الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَرْتَفِضُ الْإِحْرَامُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ إلَّا مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ إحْرَامُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلْتُ كَلَامَهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ، فَانْظُرْهُ.
ص (وَفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَوَى الْإِحْرَامَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا أَحْرَمَ بِهِ، فَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي صِحَّةِ إحْرَامِهِ، وَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ سَنَدٌ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعُ وَالظَّاهِرُ: الْأَوَّلُ: وَعَلَيْهِ، فَلَوْ بَانَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُحْرِمْ قَالَ سَنَدٌ، فَإِحْرَامُهُ يَقَعُ مُطْلَقًا وَيُعَيِّنُهُ بِمَا شَاءَ وَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى.
، فَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ وَجَدَهُ مُحْرِمًا بِالْإِطْلَاقِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا فِي الْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَقَعُ إحْرَامُهُ أَيْضًا مُطْلَقًا، وَيُخَيَّرُ فِي تَعْيِينِهِ، وَالنَّصُّ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ، وَإِذَا قُلْنَا: يَتْبَعُ زَيْدًا فِي إحْرَامِهِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُهُ فِي أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ خَاصَّةً، أَمَّا كُلُّ شَخْصٍ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَنُدِبَ إفْرَادٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْتِ بَعْدَ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِر كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ فِي فَضْلِ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ، وَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُهَا، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ مُفْرِدًا ثُمَّ إذَا فَرَغَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، فَلَمْ يَجْعَلْ الْعُمْرَةَ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الْإِفْرَادِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ بَلْ جَعَلَهَا سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ، وَتَرَكَ الْعُمْرَةَ، وَتَرَكَ السُّنَّةَ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ: فِي التَّوْضِيحِ، وَالْإِفْرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِلْعُمْرَةِ لَكِنَّهُ إذَا أَتَى بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ، فَقَدْ أَتَى بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ إفْرَادًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِفْرَادُ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ حَجٍّ فَقَطْ، وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ: الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ إذَا كَانَ بَعْدَهُ عُمْرَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَهُ، فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ انْتَهَى.
وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعُمْرَةَ، وَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ اتِّفَاقَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، وَلَعَلَّ الْمُقْرِي أَخَذَ مَا قَالَهُ مِمَّا وَقَعَ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجٍّ، أَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْكَ أَمْ إفْرَادُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَهُ فِي ذِي الْحَجَّةِ؟ فَقَالَ: بَلْ إفْرَادُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحَجَّةِ بَعْدَ الْحَجِّ أَحَبُّ إلَيَّ صَرُورَةً كَانَ أَوْ غَيْرَ صَرُورَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها حِينَ أَعْمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ التَّنْعِيمِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ بِتَفْضِيلِ الْمُتَمَتِّعِ انْتَهَى.
لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ، فَلَا يَكُونُ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ، كَمَا قَالَ الْمُقْرِي (قُلْتُ:) وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُقْرِي اسْتِدْلَالُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ اعْتَمَرَ بَعْدَ حَجَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ سَنَدٌ: وَإِنَّمَا كَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَرَخَّصُ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ يَأْتِي بِكُلِّ نُسُكٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ التَّمَتُّعِ، وَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْقِرَانِ، وَلِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الدَّمِ، وَغَيْرُهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَوُجُوبُهُ: دَلِيلٌ عَلَى الْخَلَلِ، فَكَانَ الْإِفْرَادُ الَّذِي لَا خَلَلَ فِيهِ أَفْضَلَ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى.
[فَائِدَةٌ مُثَلَّثَاتُ الْحَجِّ]
(فَائِدَةٌ) مُثَلَّثَاتُ: الْحَجِّ أَوْجُهُ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَقِرَانٌ وَالْإِطْلَاقُ وَالْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِهَا، وَالِاغْتِسَالَاتُ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالرُّكُوعُ ثَلَاثَةٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَلِلْإِفَاضَةِ، وَمَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ثَلَاثَةٌ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ
وَالْهَدْيُ وَالْخَبَبُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الطَّوَافِ، وَفِي السَّعْيِ، وَفِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَخُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ وَالْجِمَارُ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَمُتَعَدِّي الْمِيقَاتِ ثَلَاثَةٌ مُرِيدُ النُّسُكِ وَمُرِيدُ مَكَّةَ بِغَيْرِ النُّسُكِ وَغَيْرُ مُرِيدٍ لِمَكَّةَ وَالْمُحْرِمُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ يَتَعَيَّنُ لَهُمْ الْحَلْقُ، وَهُمْ الْمُلَبِّدُونَ، وَمَنْ كَانَ شَعْرُهُ قَصِيرًا، وَمَنْ يَكُونُ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ وَقِسْمٌ يَتَعَيَّنُ لَهُمْ التَّقْصِيرُ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ الْأَمْرَانِ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَهُمْ مَنْ عَدَا مَنْ ذُكِرَ وَالْهَدْيُ ثَلَاثَةٌ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ، وَعَلَامَاتُهُ ثَلَاثَةٌ تَقْلِيدٌ وَإِشْعَارٌ وَتَجْلِيلٌ، وَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، أَمَّا الْبَقَرُ، فَتُقَلَّدُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ، فَتُقَلَّدُ وَتُشْعَرُ فَقَطْ، وَلَا يُفْعَلُ فِي الْغَنَمِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَكُلُّ أَفْعَالِ الْحَجِّ يُطْلَبُ فِيهَا الْمَشْيُ إلَّا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِالْمَشْعَرِ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْجُزُولِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (ثُمَّ قَرَنَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وَقَدَّمَهَا أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْقِرَانَ يَلِي الْإِفْرَادَ فِي الْفَضْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ مِنْ السُّنَّةِ عُسْرٌ، وَإِنَّمَا رَاعَوْا فِيهِ كَوْنَ الْمُتَمَتِّعِ فِيهِ تَرَخَّصَ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَقَالَهُ سَنَدٌ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَنَصُّهُ: وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ هُوَ أَنَّ الْقَارِنَ فِي عَمَلِهِ كَالْمُفْرِدِ، وَالْمُفْرِدُ أَفْضَلُ، فَمَا قَارَبَ فِعْلَهُ كَانَ أَفْضَلَ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَتَحَلَّلُ بِمُدَّةٍ، فَتَعَطَّلَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَلَا يُكْرَهُ الْقِرَانُ خِلَافًا لِمَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَا التَّمَتُّعُ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْقِرَانَ لَهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَيْ: يَقْصِدُ الدُّخُولَ فِي حُرْمَتِهِمَا مَعًا، وَسَوَاءٌ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ فِي لَفْظِهِ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ بَعْدَهُ قَالَهُ سَنَدٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ فِي نِيَّتِهِ لِارْتِدَافِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُجْزِئُهُ الْبَاجِيُّ وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ نَوَاهُمَا جَمِيعًا انْتَهَى.
(قُلْتُ:)، مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ مُتَعَيِّنٌ قَالَ سَنَدٌ: الْقِرَانُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، فَإِنْ نَوَاهُمَا مَعًا جَازَ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ فِي لَفْظِهِ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ نَظَرْتَ، فَإِنْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ جَازَ أَنْ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْخِلَ الْعُمْرَةَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ الْإِفْرَادِ وَغَيْرِهِ: إذَا ابْتَدَأَ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ عُمْرَةً، هَلْ يَكُونُ قَارِنًا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ يَعْنِي الْأَبْهَرِيَّ فِيمَنْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي تَلْبِيَتِهِ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَكُونُ قَارِنًا قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ نَوَاهُمَا جَمِيعًا، وَزَعَمَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، كَمَا يُخْتَلَفُ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى.
مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ هُوَ الصَّوَابُ، فَلَا يَبْعُدُ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ خِلَافًا، وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: الْقِرَانُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدٍ يَنْوِي بِقَلْبِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِمَا مُقَدِّمًا لِلْعُمْرَةِ فِي نِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِاللَّفْظِ انْتَهَى.
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ صُورَتَيْ الْقِرَانِ هِيَ الْإِرْدَافُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا إنْ صَحَّتْ إلَخْ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مُفْرِدًا ثُمَّ يُضِيفَ الْحَجَّ إلَيْهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ اعْتِقَادًا أَنَّهُ قَدْ شَرَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ، فَهَذَا يَكُونُ قَارِنًا كَالْمُتَمَتِّعِ انْتَهَى.
، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ بِطَوَافِهَا لَكَانَ أَبْيَنَ، وَلَكَانَ مُشِيرًا إلَى الْخِلَافِ فِي الْإِرْدَافِ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ وَقْتَ الْإِرْدَافِ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَاتَ الْإِرْدَافُ عِنْدَ أَشْهَبَ هَكَذَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْهُ، وَفِي الْجَلَّابِ عَنْهُ إذَا طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْرَامُهُ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا وَاعْلَمْ أَنَّ أَشْهَبَ إنَّمَا يَقُولُ بِفَوَاتِ الْإِرْدَافِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى إكْمَالِ الطَّوَافِ أَمَّا لَوْ قَطَعَهُ لَصَحَّ عِنْدَهُ الْإِرْدَافُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ
ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَجُوزُ الْإِرْدَافُ فِي الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ يُكْرَهُ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ مَا لَمْ يَرْكَعْ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ فِيهِ سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ: أَنْ يُقَالَ جَائِزٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ يُتِمَّ الطَّوَافَ، فَإِنَّهُ إذَا أَتَمَّ الطَّوَافَ كُرِهَ الْإِرْدَافُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ كَلَامِهِ هَذَا بِيَسِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: صَارَ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَنْ يُرْدِفَ قَبْلَ الطَّوَافِ أَيْ: قَبْلَ كَمَالِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ وَبَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ وَبَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِقِرَانٍ، وَبَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السَّعْيِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِقِرَانٍ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِرْدَافِ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ: إنَّهُ بَعْدَ السَّعْيِ جَائِزٌ يُرِيدُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، كَمَا سَيَأْتِي.
ص (إنْ صَحَّتْ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ الْإِرْدَافِ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى عُمْرَتِهِ، وَلَا يَحُجُّ حَتَّى يَقْضِيَهَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهَا صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَتْ عُمْرَتُهُ الْفَاسِدَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَائِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَرْتَدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَكُونُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي عَامِهِ الْأَوَّلِ لِقِرَانِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَيُرِيقُ دَمَيْنِ، دَمٌ لِقِرَانِ الْقَضَاءِ وَدَمُ الْفَسَادِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ انْتَهَى.
ص (وَكَمَّلَهُ، وَلَا يَسْعَى)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الطَّوَافَ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يَسْعَى إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرْدَفَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَرْكَعُ تَكْمِيلًا لِلطَّوَافِ، وَإِنْ أَرْدَفَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَوَافٌ، وَلَا سَعْيٌ، وَإِنْ أَرْدَفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ لَزِمَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَتَقْدِيمُ السَّعْيِ بَعْدَهُ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ: إنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَهُ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُهُ، وَلَا يَسْعَى سَهْوٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْدَافَ فِي الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَيُكْمِلُ عُمْرَتَهُ.
ص (وَتَنْدَرِجُ)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى انْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ أَنْ يُسْتَغْنَى بِطَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ وَحِلَاقِهِ عَمَّا وَافَقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ هَذَا الْقَارِنُ مُرَاهِقًا جَازَ لَهُ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَقَعُ حَلْقُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَالطَّوَافُ الَّذِي يُوقِعُهُ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلَيْسَ هُوَ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ انْدَرَجَتْ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَارِنَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِأَفْعَالِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِإِحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَقْصِدُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ بِخُصُوصِهَا، وَلَا يَقْصِدُ التَّشْرِيكَ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَالسَّعْيِ، وَأَنَّهُمَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَلْ يَنْوِي بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِالسَّعْيِ بَعْدَهُ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ وَبِالْوُقُوفِ الْوُقُوفَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ لِلْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ وَبِالطَّوَافِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ لِلْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْقَضَتْ بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَالسَّعْيِ بَلْ حُكْمُهَا بَاقٍ
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ