الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى عُمْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِهِ أَوْ لَا اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَعُونَتِهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَالْآخَرَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِجَاجَ كُلِّ قَوْلٍ بِمَا يَطُولُ قُلْنَا: وَقَوْلُهُ: وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ فِي الْأَحْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي إذَا أَرْدَفَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِرْدَافِ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ إكْمَالِ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَيْضًا أَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ لَا يُرْتَدَفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَهَلْ يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ؟ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ: عَدَمُ اللُّزُومِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ مَا لَا يَحِلُّ صَوْمُهُ، هَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ النَّظْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَيَّ نَفْسِ الِالْتِزَامِ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ، وَمَنْ الْتَفَتَ إلَى الشَّرْطِ أَسْقُطهُ انْتَهَى.
، وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَنَصُّ كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَارِنًا، هَلْ يَلْزَمُهُ إحْرَامُهُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِالْحَجِّ أَمْ ذَلِكَ إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ فِي طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُرْتَدَفُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا فَقِيلَ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْحَجُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ، وَيَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ، وَذَهَبَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ أَيْ: إنْ شَاءَ انْتَهَى.
، وَعَلَى قَوْلِ يَحْيَى اقْتَصَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَنَصَّهُ، أَمَّا إنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ بَعْدَ طَوَافِهِ لِعُمْرَتِهِ وَرُكُوعِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَعَى بَعْضَ السَّعْيِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْ السَّعْيِ شَيْئًا فَهَذَا يَمْضِي عَلَى سَعْيِهِ وَيَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ انْتَهَى.
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا مُنَاقَشَتُهُ فِي التَّوْضِيحِ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ أَنْ يَرْكَعَ كُرِهَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ تَمَتَّعَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ حَجِّهِ أَنَّهُ نَسِيَ شَوْطًا]
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ تَمَتَّعَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ أَنْ نَسِيَ شَوْطًا لَا يَدْرِي مِنْ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ وَسَعَى وَأَهْدَى لِقِرَانِهِ وَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِحِلَاقِهِ وَلِبَاسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّوْطُ مِنْ حَجِّهِ فَقَدْ أَتَى بِهِ يَعْنِي لِإِتْيَانِهِ الْآنَ بِالطَّوَافِ وَأَهْدَى لِتَمَتُّعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا طَافَ شَوْطًا لَا يُرْتَدَفُ حَجُّهُ لَكِنْ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ الْكَامِلِ، وَهَذَا الطَّوَافُ الَّذِي نَسِيَ مِنْهُ الشَّوْطَ إنْ كَانَ مِنْ الْعُمْرَةِ فَقَدْ أَسَاءَ لِلتَّبَاعُدِ فَيَصِيرُ إرْدَافَ الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَلَوْ وَطِئَ النِّسَاءَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُهْدِي لِقِرَانِهِ أَوْ لِتَمَتُّعِهِ، وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي وَبَقِيَ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّوْطُ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا، وَأَفْسَدَ قِرَانَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ مُقْرِنًا فِي قَوْلِهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا أَعْلَمُ مَعْنَاهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ يَرَى أَنَّهُ يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ.
أَمَّا فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا إلَّا أَنْ يَطَأَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَقَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْإِفَاضَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
ص (وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ)
ش: أَيْ: وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَلْقُ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصِّحَّةِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ حَلْقِ الْعُمْرَةِ أَوْ سُقُوطَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ جَائِزٌ.
وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَحَرُمَ الْحَلْقُ وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ، وَلَوْ فَعَلَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِهَا وَقُلْنَا: إنَّ إحْرَامَهُ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ لِتَأْخِيرِ حِلَاقِ الْعُمْرَةِ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ
فَإِنْ أَرْدَفَ بَعْدَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا اتِّفَاقًا، وَلَا مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَلِهَذَا لَا يَحْلِقُ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ انْتَهَى، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ فِي عُمْرَتِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَأْخِيرُ الْحِلَاقِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ مَا نَصُّهُ: هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ زَمَنٌ طَوِيلٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْعَبْدِ الْكَرِيمِ الْإِسْكَنْدَرِيّ - فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَحْلِقْ حَتَّى وَصَلَ إلَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ فَحَلَقَ أَجْزَأَهُ وَكَأَنَّهُ تَدَاخَلَ الْحِلَاقَانِ مَعًا - قَالَ: وَانْظُرْ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ الْأُولَى، هَلْ يَكُونُ مِثْلَهُ تَرَدُّدٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا مَعًا مِنْ بَابِ التَّدَاخُلِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الْحِلَاقِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ، وَلَوْ حَلَقَ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لِلنُّسُكِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مَا نَصُّهُ: إذَا قُلْنَا: يَحْلِقُ بَعْدَ إفَاضَتِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ اعْتَمَرَ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ الْعُمْرَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ لَهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ يُونُسَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْحِلَاقِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: عَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِلَاقِ، فَإِنْ عَمِدَ فَعَجَّلَ الْحِلَاقَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَزِمَ ذِمَّتَهُ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَعَدَّى لِهَذَا الَّذِي لَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْحِلَاقِ فَحَلَقَ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَزِمَهُ كَمَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَزِمَهُ دَمُ التَّعَدِّي فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ رُجُوعُهُ إلَى الْمِيقَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَب فِيمَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَمَّا اسْتَوَى قَائِمًا رَجَعَ فَجَلَسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْجُدُ بَعْدُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: قَبْلُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ انْتَهَى أَوَّلَهُ بِاللَّفْظِ وَآخِرَهُ مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى، وَإِلَى عَدَمِ سُقُوطِ الدَّمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ فَعَلَهُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ دَمَ التَّأْخِيرِ يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا حَلَقَ وَرَدَّ الْقَوْلَ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ، وَإِنْ حَلَقَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ التَّأْخِيرُ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَالْحَلْقُ هَاهُنَا غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ، وَيُضَاهِي الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنْ حَلَقَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا مِثْلُ مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَلَقَ لِكُلِّ نُسُكٍ حِلَاقًا فَتَأَمَّلْهُ.
ص (ثُمَّ تَمَتَّعَ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا، وَإِنْ بِقِرَانٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ بِأَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلَّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجُّ بَعْدَهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ حَجُّهُ بِقِرَانٍ بِأَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اتِّفَاقًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ لِتَمَتُّعِهِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ مِنْ قَاعِدَةِ التَّدَاخُلِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَعَلَيْهِ دَمَانِ عَلَى الْمَنْصُوصِ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَالْمُعْتَمِرُ مِرَارًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ لِتَمَتُّعِهِ انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَيَتَكَرَّرُ الدَّمُ بِتَكَرُّرِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا حَجَّةَ فِي هَذَا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ الْمُوجِبَيْنِ لِلدَّمِ، أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَأْتِ إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ
فِعْلِهِمَا، وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا)
ش يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ دَمِ الْقِرَانِ وَدَمِ الْمُتْعَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّخْصُ مِنْ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ بِالِانْقِطَاعِ إلَى مَكَّةَ يُرِيدُ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ إلَى ذِي طُوًى، وَإِنَّمَا وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: بِهَا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ وَذَا طُوًى فِي حُكْمِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ: الِاسْتِيطَانُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْبَاجِيُّ إنَّمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ كَمَّلَ اسْتِيطَانَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِثْلَ أَنْ يَدْخُلَ مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَانَ فَيَحِلَّ فِي رَمَضَانَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْتَوْطِنَ مَكَّةَ، ثُمَّ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَ هَذَا: إطْلَاقُ التَّوَطُّنِ عَلَى طُولِ الْإِقَامَةِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوَطُّنِ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُوجِبُ الدَّمَ شَرْطُ كَوْنِهِ غَيْرَ مَكِّيٍّ، وَهُوَ مُتَوَطِّنُهَا أَوْ مَا لَا يَقْصِرُ مُسَافِرٌ مِنْهَا فِيهِ كَذِي طُوًى ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ: اسْتِيطَانُهُ قَبْلَ الْعُمْرَةِ، فَلَوْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ نَاوِيهِ لَمْ يَفْدِهِ لِإِنْشَائِهَا غَيْرِ مُسْتَوْطِنٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ مُشْكِلٌ انْتَهَى.
يُشِيرُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ سُكْنَاهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَلَيْسَ هُوَ كَأَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ السُّكْنَى، وَقَدْ يَبْدُو لَهُ، وَمَنْ حَلَّ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عُمْرَةً ثَانِيَةً مِنْ التَّنْعِيمِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مَنْ عَامِهِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ الَّذِي قَدِمَ لِيَسْكُنَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ الْأُولَى سُكْنَى انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ: اسْتَنْبَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُكْمَ الدَّمِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ الْأَوْلَى، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الدَّمَ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لِسُكْنَى مَكَّةَ لَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ.
كَوْنُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يُرِدْ سُكْنَى مَكَّةَ وَاسْتِيطَانَهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَجَّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا بَادَرَ بِسَفَرِهِ فِيهِ أَحْرَى بِوُجُوبِ الدَّمِ وَثُبُوتِ حُكْمِ الْمُتْعَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ: قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَسَكَنَهَا ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا كَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا، وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لِقِرَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مُسْتَوْطِنًا، وَقَالَ فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ: وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ وَطَنُهُ غَيْرَ مَكَّةَ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الْمُرَاعَى فِي حُضُورِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقْتُ فِعْلِ النُّسُكَيْنِ وَابْتِدَاؤُهُ بِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتَيْنِ مُسْتَوْطِنًا مَكَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا سَائِرَ الْآفَاقِ انْتَهَى.
وَلِابْنِ فَرْحُونٍ نَحْوُهُ وَزَادَ، وَإِنْ كَانَ مَكِّيَّ الْأَصْلِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْقِطَ لِلدَّمِ هُوَ الِاسْتِيطَانُ، وَأَنَّ الْإِقَامَةَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ لَا تُسْقِطُ الدَّمَ، وَلَوْ طَالَتْ، وَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَوْطِنُ نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَهْلُ مَكَّةَ، وَالثَّانِي: مَنْ انْقَطَعَ إلَيْهَا بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ بَالَغَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَامَةِ الِاسْتِيطَانُ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِقَامَةِ لَمَا حَسُنَتْ الْمُبَالَغَةُ بِالِانْقِطَاعِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُنْقَطِعُ إلَيْهَا كَأَهْلِهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُنْقَطِعُ بِهَا هُوَ الْآفَاقِيُّ الَّذِي أَقَامَ بِهَا وَأَعْرَضَ عَنْ سُكْنَى غَيْرِهَا، وَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَكِّيِّ انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُنْقَطِعُ إلَيْهَا كَالْمُجَاوِرِ كَأَهْلِهَا، فَمُرَادُهُ بِالْمُجَاوِرِ مَنْ جَاوَرَ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ لَا مُطْلَقُ الْمُجَاوِرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَذُو طُوًى هُوَ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى مَقْبَرَةِ مَكَّةَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُعَلَّاةِ وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي إلَى جِهَةِ الزَّاهِرِ وَتُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ بَيْنَ الْحَجُوقَيْنِ هَكَذَا قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ قَالَ: وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ عَنْ وَالِدِهِ نَحْوَ ذَلِكَ (قُلْتُ:) ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْقِرَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ، فَإِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهُوَ رَبَضٌ مِنْ أَرْبَاضِ مَكَّةَ بِطَرَفِهَا ثُمَّ قَالَ: قِيلَ: لِمَالِكٍ ذِي طُوًى فِي مَرِّ الظَّهْرَانِ قَالَ: الَّذِي سَمِعْتُ بِقُرْبِ مَكَّةَ انْتَهَى.
وَلَهُ
نَحْوُ ذَلِكَ فِي بَابِ مَا يَفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: هُوَ مَوْضِعٌ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِبِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: مَا ذَكَرَهُ وَالِدِي هُوَ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ: إنَّهُ مَوْضِعٌ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ فِي صَوْبِ طَرِيقِ الْعُمْرَةِ، وَيُعْرَفُ الْيَوْمَ بِآبَارِ الزَّاهِرِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْفَاسِيُّ: قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنَّ ذَا طُوًى هُوَ الْأَبْطُحُ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ، وَقَالَ الْفَاسِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ (قُلْتُ:) وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ: إنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ الْيَوْمَ بِبَطْنِ مَرٍّ؛ لِأَنَّ بَطْنَ مَرٍّ هُوَ مَرُّ الظُّهْرَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ أَهْلَهُ لَيْسُوا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْأَقْرَبُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْفَاسِيُّ أَوَّلًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ وَالِدِهِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مُثَلَّثُ الطَّاءِ مَقْصُورُ الْأَلِفِ، أَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعَةِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، وَفِي طَرِيقِ الطَّائِفِ مَوْضِعٌ يُقَالُ: لَهُ طَوَاءٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمَدِّ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ أَبُو عَلِيٍّ وَطُوًى وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ مُنَوَّنٌ مَقْصُورٌ عَلَى " فَعَلَ " أَبُو زَيْدٍ طَوَاءٌ مَمْدُودٌ عَلَى وَزْنِ فَعَالٌ قَالَ: فَأَنْكَرَ هَذَا الْأَصْمَعِيُّ أَوْ قَالَ طَوَاءٌ الَّذِي بِالطَّائِفِ مَمْدُودٌ، وَاَلَّذِي بِمَكَّةَ مَقْصُورٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ وَطُوًى بِفَتْحِ الطَّاءِ مَقْصُورَةٌ وَاَلَّذِي بِطَرِيقِ الطَّائِفِ طَوَاءٌ بِالْمَدِّ انْتَهَى.
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ تَثْلِيثَ الطَّاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي الصِّحَاحِ إلَّا الضَّمَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ)
ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ انْقَطَعَ إلَيْهَا وَاسْتَوْطَنَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، فَإِنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ مِنْ غَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَمْرٍ عَرَضَ لَهُ، وَلَوْ طَلَب إقَامَتَهُ بِغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَرْفُضْ سُكْنَاهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُهُ: الْخَارِجُ لِرِبَاطٍ أَوْ تِجَارَةٍ شَمِلَ الْخَارِجَ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَ أَهْلَهُ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَخَرَجَ لِغَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ إذَا قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُتْعَةٌ، كَمَا لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ لِلسُّكْنَى قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَيَانِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَتَرَكَ أَهْلَهُ بِهَا عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ لِغَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ فَقَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَنَهَا بِغَيْرِ أَهْلٍ قَبْلَ أَنْ يَتَمَتَّعَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَرَكَ آفَاقِيٌّ أَهْلَهُ بِمَكَّةَ أَوْ خَرَجَ لِغَزْوٍ أَوْ تَجْرٍ وَقَدِمَهَا مُتَمَتِّعًا فَلَا دَمَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ مُحَمَّدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَنَهَا دُونَ أَهْلٍ فَقَوْلُ أَبِي عُمَرَ لَا يَكُونُ مَكِّيًّا حَتَّى يَسْتَوْطِنَهَا عَامًا مُشْكِلٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا إنْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ مِمَّنْ اسْتَوْطَنَهَا بِغَيْرِ مَكَّةَ، فَإِنْ رَفَضَ سُكْنَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْحَاضِرِينَ وَيَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ إذَا تَمَتَّعَ.
ص (أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ)
ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إنْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا، وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا عَائِدٌ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ إلَى الْعُمْرَةِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ قَدِمَ بِهَا أَيْ: فِيهَا يَعْنِي أَشْهُرَ الْحَجِّ أَوْ قَدِمَ بِهَا أَيْ: بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةُ أَيْ: الِاسْتِيطَانُ فَلَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَيُشِيرُ إلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ.
ص (وَنُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ، وَهَلَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ تَأْوِيلَانِ)
ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا ثُمَّ تَمَتَّعَ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ ثُمَّ اخْتَلَفَ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ فِي فَهْمِهَا فَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ يُقِيمُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ، وَقِيلَ: إذَا أَقَامَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ اعْتَبَرَ، فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ فَهُوَ غَيْرُ مَكِّيٍّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى
اخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ وَابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ، وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ فَقَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَذَا مِنْ مُشْتَبِهَاتِ الْأُمُورِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُهْدِيَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ إنَّمَا يَأْتِي أَهْلَهُ بِمَكَّةَ مُنْتَابًا فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ بِمَكَّةَ وَيَأْتِي أَهْلَهُ بِغَيْرِهَا مُنْتَابًا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَالِكٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا جَاوَبَ عَلَى مَنْ يُكْثِرُ الْمُقَامَ بِالْمَوْضِعَيْنِ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ احْتَاطَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ يَأْتِي مَكَّةَ مُنْتَابًا، وَأَكْثَرُ إقَامَتِهِ بِغَيْرِهَا فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ إقَامَتِهِ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي مَكَّةَ مُنْتَابًا فَهِيَ وَطَنُهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِهَا انْتَهَى.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ بِالتَّأْوِيلَيْنِ إلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ (تَنْبِيهٌ) : فِي دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى كَوْنِ الدَّمِ مُسْتَحَبًّا نَظَرٌ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ نَعَمْ نَقَلَهَا سَنَدٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ بِلَفْظِ هَذَا مِنْ مُشْتَبِهَاتِ الْأُمُورِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ إلَيَّ، وَهَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُنْتَابُ الَّذِي يَأْتِي مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ بِالنُّونِ وَالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ.
ص (وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي عَامِهِ ذَلِكَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِلْقِرَانِ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّمَتُّعِ وَكَذَا إلَى الْقِرَانِ إذَا فَعَلَ الْأَوْلَى وَتَحَلَّلَ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ هَدْيُ الْقِرَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ
ص (، وَلِلْمُتَمَتِّعِ دَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ)
ش: يُرِيدُ أَوْ مَا قَارَبَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ مَا قَارَبَهُ فِي سُقُوطِ الدَّمِ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ مِثْلُهُ، وَلَوْ بِالْحِجَازِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا عَادَ إلَى مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِالْحِجَازِ وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ إنَّمَا هُوَ إذَا عَادَ لِمِثْلِ بَلَدِهِ فَالْمَشْهُورُ: سُقُوطُ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِالْحِجَازِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِعَوْدِهِ إلَى مِثْلِهِ إذَا كَانَ بَلَدُهُ بِالْحِجَازِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِعَوْدِهِ إلَى نَفْسِ بَلَدِهِ أَوْ بِالْخُرُوجِ عَنْ أَرْضِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ كَذَا نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قُطْرِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ إذَا كَانَ أُفُقُهُ غَيْرَ أُفُقِ الْحِجَازِ، أَمَّا الْحِجَازُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إلَّا بِالْعَوْدِ إلَى نَفْسِ أُفُقِهِ أَوْ بِالْخُرُوجِ عَنْ أُفُقِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إلَى أُفُقٍ غَيْرِ الْحِجَازِ كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ أَوْ أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ أَوْ أُفُقِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى الْحِجَازِ، وَهُوَ أُفُقُهُ أَوْ مِثْلُ أُفُقِهِ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّيُوخِ انْتَهَى.
وَضَعَّفَ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْبَلَدِ نَفْسِهِ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا بِأَقَلَّ)
ش: هَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَطْلَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَقَيَّدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا كَانَ أُفُقُهُ يُدْرِكُهُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَعُودُ فَيُدْرِكُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ، أَمَّا مَنْ أُفُقُهُ إفْرِيقِيَّةَ فَيَرْجِعُ إلَى مِصْرَ فَيَسْقُطُ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يُدْرِكَ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ ثُمَّ يَعُودَ مِنْ عَامِهِ انْتَهَى.
وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ تَقْيِيدَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
ص (وَفَعَلَ بَعْضَ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ أَيْ: فِي أَشْهُرِهِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ وَسَعَى بَعْضَ السَّعْيِ ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَتَمَّ سَعْيَهُ فِيهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ اللَّخْمِيُّ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الشَّوْطُ وَالشَّوْطَانِ مِنْ السَّعْيِ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ فِي حَيِّزِ اللَّغْوِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ سَعْيَهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ شَوَّالٍ، أَمَّا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَأَتَمَّ سَعْيَهُ بَعْدَ أَنْ رَآهُ نَهَارًا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ)
ش: أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْأَشْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا عَنْ وَاحِدٍ، وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ يَعْزُهُمَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ تَمَتُّعٌ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ خَلِيلٌ، وَلَمْ أَرَ فِي ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ إلَّا الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الدَّمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرَطَ ابْنُ شَاسٍ كَوْنَهُمَا عَنْ وَاحِدٍ، وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ فِي كِتَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ: مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ عَنْ غَيْرِهِ مُتَمَتِّعٌ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّرَدُّدِ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَعَادَتُهُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِمَا لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيحٌ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ وَاحِدٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْهُمْ الْبَاجِيُّ وَالطُّرْطُوشِيُّ، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّهُ الْأَشْهَرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ الْقَرَافِيَّ فِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ مَا سِوَى هَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَ: إنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ زَادَ هَذَا الشَّرْطَ، وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : شُرُوطُ الْقِرَانِ لَا شَكَّ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ لَا فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ قِرَانًا، أَمَّا شُرُوطُ التَّمَتُّعِ، فَهَلْ شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ أَوْ فِي تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ: أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ بِأَنَّهُ إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا لَا يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا، قَالَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّمَتُّعِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرُّخْصَةِ بِذَلِكَ تَعَلَّقَتْ، وَهُوَ إيقَاعُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَرَاهُ فُجُورًا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ إطْلَاقُ التَّمَتُّعِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمَكِّيُّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَعَلَى الْقَارِنِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَالْمُتَمَتِّعِ الْهَدْيُ يَعْنِي وَالْمُتَمَتِّعَ غَيْرَ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ فَلَا يُسَمَّى الْمَكِّيُّ مُتَمَتِّعًا فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ انْتَهَى.
وَيُشِيرُ بِمَا قَدَّمَهُ إلَى قَوْلِهِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَالتَّمَتُّعُ هُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحِلَّ وَيُحْرِمَ مِنْ عَامِهِ، وَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا انْتَهَى.
، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَنْسَكِهِ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُ التَّمَتُّعِ فَهُوَ مُفْرِدٌ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: وَالشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِوُجُوبِ الدَّمِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ وَهَلْ تُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ تَمَتَّعَا؟ قَالَ الْقَفَّالُ: تُعْتَبَرُ، وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ، فَلَوْ فَاتَ شَرْطٌ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَكَانَتْ الصُّورَةُ صُورَةَ إفْرَادٍ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ
إنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ التَّادَلِيُّ لِلْمُتَمَتِّعِ تِسْعَةَ شُرُوطٍ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ سَادِسًا: وَهُوَ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَسَابِعًا: وَهُوَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ التَّادَلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْرِيفِ التَّمَتُّعِ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا ثَامِنًا: وَهُوَ كَوْنُ الْعُمْرَةِ صَحِيحَةً، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ:، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَتُّعِ صِحَّةُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ فِي الْحَجِّ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ صَحَّتْ وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ تَاسِعًا: وَهُوَ كَوْنُ الْعُمْرَةِ مَقْصُودَةً، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ: وَلَا يَتَحَلَّلُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ، وَإِلَّا فَثَالِثُهَا يَمْضِي، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَذَكَرَ لِلْقِرَانِ شُرُوطًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِنْهَا: أَنْ يُقَدِّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فِي نِيَّتِهِ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ إنْ أَتَى بِهِمَا فِي عَقْدَيْنِ، وَأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ تَمَامِ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ مُرْدِفًا، وَأَنْ لَا يَتَمَادَى عَلَى الطَّوَافِ إذَا أَرْدَفَ فِي أَثْنَائِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ
ص (وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ)
ش ذَكَرَ رحمه الله مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا: أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْن فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ يَعْنِي الْمُتَمَتِّعَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ، وَهُوَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ: ظَاهِرُهُ لَوْمَاتُ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ سَمَاعِ عِيسَى مَنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْمِ فَقَدْ لَزِمَهُ الدَّمُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ وُجُوبَهُ عَلَى مِنْ مَاتَ قَبْلَ وُقُوفِهِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي سُقُوطِهِ خِلَافًا وَلِعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْكَاتِبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَقْلِيدِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَوَجَّهَ جَوَازَ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ تَتَمَتَّعُ وَتَسُوقُ الْهَدْيَ مَعَهَا لِلْمُتْعَةِ مَا نَصَّهُ: فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجَبَ بَعْدُ؟ قُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ فِي تَقْلِيدِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَقَلَّدَهُ لِيُوقِفَهُ فِي الْحَجِّ وَيَنْحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَلَّدَهُ فِي إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَعِنْدَ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَمَتَّعَ ثُمَّ مَاتَ قَالَ: إنْ مَاتَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رَمْيِهَا فَقَدْ لَزِمَهُ هَدْيُ التَّمَتُّعِ، وَإِذَا أَخَّرَ تَقْلِيدَهَا عِنْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهَا إحْدَى نُسُكَيْ التَّمَتُّعِ فَهِيَ مِنْ سَبَبِ الْهَدْيِ فِي الْجُمْلَةِ وَنَحْوُهُ لَا يَكُونُ حَتَّى يَجِبَ فَيُقَلِّدَهُ لِوُجُوبِ سَبَبِهِ وَيَنْحَرَهُ لِتَمَامِ وُجُوبِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي بَابِ صَوْمِ الْهَدْيِ: يُخْتَلَفُ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْمِ، ثُمَّ قَالَ: فَرَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ خُرُوجَ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَرَاعَى مَالِكٌ خُرُوجَهُ مِنْ إحْرَامِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ: يَعْنِي أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهُ بِأَوَائِلِ دَرَجَاتِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَذَلِكَ يَجْمُلُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رُكْنٍ آخَرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَرْتَفِضُ فَقَامَ لِذَلِكَ الرُّكْنُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْجَمْعِ، وَلَا يُرَاعَى احْتِمَالُ الْفَوَاتِ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَذَلِكَ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَعَادَ فِعْلُهُ إلَى عَدَمِ الْعُمْرَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَسَدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَوَاتِ وَالْفَسَادِ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ:) إذَا كَانَ هَدْيُ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَوْ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَمَا فَائِدَةُ الْوُجُوبِ هُنَا (قُلْتُ:) يَظْهَرُ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْهَدْيُ حِينَئِذٍ مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ لَكَانَ تَقْلِيدُهُ إذْ ذَاكَ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا قَلَّدَ بَعْدَ كَمَالِ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ طَرِيقَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَالثَّانِيَةَ لِلَّخْمِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى: أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْوُجُوبِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ، وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَفِي مَسْأَلَةِ الْفَوَاتِ، وَالْمَذْهَبُ: سُقُوطُ الدَّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ وَمُرَاعَاةُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ قَدْ أَجَازَهُ ابْنُ قَاسِمٍ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَلْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بَلْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ إذَا سَاقَ فِي عُمْرَتِهِ هَدْيًا تَطَوُّعًا، وَلَمْ يَنْحَرْهُ فِيهَا، وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَنَحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: لَا يُجْزِئُهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَلَا يُؤَخِّرَهُ وَنَحْوُ هَذَا مَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَانِ، وَهِيَ مَا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتِ الْحَجِّ إنَّ ذَلِكَ الْهَدْيَ يُجْزِئُهُ لِقِرَانِهِ وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي: وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا فِيمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَحِلِّهِ
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمَا قَبْلَ وُجُوبِهِمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لِلْحُكْمِ بِوُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ فَائِدَةٌ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا قَلَّدَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وُجُوبًا غَيْرَ مُتَحَتِّمٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ، فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَمَا نَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: إنَّهَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا، فَإِنْ وَطِئَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ، وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ طَلَّقَهَا
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ فَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ نَحْرُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ فَسَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْكَبِيرِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَقَالَ فِي الْوَسَطِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَاقْتَصَرَ فِي الصَّغِيرِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، فَذِكْرُهُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِإِخْرَاجِ الْهَدْيِ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ لَا سِيَّمَا كَلَامُهُ فِي الْوَسَطِ، أَمَّا الْبِسَاطِيُّ فَلَمْ يُفَسِّرْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، نِنُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْفُرَاتِ
بَلْ زَادَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى جَوَازِ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَّا بَعْضَ الْمُعَاصِرِينَ لَنَا وَلِمَشَايِخِنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى خِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُ: وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ إجْزَاءَ الْهَدْيِ الْمُقَلَّدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ عَنْ التَّمَتُّعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَعْبِيرِهِ بِلَفْظِ الْجَوَازِ أَنَّ التَّخْرِيجَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي نَحْرِ الْهَدْيِ حِينَئِذٍ لِتَشْبِيهِهِ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخَرَّجَةٌ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي الْكُتُبِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالنَّقْلِ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ النَّوَادِرِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، أَمَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَلَمْ يَتَعَرَّض لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، هَلْ هُوَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ أَوْ نَحْوُهُ؟ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ بِكَمَالِهَا يَعْنِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةُ بِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ إذْ التَّمَتُّعُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَالِاخْتِيَارُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ، وَلَمْ يُرَاعُوا احْتِمَالَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ إذَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُجْزِئْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئْهُ فَلَمْ يُجْزِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِذَا قَلَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَأَجْزَأَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْتِ وَالزَّكَاةِ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ السُّنَّةُ التَّوْسِعَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ انْتَهَى.
كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ لَا عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ نَحْرِ الْهَدْيِ وَأَوَّلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْمُتْعَةِ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الْقَارِنُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: لِأَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ فَرْحُونٍ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَهَذَا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَالِاخْتِيَارُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَالَهُ فِي الصِّيَامِ، وَنَصُّهُ: وَالِاخْتِيَارُ لَهُ تَقْدِيمُ الصِّيَامِ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَلَامَهُ عَلَى تَقْدِيمِ نَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ بَلْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إنْ أَرَادَهُ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ هَدْيَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ نَحْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَنُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ شَاهِدَةٌ لِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ، وَلَا يَجُوزُ نَحْرُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَالْوَاجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ بِمِنًى، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ
وَلَهُ مِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ عُيُونِ الْمَجَالِسِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ نَحْرِ الْهَدْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْقَارِنُ إذَا سَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ فَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى عَرَفَةَ فَلْيَنْحَرْهُ بِمَكَّةَ إنْ شَاءَ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ هَدْيٍ دَخَلَ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا فَيُجْزِئُ إلَّا هَدْيَ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَدِئُ الْحَجَّ بِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: فَكَأَنَّهُ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ انْتَهَى.
، وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ كَلَامَ مَالِكٍ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ بَعْدَهُ أَبُو إِسْحَاقَ: هَذَا صَوَابٌ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لِيَنْحَرَهُ فِي عُمْرَتِهِ نَحَرَهُ ثُمَّ إذَا تَمَتَّعَ بِالْحَجِّ أَهْدَى لِمُتْعَتِهِ سَوَاءٌ قَلَّدَ هَدْيَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَوْ بُنَيَّة أَنَّهُ لِلْمُتْعَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَا نَحَرَهُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْ حَجِّهِ لَا يُجْزِئُهُ لَتَمَتُّعِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ أَوْ مَعَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ: إذَا نَحَرَهُ بَعْدَهُ تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمُتْعَةِ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْحَرَهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ، وَلَا يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيُّ تَحَلُّلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ دَمٌ تَعَلَّقَ بِالْإِحْرَامِ، وَيَنُوبُ عَنْهُ الصِّيَامُ فَجَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، فَإِنَّمَا يُشْرَعُ الْهَدْيُ لِذَلِكَ إذَا وَقَعَ التَّمَتُّعُ، وَلَا يَقَعُ التَّمَتُّعُ بِالنِّسْكَيْنِ حَتَّى يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِذَا أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا وَلِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَبْحُ أُضْحِيَّةٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ كَقَبْلِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَبِخِلَافِ فِدْيَةِ الْأَذَى؛ لِأَنَّهَا عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِهَدْيٍ حَتَّى إذَا جَعَلَهَا هَدْيًا لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ الْفِدْيَةُ حُجَّتُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجْزِيءُ قَبْلَ كَمَالِ سَبَبِ وُجُوبِهَا، وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي التَّمَتُّعِ لَا يُجْزِئُ هَدْيُهُ قَبْلَ حُصُولِهِ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ صَوْمِ الْهَدْيِ: لَمَّا ذَكَرَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ لَا يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ مَا نَصُّهُ: وَلِأَنَّ الْهَدْيَ لَوْ وَجَبَ بِهَا لَجَازَ نَحْرُهُ إذْ شَرْطُ الْوُجُوبِ التَّمَكُّنُ مِنْ فِعْلِ مَا وَجَبَ وَسَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَحْرِ الْهَدْيِ حَتَّى يَحِلَّ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ حَتَّى يَحِلَّ ثُمَّ قَالَ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْهَدْيُ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَحِلَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ: فِيمَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَدَلِيلُنَا: أَنَّ الْهَدْيَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّحَلُّلِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ فِيمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ قَالَ سَنَدٌ: رَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الدَّمَ الْمُتَعَلِّقَ بِنَقْصِ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْإِحْرَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِدَلِيلِ دَمِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ: يَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْهَدْيُ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إنَّ الْحَجَّ حِينَئِذٍ يَتِمُّ، وَيَصِحُّ مِنْهُ وَصْفُ التَّمَتُّعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ بِضَمِّ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَأَوَّلُ الْحَجِّ كَآخِرِهِ وَهَذِهِ دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَلَوْ ذَبَحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَجُزْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ نَحْرُهُ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ الْحَفِيدُ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَبَحَ هَدْيَ التَّمَتُّعِ وَالتَّطَوُّعِ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَالشَّافِعِيُّ فِيهِمَا، وَمُرَادُهُ بِالتَّطَوُّعِ الَّذِي سَاقَهُ لِيَذْبَحَهُ فِي حَجِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَسَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَطَافَ بِالْعُمْرَةِ وَسَعَى
فَلِيَنْحَرْهُ إذَا أَتَمَّ سَعْيَهُ قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ يُرِيدُ وَيُجْزِيهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَخَّرَ هَدْيَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَنَحَرَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: قَالَ الْفَقِيهُ: قِفْ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُجْزِيهِ الْأَدْنَى إذَا أَخَّرَهُ مَعَ أَنَّ الْهَدْيَ وَجَبَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُجْزِيهِ مَعَ التَّقْدِيمِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ؟ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَارِيًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْهَدْيِ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ مَحِلِّهِ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَنْحَرَ فِيهِ، هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَقَوْلُهُ: إنَّهُ مُشْكِلٌ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ مِنْ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ وَيُجْزِئُهُ إذْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَا غَيْرِهِمْ، كَمَا عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَإِنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَبَحَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّمَتُّعَ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذَا، وَلَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِدَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَغْلَطُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَمَسَّكُونَ بِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ خُصُوصًا مَعَ الْوُقُوفِ عَلَى نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَجْزَاهُ تَقْلِيدُهُ وَإِشْعَارُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَكَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَخَّرَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ هَدْيَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَنَحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَلَا يُؤَخِّرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعًا)
ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِحْرَامِ فِي قَوْلِهِ: وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ وَيَعْنِي أَنَّ الرُّكْنَ الثَّانِي مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الطَّوَافُ، فَإِنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ وَالطَّوَافُ الرُّكْنِيُّ فِي الْحَجِّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَلِلطَّوَافِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ فِي عُمْرَةٍ شُرُوطُ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ شَوْطًا أَوْ بَعْضَ شَوْطٍ رَجَعَ لَهُ مِنْ بِلَادِهِ، قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يُجْزِي لِاسْتِيفَاءِ أَشْوَاطِهِ، فَمَنْ تَرَكَ شَوْطًا أَوْ بَعْضًا مِنْهُ أَوْ مِنْ السَّعْيِ عَادَ عَلَى إحْرَامِهِ مِنْ بِلَادِهِ لِإِتْمَامِهِ انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ الدَّمُ انْتَهَى.
وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ ذَكَرَ شَوْطًا مِنْ طَوَافِهِ فَلْيَرْجِعْ لَهُ مِنْ بِلَادِهِ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُخَفِّفُ الشَّوْطَ وَالشَّوْطَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا كَانَ يُخَفِّفُ الشَّوْطَ وَالشَّوْطَيْنِ إذَا رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ، أَمَّا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي إعَادَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمَّا كَانَ يَقُولُ بِتَخْفِيفِ ذَلِكَ كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دَمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُنَّةٌ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ: لَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ ذَلِكَ شَرْطًا، وَجَعَلَهُ سُنَّةً يُجْبَرُ بِالدَّمِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) يُعَدُّ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِصِدْقِ حَدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْمَنَاسِكِ الَّتِي جَمَعْتُهَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَعَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَدَأَ فِي طَوَافِهِ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَتَمَّ ذَلِكَ فَتَمَادَى مِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الْأَسْوَدِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى طَالَ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَتَبَاعَدَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ، وَلَا يَرْجِعَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَإِنْ كَانَ بِتَعَمُّدٍ فَلِيَبْتَدِئْ إلَّا فِيمَا تَرَاخَى فِي مِثْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى بَعْضِ الْمَسْجِدِ
ثُمَّ يَسْتَفِيقَ فَلْيَبْنِ كَمَنْ يَخْرُجُ مِنْ مُصَلَّاهُ إلَى مِثْلِ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ وَإِيوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِنِسْيَانٍ أَوْ جَهْلٍ، وَلَمْ يَتَبَاعَدْ فَلْيَبْنِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَوْ يَطُلْ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: مِنْ سُبْعِهِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ يَعْنِي طَوَافَهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا إلَى آخِرِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي عَمْدًا، وَأَتَمَّ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحْصُلْ فِي ذَلِكَ طُولٌ، فَإِنَّهُ يَبْنِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَوْ يَطُلْ جِدًّا فَفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى السَّعْيِ وَسَعَى بَعْضَ السَّعْيِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَبْنِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَبْنِي، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّعْيِ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ نَسِيَ بَعْدَ طَوَافِهِ، وَجَعَلَ الْجَاهِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالنَّاسِي فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ ابْتَدَأَ طَوَافَهُ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَيْنَ الْبَابِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ ثُمَّ ذَكَرَ قَالَ: يُجْزِئُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ أَلْغَى مَا مَشَى مِنْ بَابِ الْبَيْتِ إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَيَانٍ فَأَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ ابْتَدَأَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي فِي الْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَأَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَوْلُهُ: يُجْزِئُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُلْغِي ذَلِكَ بَلْ يُتِمُّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ وَيُجْزِئُهُ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَلَمْ يُتِمَّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ بَلْ أَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ وَيَرْجِعُ فَيُكْمِلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَإِنْ طَالَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَيَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ هَكَذَا كَانَ وَالِدِي يُقَرِّرُهُ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَقَالَ قَوْلُهُمْ هَذَا يَسِيرٌ وَيُجْزِئُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ.
(قُلْتُ:) وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّلْقِينِ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الشَّوْطِ يَرْجِعُ لَهُ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْبَاجِيُّ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ شَوْطٍ فَهَلْ يُتِمُّ ذَلِكَ الشَّوْطَ أَوْ يَبْتَدِئُهُ؟ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُقْبِلَ يَنْصِبُ قَامَتَهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ طَافَ، وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ، فَيَبْطُلُ طَوَافُهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ مَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ ذِرَاعًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا، فَإِذَا كَانَ السَّعْيُ لَا يُغْتَفَرُ مِنْهُ ذِرَاعٌ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الطَّوَافِ فَأَحْرَى أَنْ يَقْتَضِيَ إنْ نَقَصَ ذَلِكَ يَبْطُلُ الطَّوَافُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رضي الله عنهم: وَكَيْفِيَّةُ الطَّوَافِ: أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى الْحَجَرِ، وَذَلِكَ: بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ، وَيَقِفَ إلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَسَارِهِ يَمِينَهُ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ، وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا فِي الْأَوَّلِ، وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ ذَكَرَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ حُذَّاقُ الشَّافِعِيَّةِ (قُلْتُ:) ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّوَوِيَّ رحمه الله قَالَ: لَا يَصِحُّ طَوَافُ مَنْ لَمْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ انْتَهَى.
كَلَامُ ابْنِ الْمُعَلَّى، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ، وَأَصْلُهُ لِلنَّوَوِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِيهِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ جَعَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ عَنْ يَسَارِهِ
مِنْ الْأَوَّلِ وَمَرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَيْهِ جَازَ، وَلَكِنْ فَاتَهُ الْمُسْتَحَبُّ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَاجِبِ الرَّابِعِ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُعَلَّى كَلَامَ النَّوَوِيِّ جَمِيعَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِهِ فِي كَيْفِيَّةِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُعَلَّى بَلْ صَرِيحُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَطْلُوبَةً أَيْضًا فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّادَلِيِّ: مَا قَالَاهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَقَدْ نَازَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّة النَّوَوِيَّ فِي اسْتِحْبَابِ الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِحْبَابَ الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى خَاصَّةً دُونَ مَا بَعْدَهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» فَمَنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مُسْتَقْبِلًا لِلْحَجَرِ إلَى أَنْ جَاوَزَهُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَمَضَى جُزْءٌ مِنْ طَوَافِهِ، وَالْبَيْتُ لَيْسَ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنِ عَنْ اللَّهِ، وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى النَّقْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَلَا الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا الرَّافِعِيُّ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ اسْتِحْبَابُ الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى، وَكَرَاهَتُهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ ارْتِكَابَهَا قَدْ يُوقِعُ فِي الْأَذَى، وَأَنَا مِمَّنْ تَأَذَّى بِهَا، فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَمِلَ بِهَا، وَأَنَا مَعَهُ فِي الطَّوَافِ، وَكُنْتُ وَرَاءَهُ حِينَ مَشَى مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَهُ، وَلَمْ أَدْرِ بِهِ فَانْفَتَلَ عِنْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْحَجَرَ، وَلَمْ يَرَنِي فَدَاسَ رِجْلِي فَآذَانِي بِرِجْلِهِ بِدَوْسَتِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى يَعْنِي الَّتِي اسْتَحَبَّهَا النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تَأْخِيرُهُ إلَى صَوْبِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَمَشْيُهُ مُسْتَقْبِلًا حَتَّى يَقْطَعَ الْحَجَرَ وَانْفِتَالُهُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْحَجَرَ، وَإِذَا كَانَ أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَسْمَحْ بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَثْبُتْ فَكَيْفَ سَمَحَ بِهَذَا بَلْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مُسْتَقْبِلًا الْحَجَرَ إلَى أَنْ جَاوَزَهُ ثُمَّ انْفَتَلَ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ طَوَافِهِ، وَالْبَيْتُ لَيْسَ عَلَى يَسَارِهِ فَالْوَجْهُ امْتِنَاعُهُ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: الْمُرَادُ بِالْبَدَنِ فِي الْمُحَاذَاةِ شَقُّ الطَّائِفِ الْيَسَارُ لَا غَيْرُ لَكِنَّ كَلَامَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرِهِمَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ جَعْلِ الْبَيْتِ عَلَى يَسَارِهِ هُوَ مِنْ حِينِ مُجَاوَزَةِ الْحَجَرِ لَا عِنْدَ مُحَاذَاتِهِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ انْتَهَى.
فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْكَرُوا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ، وَأَنْكَرُوا اسْتِحْبَابَهَا، بَلْ جَعَلُوهَا مَكْرُوهَةً وَمَمْنُوعَةً، أَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ فَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا بِأَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُحَاذِيَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ قَالَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ تَعَرُّضٌ لِلْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ بَلْ فِي كَلَامِ الْقَاضِي سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْدَأُ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ بِجَمِيعِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ وَاسْتَلَمَهُ، وَالْأَحْسَنُ: أَنْ يَأْتِيَ عَنْ يَمِينِ الْحَجَرِ، وَيُحَاذِيَ بِيَسَارِهِ يَمِينَ الْحَجَرِ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ وَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَطُوفَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، وَلَوْ حَاذَى بَعْضَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ بَدَأَ، فَإِذَا انْتَهَى.
إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَ شَوْطًا وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الشَّوْطُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ جَمِيعَ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَزِمَهُ اسْتِقْبَالُهُ لَزِمَهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَالْقِبْلَةِ، وَمَا قُلْنَاهُ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ
وَمَوْضِعُ الْبُدَاءَةِ الْحَجَرُ، وَقَدْ بَدَأَ مِنْهُ، وَيُخَالِفُ الْقِبْلَةَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ غَيْرَهَا، وَلِأَنَّهُ فِي الْبَيْتِ أَيْضًا لَا يَسْتَقْبِلُ جَمِيعَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ بَعْضَهُ وَكَذَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْحَجَرِ بَعْضُهُ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ مُعَلَّى، وَهَذَا مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وَالْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ هَذَا التَّحْدِيدِ وَمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ وَالْمُرَاعَى أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَحْتَاطُ فِي ابْتِدَاءِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ انْتَهَى.
وَقَدْ صَرَّحَ سَنَدٌ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الْحَجَرِ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا بَلْ هِيَ مِمَّا يُجْبَرُ بِالدَّمِ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ وَالْبَابِ أَنَّهُ يَسِيرٌ وَيُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُقَالُ: قَوْلُهُ: فِي الطِّرَازِ يَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ بِجَمِيعِهِ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ: بَعْدُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ يَمِينِ الْحَجَرِ وَيُحَاذِي يَسَارَهُ بِيَمِينِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَتَكُونُ يَدُهُ الْيُسْرَى مُحَاذِيَةً لِيَمِينِ الْحَجَرِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ وَيَمْشِي عَلَى جِهَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ:) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ أَمْرًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بَلْ هُوَ مُشَوِّشٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَيُوجِبُ لَهُمْ الْوَسْوَاسَ، وَرُبَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إذَا فَعَلُوهُ تَشْوِيشٌ عَلَى الطَّائِفِينَ، وَنَصُّهُ: وَلْيُحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضَهُمْ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْحَجَرَ فَيُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ فِي الطَّوَافِ، وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَلْفَهُ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَلْ سِتَّةً، فَإِذَا كَانَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَطَلَ طَوَافُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ لَهُ مِمَّا يُخَالِفُ إحْرَامَهُ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَارُكُ، وَكَيْفِيَّةُ مَا يَفْعَلُهُ حَتَّى يَسْلَمَ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ أَنْ يَمْشِيَ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَرُدَّ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ يَأْخُذَ فِي الطَّوَافِ فَيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إكْمَالِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَفْعَلُ فِي الشَّوْطِ الْأَخِيرِ يَمْشِي فِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْحَجَرَ خَلْفَهُ بِخُطْوَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لِكَيْ يُوقِنَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْحَجَرِ أَجْزَأَهُ إذَا تَمَّ الشَّوْطُ السَّابِعُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ بَلْ لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا أَتَمَّ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ مِنْ وَسَطِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوْ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي يَلِي الْبَيْتَ ثُمَّ أَتَمَّ الطَّوَافَ إلَى طَرَفِهِ الَّذِي يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِي فَمَا قَالَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الطَّوَافِ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِثَلَاثِ خُطُوَاتِ أَوْ نَحْوِهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا آذَى الطَّائِفِينَ وَشَوَّشَ عَلَيْهِمْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَا يَفْعَلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ الطَّوَافَ بِأَنْ يَقِفَ قَبْلَ الرُّكْنِ بِقَلِيلٍ بِأَنْ يَكُونَ الْحَجَرُ عَنْ يَمِينِ مَوْقِفِهِ لِيَسْتَوْعِبَ جُمْلَتَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَلْيَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ الْجَاهِلُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) إنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى فَظَاهِرٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ
(الرَّابِعُ) قَالَ سَنَدٌ: إطْلَاقُ الْأَطْوَافِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ الْأَشْوَاطَ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ الْأَشْوَاطَ وَالْأَدْوَارَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الرَّمَلِ انْتَهَى.
يَعْنِي إطْلَاقَ الْأَشْوَاطِ، وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ شَوْطٌ أَوْ دُورٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: طَوَافٌ انْتَهَى.
، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْأَدْوَارَ لَا تُكْرَهُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ أَيْضًا: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكَ أَطَافَ بِهِ وَدَارَ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِالطُّهْرَيْنِ وَالسِّتْرِ)
ش: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الطُّهْرَيْنِ وَالسِّتْرُ لِلْعَبْدِ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الطَّوَافِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ