الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَتَجَرَّدَ مِنْهُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا وَاجِبَاتُهُ يَعْنِي الْإِحْرَامَ فَأَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَأَنْ يَتَجَرَّدَ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَقْتَ إرَادَتِهِ الْإِحْرَامَ، وَمِنْ كُلِّ مَا يَمْنَعُهُ فِي الْإِحْرَامِ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ انْتَهَى.
ص (وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ ثُمَّ إشْعَارُهُ) ش يَعْنِي أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ، وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يُقَلِّدَهُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَتَجْرِيدِهِ ثُمَّ يُشْعِرُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي حَيْثُ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ مُقَدَّمَانِ عَلَى الرُّكُوعِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الرُّكُوعَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ لِخَلِيلٍ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ إنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ وَإِشْعَارَهُ لَيْسَ سُنَّةً إلَّا فِيمَا سَاقَهُ مِنْ الْهَدَايَا لَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ وَنَصُّهُ: لَمَّا كَانَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ مِنْ سُنَّةِ الْهَدْيِ ذَكَرَهُ مَعَهُ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ إلَّا فِيمَا سَاقَهُ الْمُحْرِمُ لَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ مَنَاسِكِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْإِحْرَامِ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْهَدْيُ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَيُقَالُ: بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَأَصْلُهُ التَّشْدِيدُ وَالْوَاحِدَةُ هَدِيَّةٌ وَهَدْيَةٌ انْتَهَى.
[تَنْبِيه سَوْقَ الْهَدْيِ]
(تَنْبِيهٌ:) قَدْ يُسْتَرْوَحُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ سُنَّةٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي مَنَاسِكِهِ فَقَالَ: وَسِيَاقَةُ الْهَدْيِ سُنَّةٌ لِمَنْ حَجَّ، وَقَدْ غَفَلَ النَّاسُ عَنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ: الْهَدْيُ مَشْرُوعٌ فِي الْحَجِّ وَمَشْرُوعٌ فِي الْعُمْرَةِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْهَدْيِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ: إنَّ الْهَدْيَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ ضَعِيفٌ، قَالَ: وَقَدْ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَشْبِيهِهِ الْهَدْيَ بِالْغُسْلِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ أَلَيْسَ سُنَّتُهُمْ الضَّحِيَّةَ؟ وَإِنَّمَا سُنَّتُهُمْ الْهَدْيُ، وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي مُنْتَقَاهُ إنَّ الْهَدْيَ تَبَعٌ لِلنُّسُكِ، وَمِنْ سُنَنِهِ انْتَهَى.
، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي كَلَامِ سَنَدٍ وَكَلَامِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ، وَنَصُّهُ: قَالَ سَنَدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّ الْهَدْيَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَبَرُّعًا، وَقَالَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ دُونَ السُّنَّةِ وَيُسَمُّونَهُ فَضِيلَةً، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ، مَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّ الْهَدْيَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ ضَعِيفٌ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ بِلَفْظِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (ثُمَّ رَكْعَتَانِ) ش ظَاهِرُهُ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ بِخُصُوصِهِمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ الرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، كَمَا قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: الثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُسْتَحَبُّ إحْرَامُهُ بِإِثْرِ النَّافِلَةِ، وَلَا حَدَّ لِتَنَفُّلِهِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ تَحْرِيرُ أَبِي مُحَمَّدٍ لَمَّا ذَكَرَ رُكُوعَ الْحَجِّ، فَقَالَ: رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُشْتَهَرْ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، كَمَا اُشْتُهِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا عَقِبَ الطَّوَافِ فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ: رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، كَمَا قَالَ: رَكْعَتَا الطَّوَافِ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْفَرْضُ مُجْزِئٌ) ش يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ عَقِبَ الْفَرْضِ مُجْزِئٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ فِي التَّوْضِيحِ: السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُحْرِمَ إثْرَ صَلَاةٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ نَافِلَةً لِيَكُونَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَيَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ: يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ: فَإِنْ اتَّفَقَ فَرْضٌ أَجْزَأَ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ: أَنَّهُ لَا رُجْحَانَ لِلنَّافِلَةِ انْتَهَى.
فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ فَتَأَمَّلْهُ.
ص (يَحْرُمُ إذَا اسْتَوَى وَالْمَاشِي إذَا مَشَى) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً أَحْرَمَ، وَإِنْ
رَكِبَهَا قَائِمَةً فَحِينَ يَسْتَوِي عَلَيْهَا انْتَهَى.
ص (وَتَلْبِيَةٌ) ش يَعْنِي أَنَّ إيصَالَ التَّلْبِيَةِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ سُنَّةٌ، وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ فِي نَفْسِهَا فَوَاجِبَةٌ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ زَمَنٌ طَوِيلٌ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّلْقِينِ لَمَّا عَدَّ سُنَنَ الْإِحْرَامِ: وَيُهِلُّ بِالتَّلْبِيَةِ حِينَ اعْتِقَادِ الْإِحْرَامِ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهَا بِشَيْءٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى التَّلْبِيَةِ، وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ تَكُونَ نَسَقًا لَا يَتَخَلَّلُهَا كَلَامٌ غَيْرُهَا كَالْأَذَانِ، فَإِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرُدُّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ فَيَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَأَمَّا عَدُّهُ التَّلْبِيَةَ فِي سُنَنِ الْإِحْرَامِ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا عَدَّ فِي الْجَوَاهِرِ سُنَنَ الْإِحْرَامِ عَدَّهُ فِيهَا تَجْدِيدَ التَّلْبِيَةِ لَا التَّلْبِيَةَ نَفْسَهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الْمَنَاسِكِ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّلْبِيَةُ هِيَ الْإِجَابَةُ وَالْقَصْدُ وَالْإِخْلَاصُ قَالَ: وَتَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْكُلِّ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيُلَبِّي الْأَعْجَمِيُّ بِلِسَانِهِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِفْظِ التَّلْبِيَةِ فَهَلْ يَكْفِي التَّكْبِيرُ وَنَحْوُهُ أَوْ كَالْعَدَمِ وَتُلَبِّي الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ كَغَيْرِهِمَا انْتَهَى.
وَأَصْلُهُ لِسَنَدٍ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَأَصْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَالْأَعْجَمِيُّ يُلَبِّي بِلِسَانِهِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: وَيَفْعَلُهُ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا لَبَّى بِهِ نَفْسَهُ فِي الشَّرْعِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْأَعْجَمِيُّ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُعَلِّمُهُ لَبَّى بِلِسَانِهِ انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ التَّلْبِيَةِ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُهُ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُلَبِّيَ مَنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَرَآهُ خُرْقًا لِمَنْ فَعَلَهُ قِيلَ: الَّذِي كَرِهَهُ مَالِكٌ إنَّمَا هُوَ تَلْبِيَةُ الْحَجِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دَعَاهُ لَبَّيْكَ فَلَا كَرَاهَةَ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَزَالُوا يُلَبُّونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ» ، وَأَمَّا تَلْبِيَةُ الْحَجِّ فَتُكْرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا إلَّا لِرَاوِيَةٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ مُتَعَلِّمٍ وَالْخُرْقُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْحُمْقُ، وَسَخَافَةُ الْعَقْلِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ، وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَوَابَ الرَّجُلِ لِمَنْ نَادَاهُ بِلَبَّيْكَ أَنَّهُ مِنْ السَّفَهِ، وَأَنَّهُ جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِكَوْنِ الصَّحَابَةِ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبِكَوْنِهِ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَهُمْ انْتَهَى.
فَانْظُرْ مَا قَالَهُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ هَارُونَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ هَارُونَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فَيَتَّفِقُ كَلَامُهُمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الشِّفَاءِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ رحمه الله عَنْ رَجُلٍ نَادَى رَجُلًا بِاسْمِهِ فَأَجَابَهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ قَالَ: إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ سَفَهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي رحمه الله فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ: وَالْجَاهِلُ يُزْجَرُ وَيُعَلَّمُ، وَالسَّفِيهُ يُؤَدَّبُ، وَلَوْ قَالَهَا عَلَى اعْتِقَادِ إنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ رَبِّهِ كَفَرَ هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ:) قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: قَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يُحْرِمُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَإِنْ انْتَهَى إلَيْهَا أَحْرَمَ، وَكَانَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا إلَّا بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ انْتَهَى.
ص (وَخَلْفَ صَلَاةٍ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمَا.
ص (وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ) ش فَلَا يُلَبِّي إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ (فَرْعٌ) : اُنْظُرْ لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَقَطَعَ الطَّوَافَ لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى، هَلْ يُلَبِّي بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ؟ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ فِيهِ نَصًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ
تُرِكَتْ أَوَّلَهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ) ش وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ تُرِكَتْ أَوَّلَهُ أَنَّهُ إذَا بَنَى فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ نَاسِيًا لِلتَّلْبِيَةِ مِنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَانَ بِنِيَّتِهِ مُحْرِمًا، وَإِنْ ذَكَرَ مِنْ قَرِيبٍ لَبَّى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ بِهِ أَوْ نَسِيَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ فَلْيُهْرِقْ دَمًا، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى التَّلْبِيَةِ بَعْدَ الطُّولِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ لَبَّى أَوَّلَ إحْرَامِهِ ثُمَّ تَرَكَ التَّلْبِيَةَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَهَذَا لَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: لَوْ ابْتَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ تَرَكَ أَوْ كَبَّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى.
، وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ، وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ فَقَالَ: وَإِنْ قَالَ مِنْهَا، وَلَوْ مَرَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَيُجْزِئُ مِنْهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تُرِكَتْ فِي جَمِيعِهِ فَدَمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَأَقَلُّهَا مَرَّةٌ، فَإِنْ تَرَكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَالْهَدْيُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فِي مَنَاسِكِهِ وَشَهَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الدَّمِ، وَنَصُّهُ فَإِنْ لَبَّى حِينَ أَحْرَمَ وَتَرَكَ فَفِي الدَّمِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يُعَوِّضْهَا بِتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ لِلْمَشْهُورِ وَكِتَابُ مُحَمَّدٍ وَاللَّخْمِيِّ انْتَهَى.
وَقَالَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ ابْتَدَأَهَا، وَلَمْ يُعِدْهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى.
وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ) ش يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهَا، فَإِنَّهُ يُلَبِّي حِينَئِذٍ ثُمَّ يَقْطَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: إنَّهُ يُلَبِّي إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
ص (وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ) ش قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاشِرَهَا الْمَرْءُ بِنَفْسِهِ وَيَفْعَلَهَا، وَفِعْلُ الْمَحْمُولِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَامِلِ فَلَا يُطَافُ بِأَحَدٍ مَحْمُولًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَهُوَ أَثْقَلُ مِنْ الرَّاكِبِ عَلَى بَعِيرٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ مَنْسُوبٌ إلَى رَاكِبِهَا وَبِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْحَامِلِ، فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ لِلْحَامِلِ لَا إلَى الْمَحْمُولِ انْتَهَى.
أَوَّلُهُ بِالْمَعْنَى وَآخِرُهُ بِاللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي عَدِّ الْمَشْيِ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، وَقَدْ نَاقَشَهُ فِي ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ: لَعَلَّ مَنْ يَرَى وُجُوبَ الدَّمِ فِيهِ يَقُولُ: إنَّهُ وَاجِبٌ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُجْبَرَةِ بِالدَّمِ وَأَدْخَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي السُّنَنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَشْيِ فِي السَّعْيِ، وَحُكْمُ الرُّكُوبِ فِيهِ حُكْمُ الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ وَفِيهَا: لَا يَسْعَى رَاكِبٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ
ص (وَالْإِقْدَامُ لِقَادِرٍ لَمْ يَعُدَّهُ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: احْتَرَزَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: قَادِرًا مِمَّا لَوْ رَكِبَ
لِعَجْزٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَاجِيُّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَكْفِي الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الْمَشْيُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَيَجُوزُ الرُّكُوبُ لِمَنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ وَلِمَالِكٍ فِي الْكَعْبَةِ وَحْدَهَا قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْكِبَرُ عُذْرٌ فِي الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّعْيِ وَنَصُّهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: الْكِبَرُ عُذْرٌ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَاحِدٌ انْتَهَى.
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: اُنْظُرْ لَوْ رَكِبَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَمِيعًا، هَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ هَدْيَانِ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الرَّمْيَ وَمَبِيتَ مِنًى؟ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) لَا فَرْقَ فِي الرُّكُوبِ أَنْ يَكُونَ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى آدَمِيٍّ قَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ طَافَ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ سَحْنُونٌ: يُرِيدُ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ إنْ نَزَلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُكُوبِهِ عَلَى دَابَّتِهِ، وَعَلَى رَجُلٍ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ:) قَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الْبَاجِيُّ، وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا بَعِيرًا مِنْ غَيْرِ الْجَلَّالَةِ لِطَهَارَةِ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى.
وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّهُ: وَالْعَاجِزُ قَالَ سَحْنُونٌ: يُحْمَلُ، وَلَا يَرْكَبُ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْبَاجِيُّ لَهُ رُكُوبُ طَاهِرِ الْفَضْلَةِ انْتَهَى.
ص (وَفِي الصَّوْتِ قَوْلَانِ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَفِي كَرَاهَتِهِ التَّصْوِيتَ بِالتَّقْبِيلِ قَوْلَانِ وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْجَوَازَ وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ، وَتَمْرِيغَ الْوَجْهِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَكَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ إذَا خَلَا بِهِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ أَنَّ الشَّيْخَ مُحِبَّ الدِّينِ الطَّبَرِيَّ جَاءَهُ مُسْتَفْتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ، وَقَالَ لَهُ: عَلِّمْنِي السُّنَّةَ فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ يَعْنِي أَبِصَوْتٍ أَوْ دُونَهُ فَذَكَرَ لَهُ التَّقْبِيلَ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْرَقَ الشَّيْخُ ثُمَّ ارْتَجَلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَقَالُوا
إذَا قَبَّلْتَ وَجْنَةَ مَنْ تَهْوَى
…
فَلَا تُسْمِعَنَّ صَوْتًا وَلَا تُعْلِنِ النَّجْوَى
فَقُلْتُ وَمَنْ يَمْلِكْ شِفَاهًا مُشَوِّقَةً
…
إذَا ظَفِرَتْ يَوْمًا بِغَايَاتِهَا الْقُصْوَى
وَهَلْ يَشْفِيَ التَّقْبِيلُ إلَّا مُصَوِّتًا
…
وَهَلْ يُبْرِدُ الْأَحْشَا سِوَى الْجَهْرِ بِالشَّكْوَى
قَالَ هَكَذَا قَالَ: وَهَلْ يَشْفِي؟ مُحَرَّكُ الْيَاءِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَلْ نَقُولُ: وَهَلْ يُبْرِئُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عَوْدٌ وَوَضَعَهَا عَلَى فِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ)
ش: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: ثُمَّ كَبَّرَ: أَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِلَامِ بِالْفَمِ وَالْيَدِ وَالْعَوْدِ، وَأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ ظَاهِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ اعْتِمَادًا مِنْهُ رحمه الله عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ التَّهْذِيبِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا لَمَسَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ ثُمَّ يَمْضِي، وَلَا يَقِفُ وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ، وَلَا يُقَبِّلُ الْيَمَانِيَ بِفِيهِ، وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لِزِحَامٍ كَبَّرَ، وَمَضَى انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَفِي التَّهْذِيبِ نَفْسِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَوَاسِعٌ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ، وَلَا يَدَعْ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا حَاذَاهُمَا فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ انْتَهَى.
وَفِي الرِّسَالَةِ: وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا وَيُكَبِّرُ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَلَا يَدَعُ التَّكْبِيرَ فِيهِمَا اسْتَلَمَ أَمْ لَا انْتَهَى.
، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقَبِّلُ الْيَمَانِيَ بِفِيهِ فِي الْأُمَّهَاتِ قِيلَ لَهُ: هَلْ يُكَبِّرُ إذَا اسْتَلَمَ
الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ بِيَدِهِ، أَوْ إنَّمَا هُوَ إذَا اسْتَلَمَهُ بِفِيهِ؟ قَالَ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) فَإِذَا قُلْنَا: يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ فَهَلْ التَّكْبِيرُ قَبْلَ الِاسْتِلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ إلَّا قَوْلَ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ إذَا تَقَدَّمَتْ لِلطَّوَافِ فَاسْتَقْبِلْ الْحَجَرَ وَكَبِّرْ ثُمَّ قَبِّلْهُ بِفِيكَ انْتَهَى.
فَظَاهِرُ عَطْفِهِ التَّقْبِيلَ بِثُمَّ عَلَى التَّكْبِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّقْبِيلَ عَقِبَ التَّكْبِيرِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ صَرِيحَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّقْبِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَصِلْ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ ثُمَّ مَضَى يَطُوفُ، وَلَا يَقِفُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهَا أَنَّ التَّقْبِيلَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّكْبِيرِ مَا فَهِمَهُ سَيِّدِي خَلِيلٌ مِنْهَا مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّقْبِيلِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْفَمِ، وَلَوْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهَا أَنَّ التَّكْبِيرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّقْبِيلِ لَمَا وَقَعَ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) قَالَ فِي الطِّرَازِ مَسْأَلَةٌ مَنْ قَالَ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَلْمِسَ الرُّكْنَ: قَالَ مَالِكٌ يُكَبِّرُ وَيَمْضِي، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشِيرُ بِيَدِهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ فَرْحُونٍ أَوَّلَ الْكَلَامَ عَلَى الطَّوَافِ، وَلَا تُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِكَ انْتَهَى.
قَالَ أَيْضًا فِي سُنَنِ الطَّوَافِ: وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنَاسِكِهِ: فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْحَجَرِ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَيْ: لَا يُشِيرُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّكْبِيرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ هُوَ فِي قَوَاعِدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ) ش قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَهِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَلَا يَقْرَأُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ أَفْضَلَ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الطَّوَافِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلِيُسِرَّ الْقِرَاءَةَ لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ عَنْ الذِّكْرِ انْتَهَى.
ص (وَلَوْ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حُمِلَا) ش قَالَ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ يَرْكَبُ فِي السَّعْيِ، وَأَنَّهُ رَمَلَ فِيهِ؟ قُلْنَا: رَمَلَ بِزِيَادَةِ تَحْرِيكِ دَابَّتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَكِبَ فِي حَجِّهِ وَمَشَى فِي عُمْرَتِهِ وَبِالْعَكْسِ انْتَهَى.
قَالَ التَّادَلِيُّ: وَقَفَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا سَعَى رَاكِبًا يَرْمُلُ بِتَحْرِيكِ دَابَّتِهِ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا نَصَّ عَلَيْهِ إلَّا مَا يُسْتَقْرَأُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ وَيُؤَيِّدُهُ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لَكِنْ لِلرَّاكِبِ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَلِلْمَاشِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى.
، وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ نَصَّ سَنَدٌ عَلَى أَنَّ الرَّاكِبَ فِي الطَّوَافِ يَخُبُّ بِدَابَّتِهِ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا لَمْ يَخُبَّ دَابَّتَهُ فِي الْأَشْوَاطِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَحْمُولَ لَا يُخَبُّ بِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَخُبُّ الْحَامِلُ بِالْمَحْمُولِ يَخُبُّ الرَّاكِبُ بِدَابَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الدَّابَّةَ يَخُبُّ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَخُبَّ بِالْمَحْمُولِ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ زُوحِمَ فِي الرَّمَلِ فَلَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا رَمَلَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ قَالَ سَنَدٌ: يُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفٍ الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ الْبَيْتِ زِحَامٌ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْمُلَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ قَلِيلًا وَجَدَ فُرْجَةً تَرَبَّصَ، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً رَمَلَ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِفُرْجَةٍ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ إلَى حَاشِيَةِ النَّاسِ أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ فَلْيَتَأَخَّرْ، وَرَمَلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قُرْبِهِ بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ رَمَلٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّأْخِيرُ أَوْ كَانَ لَيْسَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ فُرْجَةٌ، فَإِنَّهُ يَمْشِي وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الرَّمَلِ انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ إذَا زُوحِمَ فِي الرَّمَلِ فَلَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا إنَّمَا يَرْمُلُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلَيْسَ يُؤْمَرُ أَنْ يَتَحَرَّكَ إذَا لَمْ يُطِقْ الْمَشْيَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا يُحَرِّكُ مَنْكِبَيْهِ فِي الرَّمَلِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : نَقَلَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الطَّوَافُ مَعَ الِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءٍ.
ص (وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) ش قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يَسْتَلِمُهُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِلَامَ آكَدُ مِنْ الِاسْتِلَامِ فِي الشَّوْطِ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلسَّعْيِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.
(قُلْت:) نَصَّ عَلَى تَقْبِيلِهِ بَعْدَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدُعَاءٍ بِالْمُلْتَزَمِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ سَعْيَهُ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَنْزِلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ: وَذَلِكَ: أَنَّ الطَّوَافَ إذَا اتَّصَلَ بِالسَّعْيِ وَقَعَ الِاسْتِلَامُ فِي أَضْعَافِ الْعِبَادَةِ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهَا، وَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالطَّوَافِ سَعْيٌ وَفَرَغَ حُكْمُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ رُكُوعِهِ فَيَكُونُ الِاسْتِلَامُ بَعْدَهُ عَلَى حُكْمِهِ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ طَافَ وَرَكَعَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ ثُمَّ يَمُرَّ بِزَمْزَمَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَدْعُوَ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ وَيَنْوِيَ بِشُرْبِهِ مَا أَرَادَ، فَإِنَّ مَاءَ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ جُرِّبَتْ بَرَكَتَهُ وَيَخْرُجَ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْهَا، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْيَوْمَ بِبَابِ الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُهُ انْتَهَى.
فَأَوَّلُ كَلَامِهِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي: أَنَّ تَقْبِيلَهُ بَعْدَ رُكُوعِ كُلِّ طَوَافٍ مَطْلُوبٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَيَخْرُجَ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ عِنْدَ مَالِكٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّمَا مَقْصُودُهُ الْكَلَامُ عَلَى الطَّوَافِ الَّذِي بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الْأَخْضَرَيْنِ) ش هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُمْ يَعْنُونَ الْمِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى الْمَرْوَةِ أَوَّلُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ مَنَارَةِ بَابِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي: بَعْدَهُ قُبَالَةَ رِبَاطِ الْعَبَّاسِ وَالْأَمْيَالُ أَرْبَعَةٌ الْمِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ وَمِيلَانِ آخَرَانِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ فِي مُقَابَلَةِ الْمِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (تَنْبِيهٌ:) مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَبَبِ فِي السَّعْيِ مِنْ عِنْدِ الْمِيلِ الَّذِي فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا نَزَلَ السَّاعِي مِنْ الصَّفَا مَشَى حَتَّى يَأْتِيَ الْوَادِيَ، فَإِذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا جَيِّدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ فَيَتْرُكَ الرَّمَلَ وَيَمْشِيَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْوَةَ انْتَهَى.
وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيَّة، وَقَالَ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِانْصِبَابِ فِي بَطْنِ الْوَادِي قَالَ: وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الْمِيلَ كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى بِنَاءٍ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي شُرِعَ مِنْهُ ابْتِدَاءُ السَّعْيِ فَكَانَ السَّيْلُ يَهْدِمُهُ وَيُحَطِّمُهُ فَرَفَعُوهُ إلَى أَعْلَى رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَجِدُوا عَلَى السُّنَنِ أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ فَوَقَعَ مُتَأَخِّرًا عَنْ مَحَلِّ مُبْتَدَأِ السَّعْيِ انْتَهَى.
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (، وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ وُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ) ش أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ
فِي النَّقْلِ فَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وُجُوبَهُمَا مُطْلَقًا وَعَبْدُ الْوَهَّابِ سُنِّيَّتَهُمَا مُطْلَقًا وَالْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الطَّوَافِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَهَذَا الثَّالِثُ: هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَقَالَ سَنَدٌ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا رُكْنًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ تُجْبَرَانِ بِالدَّمِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الطَّوَافِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِمَا ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ حُكْمُ الطَّوَافِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُمَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَيَجِبَانِ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ وَالْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ رَكْعَتِي الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَنُدِبَا كَالْإِحْرَامِ بِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ انْتَهَى.
، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَزَادَ فَقَدْ رَوَى جَابِرٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَافَ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] انْتَهَى.
وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقِرَاءَةُ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَالثَّانِي: تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِالْمَقَامِ) ش الْمُرَادُ بِهِ: مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَى نَبِيّنَا، وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَأَخَّرَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا حَيْثُ كَانَ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِمَكَّةَ، كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْأَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا بِالْإِخْلَاصِ وَالْكَافِرُونَ وَخَلْفَ الْمَقَامِ فِي كُلِّ طَوَافٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَبْدُوسٍ: يَرْكَعُهُمَا لِطَوَافِهِ أَوَّلَ دُخُولِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: فِي كُلِّ طَوَافٍ انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَحَيْثُ يَتَيَسَّرُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَا خَلَا الْحَجَرَ زَادَ غَيْرُهُ، وَالْبَيْتَ وَظُهْرَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ التَّادَلِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ للشَّارْمَساحِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَهُمَا حَيْثُ شَاءَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَعَلَى ظَهْرِهِ وَبَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ قَالَ أَبُو طَاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: فَإِنْ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِمَا فِي الْمَذْهَبِ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى.
كَلَامُ التَّادَلِيِّ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَا يَرْكَعُهُمَا فِي الْحِجْرِ، فَإِنْ رَكَعَهُمَا فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَكَعَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَيُخْتَلَفُ فِي إعَادَتِهِمَا مَا دَامَ بِمَكَّةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ فِي الْبَيْتِ قِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ: أَبَدًا، وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ، وَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ رَكَعَهُمَا هُنَاكَ وَيُخْتَلَفُ، هَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي بَابِ اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ: وَلَا يَرْكَعُ فِي الْحِجْرِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَكَانَ بِالْقُرْبِ أَعَادَهُمَا، وَإِنْ بَعُدَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالرُّكُوعَ وَالسَّعْيَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنْ بَعُدَ أَجْزَأَتَاهُ، وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ كَمَنْ لَمْ يَرْكَعْهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ كَفَرِيضَةٍ صُلِّيَتْ بِثَوْبٍ نَجِسٍ إنَّ الْوَقْتَ إذَا ذَهَبَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ: فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، هَلْ يَرْكَعُهُمَا فِي الْحِجْرِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَمَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ فِي الْحِجْرِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ رَكَعَ فِيهِ الرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ أَعَادَ وَاسْتَأْنَفَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَكَعَهُمَا وَبَعَثَ بِهَدْيٍ ابْنُ يُونُسَ جَعَلَهُ فِي الْفَرِيضَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ إذَا بَلَغَ لِبَلَدِهِ لِذَهَابِ الْوَقْتِ، وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ: فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ يُعِيدَ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَنَاقُضًا انْتَهَى.
، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَلَامَهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا حُكْمُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، أَمَّا النَّافِلَةُ فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، هَلْ يَرْكَعُهُمَا فِي الْحِجْرِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: وَلَا يُصَلِّي فِي الْحِجْرِ، وَلَا فِي الْكَعْبَةِ فَرِيضَةً، وَلَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَلَا الْوِتْرَ، وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ رُكُوعِ الطَّوَافِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَنْقُلْ مَا بَعْدَهُ بَلْ نَقَلَهُ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ نَسِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ) ش الظَّاهِرُ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْوَاضِحَةِ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ قَالَ: وَإِذَا أَرَدْتَ الْخُرُوجَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلِّ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأْتِي زَمْزَمَ فَتَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ثُمَّ تَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَتَدْعُوَا كَثِيرًا رَافِعًا بِذَلِكَ رَاغِبًا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَقْبَلَ حَجُّكَ وَأَنْ يَقْبَلَكَ عَتِيقًا مِنْ النَّارِ وَأَلْصِقْ وَجْهَكَ وَصَدْرَكَ بِالْمُلْتَزَمِ ثُمَّ اسْتَلِمْ الْحَجَرَ وَقَبِّلْهُ إنْ قَدَرْتَ عَلَى تَقْبِيلِهِ ثُمَّ انْفِرْ إلَى بَلَدَكَ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّكَ انْتَهَى.
وَهَذَا كَلَامُ الْوَاضِحَةِ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَا فِي طَوَافِهِ بِمَا تَيَسَّرَ وَكَذَا فِي الْمَقَامِ وَالْحَطِيمِ وَالْمُلْتَزَمِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَعِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَفِي الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَفِي الْمُسْتَجَارِ، وَهُوَ الْمُسْتَعَاذُ أَعْنِي مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْبَابِ الْمُغْلَقِ الَّذِي كَانَ فَتَحَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، وَفِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى.
ص (وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَالْيَمَانِيِّ بَعْدَ الْأَوَّلِ) ش فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ اسْتِلَامَهُمَا فِي الْأَوَّلِ سُنَّةٌ أَمَّا الْحَجَرُ فَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَمِنْ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نُفِيَ عَنْهُ الِاسْتِحْبَابُ تَعَيَّنَتْ السُّنِّيَّةُ؛ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهُ سُنَّةٌ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) فُهِمَ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ أَنَّ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ لَا يُسْتَلَمَانِ، وَلَا يُكَبَّرُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.
(قُلْت:) نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ وَلَفْظُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ نَقَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي وَنَصُّهُ: وَيُكَبِّرُ لِمُحَاذَاةِ كُلِّ رُكْنٍ انْتَهَى.
فَيَكُونُ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ إذَا حَاذَى الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ فِي وَسَطِ الْحِجْرِ كَبَّرَ، وَمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يُحْمَلُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ الْقَائِمَيْنِ الْيَوْمَ فَيَكُونُ وِفَاقًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ.
(الثَّانِي:) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْأَوَّلِ يَعْنِي فِي آخِرِ كُلِّ شَوْطٍ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنْسَكِهِ وَابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الشَّوْطَ الْأَخِيرَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ التَّقْبِيلِ ثَمَانِ تَقْبِيلَاتٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَانْظُرْ حَاشِيَتِي فِي الْمَنَاسِكِ (الثَّالِثُ:) الِاسْتِلَامُ فِي الْوَاجِبِ آكَدُ مِنْهُ فِي التَّطَوُّعِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم) ش قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَمَا رَأَيْنَا مَنْ قَالَ إذَا لَمْ يَقُلْ الصِّفَةَ الَّتِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى.
ص (وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) ش