الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَفَعَ الْإِمَامُ، وَدَفَعَ النَّاسُ فَلْيَتَّقِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فَلْيَمْشِ الْعَنَقَ، فَإِنْ وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقُ الْعَنَقِ انْتَهَى.
ص (أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَكَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحَجِّ فَوَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يُبْطِلُ الْإِحْرَامَ، وَقَدْ دَخَلَ فِي نِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَوْ كَانَ بَعْد الزَّوَال أَجْزَأَهُ مِنْ بَاب الْأَوْلَى، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقِف بِهِ أَصْحَابُهُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْل، وَلَوْ دَفَعُوا بِهِ قَبْلَ الْغُرُوب لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ:، وَهُوَ ظَاهِر، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَجُزْأَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ، وَلَوْ اتَّصَلَ حَتَّى دَفَعَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ ثَانِيَةً إنْ أَفَاقَ فِي بَقِيَّةِ لَيْلَتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ فِي الْوُقُوفِ يَعْنِي بَعْدَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ، أَمَّا إنْ وَقَفَ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْد الزَّوَالِ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِأَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ فِي الطِّرَازِ لِمَنْ ذُكِرَ وَلِابْنِ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إجْزَاءِ مَنْ وَقَفَ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ ثَالِثهَا: إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَهُمَا لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَخَوَيْنِ وَابْنِ شَعْبَانَ مَعَ أَشْهَبَ انْتَهَى.
وَنَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ (فَرْعٌ) : إذَا قُلْنَا: يُجْزِئُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْوُقُوفُ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا دَم عَلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم
[فَرْعٌ قَدِمَ عَرَفَاتٍ وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَحْمَلِهِ وَأَقَامَ فِي نَوْمِهِ حَتَّى دَفَعَ النَّاسُ وَهُوَ مَعَهُمْ]
(فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ، وَلَوْ قَدِمَ عَرَفَاتٍ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَحْمَلِهِ وَأَقَامَ فِي نَوْمِهِ حَتَّى دَفَعَ النَّاسُ، وَهُوَ مَعَهُمْ أَجْزَأَهُ وُقُوفُهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ انْتَهَى.
، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ.
[فَرْعٌ شَرِبَ مُسْكِرًا حَتَّى غَابَ عَقْلُهُ اخْتِيَارًا وَفَاته الْوُقُوف بعرفة]
(فَرْعٌ) : مَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا حَتَّى غَابَ عَقْلُهُ اخْتِيَارًا أَوْ بِشَيْءٍ أَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَوْ أَطْعَمَهُ أَحَدٌ مَا أَسْكَرَهُ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارٌ فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ كَالْجَاهِلِ بَلْ هُوَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ أَخْطَأَ الْحَجَّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَخْطَأَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْمَوْسِمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَجِّ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، فَإِنَّ وُقُوفَهُمْ يُجْزِئُهُمْ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فَقَطْ مِمَّا إذَا أَخْطَئُوا وَوَقَفُوا فِي الثَّامِنِ، فَإِنَّ وُقُوفَهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُجْزِيهِمْ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ فِي الصُّورَتَيْنِ حَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى التَّفْرِقَةِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الَّذِينَ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلُوا مَا تَعَبَّدَهُمْ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ دُونَ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الَّذِينَ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِمْ وَقَبُولِهِمْ شَهَادَةَ مِنْ لَا يُوثَقُ بِهِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَذَهَبَ ابْنُ الْكَاتِبِ إلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ مُتَّفِقٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِي الْعَاشِرِ (الثَّانِي:) عَزَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ نَقَلَ عَنْهُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ إذَا وَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ، فَإِذَا لَمْ يُجْزِهِمْ إذَا أَخَّرُوهُ فَأَحْرَى إذَا قَدَّمُوهُ، وَلَمْ يَعْزُ الْقَوْلَ بِالْإِجْزَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَّا لِأَحَدِ قَوْلِي الشَّافِعِيِّ وَعَزَا الْقَوْلَ الثَّالِثَ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَزَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْإِجْزَاءَ فِي الثَّامِنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَاخْتَارَهُ (قُلْت:) وَعَلَيْهِ فَيُجْزِي فِي الْعَاشِرِ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَيَكُونُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْعَاشِرِ دُونَ الثَّامِنِ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ أَصْبَغَ
وَإِنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى بَلْ لَيْسَ لَأَصْبَغَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ سَمَاعٌ (الثَّالِثُ:) إذَا قُلْنَا: بِالْإِجْزَاءِ فِي الْعَاشِرِ، فَقَالَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ وَيَنْحَرُونَ مِنْ الْغَدِ، وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ يَوْمًا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْوُقُوفَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَا أَرَى أَنْ يُنْقِصُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَكُونُ حَالُهُمْ فِي شَأْنِهِمْ كُلِّهِ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُخْطِئْ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ وُقُوفُهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ مَضَوْا عَلَى عَمَلِهِمْ وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ يَوْمًا انْتَهَى.
(قُلْت:) مَا ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ أَنَّهُمْ يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ سَوَاءٌ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ قَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ قَبْلَ أَنْ يَقِفُوا لَمْ يَقِفُوا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفُ بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ فَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ:) الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ وُقُوفَهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ إذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوُقُوفُ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ:) احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَخْطَأَ الْجَمُّ مِمَّا إذَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ فَلَمْ يَأْتُوهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَقَفَ النَّاسُ، فَإِنَّ الْحَجَّ فَاتَهُمْ وَيَتَحَلَّلُونَ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ
(السَّادِسُ:) قَالَ سَنَدٌ: إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وَرَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمْ لَزِمَهُمْ الْوُقُوفُ لِرُؤْيَتِهِمْ، كَمَا قُلْنَا فِي الصَّوْمِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَا يُجْزِئُهُ، وَيَقِفُ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ الْعَاشِرِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظٍ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقِفَ مَعَ النَّاسِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى رُؤْيَتِهِ وَمَعَ النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ وَحْدَهُ وَقَفَ وَحْدَهُ كَأَنْ لَمْ يَقْبَلْ فِيهِ، وَفِي الصَّوْمِ سَوَاءٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَقِفُ لِرُؤْيَتِهِ وَيُعِيدُ الْوُقُوفَ مِنْ الْغَدِ مَعَ النَّاسِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ: وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ وَحْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ وَحْدَهُ دُونَ النَّاسِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ حَجِّهِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَعَلَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُشَارَ إلَيْهِ هُوَ أَبُو عِمْرَانَ لَكِنَّهُ زَادَ ثُمَّ يُعِيدُ الْوُقُوفَ مَعَ النَّاسِ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ خَافَ مِنْ الِانْفِرَادِ؟ قَالَ: هَذَا لَا يَكَادُ يَنْزِلُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَبْدُ الْحَقِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَكُونُ كَالْمُحْصَرِ بَعْدُ وَيَحِلُّ ثُمَّ يُنْشِئُ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَعَ النَّاسِ وَيَحُجُّ مَعَهُمْ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ احْتِيَاطًا وَاسْتِحْسَانًا انْتَهَى.
(قُلْت:) مَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا عَلَى رُؤْيَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا الْجَاهِلَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ جَاهِلًا بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا لِعَدَمِ اسْتِشْعَارِ الْقُرْبَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ عَزَاهُ لَهُ غَيْرُهُ وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْهَرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِالنِّيَّةِ لَيْسَ شَرْطًا (قُلْت:) لَمْ يُصَرِّحْ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ مَالِكٍ الْإِجْزَاءَ: وَهُوَ أَبْيَنُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْمُغْمَى
عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَنَّ الْجَاهِلَ مَعَهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّفْرِيطِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعْذُورٌ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ النَّائِمَ يُجْزِئُهُ وَجَعَلَ النَّوْمَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَبَطْنِ عُرَنَةَ)
ش: عُرَنَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَ الرَّاءِ نُونٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهَا ضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِهِ: وَعُرَنَةُ الَّتِي يَجْتَنِبُ الْحَاجُّ الْوُقُوفَ فِيهِ هِيَ وَادٍ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا عَلَى حَدِّ عَرَفَةَ وَالْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا عَلَى حَدِّ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ الْحَرَمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَيْ
وَذَكَرَ أَنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ عَرَفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْهُ نَظَرٌ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ مَعَ كَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، هَلْ هُوَ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ مِنْ عُرَنَةَ، وَلَعَلَّ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ غَيْرُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
انْتَهَى.
كَلَامُهُ، مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِظْهَارِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَنَصُّهُ: وَاَلَّذِي حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَغَارِبَةِ فِيمَنْ وَقَفَ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ ثُمَّ ذَكَرَ تَوَقُّفَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَقَفَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ الْحَرَمِ، وَلِلْخِلَافِ فِيهَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِهَا وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ لَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ بِهَا
وَلَا يُجْزِئُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَمُقَابِلُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَقَفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ حَجُّهُ تَامٌّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ وَنَحْوُهُ فِي الْجَلَّابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ الْوُقُوفُ بِهِ، وَمَنْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ وَبَطْنُ عُرَنَةَ هُوَ الْمَسْجِدُ انْتَهَى.
(قُلْت:) فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مُوَافِقًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْجَلَّابِ فَسَّرَ بَطْنَ عُرَنَةَ بِالْمَسْجِدِ، وَقَدْ حَكَى سَنَدٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ
وَلَا يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِهِ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْوُقُوفِ بِبَطْنِ عُرَنَةَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَعَزَاهُ لِنَقْلِ ابْنِ شَاسٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ: وَالْإِجْزَاءُ مَعَ الدَّمِ، وَعَزَاهُ لِأَبِي عُمَرَ عَنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَبِي مُصْعَبٍ مَعَ لَفْظِ الْجَلَّابِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَالثَّالِثُ: الْكَرَاهَةُ وَعَزَاهُ لِظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ (قُلْت:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ فَسَّرَ بَطْنَ عُرَنَةَ بِالْمَسْجِدِ فَلَا يُعَدُّ ثَالِثًا، وَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهِ
ص (وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وُقُوفُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَخَذَهَا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَلَّابِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَالِكًا وَقَفَ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ مُزَيْنٍ بِالْإِجْزَاءِ، وَقَالَ أَصْبَغُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَيَكُونُ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ رَابِعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَنْ وَقَفَ بِالْمَسْجِدِ: إنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيُرِيقُ دَمًا انْتَهَى.
(قُلْت:) ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَلَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةُ وُجُوبَ الدَّمِ فِي الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ فَيَكُونُ مَا حَكَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلًا خَامِسًا فَيَتَحَصَّلُ فِي الْوُقُوفِ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْإِجْزَاءُ وَعَدَمُهُ وَالْإِجْزَاءُ مَعَ الدَّمِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْوَقْفُ وَالْإِجْزَاءُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
ص (وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاءَ إلَى عَرَفَةَ فَذَكَرَ صَلَاةً مَنْسِيَّةً إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَإِنْ ذَهَبَ لِلْوُقُوفِ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ لِعِظَمِ أَمْرِهَا فِي الشَّرْعِ وَاسْتِحْقَاقِهَا لِلْوَقْتِ بِالذِّكْرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَرَفَةَ مَضَى إلَيْهَا وَوَقَفَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَيُصَلِّي، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِي إدْرَاكِ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا فَيُصَلِّي، وَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا فَيَمْضِي لِعَرَفَةَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ تُقَدَّمُ عَرَفَةَ مُطْلَقًا لِمَا فِي فَوَاتِ الْحَجِّ مِنْ الْمَشَاقِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: يُصَلِّي إيمَاءً كَالْمُسَايِفِ انْتَهَى.
مُخْتَصَرًا (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَنْسِيَّةٍ فَاتَتْهُ بَلْ، وَلَا مَنْ ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاضِرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي إلَّا مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ نَقْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ يُونُسَ إلَّا قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْسِيَّةِ وَالْحَاضِرَةِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِمَا أَنَّهَا مَنْسِيَّةٌ، وَلَفْظُهُمَا سَوَاءٌ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَتَى قُرْبَ الْفَجْرِ، وَقَدْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلَوْ صَلَّاهَا لَطَلَعَ الْفَجْرُ وَفَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ جِبَالِ عَرَفَةَ وَقَفَ وَصَلَّى، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مَشَى إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ وَصَلَّى انْتَهَى.
، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُمَا انْتَهَى.
(فَإِنْ قُلْت:) قَدْ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ (قُلْت:) إذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ تَجِدْ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ أَتَى قَبْلَ الْفَجْرِ، وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنَ عَبْدِ الْحُكْمِ وَاخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ: قَاعِدَةٌ الْمُضَيَّقُ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا وُسِّعَ فِي تَأْخِيرِهِ، وَمَا وُسِّعَ فِيهِ فِي زَمَانٍ مَحْصُورٍ كَالصَّلَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا غَيَّاهُ بِالْعُمَرِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا رُتِّبَ عَلَى تَارِكِهِ الْقَتْلُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَتُقَدَّمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَجِّ إجْمَاعًا غَيْرَ أَنَّ فَضْلَ الصَّلَاةِ قَدْ عَرَضَ هَاهُنَا بِالدُّخُولِ فِي الْحَجِّ، وَمَا فِي فَوَاتِهِ مِنْ الْمَشَاقِّ فَأَمْكَنَ أَنْ يُلَاحِظَ ذَلِكَ انْتَهَى.
(قُلْت:) فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِلْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَجِّ إجْمَاعًا لِلْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ ذَكَرَ فِي قَوَاعِدِهِ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحُكْمِ، وَقَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إنَّهُ يُصَلِّي إيمَاءً كَالْمَسَايِفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَائِتَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ: فَذَكَرَ صَلَاةً، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَاخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَنْسِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَفَرَضَهَا ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَاكِرِ الْعِشَاءِ (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهَا صَلَاةٌ مَنْسِيَّةٌ خَرَجَ وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ وَالضَّرُورِيُّ وَفَرَضَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا آخَرَ لَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ لِعِظَمِ قَدْرِهَا فِي الشَّرْعِ وَلِاسْتِحْقَاقِهَا الْوَقْتَ يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ مَعْلُومٌ قَطْعًا، فَإِذَا رَجَحَ الْجِنْسُ عَلَى الْجِنْسِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي الشَّخْصِ عَلَى الشَّخْصِ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَلِاسْتِحْقَاقِهَا الْوَقْتَ فَهُوَ جَيِّدٌ لَكِنْ عَلَى فَرْضِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ
ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي حَقِّ مَنْ تَذَّكَّر فَائِتَةً قَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا هَذَا الْوَقْتَ نَظَرٌ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إنَّمَا يَظْهَرَانِ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ؛ إذْ يَبْعُدُ فِي حَقِّ الْمُسَايِفِ الْمُتَذَكِّرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَنْسِيَّةً أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَقْتِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ انْتَهَى.
(قُلْت:) ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ إلَّا فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَرَافِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ قَالَ: فَإِنَّهُ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ قَالَ: وَإِنْ ذَهَبَتْ دَابَّتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مَفَازَةٍ، وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى مَا قَالُوا فِي الْحَاجِّ يَصِلُ إلَى عَرَفَةَ قُرْبَ الْفَجْرِ، وَلَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَهُوَ إنْ مَضَى إلَى عَرَفَاتٍ وَتَرَكَ الصَّلَاةَ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، وَإِنْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَالْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي الْحَجِّ عَامًا قَابِلًا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ أَضْعَافًا، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَهُمَا فَرْضَانِ، وَقَدْ تَزَاحَمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالْبُدَاءَةُ بِالْوُقُوفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَقْضِيهَا بِالْقُرْبِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْحَجِّ الَّذِي لَا يَقْضِيهِ إلَّا إلَى عَامٍ آخَرَ، وَلَعَلَّ الْمَنِيَّةَ تَخْتَرِمُهُ دُونَ ذَلِكَ انْتَهَى.
كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ بَعْدَ الْمِائَةِ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجّ مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ يُقَدِّمُ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ عَلَى الْحَجِّ إذَا لَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِلْعِشَاءِ أَوْ الْوُقُوفِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَفُوتُ الْحَجُّ وَيُصَلِّي وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ: يُقَدِّمُ الْحَجَّ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي، وَهُوَ يَمْشِي كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ، وَالْحَقُّ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ، وَهِيَ فَوْرِيَّةٌ إجْمَاعًا انْتَهَى.
وَقَبِلَهُ ابْن الشَّاطِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْحَاجِّ يَأْتِي مُرَاهَقًا لَيْلَةَ النَّحْرِ يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَذَّكَّرُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فَإِنْ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ فَاتَ الْوُقُوفُ، وَإِنْ وَقَفَ خَرَجَ وَقْتُ الْعِشَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ يُصَلِّي وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ وَالثَّانِي: عَكْسُهُ وَالثَّالِثُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حِجَازِيًّا فَيُقَدِّمُ الصَّلَاةَ أَوْ آفَاقِيًّا فَيُقَدِّمُ الْوُقُوفَ وَالرَّابِعُ: يُصَلِّي كَصَلَاةِ الْمُسَايِفِ وَالْمَشْهُورُ: الْأَوَّلُ انْتَهَى.
وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا، وَلَمْ يُشْهِرْ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَفَرَضَ ابْنُ مُعَلَّى الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً، وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ، وَفِي هَذَا تَخْلِيطٌ؛ لِأَنَّ الْقَرَافِيَّ إنَّمَا قَالَهُ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَكَذَلِكَ التَّادَلِيُّ ذَكَرَ كَلَامَ الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَالتَّحْرِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّالِثُ:) إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ مَنْسِيَّةً خَرَجَ وَقْتُهَا عَلَى الْحَجِّ، كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الْكَلَامُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فَقَدْ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الْوَجْهُ عِنْدِي: أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِالْإِحْرَامِ، وَهُوَ يُفَوِّتُ فِعْلَهُ، وَالصَّلَاةُ وَقْتُ قَضَائِهَا مُتَّسِعٌ، وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَقُولَ: الْحَجُّ الْمُتَعَيَّنُ أَوْلَى بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ
الْمَغْرِبَ وَيُعَجِّلَ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمْكَانِ إظْهَارًا لِمَزِيَّتِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى رُتْبَتِهِ دُونَ رُتْبَةِ الصَّلَاةِ وَلِمَا فِي قَضَائِهِ مِنْ كَبِيرِ الْمَضَرَّةِ حَتَّى رَاعَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فَوَقَفَ النَّاسُ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَالُوا يَجْزِيهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ عَرَفَةَ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إنَّمَا تُقَدَّمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَهُمَا فَرْضَانِ تَزَاحَمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ (قُلْت:) وَقَوْلُهُ: إنَّهُمَا فَرْضَانِ تَزَاحَمَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ وَالتَّرَاخِيَ إنَّمَا يَنْظُرُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ أَمَّا بَعْد الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ فَقَدْ صَارَ إتْمَامُهُ فَرْضًا عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا بَلْ لَوْ كَانَ تَطَوُّعًا وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَالْوَقْتُ مُسْتَحَقٌّ لِلْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ مَعًا، وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ فِي تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَلِاسْتِحْقَاقِهَا الْوَقْتَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ جَيِّدٌ عَلَى فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاضِرَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ الْمُضَيَّقُ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا وُسِّعَ فِيهِ، وَالْمُوَسَّعُ فِيهِ فِي زَمَانٍ مَحْصُورٍ كَالصَّلَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا غَيَّاهُ بِالْعُمَرِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا رُتِّبَ عَلَى تَارِكِهِ الْقَتْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا عَلَى الْحَجِّ إلَّا كَوْنُهَا تَرَتَّبَ عَلَى تَارِكِهَا الْقَتْلُ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَجَّ يُشَارِكُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَصَارَ مُضَيَّقًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ، وَالصَّلَاةُ الْحَاضِرَةُ تُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ لَكِنْ يَتَرَجَّحُ تَقْدِيمُ الْحَجِّ بِأَنَّ الشَّرْعَ يُرَاعِي ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَبِأَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهُ إلَّا بِعُذْرٍ مِنْ بَعِيدٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى مَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ بِسُرْعَةٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَيُرَجِّحُ أَيْضًا تَقْدِيمَ الْحَجِّ أَنَّ الْقَرَافِيَّ قَرَّرَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنْ صَوْنَ الْأَمْوَالِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُقَدَّمُ صَوْنُ الْمَالِ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا رُفِعَ فِي ثَمَنِهِ عَلَى الْعَادَةِ عَلَى فِعْلِهِمَا، وَيُقَدَّمُ إسْقَاطُ وُجُوبِ الْحَجِّ إذَا خِيفَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ عَلَى إيجَابِ فِعْلِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي تَفْوِيتِهِ إتْلَافًا لِلْمَالِ الْمَصْرُوفِ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.
وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ شَامِلٌ لِلْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدَّمَ الْحَجَّ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْمُزَاحَمَةِ وَوُجُودِ الضَّرُورَةِ أَعْنِي الْمَشَقَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَرَأَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ مَعَ الْبُعْدِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُزَاحَمَةُ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِي الْإِدْرَاكِ، وَرَأَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْمُرَجِّحَ إنَّمَا هِيَ الضَّرُورَةُ، وَهِيَ إنَّمَا تَحَقَّقُ فِي الْآفَاقِيِّ، وَغَيْرُهُ يُرَجِّحُ التَّقْدِيمَ بِغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَبِوُجُودِ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ:) اعْتَرَضَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي قَوْلِهِ: تُصَلِّي كَصَلَاةِ الْمُسَايِفِ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْأَصْلِ خَوْفُ إتْلَافِ النَّفْسِ، وَفِي الْفَرْعِ خَوْفُ إتْلَافِ الْمَالِ وَبِأَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى الرُّخَصِ، وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَسْفَارَ الشَّاقَّةَ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ يُخْشَى مَعَهَا عَلَى النَّفْسِ مَعَ ضَمِيمَةِ إتْلَافِ الْمَالِ فَفِي الْفَرْعِ مَا فِي الْأَصْلِ وَزِيَادَةٌ فَيَعُودُ إلَى قِيَاسِ الْأَحْرَى، وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الرُّخَصِ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ اجْتِهَادِيًّا فَلَا نُسَلِّمُ انْتَهَى.
(قُلْت:) .
وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ اعْتِرَاضَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ، وَلَا ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهَذَا تَسْلِيمٌ مِنْهُمْ أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَايَفَةِ إنَّمَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ اللُّصُوصِ، وَاللِّصُّ إنَّمَا يَطْلُبُ
الْمَالَ غَالِبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ:) تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ قَالَ: يُقَدِّمُ الْحَجَّ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ كَلَامِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَأَرَى إنْ ذَكَرَ، وَقَدْ دَخَلَ أَوَائِلَ عَرَفَةَ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ الْمُرُورِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُخْتَلَفُ بِأَيِّ ذَلِكَ يَبْدَأُ.
وَأَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَاحَمَ الْفَرْضَانِ فَيَبْدَأُ بِمَا يُدْرِكُهُ بِتَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ الْحَجُّ وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِفَوْرِ الْوُقُوفِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِ قُرْبَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَ بِهَا إلَّا لِعَامٍ، وَمِثْلُهُ لَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، وَكَانَ مَتَى اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ، فَإِنَّهُ يَتَمَادَى، وَيَقِفُ ثُمَّ يَقْضِي الصَّلَاةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِإِجْزَاءِ الْمُرُورِ يَتَمَادَى، فَإِذَا دَخَلَ أَوَّلَ عَرَفَةَ صَلَّى وَأَجْزَأَهُ عَنْ الْوُقُوفِ انْتَهَى.
أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ (قُلْت:) وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوُقُوفُ بِمُكْثِهِ بِعَرَفَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ الْمُرُورِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ السُّكُونُ بِعَرَفَةَ وَالِاسْتِقْرَارُ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ مَا عَدَا الْمُرُورَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي حَقِّ هَذَا أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْوِيَ مَعَ الصَّلَاةِ هُنَاكَ الْوُقُوفَ، فَيَسْقُطُ الْفَرْضَانِ مَعًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِيهِ أَعْنِي كَوْنَ الْوُقُوفِ يَحْصُلُ بِمُكْثِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوفِ عَدَمُ تَحْرِيكِ الْأَعْضَاءِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْرَارُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَعَدَمُ الْمَشْيِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمُرُورِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ
(السَّادِسُ:) يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاسْتَقَرَّ بِهَا ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ بِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا أَجْزَأَهُ الْوُقُوفُ وَصَحَّ حَجُّهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ خُرُوجُهُ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ إذَا اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَالَ: إنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ يُصَلِّيهَا، وَيَحْصُلُ لَهُ الْوُقُوفُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ، وَنَصُّهُ: الثَّالِثُ: مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَفُوتُ بِهَا الْحَجُّ مَنْ أَقَامَ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ وَقَفَ بِهَا أَوْ لَمْ يَقِفْ انْتَهَى.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ بِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَنَصُّهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي: وَمَنْ أَدْرَكَ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْ يَقِفَ بِأَدْنَى مَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْكَافَّةِ، وَقَدْ مَرَّ الْحَدِيثُ فِيهِ قَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَدْرَكَ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوَّلِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ عَرَفَةَ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ انْتَهَى.
ص (وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، وَلَا دَمَ)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ شَرَعَ يَذْكُرُ السُّنَنَ وَالْمُسْتَحَبَّات الْمُتَعَلِّقَةَ بِكُلِّ رُكْنٍ فَبَدَأَ بِسُنَنِ الْإِحْرَامِ فَقَالَ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ فَالسُّنَّةُ فِي الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِقِرَانٍ أَوْ بِإِطْلَاقٍ أَوْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ غُسْلٍ مُتَّصِلٍ بِهِ قَالَ سَنَدٌ، وَيُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَاءُ سَقَطَ الْغُسْلُ، وَلَا يَتَيَمَّمُ مَكَانَهُ نَعَمْ إذَا كَانَ مُحْدِثًا، وَأَرَادَ الرُّكُوعَ لِلْإِحْرَامِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَحِقَتْهُ ضَرُورَةٌ مِنْ الْغُسْلِ مِثْلُ قِلَّةِ مَاءٍ أَوْ ضِيقِ وَقْتٍ أَوْ لِسَيْرِ رُفْقَةٍ أَوْ خَوْفِ كَشْفٍ لِلْمَرْأَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْن فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: أَوْ خَوْفُ كَشْفٍ، وَلَمْ يَقُلْ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ سَقَطَ بِخَوْفِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مُطْلَقًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا، وَلَا نِسْيَانًا دَمٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا دَمَ قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَكِنْ أَسَاءَ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ فِي كِتَابِ الْأَنْوَارِ لَهُ
قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: قَالَ ابْنُ الْمُعَدَّلِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ لَازِمٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَرْكِهِ نِسْيَانًا أَوْ عَامِدًا دَمٌ، وَلَا فِدْيَةَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِمُسَاوَاةِ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ وَتَوَضَّأَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ، فَإِنْ بَعُدَ تَمَادَى، وَإِنْ قَرُبَ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ قَوْلَانِ: ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ رَكَعَ لِلْإِحْرَامِ، وَسَارَ مِيلًا قَبْلَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَنَسِيَ الْغُسْلَ فَلْيَغْتَسِلْ ثُمَّ يَرْكَعْ ثُمَّ يُهِلَّ، وَإِذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ تَمَادَى، وَلَا غُسْلَ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: مُتَّصِلٌ أَيْ: بِالْإِحْرَامِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَحْرَمَ عَشِيَّتَهُ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ غَدْوَةً وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الظُّهْرِ لَمْ يُجْزِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ:) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ عَنْ سَنَدٍ وَغَيْرِهِ حُكْمُ مَا إذَا أَرَادَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ تَأْخِيرَ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَطْهُرَ (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جُنُبًا فَقَالَ سَنَدٌ: يَغْتَسِلُ لِجَنَابَتِهِ وَإِحْرَامِهِ، وَهَلْ يَكُونُ غُسْلًا وَاحِدًا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ عَلَى مَا مَرَّ انْتَهَى.
قَالَ التَّادَلِيُّ وَاغْتِسَالُهُ لِجَنَابَتِهِ وَإِحْرَامِهِ غُسْلًا وَاحِدًا يُجْزِئُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَا تَكَلَّمَ عَلَى سُنَنِ الْإِحْرَامِ إثْرَ الْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ، وَيُزِيلَ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ الشَّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ لَا شَعْرَ رَأْسِهِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ بَقَاؤُهُ طَلَبًا لِلشُّعْثِ فِي الْحَجِّ وَأَنْ يُلَبِّدَهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ فَهُوَ أَفْضَلُ لِيَقْتُلَ دَوَابَّهُ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَلَامِ غَيْرِهِ: إبَاحَةُ التَّلْبِيدِ لَا اسْتِحْبَابُهُ بِقَوْلِهِمْ: لَا بَأْسَ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: لِيَقْتُلَ دَوَابَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ فِي مَنَاسِكِهِ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ لِهَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ: وَتَمُوتُ دَوَابُّهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ وَسَيَأْتِي وَجْهُ إشْكَالِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ مُخَالِفٌ لِابْنِ بَشِيرٍ، وَاَلَّذِي فِيهِ لِتَقِلَّ دَوَابُّهُ مُضَارِعُ قَلَّ الشَّيْءُ يَقِلُّ مِنْ الْقِلَّةِ ضِدِّ الْكَثْرَةِ، وَكَذَا هُوَ فِي النَّوَادِرِ وَالطِّرَازِ، وَلَوْلَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَنَاسِكِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَمُوتُ دَوَابُّهُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: صَحَّفَ الْكَاتِبُ قَوْلَهُ: لِتَقِلَّ بِلَفْظِ لِيَقْتُلَ، وَإِشْكَالُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ أَوْ شَاكًّا فِي حَمْلِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ التَّلْبِيدَ لَا يَقْتُلُ الْقَمْلَ فِي سَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا يَقْتُلُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمَنْ قَتَلَ الْقَمْلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ.
ص (وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ مِمَّنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونًا فَسَّرَا الْمَذْهَبَ فَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَدِينَةِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي بَلْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إجْزَاءُ غُسْلِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْغُسْلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) الْغُسْلُ بِالْمَدِينَةِ إنَّمَا يُنْدَبُ أَوْ يُرَخَّصُ فِيهِ لِمَنْ يَغْتَسِلُ بِهَا ثُمَّ يَذْهَبُ بِهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُحْرِمُ بِهَا فَوْرَهُ أَوْ يُقِيمُ بِهَا قَلِيلًا لَا يَحْصُلُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْإِحْرَامِ تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ فَأَمَّا مَنْ يُقِيمُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَهَذَا لَا يُطْلَبُ بِالْغُسْلِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ، وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ (الثَّانِي:) مِنْ اغْتَسَلَ بِالْمَدِينَةِ فَيُرَاعَى فِي حَقِّهِ اتِّصَالُ غُسْلِهِ بِخُرُوجِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَوْرِهِ وَطَالَ تَأَخُّرُهُ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لِشُغْلٍ خَفَّ كَشَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ بَعْضِ جِهَازِهِ أَجْزَأَهُ
قَالَ فِي الْأُمِّ: وَمَنْ اغْتَسَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ ثُمَّ مَضَى مِنْ فَوْرِهِ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَحْرَمَ أَجْزَأَهُ غُسْلُهُ، وَإِنْ اغْتَسَلَ بِهَا غَدْوَةً ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ ثُمَّ رَاحَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَحْرَمَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِالْمَدِينَةِ لِرَجُلٍ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَرْكَبُ مِنْ فَوْرِهِ انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: نَعَمْ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ غُسْلِهِ فِي شَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ بَعْضِ جِهَازِهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ كَانَ خَفِيفًا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ اغْتَسَلَ غَدْوَةً وَتَأَخَّرَ خُرُوجُهُ لِلظُّهْرِ كَرِهْتُهُ، وَهَذَا طَوِيلٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجْتَرِئُ بِهِ، قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَأَنَّهُمْ رَاعَوْا هُنَا الِاتِّصَالَ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَرِهْتُهُ، وَهَذَا طَوِيلٌ فَقَوْلُهُ: وَهَذَا طَوِيلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَبُو الْحَسَنِ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ:) زَادَ الْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارَيْهِمَا بَعْدَ قَوْلِهِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَأَعَادَهُ فَأَعْطَى كَلَامُهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُ الْغُسْلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي لَفْظَةَ: وَأَعَادَهُ فِي الْأُمِّ، كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ زَادَهَا الْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارَيْهِمَا بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَنَقَلَ الْبَرَاذِعِيّ وَالصَّقَلِّيُّ عَنْهَا إعَادَتَهُ لَيْسَ فِيهَا انْتَهَى.
(قُلْت:) وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَالشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ فِي اخْتِصَارِهِمْ لِلْمُدَوَّنَةِ اللَّفْظَةَ الْمَذْكُورَةَ، بَلْ قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِذَا قُلْنَا: لَا يُجْزِئُهُ الْغُسْلُ، فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ اغْتَسَلَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَهَلَّ وَسَارَ فَهَلْ يَغْتَسِلُ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغُسْلِ بِالْمَدِينَةِ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : وَهَلْ يَتَجَرَّدُ بِالْمَدِينَةِ إذَا اغْتَسَلَ بِهَا قَالَ سَنَدٌ: مَنْ رَأَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ الْغُسْلَ بِالْمَدِينَةِ فَضِيلَةٌ جَعَلَ التَّجَرُّدَ مِنْ الثِّيَابِ بِهَا فَضِيلَةً، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً جَعَلَ التَّجَرُّدَ أَيْضًا مِنْهَا رُخْصَةً (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا يُخْتَصُّ تَقْدِمَةُ الْغُسْلِ بِالْمَدِينَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمِيقَاتِ أَيِّ مِيقَاتٍ كَانَ، وَالْمِيقَاتُ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا، وَمِثْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَاغْتَسَلَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فِي بَيْتِهِ أَسْتَرُ لَهُ، وَأَحْسَنُ وَأَمْكَنُ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ التَّنْعِيمِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ مَكَّةَ وَرُبَّمَا كَانَ غُسْلُهُ بِهَا أَوْلَى لِمَا ذُكِرَ فِي الطِّرَازِ مِنْ كَوْنِهِ أَسْتَرَ وَأَمْكَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِذِي طُوًى، وَلِلْوُقُوفِ)
ش: وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِلْحُلَيْفِيِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لِلْوُقُوفِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ غُسْلَ دُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ الْوُقُوفُ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالْغُسْلُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْحَجِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ لِإِحْرَامِهِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِرَوَاحِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ وَرُتْبَةُ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ مَالِكٌ: عِنْدَ مُحَمَّدٍ غُسْلُ الْإِحْرَامِ أَوْجَبُهَا، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ فَالْغُسْلُ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْغُسْلِ لِبَعْضِهَا لِتَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِهَا فَالْغُسْلُ لَهُ سُنَّةٌ، وَلِغَيْرِهِ فَضِيلَةٌ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَغُسْلُ دُخُولِ مَكَّةَ وَوُقُوفِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَتَدَلَّكُ فِيهِ، وَلَكِنْ يَصُبُّ عَلَى نَفْسِهِ الْمَاءَ صَبًّا انْتَهَى.
وَقَالَ قَبْلَهُ: وَالْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ يَتَدَلَّكُ فِيهِ، وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّهُ قَالَ فِي غُسْلِ عَرَفَةَ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: الِاغْتِسَالَاتُ كُلُّهَا سُنَّةٌ، وَقِيلَ: كُلُّهَا مُسْتَحَبَّةٌ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (غَيْرِ حَائِضٍ) يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ يُرِيدُ، وَلَا لِلنُّفَسَاءِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا هُوَ لِلطَّوَافِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَلِكَ لَوْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ أُمِرَ بِالْغُسْلِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَإِذَا اغْتَسَلَ لِدُخُولِهِ اكْتَفَى بِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ، وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَغُسْلُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقِيلَ: هُوَ لِلطَّوَافِ، وَقِيلَ: هُوَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَعَلَى أَنَّهُ لِلطَّوَافِ لَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَيُجْزِي الرَّجُلَ لِلدُّخُولِ وَلِلطَّوَافِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَاجِيُّ، وَعَلَى أَنَّهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بِذِي طُوًى، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَلَا يُجْتَزَأُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِلطَّوَافِ، وَهُوَ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ يَغْتَسِلَانِ لِدُخُولِ مَكَّةَ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : وَيُطْلَبُ فِي الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالدُّخُولِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَاتَ خَارِجَ مَكَّةَ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، قَالَ سَنَدٌ: وَالِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ يُسْتَحَبُّ قَبْلَ دُخُولِهَا لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِقُدُومِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَوَاسِعٌ قَالَ مَالِكٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: وَلَا يَكُونُ غُسْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَّا بِقُرْبِ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ لَا يَغْتَسِلُ الْيَوْمَ وَيَبِيتُ بِظَاهِرِهَا ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ غَدِهِ انْتَهَى.
وَيُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَنْ يُرِيدُ الطَّوَافَ، قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَغْتَسِلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: بِطُوًى يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لِغُسْلِ مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِهَا لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ ذِي طُوًى بِالْقُرْبِ أَجْزَأَهُ وَذُو طُوًى تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ مَنْ أَتَى مَكَّةَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اغْتَسَلَ بِقُرْبِهَا، قَالَ: وَوَاسِعٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي تَرْكِ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ انْتَهَى.
وَانْظُرْ لَوْ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي مَكَّةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ (فَرْعٌ) : وَلَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ، وَلَا فِي غُسْلِ عَرَفَةَ بَلْ يَكْتَفِي بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى مَا قَالَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَعَ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ تَبَعًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ مُعَلَّى وَيُطْلَبُ أَيْضًا فِي غُسْلِ عَرَفَةَ الِاتِّصَالُ، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى حُكْمِ الِاغْتِسَالِ بِالْمَدِينَةِ: فَمَنْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً، وَرَاحَ عِشَاءً لَمْ يَتَّصِلْ رَوَاحُهُ بِغُسْلِهِ فَلَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِوُقُوفِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّلَاةِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلْيَنْظُرْ قَبْلَ رَوَاحِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَوَقْتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْوُقُوفُ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ الصَّلَاةَ بِالْوُقُوفِ انْتَهَى.
وَيُطْلَبُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ حَتَّى الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ وَالتَّادَلِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ خُصُوصِيَّةَ لُبْسِ مَا ذُكِرَ سُنَّةٌ، وَلَوْ لَبِسَ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ الْتَحَفَ فِي كِسَاءٍ أَوْ رِدَاءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدُّ التَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ فِي سُنَنِ الْإِحْرَامِ، كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّجَرُّدَ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُقَالُ: التَّجَرُّدُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالتَّجَرُّدُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّ التَّجَرُّدَ يَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَتَجَرَّدُ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ إذَا