الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(جـ) النفس، بفتح الفاء، وهى التنفس أو الريح، والتى ترتبط بكلمة "النفس" فى الجذر وبالروح فى بعضى المعانى، لم ترد فى القرآن، وإنما وردت فى بعض القصائد القديمة، ومن هذه الكلمة يشتق "تنفس" المذكورة فى سورة التكوير 18 {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} ، بينما الصيغة الوحيدة الأخرى المستخدمة من نفس الجذر فهى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} . (سورة المطففين 26).
ثانيا: فى الشعر الأموى استخدمت "روح" لأول مرة بمعنى روح الإنسان
، وهى ما عبر عنها القرآن بكلمة "النفس"(انظر 5 بعاليه).
ثالثا: فى الحديث النبوى يورد مالك فى الموطأ كلمة "نسمة" وهى غير موجودة فى القرآن
و"نفس للروح" بينما ابن حنبل فى مسنده يستخدم "نسمة ونفس" و"نفس" وروح" كما أورد كل من البخارى ومسلم فى صحيحيهما "الروح" بمعنى الروح الإنسانية.
رابعا: يورد "تاج العروس" خمسة عشر معنى لكلمة "نفس
"، ثم أضاف اثنين من لسان العرب، ويقرر أن أغلبها مجازى. ويعطى "لسان العرب" أمثلة لهذه المعانى من القرآن الكريم والشعر. ويكشف اتجاه القواميس فى معالجة كلمة نفس عن الحقائق الآتية:
1 -
"نفس" منسوبة للَّه بمعنى روح.
2 -
بالنسبة للإنسان، (أ) الروح والنفس مترادفان، أو (ب) النفس تعنى العقل والروح تعنى الحياة، أو (جـ) للإنسان "نفسان"، واحدة حياتية والثانية تمييزية، أو (د) النفس التمييزية نوعان، آمرة وناهية.
خامسا: التأثيرات فى عصر ما بعد القرآن على "النفس" و"الروح
"
يأتى من الأفكار المسيحية والأفكار الأفلاطونية الجديدة عن "الروح" فى استخداماتها الإنسانية والملائكية والربانية، وبصورة أكثر تحديدًا لتحليلات أرسطو النفسية للـ "نفس". وتبدو هذه التأثيرات واضحة فى الخلافات الدينية:
أ- الأشعرى: يشير إلى أفكار الحلولية فى حلول روح اللَّه فى آدم ثم انتقالها للأنبياء وغيرهم [الأولياء الصالحين، الأئمة، خاصة الشيعة] من بعده، وإلى الآراء المتعارضة عن طبيعة الإنسان هل هو جسد فقط أو روح وجسد، أم روح فقط، وهو كمتبع لأهل السنة يرفض أى حديث عن طبيعة الإنسان.
ب- البغدادى فى "الفَرق بين الفِرق" يتحدث عن نفس الأفكار السابقة، وينسب نظريات انتقال الروح لأفلاطون واليهود ويشير لفكر الحلولية، ويضم الحلاجية لهم، وهو يذهب إلى أن حياة اللَّه بدون روح ولا مادة مخالفا بذلك فكر المسيحية فى حلول روح اللَّه فى عيسى وخلود الأب والابن والروح القدس.
ج- ابن حزم: يستخدم الروح والنفس مرادفين لروح الإنسان، ويخرج من الإسلام كل من قال بالتقمص، ولا يرى رأى الأشعرية فى استمرار خلق الأرواح، بل يرى أن كل أرواح نسل آدم قد خلقت قبل أمر اللَّه للملائكة بالسجود له، وأنها موجودة فى البرزخ فى السماء الدنيا حيث تقوم الملائكة بنفخها فى الأجنة.
د- ويبين الشهرستانى فى "الملل والنحل" أن العرب قبل الإسلام لم يستخدموا كلمات النفس والروح للتعبير عن الحياة بعد الموت، وأنهم كانوا يعتقدون فى تحول الدم إلى طائر أشبه بالطيف يزور الميت مرة كل مائة عام. كما يبين الخلاف بين أهل السنة والهراطقة وبين (الحنفاء الحنيفيين والصابئة)، وأن فكر الصابئة يعكس بقدر كبير فكر "إخوان الصفا" الذين ذهبوا إلى أن الإنسان مكون من جسد وروح "النفس" وأن جوهر النفس يهبط من الأفلاك. ويرفض الشهرستانى فكر الأفلاطونية الجديدة فى كون الأرواح تعتمد على أرواح أسمى "النفس الروحانية" والقول بأن النفس بطبيعتها شريرة، وأن الخلاص فى تحرير الروح من الجسد. وهو يطلق اسم "روحانى" على كل الأرواح شريرها وخيرها. وهو يصف الرجل العادى بثلاث أنفس، النباتية والحيوانية والإنسانية، لكل واحدة مصدرها
ومكانها وقوتها، مشابها فى ذلك إخوان الصفا. وفى الواقع فإن تحليل أرسطو للنفس الانسانية كما وردت فى كتابه " De Anima" قد تبناها بشئ من التعديل فلاسفة المسلمين مثل الكندى والفارابى وابن سينا. وقد تعرض الشهرستانى لتفسير الخلاف بين اليونانيين والمسيحيين والقرآن والأحاديث النبوية، ولكن الفلاسفة عجزوا عن فرض الفلسفة اليونانية على الفكر الإسلامى التقليدى. فالمتكلمون وأغلب المسلمين توسعوا فى المصطلحات القرآنية، ولكنهم تمسكوا بالنظرة التقليدية عن طبيعة الروح وكونها مخلوقة مباشرة من اللَّه بقدرات مختلفة.
سادسا: على أن مبدأ أرسطو فى الخاصية اللامادية للروح قد وجدت تأثيرها على الفكر الإسلامى عن طريق كبار رجاله مثل الغزالى. وفى قاموس التهانوى عن المصطلح الفنى، فإنه يستخلص مذهب الغزالى عن الإنسان، حيث يعرّف الإنسان كـ "جوهر روحانى"، ليس محبوسا فى الجسد، ولا ملتصقا به، ولا متصلًا به، ولا منفصلا عنه، بالضبط كما أن الإله ليس بدون العالم ولا موجودا فيه وكذا الملائكة. وهو يملك المعرفة والإدراك، ومن ثم فهو ليس حادثا، (انظر "تهافت الفلاسفة"). وهو فى "الرسالة" يشرح الكلمات "نفس، روح قلب" كأسماء لمادته البسيطة التى تمثل قاعدة للعمليات العقلية. وهى تختلف عن "الروح الحيوانية"، والتى هى جوهر لطيف ولكنه جسد فان تكمن فيه الحواس. وهو يعرف "الروح اللامادية" على أنها النفس المطمئنة، و"الروح الأمين"، ثم هو يستخدم مصطلح "النفس" بمعنى الجسد أو الطبيعة الهابطة التى يجب أن تروض لصالح القيم الأخلاقية.
سابعا: وموقف الغزالى هو موقف الفلاسفة المؤمنين باللَّه عامة، بالإضافة إلى موقف بعض المعتزلة والشيعة ولكنه لم يسد الفكر الإسلامى أبدا. فيرفضه فخر الدين الرازى باعتباره فكرا باطلا، إذ إن وجهة نظر الفلاسفة أن النفس جوهر، ليست بجسم ولا مادة.
ثامنًا: والفكر السائد لدى جمهور المسلمين حول الروح والنفس من حيث
أصلها وطبيعتها ومصيرها هو الذى يعبر عنه ابن القيم الجوزية فى كتابه "كتاب الروح" وهو يقول أن كل العقلاء يعرفون أن الإنسان هو روح وجسد. والروح والنفس متطابقان، وجوهرهما فى حقيقته يخالف الجسد الحسى فى الماهية، فهو له طبيعة النور، خفيف، عال، حى، متحرك، يتخلل الأجساد كالماء داخل الزهرة. والروح مخلوق ولكنه أبدى، وهو يغادر الجسد مؤقتا عند النوم، ويغادر الجسد للحساب الأول عند الموت ثم تعود لحساب منكر ونكير، وفى غير حالة الأنبياء والشهداء يعود للقبر للنعيم أو للعذاب حتى يوم القيامة. وهو ينكر قول ابن حزم فى أن الأرواح محجوزة فى البرزخ. انتظارا لحين نفخ الأجنة.
تاسعا: ويتقبل الفلاسفة الأوائل مادية الروح. فالقشيرى (الرسالة) والهجويرى (كشف المحجوب) يصفان "الروح" بأنها عين أى مادة أو "جسم" لطيف موجود فى الجسم ذى الإحساس مثل العصارة فى النبات الأخضر. أما النفس فيصفانها بأنها من الخصائص الجديرة باللوم، ومن كليهما يتكون الإنسان.
ويقسم ابن العربى الأشياء إلى ثلاثة أنواع: اللَّه، وهو الوجود المطلق والخالق، والعالم، ثم وجود طارئ ذو طبيعة غير محددة مرتبط بالحقيقة الخالدة وهو أصل المادة والطبيعة الخاصة للعالم. وهو يمثل الحقيقة العامة والكلية لكل الحقائق. والإنسان بالمثل هو خلق يمثل رابطة أو منزلة وسط، ويجمع بين الحقيقة القدسية والعالم المخلوق. أو "برزخ" بين الحقيقة الربانية والعالم، وهو خليفة [اللَّه] والروح الحيوانية له هى من نفحة قدسية وأما روحه العاقلة (النفس الناطقة) فهى من "النفس الكلية". أما الجسد فهو من المادة الأرضية. وموقع الإنسان كخليفة للَّه تأتى من هذه النفس الكلية التى لها أكثر من اسم، منها "الروح القدس" و"عالم الأمر" والخليفة، والمخلوق الكامل.
د. محمد الجندى [I.R.Netton]