الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
علوم من جهة الالهام (الأحكام الفنية الجمالية).
ويبدو أن هذا التقسيم انتقائى إلى حد ما إذا قدرت بأحديّة العقل عند الفارابى، ولكن من القرن الحادى عشر إلى الثالث عشر الميلاديين كانت الفلسفة والفقه يقتربان -دون أن يتحدا- وكان ابن سينا -الذى يعتمد على الفارابى- هو الوسيط وقد سعى الغزالى إلى الجمع بين "النظر إلى" فى صوفية (باطنية) الأفلاطونية المحدثة، وبين "النظر فى" عند المفكرين العقلانيين. وقد اعتمد فخر الدين الرازى مناهج البرهان (الدليل) فى منطق أرسطو بدرجة أكبر مما فعل سابقوه.
المصادر:
(1)
ابن سينا: أقسام العلوم العقلية، فى "مجموعات الرسائل" القاهرة 1328.
(2)
الغزالى: إحياء علوم الدين - القاهرة 1322.
(3)
معيار العلم فى المنطق، منطق تهافت الفلاسفة - تحقيق سليمان دنيا القاهرة 1961.
(4)
A. J. Wensimck: The Muslim creed
بهجت عبد الفتاح [ت. ج. دى بوير - هـ دايبر Tj. DeBoer - H. Daiber]
النظام
هو أبو إسحق بن إبراهيم بن سيار بن هانئ، من فقهاء المعتزلة، توفى ما بين 220 هـ، 835 م و 230 هـ، 845 م ونشأ فى البصرة متتلمذا على خاله أبى الهذيل، ثم لحق ببلاط المأمون عند عودته من مرو، وقد يكون لشهرته كشاعر وأديب أثر فى ذلك. فقد اشتهر شعره بالعذوبة وسعة الخيال. وقد ساهم -وهو فى البصرة فى مجادلات كثيرة تتجاوز النطاق الدينى جعلت الجاحظ يورده فى كتابه "الحيوان".
وكان الجاحظ من تلاميذه فى المذهب الدينى، إلا أن غرابة أفكاره الدينية وشذوذها صرفت عنه الكثير، حتى أن الجاحظ لم يكن يوافقه عليها.
فهو قد بنى آراءه الدينية على أسس من جدليات الفلسفة الطبيعية، مخالفا لآراء أبى الهذيل. فقد كان أبو الهذيل يؤمن بفكرة "التشكيل الذرى" للأجسام، بمعنى أن الأجسام مكونة من ذرات متراصة ومتماسكة بقدرة اللَّه. ولكن النظام ذهب إلى أن العناصر التى تكون الأجسام متداخلة، أى تتخلل بعضها البعض، ويمكن أن تكون إما ظاهرة على السطح أو "كامنة" فى الأعماق. وقد خلق اللَّه العناصر جميعا دفعة واحدة وما يجرى من تحول فيها يكون على صورة دفع الكامن إلى السطح، ويجرى تدريجيا وليس فجائيا. وبالتالى لا يمثل حادثا من الحوادث. والحادث الوحيد الذى يعترف به النظام هو "الحركة" التى تتضمن تغيرًا فجائيا من السكون. بل إن السكون ذاته يعتمد على قوة هى "الاعتماد" ويمكن أن يتحول إلى حركة
-وهو يميز بين الحركة movement والتحرك Iocomotion، من حيث إن الأولى يتمثل فيها "كل الأفعال التى تظهر فيها الناحية الإرادية، كالصلاة، والصوم، والعلم والجهل، والكلام والصمت، الخ. ومعنى ذلك أنه يميز بين عالم الإنسان الذى يتميز بالإرادة، وبين عالم الأجسام الطبيعية التى تتحرك طبقا للناموس الذى يحكمها، وأغلب أفكاره مستوحاة من الفلسفة الهيلينستية (الهلينية الأسيوية)، وهى لم تحظ بقبول من الفكر الإسلامى عامة، فقد رفضها المتكلمون والفلاسفة على حد سواء،
ونظرية النظام الطبيعية هى جزء من فلسفته الدينية، وهى تشترك فى مسلمات كثيرة مع الفلسفة المثنوية الفارسية التى يعارضها ويهاجمها بعنف. وهو يرى أن مكونات الأجسام لا تمتزج مع بعضها البعض بذاتها، ولكن بقوة خارجية هى قدرة اللَّه. ولذلك فهو يطلق على تلك المكونات "خلقة" وليس "طبيعة" كما أن اللَّه هو الذى يهب الاثار الخيرة والشريرة للأشياء، ولا تقف قدرته اللامحدودة إلا عند إرادة الإنسان الحرة. ولكن اختيار الإنسان بين الخير والشر هو محصلة صراع بين الجسد والروح، التى هى خيرة بطبيعتها. وفكرة التداخل لا تقتصر على عناصر الأجسام التى تتخللها الروح، بل أيضا على
الروح التى تتخللها الحواس. والروح ليست محتواة فى مكان معين كالقلب مثلا. بل هى متداخلة مع كافة الأعضاء.
وتحصيل العلم هو أيضا نوع من الحركة، وهو كحادث ليس عرضة للتداخل، وهو يؤدى إلى نوع من السكون. ومن ثم فهو يصور الحقيقة على أنها "سكون القلب" والحقيقة لديه ذات طابع شخصى، تعتمد على اليقين الداخلى، ولكنها فى نفس الوقت مستقلة عن الشخص الذى قال بها. وهو يرى أن حديث الآحاد يمكن أن يكون صحيحًا، فى حين أنه يمكن أن يكون المتواتر خطأً وعلى ذلك فهو يدعو إلى حرية الاجتهاد، ويرى أن فتاوى من الصحابة ليست لها صفة الإلزام، مشيرا إلى أوجه الاختلاف التى حدثت فيما بينهم. وقد لاقى رايه هذا تقديرا من الشيعة فيما بعد.
والنظّام لا يتوسع فى مسألة الصفات الإلهية كما ذهب أبو الهذيل بل يقصر الجدل على قضية الإرادة والقدرة، فيما يتعلق بتنزيه اللَّه عن الشر. فاللَّه فى رأيه لا يمكنه أن يفعل الشر، ومع ذلك فهو سبحانه لا يفعل العدل والخير عن ضرورة، بل عن حرية إرادة. وعلى ذلك فهو يرى أن قدرة اللَّه اللانهائية تجد حدودها فيما هو خير للإنسان، وهو ما يعبر عنه بـ "اللطف"، فهو يفعل دائما ما هو "أصلح" للإنسان. وقدرة اللَّه تتفق تماما مع كماله. وهو يؤيد الأنبياء بالمعجزات دليلا على صدق نبوتهم. وفى حالة محمد عليه الصلاة والسلام فمعجزة القرآن فى رأيه هى فيما أتى به من تنبؤات، وليس فى إعجازه اللغوى، حيث إن المشركين لم يأتوا بمثله عن عجز، بل لأن اللَّه سبحانه صرفهم عن ذلك.
وأعمال النظّام مفقودة إلّا قلة، أغلبها متضمن فى كتابه "النكث"، كما يحتوى كتاب "المحصول فى علم الأصول" لفخر الدين الرازى على 35 مقتطفا له. وغير ذلك فى كتبه:"الطفرة"، "الجزء" وكذا يحتمل أن له:"الرد على أصحاب الاثنين" ومقالة يهاجم فيها أصحاب الحديث.