الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا غَسْلَهُ لِلْوَسَخِ جَائِزًا كَغَسْلِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَا نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ غَسْلَ ثَوْبِهِ إلَّا لِنَجَاسَةٍ، أَوْ وَسَخٍ فَلْيَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَإِنْ مَاتَ فِيهِ دَوَابُّ وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَ غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ، فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ فَلْيَغْسِلْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
، وَهَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهَا بِالْكَرَاهَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ غَسْلِهِ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَنَصُّهَا، وَأَكْرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ، أَوْ ثَوْبَ غَيْرِهِ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يُصِيبَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ، فَلْيَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ لَا بِالْحُرْضِ انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ غَسْلَ ثَوْبِ الْمُحْرِمِ لَا يُمْنَعُ لِلْإِنْقَاءِ وَالتَّنْظِيفِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ لِأَجْلِ قَتْلِ الْهَوَامِّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَحْسَنُ أَنَّ مَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ، أَوْ جَنَابَةٌ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَافْتَقَدَهُ، وَمَا حَوْلَهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَإِنْ قَطَعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ غَسَلَهُ بِمَا شَاءَ، وَأَنْقَاهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يَدْرِ مَوْضِعَهَا افْتَقَدَهُ مَوْضِعًا مَوْضِعًا، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا قَمْلَ فِيهِ غَسَلَهُ، وَمَا رَأَى فِيهِ قَمْلًا نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ سَلَامَتَهُ فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَا تَفْتَقِرُ إلَى حَكٍّ، وَعَرْكٍ كَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ، وَشَبَهِهِ، فَإِنَّهُ يُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ، وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ شَكَّ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ شَيْئًا أَطْعَمَ اسْتِحْبَابًا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجَ إلَى حَكٍّ وَعَرْكٍ، وَكَانَ فِيهِ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ اسْتِحْبَابًا وَلَوْ عَرَكَ جَمِيعَ ثَوْبِهِ فِي قَصْرِيَّةٍ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى دُونِ ذَلِكَ أَطْعَمَ، وَكَذَلِكَ إنْ غَسَلَهُ بِالْحُرْضِ وَهُوَ الْغَاسُولُ، أَوْ بِالصَّابُونِ أَطْعَمَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَافْتَدَى عِنْدَ مَالِكٍ إنْ كَانَ بِثَوْبِهِ كَثِيرُ الْقَمْلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِالْحُرْضِ خَشْيَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ ابْنُ يُونُسَ زَادَ فِي رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ لِمَوْضِعِ الدَّوَابِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُهُ لِلْوَسَخِ وَنَحْوِهِ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ جَوَازُهُ انْتَهَى، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا قَمْلَ فِي ثَوْبِهِ جَازَ لَهُ غَسْلُهُ بِمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ لَهُ غَسْلُهُ لِلنَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ فَقَطْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ بَعْضَ قَمْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ يُطْعِمُ اسْتِحْبَابًا، وَأَمَّا غَسْلُهُ لِلْوَسَخِ، فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَيْضًا إنَّهُ جَائِزٌ وَحَكَى فِي الشَّامِلِ فِي غَسْلِهِ مِنْ الْوَسَخِ قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا غَسْلُهُ لِغَيْرِ النَّجَاسَةِ وَالْوَسَخِ، فَاتَّفَقَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الطِّرَازِ أَنَّ غَسْلَهُ لِغَيْرِ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ]
ص (وَرَبْطُ جُرْحِهِ)
ش: (فَرْعٌ) : قَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ الْحَاجِّ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ وَإِنْ دَمِيَ فَمُهُ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ وَالْعُتْبِيُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ وَلَوْ أَدْمَى فَاهُ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الْقَاضِي الزِّينَةَ مَنْعُ السِّوَاكِ بِالْجَوَازِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ)
ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمِنْطَقَةُ الْهِمْيَانُ، وَهُوَ مِثْلُ الْكِيسِ يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ انْتَهَى.
ص (عَلَى جِلْدِهِ)
ش: فَلَوْ شَدَّهَا عَلَى إزَارِهِ فَفِيهَا الْفِدْيَةُ.
ص (وَإِضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ)
ش: فَلَوْ شَدَّهَا لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ وَجَعَلَ مَعَهَا نَفَقَةَ نَفْسِهِ لِيَسْتَبِيحَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ شَدَّهَا لِنَفَقَتِهِ، وَنَفَقَةِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ غَيْرِهِ تَبَعٌ انْتَهَى. .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ)
ش: أَيْ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ نَفَقَتِهِ مِثْلَ أَنْ يَشُدَّهَا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ حَبِيبٍ وَابْنِ يُونُسَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَدَّهَا لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
ص
كَعَصْبِ جُرْحِهِ)
ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ عَصَبَ جُرْحَهُ، أَوْ رَأْسَهُ افْتَدَى قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَبِيرِ الْعِصَابَةِ وَصَغِيرِهَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ إشَارَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَغِيرِ الْعِصَابَةِ وَكَبِيرِهَا.
ص (أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ كَدِرْهَمٍ)
ش: اُنْظُرْ إذَا كَانَ بِهِ جُرُوحٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَأَلْصَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا خِرْقَةً دُونَ الدِّرْهَمِ وَالْمَجْمُوعُ كَدِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ وَظَاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
ص (أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ، أَوْ قِرْطَاسٍ بِصُدْغَيْهِ)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالْفِدْيَةُ فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ سَدَّ أُذُنَهُ الْوَاحِدَةَ، أَوْ كِلْتَيْهِمَا بِمَا فِيهِ طِيبٌ، أَوْ لَا طِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَابُ تَرَفُّهٍ، فَهُوَ بَابٌ وَاحِدٌ انْتَهَى.
وَقَالَ قَبْلَهُ لَا فَرْقَ فِي الْفِدْيَةِ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِعِلَّةٍ، أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّ عَلَيْهِ كَشْفَ أُذُنَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ، أَوْ لِأَنَّهُمَا فِي عَظْمِ الرَّأْسِ كَالْجَبْهَةِ وَالصُّدْغِ، فَإِذَا سَدَّهُمَا، فَقَدْ سَتَرَ مَا عَلَيْهِ كَشْفُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَعَلَ فِي صُدْغَيْهِ قِرْطَاسًا، أَوْ عَصَبَ جَبْهَتَهُ بِعِصَابَةٍ انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: أَوْ قُطْنَةٌ بِأُذُنٍ، أَوْ قِرْطَاسٌ بِصُدْغٍ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعُورِضَ إيجَابُهُمْ الْفِدْيَةَ فِي الْأُذُنِ مُطْلَقًا بِمَسْأَلَةِ الْخِرَقِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ انْتِفَاعِهِ بِسَدِّ الْأُذُنِ أَشْبَهَ الْكَثِيرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ، أَوْ فَخْذِهِ) ش يُرِيدُ، أَوْ سَاقِهِ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنْطَقَةَ مِنْ اللِّبَاسِ الْمَمْنُوعِ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ فَلَا يَعْدِلُ بِهَا عَنْ الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِهَا عَادَةً
ص (وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ)
ش: أَيْ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكُبَّ وَجْهَهُ عَلَى الْوِسَادَةِ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا فَوْقَ الْعُنُقِ، فَيَكُونُ الْوَجْهُ مِنْ جُمْلَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ كَظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالْمُحْرِمِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ النَّوْمَ عَلَى الْوَجْهِ نَوْمُ الْكُفَّارِ، وَأَهْلِ النَّارِ وَالشَّيَاطِينِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُهُ إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ مِمَّنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ هَذَا جُلُّ كَلَامِهِ رحمه الله وَفِيهِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ يُرِيدُ بِهِ الْمَصْبُوغَ بِغَيْرِ طِيبٍ إذَا كَانَ لَوْنُ الصِّبَاغِ يُشَابِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، فَأَمَّا مَا صُبِغَ بِطِيبٍ كَالْمَصْبُوغِ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ، فَإِنْ غُسِلَ الثَّوْبُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، وَبَقِيَ لَوْنُهُ، فَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ لَوْنُهُ كُلُّهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ صَبَغَهُ بِالْمِشْقِ، وَأَحْرَمَ بِهِ انْتَهَى وَالْمِشْقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صِبْغَهَا إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا خُلِطَ بِزَيْتٍ وَيُقَالُ لِلثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِهَا مُمَشَّقٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَأَمَّا الْمُغْرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ إنَّهُ لَوْنٌ لَيْسَ بِنَاصِعِ الْحُمْرَةِ، أَوْ شُقْرَةٌ بِكُدْرَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ ثَوْبٍ صُبِغَ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ وَالْوَرْسُ نَبْتٌ بِالْيَمَنِ وَصِبْغُهُ بَيْنَ الصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ فَإِنْ غُسِلَ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الزَّعْفَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ مَا بَقِيَ مِنْ لَوْنِهِ شَيْءٌ انْتَهَى، وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُفْدَمٍ وَمُوَرَّدٍ فَالْمُفْدَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْقَوِيُّ الصِّبْغِ الْمُشَبَّعِ الَّذِي رُدَّ فِي الْعُصْفُرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ سُقُوطَهَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْمُحْرِمَةُ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ مَا لَمْ يَنْتَفِضْ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ انْتَهَى وَاسْتَظْهَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ فِي الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ.
(قُلْت) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَبِسَتْ الْمُفْدَمَ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يُحْرِمُوا فِي الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ لِانْتِفَاضِهِ انْتَهَى فَسَوَّى بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ: النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فِيمَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ فِي الْمُوَرَّسِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُفْدَمِ وَالْمُزَعْفَرِ سَوَاءٌ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْمُوَرَّدُ فَفَسَّرَهُ التُّونُسِيُّ بِالْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ إذَا غُسِلَ وَفَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيُّ بِالْمُعَصْفَرِ غَيْرِ الْمُفْدَمِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ غُسِلَ الْمُفْدَمُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُوَرَّدًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ صَبْغًا غَيْرَ قَوِيٍّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ يَعْنِي فِي تَفْسِيرِ الْمُوَرَّدِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: هُوَ الَّذِي صُبِغَ بِالْوَرْدِ انْتَهَى. .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَفِي تَفْسِيرِ الْبَلُّوطِيِّ بِمَا صُبِغَ بِوَرْدٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ كَالْوَرْسِ انْتَهَى. وَالْبَلُّوطِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُوَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ (قُلْت) : وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّ الْمَصْبُوغَ بِالْوَرْدِ كَالْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْوَرْسَ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ، وَالْوَرْدُ مِنْ الطِّيبِ الْمُذَكَّرِ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ كَمَا فَصَلَ فِي الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ بَيْنَ الْمُفْدَمِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) : وَقَوْلُنَا إذَا كَانَ لَوْنُ صِبْغِهِ يُشْبِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ احْتَرَزْنَا بِهِ عَمَّا يَكُونُ صِبَاغُهُ لَا يُشْبِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ فَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبِيضُ أَلْبِسُوهَا أَحْيَاءَكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ لِبَاسُ الْبَيَاضِ، وَهُوَ فِي الْمَصْبُوغِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزٌ: إذَا كَانَ أَزْرَقَ، أَوْ أَخْضَرَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَمْنُوعٌ: إذَا كَانَ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ طِيبٌ، فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ مُعَصْفَرًا غَيْرَ مُفْدَمٍ، وَكُرِهَ الْمُفْدَمُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِضُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَلَمْ يَرَهُ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ انْتَهَى. وَكَانَ الْقِسْمُ الثَّالِثِ مِنْ الْمَصْبُوغِ فِي كَلَامِهِ هُوَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ الْمُفْدَمِ، فَجَعَلَهُ مَكْرُوهًا.
وَلَمْ يَرَ فِيهِ فِدْيَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْبَيَاضُ أَفْضَلُ فِي صِفَةِ الثِّيَابِ لِلْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَصْبُوغُ