الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةُ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ النِّيَّةَ، مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ، وَقَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا شَرَحَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَهُ الشُّرَّاحُ، وَجَمَعَ فِي الْكَبِيرِ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَلَا دَمَ وَقَوْلِهِ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ، وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَوْسَطِ، وَذَلِكَ يُوهِمُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الشَّامِلِ، فَقَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِنِيَّةٍ وَقَوْلٍ كَتَلْبِيَةٍ أَوْ فِعْلٍ كَتَوَجُّهٍ بِطَرِيقٍ، وَإِنْ بِجِمَاعٍ، وَلَا دَمَ وَتَمَادَى وَقَضَى فَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ: لَا دَمَ إنْ أَرَادَ بِهِ نَفْيَ هَدْيِ الْفَسَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى إيقَاعِ الْإِحْرَامِ حَالَةَ الْجِمَاعِ فَلَا قَائِلَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ سَنَدٌ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ، وَهُوَ بِجِمَاعٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ فَاسِدًا، وَكَانَ عَلَيْهِ تَمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَلَازَمَ ذَلِكَ وُجُوبَ الْهَدْيِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ فِي الشَّامِلِ أَرَادَ نَفْيَ وُجُوبِ الدَّمِ لِكَوْنِهِ أَوْقَعَهُ حَالَةَ الْجِمَاعِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) اعْتَرَضَ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ هَذَا الْفَرْعَ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (قُلْتُ:) وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسْلِيمٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَنْعَقِدُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ يُرِيدُ مَعَ قَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ بِأَنْ يَنْوِيَ وَيُلَبِّيَ، وَهُوَ يُجَامِعُ أَوْ يَفْعَلُ كَأَنْ يَكُونَ فِي مِحَفَّةٍ، وَهُوَ سَائِرٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى مَكَّةَ فَيَنْوِيَ الْإِحْرَامَ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ بِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِمَنْ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ مُتَطَهِّرًا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْعَقِدَ لِمَنْ يُجَامِعُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا (الثَّانِي:) إنْ قِيلَ: لِمَ لَزِمَهُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ، وَفِي الصَّوْمِ إذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ يُجَامِعُ فَنَزَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ قِيلَ:؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعَدَمِهِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ:) قَالَ فِي طُرَرِ التَّلْقِينِ: وَشَرْطُ صِحَّةِ انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَنْوِيَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَطْئًا، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ مَعَ إحْرَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا شَيْءٌ انْتَهَى، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بَعْضًا أَوْ يَعْتَكِفَ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ]
(فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بَعْضًا أَوْ يَعْتَكِفَ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ أَوْ يَطُوفَ شَوْطًا أَوْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ فَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَأْتِي بِمِثْلِ تِلْكَ الطَّاعَةِ تَامَّةً وَالْمَشْهُورُ: اللُّزُومُ فِي الِاعْتِكَافِ انْتَهَى.
ص (مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ) ش هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ النِّيَّةِ أَيْ: يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ حَالَ كَوْنِهَا مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَتَعَلَّقَانِ بِالْإِحْرَامِ، وَالْقَوْلُ الْمُتَعَلَّقُ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ، قَالَ فِي مَنْسَكِ التَّادَلِيِّ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُحْرِزٍ قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ كَانَ مُحْرِمًا، وَالْفِعْلُ الْمُتَعَلَّقُ بِهِ كَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَهَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْمُعَلِّمِ وَصَاحِبُ الْقَبَسِ وَسَنَدٌ: النِّيَّةُ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ مَقْرُونًا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلَّقٍ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّوَجُّهِ لَا بِنَحْوِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ قَوْلُهُ: لَا بِنَحْوِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ يُرِيدُ إذَا تُجُرِّدَ عَنْ النِّيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فَهِمَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ مَعَهُمَا وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنْ قَالَ، وَفِي عَدَمِ انْعِقَادِ النُّسُكِ بِمَجْمُوعِ النِّيَّةِ وَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَإِشْعَارِهِ نَظَرٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ أَنَّهُ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ؟ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: وَكَيْفَ يُقَالُ: هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ لَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَانْظُرْ، مَا أَنْكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَفِيهِ أَيْ: فِي الِانْعِقَادِ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ مَعَهَا أَيْ: مَعَ النِّيَّةِ قَوْلَا إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالْأَكْثَرُ عَنْهُ انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْأَكْثَرَ نَقَلُوا عَنْ الْمَذْهَبِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ)
ش: يُرِيدُ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ سَوَاءٌ بَيَّنَ النُّسُكَ الَّذِي يُحْرِمُ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ أَبْهَمَهُ بِأَنْ نَوَى الْإِحْرَامَ فَقَطْ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا مُعَيَّنًا، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِانْعِقَادِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَضِيلَةِ، فَقَالَ سَنَدٌ: وَالْأَفْضَلُ فِي الْإِحْرَامِ أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ انْتَهَى.
ص (وَصَرَفَهُ لِلْحَجِّ، وَالْقِيَاسُ: الْقِرَانُ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَأَبْهَمَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ النُّسُكَ الَّذِي يُحْرِمُ بِهِ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا وَيُخَيَّرُ فِي صَرْفِهِ إلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْرِفَهُ لِلْحَجِّ فَقَوْلُهُ: وَصَرَفَهُ لِلْحَجِّ، وَهُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا جَازَ وَخُيِّرَ فِي التَّعْيِينِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْرِنَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَقِيلَ: الْقِيَاسُ: أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ: الْمَذْهَبُ بِلَا شَكٍّ، وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ نَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ خِلَافَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنْ نَوَى مُطْلَقَ الْإِحْرَامِ فَلِابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَشْهَبَ خُيِّرَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلِلصَّقِلِّيِّ وَاللَّخْمِيِّ عَنْهُ الِاسْتِحْسَانُ إفْرَادُهُ، وَالْقِيَاسُ قِرَانُهُ وَتَعَقَّبَهُ التُّونُسِيُّ بِأَنَّ لَازِمَ قَوْلِهِ: فِي الْقِرَانِ فَمُحْتَمَلٌ أَقَلُّهُ الْعُمْرَةُ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعُمْرَةَ تُجْزِئُهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ الْإِحْرَامَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ انْتَهَى.
يَعْنِي إذَا نَظَرَ الْإِحْرَامَ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّف: صَرَفَهُ لِلْحَجِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْإِطْلَاقِ أَيْ: دُونَ تَعْيِينِ نُسُكٍ، قَالَ أَشْهَبُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمَشْهُورُ: يَحْمِلُ عَلَى الْحَجِّ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ آفَاقِيًّا كَأَهْلِ الْمَغْرِبِ حَمَلَ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَحَدَ الْأَقْوَالِ وَيَعْمَلْ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ، فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: إطْلَاقُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي التَّعْيِينِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَإِنْشَاءِ الْحَجِّ حِينَئِذٍ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ حَتَّى طَافَ فَالصَّوَابُ: أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا، وَيَقَعُ هَذَا طَوَافَ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يَجْعَلُهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي الْحَجِّ، وَطَوَافَ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ فِيهَا، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الطَّوَافُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَقَعَ رُكْنًا فِي الْعُمْرَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَخَفَّ ذَلِكَ فِي الْقُدُومِ، وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ إلَى إفَاضَتِهِ انْتَهَى.
وَانْظُرْ لَوْ سَعَى، وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ بَعْدَ السَّعْيِ هَلْ يُعِيدُ السَّعْيَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلذَّاكِرِينَ أَنَّهُ يُعِيدُ احْتِيَاطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَذَكَرَ الْفَرْعَ الَّذِي قَالَهُ سَنَدٌ الْقَرَافِيُّ، وَلَمْ يَعْزُهُ لِسَنَدٍ وَسَقَطَ مِنْهُ، وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ إلَى إفَاضَتِهِ وَعَزَا نَقْلَهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ إلَى إفَاضَتِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ السَّعْيُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ الْقُدُومَ، وَهَذَا الطَّوَافُ
لَمْ يَنْوِ بِهِ الْقُدُومَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَوَّلَ طَوَافِهِ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَفَاتَ مَحِلُّ طَوَافِ الْقُدُومِ أَخَّرَ سَعْيَهُ إلَى ذَلِكَ، وَهَذَا تَكَلُّفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ: لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَوَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُدْخِلًا لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَالثَّانِي: وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ يَبْطُلُ الثَّانِي، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا انْتَهَى.
ص (وَإِنْ نَسِيَ فَقِرَانٌ وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ)
ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْقِرَانِ وَيُجَدِّدُ الْآنَ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ احْتِيَاطًا، فَإِنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ: وَإِنْ كَانَ حَجًّا أَوْ قِرَانًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عُمْرَةً ارْتَدَفَ ذَلِكَ الْحَجُّ عَلَيْهَا، وَقَدْ صَارَ قَارِنًا، وَيُكْمِلُ حَجَّهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ الْأَوَّلِ أَتَى بِعُمْرَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بِحَجَّةٍ فَقَطْ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عُمْرَةَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَبَرِيءَ مِنْهُ فَقَطْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا أَحْرَمَ بِمُعَيَّنٍ ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَهُوَ عُمْرَةٌ أَوْ قِرَانٌ أَوْ إفْرَادٌ؟ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى الْحَجِّ وَالْقِرَانِ أَيْ: يَحْتَاطُ بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ؛ إذْ ذَاكَ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَارِنٌ وَيُهْدِيَ لِلْقِرَانِ وَيَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا بِإِفْرَادٍ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: وَيَطُوفُ وَيَسْعَى يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى، وَإِنْ كَانَ طَافَ وَسَعَى أَجْزَاهُ وَقَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ أَيْ: وَقْتَ شَكِّهِ، وَإِطْلَاقُهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ شَكُّهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلِيَمُرَّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، مَا قَالَهُ سَنَدٌ هُوَ: الظَّاهِرُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ عَجَّلَ فَنَوَى الْحَجَّ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَرَى عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي إرْدَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا، وَنَصُّ كَلَامِهِ: وَلَوْ نَوَى شَيْئًا وَنَسِيَهُ فَهَذَا قَارِنٌ، وَلَا بُدَّ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي: أَنْ يَنْوِيَ إحْرَامًا بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَطُفْ بَعْدُ فَهُوَ قَارِنٌ، وَيَصِحُّ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّعْيِ، فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَصِحُّ حَجُّهُ أَيْضًا، وَهُوَ أَصْلَحُ، وَمَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ، وَلَعَلَّهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ بِهِ حَجٌّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُهْدِيَ احْتِيَاطًا لِخَوْفِ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، وَإِنْ وَقَعَ شَكُّهُ بَعْدَ سَعْيِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَلَيْسَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَإِنْ عَجَّلَ، فَنَوَى الْحَجَّ، هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي إرْدَافِ الْحَجِّ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَا كَانَ إحْرَامَهُ، فَإِنْ قَدَّرْنَاهُ عُمْرَةً وَصَحَّحْنَا الْإِرْدَافَ، فَقَدْ صَحَّ حَجُّهُ، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ الْإِرْدَافَ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ، فَلِهَذَا قُلْنَا يُجَدِّدُ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَ السَّعْيِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حَجِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجْزِئْ بِحَجَّةٍ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ إحْرَامِهِ انْتَهَى.
وَالْمَشْهُورُ: أَنَّ الْإِرْدَافَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَبِالْكَرَاهَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَمَّا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَأَثْنَاءَ السَّعْيِ، فَلَا يَصِحُّ الْإِرْدَافُ وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَطُوفُ وَيَسْعَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَارِنٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ شَكُّهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَنَوَى الْحَجَّ أَنْ يُكْمِلَ طَوَافَهُ وَيَسْعَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرْدَفَ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِمَّا أَحْرَمَ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ قِرَانًا أَوْ إفْرَادًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، أَمَّا لَوْ وَقَعَ شَكُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ وَنَوَى الْحَجَّ لَمْ يَصِحَّ وَيُعِيدُ النِّيَّةَ بَعْدَ السَّعْيِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ)
ش: هَذَا التَّشْبِيهُ لِهَذَا الْفَرْعِ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَشَكِّهِ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ وَتَبِعَ رحمه الله عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَفُهِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ هُنَا أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ: عُمْرَةً، وَهُوَ