الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د. عبد الرحمن الشيخ [هورات Ci. Huart]
الوصية
الوصية رغبة أخيرة يخلِّفها الشخص الراشد قبل وفاته فيما يتعلق بأيلولة أمواله أو جزء منها وما يريد أن يحصل أو لا يحصل بعد مماته، والوصيّة تمليك مضاف إلى ما بعد الموت ويكون بالعيْن أو المنفعة أو الثّمرة أو الدَّين.
وكانت الوصية عند العرب قبل الإسلام أقل ارتباطا بتوزيع الثروة والعقار وما إلى ذلك، إذ كانت فى مجملها متعلقة بتوجيهات يبديها رجل على وشك الموت للأحياء للمحافظة على تراث القبيلة مثلا ولضمان استمراره، وبهذا المعنى، فإن الإمام على -وفقا لما يقوله السنية- هو الوصى على تراث النبى صلى الله عليه وسلم، وكل إمام وصى على ما خلفه الإمام الذى سبقه، فالإمام على رضى اللَّه عنه والأئمة من بعده أوصياء على استمرار الدين، والوصية بهذا المعنى تعود لأيام الجاهلية.
وفى ظل الشريعة الإسلامية ارتبط لفظ وصية -إلى حد كبير- بتوزيع ممتلكات الميت، وهى فى هذا الصدد تعنى معنى بين الوصية الشرعية والتعبير عن الرغبة.
ويتضح من الآية رقم 50 من سورة يس (فى المرحلة المكية الثانية) أن التوصية أو الوصية -قبل الموت- كانت واجبا واضحا لدى تجار قريش {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} ، وقد أوصى القرآن الكريم المسلمين بالتوصية للوالدين والأقارب والحلفاء، ففى سورة البقرة، آية 177 {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ. .} وفى سورة النساء، آية 36 {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ
مُخْتَالًا فَخُورًا}، والآيتان 240 و 241 من سورة البقرة. تجعل الوصية للزوجة التى مات عنها زوجها والمطلقة أمرًا واجبا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} وأشارت الآية 109 وما بعدها فى سورة المائدة إلى ضرورة وجود شهود على الوصية، وأدائهم اليمين تأكيدا لصحة ما يقولون، وهذه الآية تؤكد أن الوصية حال نزول هذه الآيات الكريمة كانت بالفعل قد أصبحت أمرًا مألوفا، وفيما يلى نص الآيات الكريمة المشار إليها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} .
ومما لا شك فيه أن قوانين المواريث الدقيقة التى أوردها القرآن الكريم بعد ذلك كان يقصد بها أن تحل محل الوصية (1) وتشير الأحاديث الشريفة إلى أنه لا وصية لوارث، والمقصود الوارث الشرعى heir-in-law الذى يرث بلا وصية، كما يفيد الحديث (الشريف) إلى أن الوصية لا تزيد عن ثلث ما تركه المتوفى واعتبرت الوصية غير الشرعية إثما، وتأسىّ البعض بأن الرسول [صلى الله عليه وسلم] مات دون وصيّة، وهو ما يخالف وجهة نظر الشيعة. وقد أفاضت كتب الفقه فى أمور تفصيلية أخرى متعلقة بالوصية وشروطها، والتفرقة بينها وبين (الهبة) و (الوقف). . الخ.
ومما تجدر الإشارة إليه أن قوانين بعض البلاد الإسلامية منعت منعا باتا
(1) لم تَجُب أى لم تلغ قواعد المواريث الإسلامية نظام الوصية. (المترجم)