الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجْزَأَهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
[فَرْعٌ الْأَحْسَنُ أَنْ يُبَاشِرَ الْهَدْي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ إذَا دَخَلَ بِهِ]
(فَرْعٌ) : وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُحْرِمَ إذَا دَخَلَ بِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ فَإِنْ دَخَلَ بِهِ حَلَالٌ، أَوْ أَرْسَلَهُ مَعَ حَلَالٍ أَجْزَأَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
ص (وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتِ، أَوْ لِحَيْضٍ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ)
ش: قَوْلُهُ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَيْ بِغَيْرِ حَيْضٍ، وَقَوْلُهُ أَيْ لِحَيْضٍ إنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَسَاقَ فِيهَا هَدْيًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا أَنَّ الْهَدْيَ يُجْزِئُهُ لِقِرَانِهِ.
[تَنْبِيهٌ فِي الرَّجُلِ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَسُوقُ فِيهَا الْهَدْيَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُرْدِفُ الْحَجَّ]
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَوْ أَهْدَتْ الْحَائِضُ غَيْرَهُ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَكَذَلِكَ يَسْتَحِبُّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: أَيْضًا فِي الرَّجُلِ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَيَسُوقُ فِيهَا الْهَدْيَ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ، فَيُرْدِفُ الْحَجَّ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ غَيْرَهُ لِقِرَانِهِ، وَأَرْجُو إنْ فَعَلَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ قَدْ تَعَيَّنَ لِجِهَةِ النَّفْلِ وَالدَّمُ فِي الْقِرَانِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ الْقِرَانِ بَعْدَ تَعَيُّنِ الْهَدْيِ وَوُجُوبِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ إعَادَةَ الْهَدْيِ وَالِاسْتِحْسَانُ الْإِجْزَاءَ بِالْأَوَّلِ لِانْقِلَابِ إحْرَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَلَّابِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ قِرَانِهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ.
[فَرْعٌ وَيُسْتَحَبُّ لِهَذِهِ الْمُرْدِفَةِ أَنْ تَعْتَمِرَ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ الْقِرَانِ]
(فَرْعٌ) : وَيُسْتَحَبُّ لِهَذِهِ الْمُرْدِفَةِ أَنْ تَعْتَمِرَ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ الْقِرَانِ كَمَا فَعَلَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْعُمْدَةِ مُخْتَصَرِ الْمَعُونَةِ، وَنَصُّهُ إذَا حَاضَتْ الْمُعْتَمِرَةُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ انْتَظَرَتْ الطُّهْرَ، وَفِي ضِيقِهِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ تُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَتَصِيرُ قَارِنَةً وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَعْتَمِرَ بَعْدَ فَرَاغِهَا انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَفِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ
ص (كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ)
ش: ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ وَتَأَوَّلَ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا سَاقَهُ لِلْمُتْعَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ: الْخِلَافُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ: وَهَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْقِرَانِ السَّابِقَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ الْإِجْزَاءُ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَجْتَزِئَ بِهِ، وَنَقَلَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الِاجْتِزَاءُ.
ص (وَالْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.
[فَرْعٌ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ]
(فَرْعٌ) : وَأَمَّا بِمِنًى فَقَالَ مَالِكٌ: مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ إلَّا مَا خَلْفَ الْعَقَبَةِ قَالَ: وَأَفْضَلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ غَيْرُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَكَانَ يَقُولُ لَا يَنْحَرُ هَدْيَهُ إلَّا هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَنَابَ مُسْلِمًا، فَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَ مُسْلِمٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ، أَوْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ وَإِنْ نَحَرَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ ذَبَحَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْلِمٍ، فَلَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئُهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لَا تَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ، فَلَا يُسْتَنَابُ فِيهَا قَالَ: وَمَوْضِعُ الْمَنْعِ أَنْ يَلِيَ الذِّمِّيُّ الذَّبْحَ، فَأَمَّا السَّلْخُ وَتَقْطِيعُ اللَّحْمِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
[فَرْعٌ إذَا لَمْ يَهْتَدِ الْمُحْرِم لِلذَّبْحِ بِنَفْسِهِ]
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا لَمْ تَهْتَدِ لِلذَّبْحِ بِنَفْسِك، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْسِكَ الْجَزَّارُ رَأْسَ الْحَرْبَةِ وَيَضَعَهَا عَلَى الْمَنْحَرِ، أَوْ بِالْعَكْسِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَتَلِي الْمَرْأَةُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهَا بِيَدِهَا أَحَبُّ إلَيَّ.
ص (وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ، فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ)
ش هَذَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُقَلِّدْ الْهَدْيَ، وَأَمَّا إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ
يَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ، وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً، أَوْ أَهْدَى هَدْيًا تَطَوُّعًا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ مَحِلَّهَا، فَلَا تَرْجِعُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: زَادَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ فَلِسَ لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْهَدْيُ بَعْدَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا تَقَدَّمَ رَدُّ مَا لَمْ يَنْحَرْهُ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، أَوْ كَانَ وَاجِبًا لَتَعَيَّنَ نَحْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فِي بَابِ الْهَدْيِ إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ تَعَيَّنَ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، أَوْ بِسَوْقِهِ، أَوْ بِنَذْرِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبَحَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُحْرِمُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ تَعْيِينُ الْهَدْيِ وَإِبْدَالُهُ انْتَهَى.
وَقَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ أَيْ بِسَوْقِهِ، أَوْ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبَحَهُ كَمَا تَعَيَّنَ مَحِلُّ الْعِتْقِ فِي الْأَمَةِ بِاسْتِيلَادِهَا أَوْ كِتَابَتِهَا، فَلَمَّا تَعَيَّنَ الْهَدْيُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ إلَى جِهَةِ الْقُرْبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ، وَلَا ذَبْحَهُ وَلَا صَرْفَهُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بَطَلَ إرْثُهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، وَوَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ، وَدَلِيلُ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْدَثَ دَيْنًا لَمْ يَمْلِكْ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ، فَإِذَا لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ، فَقَدْ زَالَ عَنْ حُكْمِ مِلْكِهِ لَا مَحَالَةَ، وَمَا زَالَ عَنْ مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يُمْلَكَ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْمُعْتَبَرُ حِينُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ) ش لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْهَدْيِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ وَعِبَارَتُهُ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ: وَقْتُ الْوُجُوبِ لَيْسَ هُوَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ بَلْ تَعْيِينُهُ وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ لِيَكُونَ هَدْيًا، وَالْمُرَادُ بِالتَّقْلِيدِ هُنَا أَعَمُّ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ تَهْيِئَةُ الْهَدْيِ، وَإِخْرَاجُهُ سَائِرًا إلَى مَكَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَنَمَ يَعُمُّهَا هَذَا الْحُكْمُ، وَهِيَ لَا تُقَلَّدُ وَعَلَى هَذَا، فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ وَالتَّقْلِيدِ مُتَقَارِبٌ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُعْتَبَرُ حِينُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ حِينُ التَّقْلِيدِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَوَقَعَ لِأَشْهَبَ أَنَّ مَنْ سَاقَ شَيْئًا مِنْ الْغَنَمِ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِسَوْقِهِ هَدْيًا وَإِنْ نَوَاهُ حَتَّى يُوجِبَ فِي نَفْسِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا قَالَهُ إسْمَاعِيلُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوْقَ هَذَا الْهَدْيِ: يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ، أَوْ الْإِشْعَارِ، أَوْ بِسَوْقِهِ، أَوْ بِنَذْرِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ الْهَدْيُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَ إرْثُهُ عَنْهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (فَلَا يُجْزِي مُقَلَّدٌ بِعَيْبٍ وَلَوْ سَلِمَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ)
ش: لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ فِي سَلَامَةِ الْهَدْيِ هُوَ حِينُ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِفَاءِ السَّبَبِ، فَقَالَ: فَلَا يُجْزِئُ إلَخْ أَيْ فَبِسَبَبِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ لَا يُجْزِئُ الْمُقَلَّدُ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ سَلِمَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَقَبْلَ نَحْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مَعِيبَةً نَاقِصَةً عَنْ الْإِجْزَاءِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ إنْ كَانَ مَضْمُونًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ طَرَأَ الْعَيْبُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا سَالِمَةً مُجْزِئَةً، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا فِي الْحَجِّ الثَّانِي فِي تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَمَنْ قَلَّدَ هَدْيًا، وَأَشْعَرَهُ وَهُوَ لَا يُجْزِئُهُ لِعَيْبٍ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ حَتَّى زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ إنْ كَانَ مَضْمُونًا، وَلَوْ قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّهِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى.
ص (إنْ تَطَوَّعَ بِهِ)
ش: مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ إذَا قُلِّدَ سَلِيمًا، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَخِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ، أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ دَخَلَهُ عَيْبٌ بَعْدَ أَنْ قَلَّدَهُ، وَأَشْعَرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِمَّا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ فَحَمَلَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ سَاقَهُ حَتَّى، أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ فَنَحَرَهُ بِمِنًى أَجْزَأَهُ وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ
بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى، فَلَا يَنْحَرُهُ بِهَا، وَلَكِنْ بِمَكَّةَ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً إنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمَنْ قَلَّدَ هَدْيًا، أَوْ أَشْعَرَهُ وَهُوَ لَا يُجْزِئُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: الْهَدْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ وَمَنْذُورٌ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَنْذُورٌ مُعَيَّنٌ وَمَنْذُورٌ فِي الذِّمَّةِ فَمَا قُلِّدَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أُشْعِرَ، أَوْ عُيِّنَ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ وَيُشْعِرْ، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، أَوْ كَسْرٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يُجْزِئُ مَعَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَعَدٍّ، أَوْ تَفْرِيطٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْمَنْذُورُ عَيْنُهُ، فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنْ يُبْدِلَهُ انْتَهَى. .
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُعْتَبَرُ حِينُ الْوُجُوبِ وَالتَّقْلِيدِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا وَقْتُ الذَّبْحِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْيًا سَالِمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ، وَبِالْعَكْسِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَالْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّاذُّ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْأَبْهَرِيُّ الَّذِي هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بَلْ قَالَ: إنَّهُ الْقِيَاسُ لَكِنْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافٌ فَقَالَ: وَإِذَا سِيقَ الْهَدْيُ عَنْ الْوَاجِبِ لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ إلَّا بِبُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَإِنْ ضَلَّ، أَوْ سُرِقَ، أَوْ هَلَكَ، أَوْ عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَ بِهِ عَيْبٌ، ثُمَّ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُهُ، وَيُجْزِئُهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ كَمَوْتِهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، أَوْ بِقَبُولٍ وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ هَدْيًا إلَّا أَنْ يَدُومَ كَمَالُهُ إلَى وَقْتِ نَحْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُعْتَبَرُ سَلَامَتُهُ حِينَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ وَعَيْنُهُ بَعْدَهُمَا لَغْوٌ الصَّقَلِّيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْقِيَاسُ حُدُوثُهُ كَمَوْتِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ قَلَّدَهُ سَمِينًا فَنَحَرَهُ فَوَجَدَهُ أَعْجَفَ أَجْزَأَ إنْ كَانَتْ مَسَافَةٌ يَحْدُثُ فِيهَا عَجَفُهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ فِي الْوَاجِبِ، وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ قَدْ يَسْمَنُ فِيهَا، وَإِلَّا فَأُحِبُّ بَدَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهَا إنْ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ أَجْزَأَهُ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ كَأَرْشِ عَيْبِهِ اللَّخْمِيُّ عَلَى قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ لَا يُجْزِئُهُ، وَيَغْرَمُ الْجَانِي قِيمَةَ هَدْيٍ سَلِيمٍ؛ لِأَنَّ تَعَدِّيَهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْهَدْيَ إذَا عُيِّنَ سَالِمًا، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عَيْبٌ مِنْ اللَّهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا، أَوْ وَاجِبًا أَمَّا إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِتَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ، أَوْ تَفْرِيطٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ إلَخْ.
فَفَصَلَ الْكَاتِبُ الْفَاءَ مِنْ قَوْلِهِ، فَأَرْشُهُ، وَنَقَصَ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَرَأَوْا وَيُقَالُ: وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ بِالْفَرْضِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَمَشَى الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ قَيْدٌ لِلْمَشْهُورِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَقَالَ إثْرَهُ: أَيْ إذَا قَلَّدَهُ سَلِيمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ يُرِيدُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فِي الْوَاجِبِ إذَا كَانَ مَضْمُونًا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَامِلِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ.
فَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي إجْزَاءِ الْعَكْسِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُجْزِهِ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُفْعَلُ بِهِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَنْحَرُهُ أَيْضًا بَدَلَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا فَرَاجِعْهُ إنْ أَحَبَبْتَهُ وَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ إذَا قُلِّدَ مَعِيبًا وَقُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ هَدْيًا، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَلَا بَيْعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ
ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، أَوْ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ، ثُمَّ إنْ بَلَغَ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُحِقَّ، وَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ هَدْيٍ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ، وَاقْتَصَرَ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا، أَوْ نَذْرًا مَضْمُونًا، فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَيَسْتَعِينُ بِالْأَرْشِ وَبِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْبَدَنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا يَأْخُذُهُ عَنْ الْعَيْبِ فِي هَدْيٍ (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحُكْمُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَحُكْمِ أَرْشِ الْعَيْبِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا جَنَى عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ، فَأَخَذَ لَهُ أَرْشًا فَلْيَصْنَعْ بِهِ مَا صَنَعَ مَنْ رَجَعَ بِعَيْبٍ أَصَابَهُ فِي الْهَدْيِ الْمُقَلَّدِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي الْجِنَايَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فِي التَّطَوُّعِ وَالْوَاجِبِ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ مُحَمَّدُ إنْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَنُ هَدْيٍ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَا يَلْزَمُ بَدَلُهُ فِي الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا يُجْزِئُ بِهَا الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِشْعَارِ، وَهِيَ كَالْعَيْبِ يَطْرَأُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ أَيْضًا قَالَ التُّونُسِيُّ: وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَمْ تُتْلِفْ نَفْسَهُ غَيْرَ أَنَّهَا تُنْقِصُهُ نَقْصًا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ وُصُولُهُ حَتَّى يُنْحَرَ فِي مَحِلِّهِ فَمَا أُغَرِّمُهُ إلَّا مَا نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ جَازَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُصُولِهِ إلَى مَحِلِّهِ لَكَانَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ، وَانْظُرْ إذَا أَدَّى الْجَانِي قِيمَتَهُ هَلْ لِلْجَانِي بَيْعُ لَحْمِهِ إذَا نَحَرَهُ؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ، وَهُوَ يَقُولُ لَسْتُ أَنَا الَّذِي تَقَرَّبْتُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَنَيْتُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْنِي قِيمَتُهُ، وَانْظُرْ إذَا أَدَّى الْجَانِي قِيمَتَهُ، وَالْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ يُشْتَرَى بِمَا أُخِذَ مِنْهُ عِوَضًا انْتَهَى. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ.
(الثَّالِثُ) : فَلَوْ عَيَّنَ هَدْيًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ أَطْلَعَ عَلَى أَنَّ فِيهِ قَبْلَ التَّقْلِيدِ عَيْبًا، وَقُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، فَهَلْ يُجْزِيهِ أَنْ يُبْدِلَهُ بِأَدْنَى مِنْهُ، أَوْ بِمِثْلِ مَا عَيَّنَ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمِثْلِ مَا عَيَّنَ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُجْزِئَهُ مَا كَانَ يُجْزِئُ أَوَّلًا قَالَهُ سَنَدٌ فِيمَا إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَالْبَابُ وَاحِدٌ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) : إذَا قَلَّدَ هَدْيًا، ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا، فَتَعَدَّى، وَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِهَدْيٍ تَامٍّ لَا عَيْبَ فِيهِ قَالَهُ سَنَدٌ فِي مَسْأَلَةِ شُرْبِ لَبَنِ الْهَدْيِ.
ص (وَسُنَّ إشْعَارُ سَنَمِهَا)
ش: الضَّمِيرُ لِلْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا تُشْعَرُ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تُشْعَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إشْعَارِ مَا لَا سَنَمَ لَهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا مَا لَهُ أَسْنِمَةٌ مِنْ الْبَقَرِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُشْعَرُ.
ص (مِنْ الْأَيْسَرِ)
ش: الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر: 40] وَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ إنَّهَا لِلْبَيَانِ بَعِيدٌ.
ص (لِلرَّقَبَةِ)
ش: الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ سَمِعْتُ لِزَيْدٍ صُرَاخًا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّ الْإِشْعَارَ أَنْ يَقْطَعَ فِي أَعْلَى السَّنَمِ قَطْعًا يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيُدْمِي مِنْ نَاحِيَةِ الرَّقَبَةِ إلَى نَاحِيَةِ الذَّنْبِ قَدْرَ أُنْمُلَتَيْنِ فِي الطُّولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (مُسَمِّيًا)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَتُشْعَرُ قِيَامًا مُسْتَقْبِلَةَ الْقِبْلَةِ فِي جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ فِي أَعْلَى الْأَسْنِمَةِ قَطْعًا يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيُدْمِي مِنْ نَاحِيَةِ الرَّقَبَةِ إلَى نَاحِيَةِ الذَّنَبِ فِي الْأَسْنِمَةِ خَاصَّةً انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا تُشْعَرُ قِيَامًا غَرِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَتَقْلِيدٌ)
ش: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ التَّقْلِيدَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُهُ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْإِشْعَارَ نَفَرَتْ مِنْهُ عِنْدَ التَّقْلِيدِ خَوْفَ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا ثَانِيًا مَا فَعَلَ بِهَا أَوَّلًا، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ تَقْلِيدٌ، ثُمَّ إشْعَارٌ.
ص (وَتَجْلِيلُهَا)
ش: الضَّمِيرُ لِلْإِبِلِ، فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي يُسْتَحَبُّ تَجْلِيلُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:
وَإِنَّمَا تُجَلَّلُ الْبُدْنُ دُونَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَدْ يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقُلِّدَتْ الْبَقَرُ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالتَّجْلِيلُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ.
ص (وَشَقُّهَا إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ)
ش: أَيْ وَيُسْتَحَبُّ شَقُّ الْجِلَالِ عَنْ الْأَسْنِمَةِ لِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ فِي الثَّمَنِ أَيْ تَكُونَ كَثِيرَةً فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُشَقَّ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَأَنْ يُؤَخِّرَ تَجْلِيلَهَا إلَى عِنْدِ الْغَدِ، وَمِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِكٍ شَقُّ الْجِلَالِ عَنْ الْأَسْنِمَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةً عَنْ الْأَسْنِمَةِ تَبِعَ فِيهِ التَّوْضِيحَ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا الْغَنَمُ)
ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ وَلَا تُشْعَرُ وَلَا تُسَاقُ فِي الْهَدْيِ إلَّا مِنْ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ انْتَهَى.
ص (وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ إلَخْ) ش قَوْلُهُ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَسَاكِينَ مِنْ النَّذْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسَاكِينِ بَلْ نَذَرَ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَدْيٍ، وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ عَكْسُ الْجَمِيعِ، فَيُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وَلَا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ، فَيُؤْكَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحِلِّ لَا قَبْلَهُ كَالتَّطَوُّعِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْمَنْذُورُ الْمَضْمُونُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِنْ سَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَلَوْ قَالَ وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ وَنَذْرُ أَعْيُنٍ إنْ عَطِبَا قَبْلَهُ لَوَفَّى بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ أَيْ نَذْرًا لِلْمَسَاكِينِ، وَالْمُعَيَّنُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ، أَوْ أُهْدِيَهَا لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ هَذِهِ نَذْرٌ لِلْمَسَاكِينِ وَالْمَضْمُونُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً، أَوْ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً لِلْمَسَاكِينِ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ سَنَدٌ إذَا نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينٍ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بِلَفْظٍ، أَوْ بِنِيَّةٍ أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ (الثَّانِي) : مَا أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَلَهُ أَكْلُ جَمِيعِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدَعُ الْأَكْلَ وَالصَّدَقَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ إطْعَامِهِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَقَالَ أَيْضًا اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْقَانِعِ؛ لِأَنَّ الْقَانِعَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى مَنْ يَقْنَعُ بِالْيَسِيرِ فَيَكُونُ مِنْ الصِّفَاتِ، وَالْقَانِعُ السَّائِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَنَاعَةِ وَالثَّانِي مِنْ الْقُنُوعِ قَالَ الشَّمَّاخُ
لَمَالُ الْحُرِّ يُصْلِحُهُ فَيَفْنَى
…
مُفَارِقُهُ أَخَفُّ مِنْ الْقُنُوعِ
يُرِيدُ السُّؤَالَ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الْمُعْتَرَّ، وَهُوَ الَّذِي يُعَرِّضُ بِالسُّؤَالِ
وَلَا يَسْأَلُ يُقَالُ مُعْتَرٌّ وَمُعْتَرِي انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) : إذَا كَانَ مَعَ الْمُحْصَرِ هَدْيٌ وَنَحَرَهُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَالَهُ سَنَدٌ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
ص (فَتُلْقَى قَلَائِدُهُ بِدَمِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مُهْدِيَهُ يَنْحَرُهُ وَيُلْقِي قَلَائِدَهُ بِدَمِهِ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ بِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَبْحِهِ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
ص (كَرَسُولِهِ)
ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا إلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا أُرْسِلَ مَعَ شَخْصٍ، وَعَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ حُكْمُ رَبِّهِ، فَيَنْحَرُهُ، وَيُلْقِي قَلَائِدَهُ بِدَمِهِ، وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْهَدْيُ يَأْكُلُ مِنْهُ لَا مِنْ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ وَنَذْرِ الْمَسَاكِينِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا، فَجَائِزٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ كَانَ حُكْمُ الرَّسُولِ حُكْمَ الْمُرْسِلِ، فَكُلُّ هَدْيٍ يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، فَنَائِبُهُ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ نَائِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَكَلَ السَّائِقُ مِنْ الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُجْزِ رَبَّهُ، وَنَظَرْت فِي تَضْمِينِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ لِمَا أَكَلَ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ لَقُبِلَ، وَذَلِكَ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ نَظَرْت، فَإِنْ أَكَلَ مِنْ الْهَدْيِ لَمْ تُجْزِ شَهَادَتُهُ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ مَا أَكَلَ إلَّا مُبَاحًا إذْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إذَا نَحَرَ لِغَيْرِ خَوْفٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَزْعُمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، فَيَضْمَنُ السَّائِقُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ أَطْعَمَهُ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَدْيِ وَقْتَ نَحْرِهِ لَا هَدْيًا مَكَانَهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْهَدْيَ بِهَدْيٍ رَبُّهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَلَيْسَ عَلَى رَبِّهِ إلَّا هَدْيٌ بِقِيمَةِ مَا يَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا، فَعَلَيْهِ هَدْيٌ بِأَصْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ السَّائِقُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُطْعِمَ أَحَدًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُطْعِمْ أَحَدًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَأَطْعَمَ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى رَبِّهِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَإِنْ أَطْعَمَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ ضَمِنَ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَإِنْ أَطْعَمَ مُسْتَحِقًّا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ فِي رَبِّهِ فَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَأَطْعَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُعَيَّنٍ وَلَكِنْ قَالَ أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَهُوَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ كَقَوْلِهِ أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعْيِينٌ انْتَهَى.
فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ رَبِّهِ إلَّا فِيمَا إذَا عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ لِلتُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ عَطْبُهُ بِسَبَبِهِ فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ رَبَّهُ لَا يَتَّهِمُهُ، أَوْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْغُرْمِ إنْ اتَّهَمَهُ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْلَهُ مِنْهُ لَا يُمْنَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ إنْ أَطْعَمَ أَحَدًا مِنْ الْوَاجِبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ شَيْءٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَأْمُرَ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنْ أَمَرَ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَدَلَ الْهَدْيِ كَمَا يَضْمَنُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ هَدْيٍ مُنِعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَمَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ وَالْجَزَاءَ وَنَذْرَ الْمَسَاكِينِ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِلَّ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَلَهُ تَفْرِقَتُهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْأَخْذِ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الرَّسُولَ وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِصَاحِبِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فِي كَوْنِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَلَا يَأْمُرُ أَحَدًا لَكِنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ نَظَرٌ، يُرِيدُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْهَدْيِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ
أَمَرَ لِرَسُولٍ بِذَلِكَ، وَفِي فَهْمِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي زَائِدَةٌ انْتَهَى.
(قُلْت) وَعَلَى جَعْلِهَا زَائِدَةً فَفِي الْكَلَامِ إجْمَالٌ، وَلَوْ قَالَ: وَضَمِنَ رَبُّهَا فَقَطْ بِأَمْرِ شَيْءٍ إلَخْ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ أَلْقَى قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا إذَا نَحَرَهَا، وَرَمَى عِنْدَهَا جِلَالَهَا وَخِطَامَهَا، وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا، وَلَا يَأْمُرُ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا فَقِيرًا وَلَا غَنِيًّا، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَسَبِيلُ الْجِلَالِ وَالْخِطَامِ سَبِيلُ لَحْمِهَا، وَإِنْ بُعِثَتْ مَعَ رَجُلٍ، فَعَطِبَتْ فَسَبِيلُ الرَّسُولِ سَبِيلُ صَاحِبِهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ، فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا يَأْمُرُ رَبُّهَا الرَّسُولَ إنْ عَطِبَتْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَإِنْ أَمَرَهُ رَبُّهَا إذَا عَطِبَتْ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا، فَعَطِبَتْ وَتَصَدَّقَ بِهَا الرَّسُولُ لَمْ يَضْمَنْ وَأَجْزَأَتْ صَاحِبَهَا كَمَنْ عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعِ، فَخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ فَأَتَى أَجْنَبِيٌّ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى رَبِّهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ وَأَمَرَهُ رَبُّهُ إذَا عَطِبَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، فَلَمَّا عَطِبَ تَصَدَّقَ بِهِ الرَّسُولُ أَنَّهُ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ وَنَحَرَهُ سَائِقُهُ اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ، وَأَنَّهُ إنْ فَرَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ ضَمِنَ ذَلِكَ اللَّحْمَ الَّذِي فَرَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ يَوْمَ يَبْلُغُ مَحِلَّهُ إلَّا سَائِقَهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) : إذَا أَرْسَلَ الْهَدْيَ رَبُّهُ وَقَالَ لِلرَّسُولِ: أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) : فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبِيحَهُ لِلنَّاسِ بِلَفْظِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ سَنَدٌ
(الرَّابِعُ) : اُنْظُرْ إذَا قَالَ لِلنَّاسِ صَاحِبُ الْهَدْيِ: كُلُوا، أَوْ قَالَ أَبَحْتُهَا لِلنَّاسِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهَا، أَوْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ كُلُوا، أَوْ خُذُوهَا، أَوْ اقْتَسِمُوهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ أَبَحْتُهَا لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَأْخُذْ، فَالظَّاهِرُ لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ يُرِيدُ لَا يَضْمَنُ الْبَدَلَ، وَأَمَّا مَا أَكَلَ مِنْهُ، فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَطْعَمَهُ لِغَيْرِ الْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا يَضْمَنُ مَا أَكَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) : لَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ فَضَلَ فَأَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ، فَعَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَدَلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَطَوُّعًا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ.
ص (كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ)
ش: وَكَذَا إذَا أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَوْ ذِمِّيًّا مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا إذَا أَطْعَمَ مِنْهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا إذَا أَطْعَمَ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَدْرُ ذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ حَتَّى تَعَذَّرَ سُقُوطُ الْإِرَاقَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْهَدْيِ، وَإِنَّمَا وَصَلَتْ إلَيْهِ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ بِمَا تُؤُمِّرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَالِدُ، وَلَا الْوَلَدُ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَزِمَ ذَلِكَ الْأَبَ إنْ كَانَ مَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَسَاكِينُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْبَالِغُ فَقِيرًا، فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَاكِينِ بِخِلَافِ الْأَبِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْوَلَدِ انْتَهَى.
(قُلْت) : وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَكَلَ مِنْهَا الْغَنِيُّ، أَوْ الذِّمِّيُّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْآكِلِ قَدْرُ مَا أَكَلَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا رَبُّهَا لِمَنْ يُفَرِّقُهَا فَأَعْطَى الْمُفَرِّقُ