الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هشام المخزومى
هشام المخزومى أو هشام بن عبد الملك هو عاشر خلفاء الأسرة الأموية، وقد امتد حكمه من 105 هـ حتى 125 هـ وكان مولده بدمشق سنة 72 هـ (= 691 م) وأما أبوه فعبد الملك وأما أمه فعائشة بنت هشام من بنى مخزوم، وقد سبقه فى الحكم اخواته الوليد وسليمان ويزيد الثانى، وقد حجب عنه تولى العرش عمر بن عبد العزيز، حتى انتهى الأمر أخيرًا بيزيد أن عينه وليا للعهد سنة 101 هـ فلما مات يزيد خلفه يوم السادس من ربيع الثانى 125 هـ (= 6 فبراير 743 م) ويعتبر حكمه الذى طال حتى بلغ فى طوله حكم معاوية وعبد الملك - العصر الأخير لازدهار وعظمة الخلافة الأموية.
لم يكد هشام بن عبد الملك يرتقى سدّة الخلافة حتى ولّى العراق خالدًا العشرى وكان خالد رجلًا قُلَّبا ماهرًا، لكن تنقصه شدة الحجاج ولكنه كان مثله فى شدة إخلاصه لخلفاء دمشق، وإذا كان قد أمضى خمس عشرة سنة فى ولايته هذه فإنه صرف خلالها كل جهده إلى الارتقاء بالبلد ثقافيا واقتصاديا فأكمل المشروع الذى كان الحجاج قد بدأه وهو إجراء الماء العذب، وأن لم يجنبه ذلك كراهية الناس له، تلك الكراهية التى أدت فى النهاية إلى خلعه من الولاية سنة 120 هـ، وثم جاء بعده منافسه يوسف بن عمر الثقفى الذى أخمد فتنة الثائر الشيعى زيد بن على الذى قتل فى المعركة بالكوفة ومع أنها كانت حادثة صغيرة إلا زادت فى شهداء الشيعة وأضرمت رعاية المعارضة الهاشمية، وإذا خلينا جانبا هذه الفتنة وغيرها من فتن الخوارج فإننا لا نجد تهديدًا جديا تعرضت له الدولة زمن هشام بن عبد الملك رغم أن سرية الدعوة ظلت مستقرة، ولا نجد الأحداث الكبرى الخطيرة فى هذه الفترة إلا فى المناطق الحدودية، هذا إلى أن تقدم الفتوح بقيادة قتيبة بن مسلم وصل إلى نهايته فى الناحية الشرقية، ثم أصبحت الأحوال تتطب المحافظة على ما أمكن الحصول عليه واحتواء العدوان التركى الذى اشتد ساعده كل الشدة فى هذا
الوقت، أما الولاة الذين عينهم هشام واحدا بعد آخر على خراسان ومن بينهم أشرس السُّلمى وجبنيد بن عبد الرحمن المرّى وأسد القسرى أخو خالد ونصر بن سيار) فقد كان عليهم مواجهة التهديد التركى الذى كان بقيادة "بغاطرْخان" و"ألحاقان سولو"، وبعد هزيمتى يوم الشعب سنة 112 هـ ويوم الأثقال سنة 119 هـ (737 م) تمكن العرب من هزيمة الترك فى خرستان غربى بلخ (119 هـ) واستطاعوا بقيادة نصر بن سيار أن يتقدموا فى السنة التالية حتى الخزر، واستطاع نصر بسياسته الحكيمة فى تقليل الجباية أن يحقق للناحية شيئًا من الهدوء النسبى.
على أن الدولة الأموية تعرضت لخطر آخر فى هذه الفترة جاءها من الشمال وذلك باقتحام الترك الخزر ارميئية وأذربيجان. (وتمثل هذا فى هزيمة جراح بن الحكم فى أردبيل سنة 112 هـ) وردّ الغزاة على أعقابهم بسبب وصول إمدادات ضخمة يقودها قادة محنكون أمثال سعيد الحرشى ثم من بعده مسلمة بن عبد الملك ومروان بن محمد، ثم قامت بعد ذلك عدة حملات أفضت بالعرب إلى ما وراء القوقاز حتى بلغوا مصب الفولجا، أما فى الناحية الغربية فقد استمرت الصراعات البيزنطية زمن هشام دون أن تسفر عن وقعة حاسمة، غير أن العرب قاموا بحصار القسطنطينية بقيادة مسلمة سنة 98 هـ = 716 - 717 م)، واقتصر الأمر على الطوائف التى لم يكن المسلمون فيها دائمًا المهاجمين (وكان فيها موت الغازى "البطال" الذى أصبح بعدئذ بطل قصة صراع على الحدود.
على أن الأحداث التى جرت وكان لها وقع كبير إنما هى الأحداث التى جرت فى كل من أفريقية وأسبانيا، وكانت لغما فى مناطق القوة المركزية، فلقد أسفرت سياسة المصادرات المالية التى اتبعها الوالى عُبيد اللَّه بن الحبحاب (116 - 123 هـ) عند اندلاع ثورة عارمة قام بها البربر الذين أنزلوا أول هزيمة بالجيش العربى قرب طنجة وهى التى عرفت بغزوة
"الأشراف" لكثرة من قتل بها من وجوه العرب، ولم يكد هشام يسمع بخبر هذه الهزيمة حتى بعث من بلاد الشام جيشا آخر بقيادة كلثوم بن عياض الذى قتله البربر على شواطئ "سيبو" بينما نجح "بلج" ابن أخى كلثوم فى الوصول ببقايا جيشه إلى سبته ثم عبر البحر إلى أسبانيا، وبذلك عمّت الفوضى والخراب المغرب كله وتأججت فيه نيران الفتنة، وألقى على عاتق حنظلة بن صفوان الكلبى (الوالى الجديد الذى أرسله هشام أن يعيد الأمور إلى نصابها وذلك فى وقعة "الأصنام" قرب القيروان سنة 124 هـ (= 742 م) وأن يحتفظ بما يمكن الاحتفاظ به من الهيبة العربية والقوة الأموية فى أفريقيا، ولم تعد سلطة خلفاء دمشق (وكذلك بغداد فيما بعد) تتجاوز وراء الجزائر الحالية، وانتقلت الإضطرابات من المغرب إلى ولاية أسبانيا الجديدة التى كان حكامها مسئولين أمام ولاة أفريقية، فى الوقت الذى وصلت قبله (سنة 732 م) حملات عرب الأندلس إلى ما وراء البرانس حيث جرت وقعة بواتييه التى قتل فيها عبد الرحمن الغافقى) ثم رجع العرب بعد سنة 122 هـ (= 740 م) يبددون قواهم فى صراعاتهم الداخلية بين بعضهم، وزاد من خطورة الوضع وصول الشاميين بقيادة بلج ولم ينته هذا الوضع إلّا بقيام الإمارة الأموية" تحت حكم أحد أقارب هشام الذى كان قد فرّ إلى الغرب بعد تحطيم الدولة الأموية.
وقد لا يكون من اليسير أن نفرّق بين الدور الذى لعبه الحاكم بنفسه والذى كان يعيش خلاله على بعد أميال طويلة ويقتصر عمله فيه على تولية الولاة وعزلهم، ولكن قد يمكن أن نلاحظ بعض الظواهر الخاصة التى يمكن أن ننسبها إلى السلطة المركزية العليا فى الدولة، وربما كان هشام بن عبد الملك مدركا لهذا الخطر ومن ثم كان اختياره رهطا من مساعديه الاكفاء المخلصين لمواجهة هذا الخطر وتمثل هذا فى اتخاذه سياسة الموازنة بين القبائل المختلفة المتصارعة وهى قبائل مضر واليمينية، فقد استعمل كليهما فى وظائف الحكومة لما فيه صالح الدولة، ويُرجع بعض العلماء أمثال هـ أ. جب
إلى هذا الخليفة القيام بإصلاح نظام الضرائب بما يتلاءم واستجابة شكاوى الموالى، هذه الاصلاحات التى ربما كان الولاة اتخذوها برضاء الخليفة وقيام هؤلاء الولاة فى أقاليمهم بتطبيقها (نذكر على سبيل المثال ما قام به أشرس الثعلمى ونصر بن سيار فى خراسان وبلاد ما وراء النهر، وعباد اللَّه ابن الحجاب من سياسة ضريبية قاسية فى أفريقية) والواقع أنه ليس بين أيدينا وثائق يمكن على ضوئها أن ينسب إلى هشام اجراءات معينة اتخذها فى دولته.
على أن الشئ الذى ماثله فيه رجال أسرته إنما هو حماسته واهتمامه بالعمارة، فتوجد من زمنه مجموعة من القلاع والحصون والقصور بل والمدن فى صحراء الشام عرفنا بعضها منذ زمن بعيد أما البعض الآخر فقد عرفناه عن طريق الكشوف والبحوث الأثرية، وقد أسس هو ذاته بعضها، وأولها قصران أحدهما قصر الحَيْر الواقع شرقى تدمر وهو فى الواقع رصافة هشام، أما فى قصر الحَيْر الغربى فقد وجدت به رسوم رائعة منها واحدة ربما كانت صورة الخليفة نفسه) وبالإضافة إلى ذلك فهناك قصر الملح و"خِرْبة المفجر" وقصر الطوبا. . الخ غير ذلك من العمائر.
وقل إن اكتشف أو تم العثور على آثار أى طلل من الأطلال الأموية فى الشام أو الأردن قد تتصل بعهد هشام.
على أن الاضطرابات حوّمت فى سماء أيام هشام الأخيرة وكلها تدور حول خليفته. حقيقة أنه حاول أن يسوق ولاية العهد إلى ولده الأكبر معاوية إلا أن موته المبكر دفعه إلى اختيار ولده الآخر مسلمة، إلا أنه مات فاضطر لأن يعهد بولاية العهد إلى ابن أخيه الوليد بن يزيد الذى لم يكن له من القوة ما يحتاجه من يكون خليفة، لكن لما مات هشام سبق العرش إلى الوليد الذى عرف بالثانى والذى كان مخالفا له تمام المخالفة.
ولقد مات هشام ميتة الفجاءة بالقلب وفاجأه الموت وهو فى قصره بالرصافة بعد حكم دام عشرين سنة، وشهد عهده أوائل الفتنة التى أودت بالأسرة الأموية، ولعل ما لا يمكن تجاهله هو