الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَوْتِ وَالسَّرِقَةِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْمَيِّتِ لَا يُمْكِنُهُ أَلْبَتَّةَ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يُمْكِنُهُ إذَا أُمْكِنَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْعُ الشَّرْعِ مِنْهُ أَوْ الْعَادَةِ لَا يَمْنَعُ بَعْضَ الْحَالِفِينَ مِنْ قَصْدِهِ، فَلَا يُعْذَرُ بِفِعْلِ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ لَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْغَلَبَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ، وَأَمَّا لَوْ خَصَّ وَقَالَ: قَدَرْت عَلَى الْفِعْلِ أَمْ لَا، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي حِنْثِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَمْكَنَنِي فَلَمْ أَفْعَلْ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي نَفْيِ حِنْثِهِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ يَعْنِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَا بِسَاطٌ حَنِثَ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ أَمْرًا شَرْعِيًّا كَالْحَيْضِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ الْمَانِعُ أَمْرًا عَادِيًّا كَسَرِقَةِ الشَّيْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ مُؤَقَّتًا أَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ، وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ أَنَّ الْفَوْتَ يَكُونُ بِفَوْتِ الزَّمَانِ وَنَصُّهُ: وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِفَوْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: لَأَدْخُلَنَّ الْيَوْمَ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَدْخُلْ، انْتَهَى. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَمْرًا عَقْلِيًّا بِقَوْلِهِ: لَا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ هَذَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُؤَقَّتًا أَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَبَادَرَ وَلَمْ يُفَرِّطْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَفَرَّطَ فَإِنَّهُ حَانِثٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى تَقْيِيدِهِ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْ رَسْمَ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ عَلَى ابْنَتِهِ لَا تَضَعُ صَدَاقَهَا، وَانْظُرْ رَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُقَتِّرُ عَلَى امْرَأَتِهِ اللَّيْلَةَ، وَرَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَانْظُرْ رَسْمَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِيمَنْ حَلَفَ لِرَبِيبَتِهِ وَرَسْمَ الْجَنَائِزِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ النُّذُورِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْحَالِفَةِ لِزَوْجِ ابْنَتِهَا، وَانْظُرْ رَسْمَ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي الْحَالِفِ لَيَطَأَنَّ امْرَأَتَهُ اللَّيْلَةَ، وَرَسْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ مِنْهُ فِي الْحَالِفِ لِرَجُلٍ لَأُخَاصِمَنَّكَ عِنْدَ فُلَانٍ فَيَمُوتُ.
(فَرْعٌ) إذَا حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي دَيْنٍ، فَمَتَى عَادَ إلَيْهِ عَادَتْ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَيْمَانِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْقَوَاعِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ الْحَالِفُ ليفعلن فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَهُ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَالِفُ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ وَأَنْ يَعْتِقَ الْغُلَامُ فِي الثُّلُثِ عَلَى حُكْمِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ، انْتَهَى مِنْ رَسْمِ الْعُرْيَةِ مِنْ سَمَاع عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا حَلَفَ ليشترين دَارَ زَيْدٍ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إذَا حَلَفَ لَيَشْتَرِيَنَّ دَارَ زَيْدٍ فَلْيَشْتَرِهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ طَلَبُوا مِنْهُ ثَمَنًا فَاحِشًا، فَلَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ، وَإِنْ حَلَفَ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي دَارِهِ لَيَبِيعَهَا فَأَعْطَى فِيهَا رَجُلٌ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا إنْ لَمْ تُبَعْ بِمَا أَعْطَى وَإِلَّا حَنِثَ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ تَقَدَّمَ لِلتُّونُسِيِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْقِيمَةَ، وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَصِلُ لِقِيمَتِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا، انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لِزَوْجَتِهِ خُبْزًا فَأَكَلَ مَا خَبَزَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَنِثَ، وَمِثْلُهُ مَا يَقَعُ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مَا غَزَلَتْهُ زَوْجَتُهُ وَأَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ مَا كَانَتْ غَزَلَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ نَسَجَتْهُ، انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فِي الْمَوْسِمِ]
(مَسْأَلَةٌ) مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فِي الْمَوْسِمِ حَنِثَ إنْ كَلَّمَهُ فِي الْحَجِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى سُوقًا مِنْ الْأَسْوَاقِ وَأَتَى مُسْتَفْتِيًا؛ لِأَنَّ الْمَوْسِمَ قَدْ تُعَرَّفَ فِي الْحَجِّ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَا أَدَخَلَ الدَّارَ وَلَا أَكَلَ الطَّعَامَ فِي هَذَا الْعِيدِ]
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ الدَّارَ، وَلَا أَكَلَ الطَّعَامَ فِي هَذَا الْعِيدِ فَمَا قَدْرُ الْعِيدِ.؟ فَأَجَابَ الْعِيدُ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ (قُلْت) أَفْتَى أَشْيَاخُنَا بِتُونُسَ أَنَّ آخِرَهُ فَتْحُ الرُّبْعِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الْفَتْحُ الْمُعْتَادُ، وَلَا يُنْظَرُ لِتَقَدُّمِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَخُرُوجِ الْجَيْشِ، وَلَا تَأَخُّرِهِ كَحَصَادِ الزَّرْعِ، انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يُعَيِّدُ مَعَ أَهْلِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهُ، وَلَا يَرْجِعُ إلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ عِيدُ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ عِيدُ الْأَضْحَى فَلَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ الْبُرْزُلِيُّ هَذِهِ سِيرَةُ الْبِلَادِ غَيْرِ تُونُسَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدَّ عِيدِ تُونُسَ فَتْحُ الرُّبْعِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَيُرْجَعُ إلَى سِيرَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي حَقِّ الْعِيدِ عِنْدَهُمْ، انْتَهَى.
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَهِيَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَنَصُّهَا: وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إلَى الْعِيدِ فَوَطِئَهَا لَيْلَةَ الْعِيدِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى الْعِيدِ وَبَعْدَ مَا يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ حَنِثَ، وَالْعِيدُ عِنْدِي انْصِرَافُ الْإِمَامِ قِيلَ لَهُ فَرَجُلٌ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ كَلَامٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَهُ يَوْمَ الْعِيدِ.؟ قَالَ لَا يَدْخُلُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَلَا يَوْمَيْنِ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ جَوَابُهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الْحَالِفُ أَرَادَ وَتَرَكَ الِاعْتِبَارَ بِمَا يَقْتَضِيهِ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، فَقَالَ فِي الَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إلَى الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَتَرَفَّهُ النَّاسُ فِيهِ بِعِيدِهِمْ وَيَسْتَرِيحُونَ فِيهِ مِنْ نَصَبِهِمْ، فَمَنْ حَمَلَ يَمِينَ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ يَمِينِهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَهُ يَوْمَ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَلَا يَوْمَيْنِ بَعْدَهُ فِي الْفِطْرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالسُّكُونِ إلَى أَهْلِهِمْ فِيهَا مِنْ أَجْلِ عِيدِهِمْ وَتَرْكِ التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ مَعَاشِهِمْ فَحَمَلَ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مُعَاقَبَةَ أَهْلِهِ فِي أَنْ يَحْرِمَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مِنْ النَّاسِ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ يَمِينِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ إلَّا يَوْمَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ، وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، انْتَهَى.
. ص (وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً، ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي كِفَايَةِ اللَّبِيبِ فِي كَشْفِ غَوَامِضِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَرَادَ إلَى آخِرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِعَدَمِ التَّزْوِيجِ، فَالطَّلَاقُ الْمُعَجَّلُ لَا يُحِلُّ الْيَمِينَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الزَّوَاجِ فَعَزْمُهُ هَذَا هُوَ حِنْثُهُ فَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ لِحِنْثِهِ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُهَا وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ كَتَرْكِ الْفِعْلِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ التَّزْوِيجِ، فَجُعِلَ لِعَزْمٍ يَقُومُ مَقَامَ تَعَذُّرِ الْفِعْلِ، فَقَوْلُ الْكِتَابِ طَلَّقَهَا أَيْ تَسَبَّبَ فِي طَلَاقِهَا بِعَزْمِهِ وَقَبْلَ الْأَجَلِ إذَا
ضَرَبَ أَجَلًا هُوَ عَلَى بِرٍّ، فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْبِرِّ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ وَعَزَمَ عَلَى الْحِنْثِ قَوِيَ الْعَزْمُ بِمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَهُ وَهُوَ الْحِنْثُ وَتَظَاهَرَ عَلَيْهِ فَوَقَعَ الْحُكْمُ وَهَا هُنَا تَعَارَضَا فَالْبِرُّ عَكْسُ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي مَدَارِكِ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ: السَّادِسُ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ يُقَيَّدُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى ضِدِّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَزْمِ فِي الْبِرِّ مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ فُلَانًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْكِتَابُ، وَكَمَا إذَا كَلَّمَ شَخْصًا يَظُنُّهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى ضِدِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ لَمَّا تَصَوَّرَ إخْرَاجَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ إذَا كَانَتْ عَلَى بِرٍّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فِيمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ أَجَلًا أَوْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا قَالَ: إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَلِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا يَضْرِبُ فُلَانًا، وَإِنْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ إلَى آخِرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مُرَادُ ابْنِ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. ص (وَبِالنِّسْيَانِ أَنْ أُطَلِّقَ)
ش: وَكَذَا الْجَهْلُ وَالْخَطَأُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ: وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْلَ وَالْخَطَأَ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ كَالْعِلْمِ وَالْعَمْدِ، سَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ الْحَقَّ رَبَّهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَكَانَ بِمَوْضِعِهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَضَاهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ مِنْ الْحَاضِرَةِ أَنَّهُ الْجُمُعَةُ حَنِثَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ. مَنْ حَلَفَ لَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا نَائِمًا لَا يَشْعُرُ كَالنَّاسِي ابْنُ عَرَفَةَ النَّاسِي مُفَرِّطٌ عَاقِلٌ وَالنَّائِمُ غَيْرُ عَاقِلٍ الْعُتْبِيُّ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَحْنَثُ فِي لَا آخُذُ مِنْ فُلَانٍ دِرْهَمًا فَأَخَذَ مِنْهُ ثَوْبًا فِيهِ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ حِينَ عِلْمِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَقَوْلِهِ فِيمَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَالٌ وَرِثَهُ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلِابْنِ كِنَانَةَ كَأَصْبَغَ فِيمَا لَا يَسْتَرْفِعُ فِيهِ الدَّرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ سَرِقَتِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَسْتَرْفِعُ فِيهِ وَمَا لَا، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ: عَدَمُ الْحِنْثِ لِرَعْيِ الْقَصْدِ، وَالْحِنْثُ لِرَعْيِ اللَّفْظِ دُونَهُ، وَالثَّالِثُ اسْتِحْسَانٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْيَمِينُ إنْ قُيِّدَتْ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ عَمْدًا، أَوْ لَا أَدْخُلُهَا إلَّا أَنْ أَنْسَى، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي النِّسْيَانِ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحِنْثُ بِالنِّسْيَانِ، وَذَهَبَ السُّيُورِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي جَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ، وَخُرِّجَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ يَوْمًا مُعَيَّنًا، فَأَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا، ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَهِمَ جَمَاعَةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَخُرِّجَ الْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَرُدَّ لَعَلَّهُ يُرِيدُ لَا قَضَاءَ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، انْتَهَى. وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ وَجَعَلَهَا جَارِيَةً عَلَى الْأُصُولِ وَنَصُّهُ فِي رَسْمِ سَلَفَ دِينَارًا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: إنَّمَا قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ دَحُونٍ إنَّهَا مَسْأَلَةٌ حَائِلَةٌ وَالْحِنْثُ يَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوجِبُونَ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ السَّمَاعِ نَفْسِهِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ إنَّمَا قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا أَيْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى