الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَفْهُومُ قَوْلِهِ يُكْرَهُ أَنَّ عَدَمَ الْإِكْرَاهِ يَحْنَثُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبِرِّ وَيَحْنَثُ إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيِّ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَيْمَانِ: تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مُوجَبِ الْيَمِينِ فَأُكْرِهَ عَلَى أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ الْفِعْلِ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا يَحْنَثُ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ فَالْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ هُوَ أَوَّلُ مَرَّةٍ صَدَرَتْ مِنْ مُخَالِفَةِ الْيَمِينِ وَالْأُولَى لَا عِبْرَةَ بِهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَ زَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ طَلَاقٌ، فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله، انْتَهَى.
[فَرْعٌ إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ليفعلن فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ]
(فَرْعٌ) إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَبَرُّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَيَمِينُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ، وَإِنَّمَا يَصْدُقُ فِي نِيَّتِهِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْفِعْلِ؟ إنْ كَانَ مِلِكًا لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُ وَلَوْ زَوْجَةً، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ عَصَى وَبَرَأَ نَظَرُهُ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَفْعَلُ فَأَكْرَهَ الْغَيْرَ عَلَى الْفِعْلِ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ قَوْلَيْنِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. ص (وَعِتْقِهِ)
ش:، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ الْبَاجِيُّ يَلْزَمُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ زَرْقُونٍ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ إنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: بَتَّ مَنْ يَمْلِكُهُ حِينَ حَلِفِهِ مِنْ زَوْجَةٍ وَمَمْلُوكٍ وَصَدَقَةٍ بِثُلُثِهِ وَمَشَى فِي نُسُكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ أَوْ مَمْلُوكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا مَنْ يَشْتَرِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ لَا أَكْثَرُ، انْتَهَى
ص (وَزِيدَ فِي الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي صَوْمُ سَنَةٍ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت أَمَّا إلْزَامُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِّ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ، فَقَدْ رَأَيْت لِابْنِ عَلْوَانَ أَحَدَ الْمُفْتِينَ بِتُونُسَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا إلَّا ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ الْجَارِيَةَ الْجَائِزَةَ هِيَ الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. ص (إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ
[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَا فَعَلْت وَلَا يُرِيدُ بِهَا الْيَمِينَ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ يَقُولُ: الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَا فَعَلْت، وَلَا يُرِيدُ بِهَا الْيَمِينَ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إذَا قَصَدَ مَا وَصَفْت وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمَشْيِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قُلْت) إنْ لَمْ تَتَقَرَّرْ عَادَةً أَوْ نَوَى عَدَمَ الْيَمِينِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا إنْ تَقَرَّرَتْ عَادَةً بِاللُّزُومِ، وَهُوَ قَصْدُ الْحَالِفِينَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا
يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: الصَّوْمُ يَلْزَمُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَنَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْحَالِفِينَ جَرَّتْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُنِي أَوْ صَوْمُ الْعَامِ يَلْزَمُنِي وَنَوَى فَرِيضَةَ الْحَجِّ وَصَوْمَ رَمَضَانَ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ تَوْرِيكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَحْلَفَهُ أَحَدٌ وَقُلْنَا الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ فَيَلْزَمُهُ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ.
ص (وَالْأَمَةِ)
ش: يُرِيدُ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْعِتْقَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُحَرَّمُ غَيْرُهَا يَعْنِي الزَّوْجَةَ، وَلَوْ أَمَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عِتْقَهَا.
ص (وَتَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَفَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ كُلَّمَا فَعَلَهُ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحِنْثُ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا، وَلِذَا لَا يَتَعَدَّدُ مَا يُوجِبُهُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ مُوجِبِهِ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ، انْتَهَى. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ تَكَرُّرِ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي.
(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ حِنْثُ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْنَثُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَقُلْنَا لَا يَحْنَثُ ثُمَّ فَعَلَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ.
ص (أَوْ كَانَ الْعُرْفُ كَعَدَمِ تَرْكِ الْوَتْرِ)
ش: ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
. ص (أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ كَرَّرَ الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ يُكَرِّرَ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا تُكَرَّرُ عَلَيْهِ.
ص (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ)
ش: لَعَلَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ أَوْ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ عُهُودٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَوَاللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ وَإِنْ قَصَدَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ إذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَكْرِيرِ الْيَمِينِ عَلَى وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ بِنِيَّةِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ وَتَتَّحِدُ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ، وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ ابْنُ رُشْدٍ لَا تَتَعَدَّدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ بِاَللَّهِ فِي وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ اللَّخْمِيُّ، وَلَوْ فِي مَجَالِسَ، وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ وَأَرَى تَعَدُّدَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَتَعَدَّدُ فِي وَاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَتَّحِدُ فِي وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ وَتَكْرِيرُ الْمُقْسَمِ بِهِ دُونَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَتَكْرِيرُهُمَا مَعًا سَوَاءٌ وَتَتَعَدَّدُ فِي تَكْرِيرِ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ عَطْفًا وَغَيْرَهُ، وَلَوْ مُعَلَّقًا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَلَوْ قَبْلَ ذِكْرِهِ كَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا مَا لَمْ يَنْوِ الِاتِّحَادَ، ثُمَّ قَالَ وَفِي تَعَدُّدِهَا بِتَكْرِيرِ الصِّفَةِ الْمُخْتَلِفَةِ اللَّفْظِ ثَالِثُهَا إنْ تَغَايَرَتْ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّكَرُّرِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي تَكْرِيرِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ مُتَغَايِرَةٍ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَتَتَعَدَّدُ فِي ذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الذَّاتِ كَ وَاَللَّهِ وَعِزَّتِهِ، وَفِي الْيَمِينِ مَعَ النَّذْرِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: وَاَللَّهِ لَا فُعِلْت كَذَا أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ كَفَّارَاتٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَمَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَاللَّفْظُ الثَّانِي مِنْ الصِّفَاتِ فَالْحُكْمُ تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ وَكَفَّارَتَانِ فِي وَالْعَزِيزِ وَعِزَّةِ اللَّهِ، انْتَهَى.
ص (وَلَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ غَدًا) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَتَعَدَّدُ مُوجِبُ الْحِنْثَ كَفَّارَةٌ أَوْ غَيْرُهَا بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ تَغَايُرِ مُتَعَلِّقِهَا، وَلَوْ بِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَلَازِمًا مُسَاوِيًا عَلَى رَأْيٍ انْتَهَى. .
. ص (وَخَصَّصَتْ
نِيَّةُ الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ)
ش: لَمَا فَرَغَ رحمه الله مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حَدِّ الْيَمِينِ وَصِيغَتِهَا وَالْيَمِينِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وَأَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَتَكْرِيرِهَا وَاتِّحَادِهَا أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ النِّيَّةُ الثَّانِي الْبِسَاطُ الثَّالِثُ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ الرَّابِعُ الْمَقْصِدُ اللُّغَوِيُّ الْخَامِسُ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فَقَالَ: وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ النِّيَّةَ تُخَصِّصُ الْعَامَّ وَتُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ إذَا صَلُحَ اللَّفْظُ لَهَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: النِّيَّةُ تُقَيِّدُ الْمُطْلَقَاتِ وَتُخَصِّصُ الْعُمُومَاتِ إذَا صَلُحَ لَهَا اللَّفْظُ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَمَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ صَالِحًا لَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ صَرِيحًا فِيمَا نَوَاهُ الْحَالِفُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا افْتَرَقَ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ مَا يَكُونُ الْحَالِفُ فِيهِ عَلَى نِيَّةٍ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِمَا نَوَاهُ وَلِغَيْرِهِ، انْتَهَى.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ فَالنُّصُوصُ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ، وَالظَّوَاهِرُ هِيَ الَّتِي تَقْبَلُهَا، وَالنُّصُوصُ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ كَالْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ، وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: رَأَيْتَ عَشَرَةً، ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرَادَكَ بِهَا وَتَقُولُ: أَرَدْت خَمْسَةً فَإِنَّ التَّخْصِيصَ مَجَازٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَقَاءِ بَعْضِ الْمُسَمَّى، وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْتَ إخْوَتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت بِإِخْوَتِكَ نِصْفَهُمْ فَهَذَا تَخْصِيصٌ، وَالْمَجَازُ الَّذِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِإِخْوَتِكَ مَسَاكِنَهُمْ فَلَيْسَ الْمَسَاكِنُ بَعْضَ الْإِخْوَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ، فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النُّصُوصِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ أَلْبَتَّةَ إجْمَاعًا، فَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا، وَقَالَ أَرَدْت: بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَالرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ عز وجل، وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ، وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا يَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَهَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْأَعْدَادِ لَغَوِيٌّ، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: إنْ نَافَتْ أَصْلَهُ نَافَيَت فَتَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا فِي سَاوَتْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً أَيْ مُخَالِفَةً لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِفِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِصُوَرٍ، وَالنِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ تَنْفِي ذَلِكَ الْحُكْمَ عَنْ تِلْكَ الصُّوَرِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ: مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَمْ تَكُنْ مُخَصِّصَةً، وَكَذَلِكَ الْمُخَصِّصَاتُ اللَّفْظِيَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارِضَةً لَا تَكُونُ مُنَافِيَةً، انْتَهَى.
وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُخَصِّصَةِ لَا فِي الْمُقَيِّدَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: تَنْبِيهٌ سُئِلَ الْحَالِفُ بِاللَّفْظِ الْعَامِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بَعْضَ أَنْوَاعِهِ لَا يُلْتَفَتُ لِنِيَّتِهِ وَيُعْتَبَرُ عُمُومُ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ مُؤَكِّدَةٌ لِلَّفْظِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ غَيْرُ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ صَارِفَةً، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إخْرَاجَ مَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، وَمِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْمُقَيِّدَةِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَهَذَا مَقَامٌ لَا يُحَقِّقُهُ أَكْثَرُ مُفْتِي الْعَصْرِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ إثْرَ نَقْلِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ قُلْت شَرْطُ التَّخْصِيصِ مُنَافَاةُ حُكْمِ الْخَاصِّ لِلْعَامِّ وَإِلَّا فَهُوَ تَقْيِيدٌ، فَإِذَا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] فَإِنْ قُلْنَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَسْفُوحَ وَغَيْرَهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِهِ: دَمًا مَسْفُوحًا لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِإِطْلَاقِهِ: تَقَيَّدَ فَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الْقَوْلَانِ فِي تَحْرِيمِ الدَّمِ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي لُبَابِ اللُّبَابِ الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: الْفَرْقُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَالْمُخَصِّصَةِ فَالْمُؤَكِّدَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ
وَالْمُخَصِّصَةُ مُنَافِيَةٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَنَوَى كَتَّانًا قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْفُقَهَاءُ يُفْتُونَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَتَّانِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ يَحْنَثُ فِي الْكَتَّانِ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ، وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَإِنْ اسْتَحْضَرَ غَيْرَ الْكَتَّانِ فِي نِيَّتِهِ وَنَوَى إخْرَاجَهُ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ حِينَئِذٍ مُخَصِّصَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَالِكِيُّ: تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ يَسْتَلْزِمُ الْمُطْلَقَ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ اللَّفْظِيَّ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِصُورَةٍ أَوْ صُوَرٍ، وَالنِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ تَنْفِي ذَلِكَ الْحُكْمَ عَنْ تِلْكَ الصُّوَرِ، انْتَهَى.
فَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُنَافَاةَ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي الْمُخَصِّصَةِ لَا فِي الْمُقَيِّدَةِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ نَافَتْ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُنَافِ تُخَصِّصُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ النِّيَّةُ الْمُؤَكِّدَةُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ النِّيَّةَ إنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالنِّيَّةُ إنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: وَسَاوَتْ يَعْنِي إذَا قُلْنَا مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً فَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُنَافَاتُهَا وَعَدَمُ مُنَافَاتِهَا عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تُخَالِفَ النِّيَّةُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِأَشَدَّ مِنْ مَدْلُولِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زَيْتًا فَيَقُولُ: أَرَدْت سَائِرَ الْأَدْهَانِ. الثَّانِي أَنْ تُخَالِفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَيَكُونَ قَصْدُ مُخَالَفَتِهَا لِلَّفْظِ وَقَصْدُ عَدَمِ مُخَالَفَتِهَا لَهُ سَوَاءٌ، أَيْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْصِدَ بِاللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَقْصِدَ عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ. الثَّالِثُ أَنْ تُخَالِفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَتُوَافِقَ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ الْقَرِيبَ مِنْ التَّسَاوِي. الرَّابِعُ أَنْ تُخَالِفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَتُوَافِقَ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ الْبَعِيدَ جِدًّا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مُنَافَاتُهَا وَعَدَمُ مُنَافَاتِهَا عَلَى السَّوَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَتَكُونُ مُخَصِّصَةً وَتُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَتَقْيِيدِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَعْنِي الثَّانِيَ فِي كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ: إلَّا لِمُوَافَقَةٍ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَكِنْ يَسْتَظْهِرُ عَلَيْهِ بِيَمِينٍ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ادَّعَاهُ إنْ نَوَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ مِمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ الْأَشْيَاخُ، وَهُوَ مِنْ أَيْمَانِ التُّهَمِ وَالْأَقْرَبُ هُنَا تَوَجُّهُهَا احْتِيَاطًا لِحَقِّ اللَّهِ، انْتَهَى. وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَذُكِرَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ النِّيَّةَ إنْ كَانَتْ مُحْتَمَلَةً وَلَمْ يَشْهَدْ لَهَا ظَاهِرُ الْحَالِ، وَلَا دَلِيلُ عُرْفٍ، وَلَا مَقْصِدٌ، وَلَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَكَانَتْ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ وَلَمْ يَأْتِ مُسْتَفْتِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ قَالَ: وَأَمَّا إنْ شَهِدَ لِلنِّيَّةِ ظَاهِرُ الْحَالِ أَوْ دَلِيلٌ مِنْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا بِيَمِينٍ، وَلَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَأْتِ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا فَيَنْوِي فِيمَا نَوَاهُ دُونَ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الَّتِي نَوَى خِلَافَ ظَاهِرِ لَفْظِهَا، انْتَهَى.
وَدَخَلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلَّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ أَعْنِي قَوْلَهُ يُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا
(الثَّانِي) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: الْعَامُّ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ بِقَيْدٍ يَتْبَعُهُ فِي مُحَالِهِ نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: أَيْ يَتْبَعُهُ بِحُكْمِهِ فِي مُحَالِهِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ تَحْرِيمًا أَوْ إبَاحَةً، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتْبَعُ بَلْ يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى فَرْدٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْعَامُّ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فَقَوْلُهُ: يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ يَعْنِي أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يَصْلُحُ لَهُ دَفْعَةً، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ لِيُخْرِجَ بِهِ اسْمَ الْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُهَا بِحَصْرٍ كَعَشَرَةٍ، ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ نَحْوُ رَجُلٍ، وَالْمُقَيَّدُ هُوَ الَّذِي أُضِيفَ إلَى مُسَمَّاهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهِ نَحْوُ رَجُلٌ صَالِحٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْمُطْلَقُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، انْتَهَى. فَعِنْدَ الْقَرَافِيِّ أَنَّ النَّكِرَةَ وَالْمُطْلَقَ سَوَاءٌ، وَهَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَعِنْدَ السُّبْكِيّ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُطْلَقِ
وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ فِي اللَّفْظِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ سُمِّيَ مُطْلَقًا وَاسْمَ جِنْسٍ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً قَالَ السُّبْكِيُّ وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أُسْلُوبُ الْمَنْطِقِيِّينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ ذَكَرَيْنِ فَقِيلَ لَا تَطْلُقُ نَظَرًا لِلتَّنْكِيرِ الْمُشْعِرِ بِالتَّوْحِيدِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْتُ عَنْ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْحَالِفَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَنَوَى كَتَّانًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْكَتَّانِ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَلَمْ يَجْعَلُوا هَذِهِ النِّيَّةَ مُقَيِّدَةً وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَالَ: إنَّ النِّيَّةَ تُقَيِّدُ فَالْجَوَابُ أَنَّ لَفْظَ الثَّوْبِ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ عَامٌّ لَكِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَالنِّيَّةُ هُنَا إنَّمَا هِيَ مُخَصِّصَةٌ لَا مُقَيِّدَةٌ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
. ص (فِي اللَّهِ وَغَيْرِهَا كَطَلَاقٍ)
ش: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْيَمِينِ الَّتِي خُصِّصَتْ بِمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالصِّيَامِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ وَلِأَجْلِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هَلْ يُسَمَّيَانِ يَمِينًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا أَتَى بِقَوْلِهِ: كَطَلَاقٍ فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَغَيْرِهَا، وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الْعِتْقُ، ثُمَّ مَثَّلَ لِلنِّيَةِ الْمُنَافِيَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الِاحْتِمَالِ بِفَرْعٍ مِنْ فُرُوعِهَا، وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافَ التَّشْبِيهِ لِيَعُمَّ بَقِيَّةَ الْفُرُوعِ فَقَالَ:
ص (كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا)
ش: وَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَمَّا مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي نِكَاحِهَا فَتَبِينَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ، وَيَقُولُ: نَوَيْت مَا كَانَتْ تَحْتِي فَيُصَدَّقُ وَمِثْلُ الَّذِي يُعَاتِبُهَا زَوْجُهَا فِي دُخُولِ بَعْضِ قَرَابَتِهَا إلَيْهَا فَتَحْلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا دَخَلَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْ أَعْلَى فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ نَوَيْت مَا كَانَ حَيًّا فَذَلِكَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ ابْنُ يُونُسَ.
وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعَاشِرِ وَاَلَّذِي يَعْجَبُ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ فَيَقُولُ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، انْتَهَى. قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ يَعْجَبُ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ فَقَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ أَوْ قَالَ لَهُ: تَعَالَ يَا حُرُّ وَلَمْ يُرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعْصِينِي فَأَنْتَ فِي مَعْصِيَتِكَ إيَّايَ كَالْحُرِّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفُتْيَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَبْدٍ طَبَخَ لِسَيِّدِهِ طَبِيخًا فَأَعْجَبَهُ صُنْعُهُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ وَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْفِعْلُ، وَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ، فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا إذَا عُلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ دَفَعَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالِفَةِ لَا دَخَلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّ طَلَاقَهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةٍ مَوْتِهِ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ لِمَالِكٍ أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ تَحْضُرْهَا نِيَّةٌ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَأْخُذَ فِي ذَلِكَ بِالِاحْتِيَاطِ وَأَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا جَرَّ يَمِينُهَا مِنْ عِتَابِ زَوْجِهَا إيَّاهَا، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَاتَبَهَا لِعِصْيَانِهَا إيَّاهُ فِي أَنْ تُدْخِلَهُمْ بَيْتَهَا، وَهُوَ يَكْرَهَهُمْ وَيُشَاوِرَهُمْ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهَا فِي إدْخَالِهَا إيَّاهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَاتَبَهَا لِمَا كَرِهَ لَهَا مِنْ مُخَالَطَتِهَا إيَّاهُمْ فَهِيَ حَانِثَةٌ إنْ أَدْخَلَتْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ تَأْخُذَ بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ بِهَا زَوْجَةً لَهُ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْت مَا عَاشَتْ فُلَانَةُ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَقَالَ: أَرَدْت مَا عَاشَتْ وَكَانَتْ زَوْجَةً لِفُلَانٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَنْوِ فِي ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا عَاشَتْ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ انْتَهَى.
. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَإِنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْكَافَ فَقَالَ:
ص (كَإِنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ