَ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا: كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْمَكِّيِّينَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ إذَا ثَقَلَ لِسَانُ الصَّبِيِّ وَأَبْطَأَ كَلَامُهُ عَنْ وَقْتِهِ جَاءُوا بِهِ إلَى حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ فِي فَمِهِ فَيَأْخُذُونَهُ الْحَجَبَةُ فَيَدْخُلُونَ خِزَانَةَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ يُغَطُّونَ وَجْهَهُ، ثُمَّ يُدْخَلُ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي فَمِهِ فَيَتَكَلَّمُ سَرِيعًا وَيَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مُجَرَّبٌ بِمَكَّةَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَإِلَى عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِمِائَةٍ (قُلْتُ:) وَإِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَلَا يَخُصُّونَ بِذَلِكَ مَنْ ثَقَلَ لِسَانُهُ بَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالصِّغَارِ مُطْلَقًا تَبَرُّكًا بِذَلِكَ وَرَجَاءَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ وَالْفَهْمِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَا آبَاؤُنَا وَفَعَلْنَاهُ بِأَوْلَادِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ
. ص (وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَلَوْ لِصَلَاةٍ)
ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ وَفِي الْكِتَابِ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ، فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَالْمُدْرَكُ إمَّا لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْعَادَةُ تَلْزَمُ أَحَدَهُمَا، وَإِمَّا لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا، فَكَانَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَيْهِمَا بِالِالْتِزَامِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ النَّاذِرُ الْمَشْيَ إنْ نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ طَوَافًا أَوْ صَلَاةً لَزِمَهُ، وَيَدْخُلُ مُحْرِمًا إذَا نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَإِنْ نَوَى طَوَافًا يَتَخَرَّجُ دُخُولُهُ مُحْرِمًا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ حَلَالًا، وَنَاذِرُ السَّعْيِ يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَسْقُطُ نَذْرُهُ أَوْ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِانْفِرَادِهِ، فَيُصَحِّحُ نَذْرَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَتَى مَكَّةَ وَوَفَّى بِنَذْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي لِلنَّفْلِ، فَإِنْ نَوَى الْوُصُولَ خَاصَّةً، وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَانَ نَذْرُهُ مَعْصِيَةً فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْمَشْيِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ مَشْيٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى الْوُصُولَ وَيَعُودُ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَفَضِيلَةٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا مَشْيَ وَلَا غَيْرَهُ، أَوْ يَكُونُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي نَذْرِهِ وَوُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ فَيَكُونُ نَذْرُهُ مَعْصِيَةً، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وُجُوبًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْكِسَ نَذْرَهُ فِي
طَاعَةٍ أَمْ لَا؟ انْتَهَى.
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا وَجَدَ الِاسْتِطَاعَةَ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْمَشْيِ إذَا وَجَدَ التَّمَكُّنَ مِنْ ذَلِكَ.
(الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا مِنْ مَوْضِعِهِ، انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي مَشْيِ الْمَنَاسِكِ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ، فَقَالَ مَالِكٌ يَمْشِي الْمَنَاسِكَ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ يَرْكَبُهَا، وَرَجَعَ مَالِكٌ مَرَّةً لِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ جَهِلَ فَرَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَمَشَى ذَلِكَ قَابِلًا، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَمْ يَرَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِيمَا ظَنَنْتُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ رَأَى أَنَّ مَشْيَهُ الْأَوَّلَ يُجْزِئُهُ وَأَرْخَصَ فِي الرُّكُوبِ إلَى عَرَفَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ إنَّمَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فَجَعَلَ غَايَةَ مَشْيِهِ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْحَجَّ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مِصْرَ فِي حَجٍّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا إلَى مِصْرَ لَمْ يَرْكَبْ وَيَحُجُّ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ يَمْشِي إلَى مَكَّةَ وَيَرْكَبُ فِيمَا سِوَاهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَشْيَ الْمَنَاسِكِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَفَاضَ فَلِعَادَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ، انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ، وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا فَالظَّاهِرُ لُزُومُ مَشْيِهِ الْجَمِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، بَلْ اللَّازِمُ لَهُ الْمُضِيُّ إلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَسِيرُ إلَيْهَا جَمِيعِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْخَامِسُ) الْقَائِلُ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ هُوَ الْكَعْبَةُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ لِاشْتِهَارِهِ، وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالرَّجْرَاجِيَّ وَأَبَا الْحَسَنِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. ص (خَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ) ش شَمِلَ قَوْلُهُ بِهَا مَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِعُمْرَةٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا سَوَاءٌ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَكَذَا مَنْ كَانَ خَارِجَهُ وَنَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ خَارِجَهُ وَنَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ فَذَكَرُوا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ بِهَا خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَوَائِلُ الْحِلِّ، وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، وَقَالَ مَرَّةً يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِعُمْرَةٍ، انْتَهَى. وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحِلِّ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ خَرَجَ رَاكِبًا وَمَشَى مِنْ الْحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (مِنْ حَيْثُ نَوَى)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُجَوِّزُ نَذْرَ التَّحْلِيقِ فِي الْمَشْيِ كَنَذْرِ مَدَنِيٍّ مَشْيًا إلَى الْعِرَاقِ أَوْ الشَّامِ، انْتَهَى.
ص (وَلِحَاجَةٍ)
ش: أَيْ نَسِيَهَا
وَرَجَعَ إلَيْهَا.
ص (وَرَجَعَ وَأَهْدَى إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ أَوْ الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ نَحْوُ الْمِصْرِيِّ فَيَرْجِعُ قَابِلًا)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) الْهَدْيُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إنَّمَا يُهْدِي إذَا حَجَّ ثَانِيَةً، وَلَا يُقَدِّمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ هُنَا أَجْزَأَهُ، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا يَجْعَلُ مَشْيَهُ الْأَوَّلَ، وَلَا الثَّانِيَ فِي فَرِيضَةٍ.
(الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا رَكِبَ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَحُجُّ رَاكِبًا وَيَمْشِي فِي الْمَنَاسِكِ يَعْنُونَ بِهِ إذَا سَافَرَ مِنْ مَكَّةَ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ لَحَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا وَأَجْزَأَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) لَوْ رَكِبَ فِي مَشْيِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ ثَانِيًا، فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ وَحَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَمَدٍ أَجْزَأَهُ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ.
(الْخَامِسُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ اُنْظُرْ إذَا عَجَزَ فَرَكِبَ هَلْ يَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْتَدِئُ الرُّكُوبَ مِنْ هُنَاكَ، ثُمَّ يَمْشِي مَا رَكِبَ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى حَيْثُ ابْتَدَأَ مِنْهُ الرُّكُوبَ فَيَمْشِي مَا رَكِبَ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِهِ فَيَبْتَدِئُ الرُّكُوبَ مِنْ هُنَاكَ فَيَرْكَبُ مَا مَشَى، ثُمَّ يَمْشِي مَا رَكِبَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَوْ مَشَى أَوَّلًا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ هَذَا يَعْنِيَ الرُّكُوبَ قَالَ: يَمْشِي مِنْ حَيْثُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَاعْتَدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَشْيِ الْمُنْفَرِدِ، انْتَهَى.
ص (فَيَمْشِي مَا رَكِبَ)
ش: هَذَا إذَا عَلِمَ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مَشْيُ الْجَمِيعِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنَ عَرَفَةَ
ص (إنْ ظَنَّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورُهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْهَدْيَ وَاجِبٌ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَبٌّ فَانْظُرْهُ.
ص (وَلَوْ قَادِرًا)
ش: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ خِلَافُ مَا نَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلْمَذْهَبِ وَاللَّخْمِيُّ أَنَّ الْقَادِرَ إذَا رَكِبَ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ ثَانِيَةً، وَلَا يُجْزِئُهُ الْمَشْيُ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ.
ص (وَكَانَ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) ش ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهُ عَدَّهُ فِي جُمْلَةِ النَّظَائِرِ الْوَاجِبِ فِيهَا الْهَدْيُ وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِلُزُومِ الْهَدْيِ مَعَ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ وُجُوبُ الْهَدْيِ مِمَّا قَالُوا فِيمَا إذَا أَفْسَدَهُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِلْفَسَادِ وَهَدْيٌ لِتَبْعِيضِ الْمَشْيِ فَتَأَمَّلْهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرْعُ الَّذِي قَبْلَهُ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ غَيْرَ ابْنِ غَازِيٍّ وَلَمْ يَعْزُهُ، وَلَكِنَّ لُزُومَ الْهَدْيِ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ ثَالِثَةً، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَيَلْزَمُ الْهَدْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. ص (يَمْشِي عَقَبَةً وَيَرْكَبُ أُخْرَى)
ش: الْعَقَبَةُ سِتَّةُ أَمْيَالٍ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
ص (وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ)
ش: هَذَا أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ، وَعِبَارَةُ
الْمُصَنِّفِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُصَرِّحْ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ هَلْ يَتَمَادَى بَعْدَ الْإِفْسَادِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهُ لَيْسَ مِنْ النَّذْرِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِتْمَامِ الْحَجِّ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ صَرَّحَ بِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ: وَمُسَاوَاتُهُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ حَيْثُ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ يَمْضِيَ مَاشِيًا إلَى تَمَامِ حَجِّهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يُجْزِئُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ رَكِبَ أَوْ مَشَى، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ وَنَقَلَهُ الصَّقَلِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، فَقَالَ: وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يَمْشِي مِنْ مِيقَاتِهِ وَيُجْزِئُهُ الْمَشْيُ الَّذِي مَشَى مِنْ حَيْثُ حَلَفَ إلَى الْمِيقَاتِ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ رَكِبَ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ عَنْ الْمَشْيِ أَعَادَ الْمَشْيَ كُلَّهُ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ مَشْيَهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَيُهْدِي لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ فَرَّقَ مَشْيَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَطِئَهُ نَاسِيًا يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا، انْتَهَى.
. ص (وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَرَنَ يُرِيدُ بِالْعُمْرَةِ الْمَشْيَ عَلَيْهِ وَبِالْحَجِّ فَرِيضَتَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ، كَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا فَحَجَّ مَاشِيًا وَهُوَ صَرُورَةٌ يَنْوِي بِذَلِكَ نَذْرَهُ وَفَرِيضَتَهُ أَجْزَأَهُ لِنَذْرِهِ لَا لِفَرْضِهِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَرِيضَةِ قَابِلًا، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ: مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ عَنْ نَذْرِهِ وَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ عَنْ فَرْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَرْضِهِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْعُمْرَةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرْتَدَفُ، وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَا تَرْتَدِفُ بِحَيْثُ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ جَازَ عَنْهُمَا وَكَانَ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحَلَّاقِ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا مَشَى لِنَذْرِهِ حَتَّى بَلَغَ مِيقَاتَهُ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ نَوَى بِهَا فَرْضَهُ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ لِفَرْضِهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مِيقَاتِهِ لِيَمْشِيَ مَا بَقِيَ مِنْ نَذْرِهِ، انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا وَلَا نَذْرًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْحَجِّ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْفَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ.
ص (ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ)
ش: يَعْنِي إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الضَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ، ثُمَّ يَحُجُّ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أَحْرَمَ إنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا) ش يَعْنِي أَنَّ النَّاذِرَ لِلْإِحْرَامِ إذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا، فَإِنَّهُ يَوْمَ يَفْعَلُهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ نَذَرَ
الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَدَاءُ الْإِحْرَامِ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا إنْ قَيَّدَهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان لَزِمَ مِنْهُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَزَاهُ الشَّيْخُ لِلْمَوَّازِيَّةِ.
(قُلْتُ) هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِزِيَادَةٍ، وَلَوْ نَوَاهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، انْتَهَى. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ قَالَ إذَا كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ مِنْ يَوْمَ حَنِثَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَقْتَ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيُؤَخِّرْ حَتَّى يَجِدَ فَيُحْرِمُ حِينَئِذٍ، وَإِحْرَامُهُ بِذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ مَوْضِعِهِ لَا مِنْ مِيقَاتِهِ إنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَمَنْ قَالَ: أَنَا مُحْرِمٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، فَإِنَّهُ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ، وَقَوْلُهُ: يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَأَنَا أُحْرِمُ بِحَجَّةٍ كَقَوْلِهِ: فَأَنَا مُحْرِمٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا إنْ كَانَ يَصِلُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ مِنْ بَلَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ وَقْتِ حِنْثِهِ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ مِنْ وَقْتِ يَصِلُ فِيهِ إلَى مَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ بَلْ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَحْرَمَ، وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ أَيْ إذَا جَاءَ وَقْتُ خُرُوجِ النَّاسِ خَرَجْتُ وَأَنَا وَحْدِي وَعَلَيْهِ يَدُلُّ لَفْظُهُ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْعُمْرَةِ يُحْرِمُ وَقْتَ حِنْثِهِ حُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا وَقْتَ لَهَا، فَلِذَا وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَقْتَ حِنْثِهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُحْرِمُ وَيَبْقَى حَتَّى يَجِدَ صَحَابَةً، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعِهِ لَا مِنْ مِيقَاتِهِ، وَقِيلَ: مِنْ مِيقَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ ظَاهِرُهُ يَكُونُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ إحْرَامٍ وَبِهَذَا الظَّاهِرِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَسْتَأْنِفُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَقَوْلُهُ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَأَنَا أُحْرِمُ بِحَجَّةٍ كَقَوْلِهِ فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ، اتَّفَقَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ، وَهُوَ مَنْصُوصٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: مُحْرِمٌ هَلْ يَكُونُ مُحْرِمًا حِينَئِذٍ أَوْ يَسْتَأْنِفُ؟ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ حَتَّى يُحْرِمَ صَحَّ مِنْهُ، فَفَرَّقَ سَحْنُونٌ بَيْنَ أَنَا مُحْرِمٌ وَأَنَا أُحْرِمُ، وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَهُمَا، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّمَا قَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِالْحَصْرِ، قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِالشَّرْطِ، قَالَ: فَإِذَا وَجَبَ شَرْطٌ وَجَبَ حُصُولُهُ أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُضَيَّقَةٌ فِي بَابِ النِّيَّةِ عَنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وُسِّعَ فِي نِيَّتِهِ مَا لَمْ يُوَسَّعْ فِي غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَعِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُحْرِمُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَيَكُونُ إذَا أَفَاقَ مُحْرِمًا بِذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَسْتَأْنِفَ إحْرَامًا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ صَحَّ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ سَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنَا مُحْرِمٌ، وَأَنَا أُحْرِمُ فَأَوْجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ حَتَّى يُحْرِمَ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا: هُوَ خِلَافٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَدِيمًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ لَمَّا وُجِدَتْ لَفْظَةُ مُحْرِمٍ مُشْتَرِكًا فِيهَا الْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ، فَلَمْ يَكُنْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِالشَّكِّ حَتَّى يُحْدِثَ إحْرَامًا مُسْتَقْبَلًا، فَصَحَّ بِهَذَا أَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَأَنَا أُحْرِمُ فَبِاتِّفَاقٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا إلَّا بِتَجْدِيدِ إحْرَامٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ صَوَابُهُ بِنَفْسِ الْحِنْثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا أُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَلَّمَهُ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَكُونُ مُحْرِمًا، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي مَعْنَاهُ، وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُهُ
مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ، وَهُوَ حَقِيقٌ بِالْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَمَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ
. ص (كَالْعُمْرَةِ مُطْلِقًا)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مُطْلِقًا بِكَسْرِ اللَّامِ يَعْنِي لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا، بَلْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَقْتَ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤَخِّرُ حَتَّى يَجِدَ.
ص (إلَّا الْحَجَّ)
ش: يَعْنِي فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى مَكَّةَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ فِيهَا فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْ حِينِ يَصِلُ فِيهِ وَيُحْرِمُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ.
ص (وَالْمَشْيُ)
ش: يَعْنِي إذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ عَلَى الْفَوْرِ؟ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فِي الْفَوْرِيَّةِ لَا فِي الْإِحْرَامِ، وَالْمَشْهُورُ التَّرَاخِي يَعْنِي وَخَرَجَ قَوْلُهُ: بِالْفَوْرِيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ التَّرَاخِي ثَبَتَ فِي نُسْخَتِي وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُورُ كَذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ وَالْمَشْيُ وَسِيلَةٌ وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا فِي الْإِحْرَامِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الْمَشْيِ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ يُرِيدُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَوْضِعِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: فَأَنَا مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ هُنَا صَرَّحَ بِالْإِحْرَامِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ الْمَشْيُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ وَإِحْرَامُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ، فَهَذَا يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِهِ، جَعَلَ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يَلْزَمُ الْفَوْرُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِيمَنْ نَذَرَ إحْرَامًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إنْ فَعَلَ كَذَا، فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَيِّدَ يَمِينَهُ بِوَقْتٍ أَوْ لَا يُقَيِّدُهَا، فَإِنْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَكَانَتْ يَمِينُهُ بِحَجٍّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ يَوْمَ يَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا يَوْمَ كَلَّمَهُ وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ، وَهَلْ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إحْرَامٍ، وَيُحْرِمُ بِهِ فَيَصِيرُ بِإِحْرَامِهِ مُحْرِمًا، فَأَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ حَتَّى يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ، فَإِنْ تَمَكَّنَ لَهُ الْخُرُوجُ خَرَجَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُصِيبَ الطَّرِيقَ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ يَمِينَهُ بِوَقْتٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ أَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَأَمَّا الْحَجُّ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَحْنَثَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِهِ، فَإِنْ حَنِثَ قَبْلَهَا، فَإِمَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَا أُحْرِمُ، فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِمًا إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَهَا لَا يَجُوزُ، فَإِذَا حَنِثَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَخَّرَ حَتَّى تَدْخُلَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَيَكُونُ مُحْرِمًا يَوْمَ حَنِثَ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ إذَا أَخَّرَ الْخُرُوجَ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَصِلْ وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ
، فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فِي طَرِيقِهِ أَحْرَمَ، فَإِنْ حَنِثَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيُكَلَّفُ الْخُرُوجَ لِيُوفِيَ بِعُهْدَةِ يَمِينِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَأَنَا مُحْرِمٌ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: فَأَنَا أُحْرِمُ وَالْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ فَأَنَا مُحْرِمٌ كَقَوْلِهِ: فَأَنَا أُحْرِمُ، فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ فِي أَنَا مُحْرِمٌ، وَفِي أَنَا أُحْرِمُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهَا، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ أَوْ لَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ