الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظر
" نظرية تأمل فلسفى" ولم تكن تتسع لمعنى البحث، وحتى القرن التاسع عشر الميلادى، بمفهوم التدقيق العلمى (البحث العلمى) ترجمة للكلمة اليونانية فوتوفيا زمن أرسطو، والمقدمات النقدية اليونانية حتى شروح كتاب "بروفيرى" Prophyry بعنوان "ايساجوج Isagoge، كانت الفلسفات تنقسم إلى نظرية وعملية، وهذه الأخيرة تسعى إلى تحقيق النافع والمفيد للإنسان، أما الأولى فهى تسعى للحصول على الحق البحت فى الطبيعيات والرياضيات وما وراء الطبيعة.
والنظر فى أساسه مفهوم معرفى، وقد تناوله العرب على غرار "أمونيوس هيرهيا" Ammonius Hermiae وهو تلميذ "بروكلوس" Proclus فى المقدمة النقدية لكتاب "ايساغوجى" كما تجرى مناقشته كنشاط للعقل البشرى فى علم النفس، ويكون فى هذه الحالة قاعدة تحت مرادفات مثل الفكر والتفكر.
ولم يُكْتب بعد تاريخ هذا المصطلح -وفى أقدم نسخة لمنطق أرسطو، توجد خلاصة وافية كتبها عبد اللَّه بن المقفع (أعدم عام 139 هـ/ 756 م) ابن محمد، يذكر فيها أن العلم والعمل فروع للفلسفة (الحكمة)، ولكنه يفسر العلم بأنه تبصّر وتفكر للقلب (أى العقل).
وقد كان الفقهاء المسلمون المتأملون الأقدمون يفضلون التفرقة بين العقل والشريعة عن التفرقة بين العملى والنظرى، ويعتبر العقل "أصل" مذهب المعتزلة، وقد ذكره القاسم الزيدى ضمن الأصول التى يعترف بها وهى العقل والقرآن والسنة.
أما النظر فهو ابتداع مثل الرأى والقياس فى الفقه. . أما الحنابلة فيعترضون على فكرة "النظر". . وعلى العكس تماما يعترف الفقيه "الظاهرى"
للعقل. والشئ الجوهرى فى الأفلاطونية المحدثة هو الحدس (النظر - البصر)، والنظر بمعنى الإدراك المباشر ينتظم مع "إلى"(أى النظر إلى) وفى حالات أخرى مع فى (أى النظر فى)، وبالنسبة "للنظر فى" -وهو انعكاس للفكر (أو الذكاء) البشرى. يستخدم الفقه عادة كلمة فكر و"رويّة"، أما عالم الحواس، الذى ترتبط به أرواحنا، فيطلق عليه عالم الفكر والرويّة. وعادة ما يستخدم المتصوفة المسلمون "النظر" للتعبير عن الإدراك الروحى "أو نفاذ البصيرة".
ومع ذلك ففى "الكلام"، فى المجادلات التى تنشأ بين المذاهب الفقهية، والتى يطلق على أفرادها فى بعض الأحيان، "أهل النظر"، تتسع كلمة نظر للمعنى الديالكتيكى (الجدلى) للتأمل، أو التفكير العقلى (المنطقى) غير الحدسى -وهى التزام على الإنسان، ممكن أن يأتى بالمعرفة (العلم) ويمكن تصنيفه بنظر القلب.
والأشعرى فى مقالاته يقدم عرضا لوجهات النظر المختلفة للأطراف الثمانية للروافض فى النظر والقياس". ويقول الجماعات الثلاث الأولى تعتبر المعارف ضرورية (اضطرار)، ومن ثم فإن القياس والنظر لا يمكن أن يضيفا شيئا إليها؛ وهذه الجماعات مع الجماعة الثامنة -التى ترجع كل المعرفة إلى نبى اللَّه والإمام، تختلف مع بقية الجماعات حول هذه النقطة.
أما الجماعات الأربع الأخرى فتعترف بنوع من المعرفة المكتسبة (وفى كلتا الحالتين تكون الإشارة إلى فهحم اللَّه جل جلاله على النحو التالى: 4 - بالنظر والاستدلال (أصحاب هشام ابن الحكم) 5 - بنوع من الكسب الذى لا يمكن أن يحدد بأكثر دقة من ذلك (الحسن بن موسى) وهذا كسب "مع" كسب الأفعال" للمدرسة الأشعرية المتأخرة) 6، 7 - بالنظر والقياس، هع الاحتكام إلى حُجة العقل (مجهولين).
بن حزم وبدون تردد بالعقل كمصدر للمعرفة -فالعقل من خلق اللَّه وقد زوده بإمكانياته. فليس التقليد (الاعتقاد الأعمى) أو الاستنتاج من المجهول (القياس) هما اللذان سيؤديان بالعقل إلى تقبل (القرآن والسنة والإجماع)، بل المعرفة المؤكدة.
ولم يكن هناك شئ آخر يصر عليه ابن حزم بهذه القوة، وليس هناك طريق لليقين سوى أن ترجعه للإدراك بالحواس (الحس) وإلى حدس الذكاء (العقل). . وهو يفضل الإدراك الحسى حتى أنه يطلق على القدرة على الفهم بالعقل مصطلح "الإدراك السادس"(كتاب الفصال - القاهرة - 1899) ويذكرنا الموقف الفلسفى لابن حزم بالانتقادية الهيلينية التى تقول إن كل معرفة تنشأ إما من الإدراك الحسى أو الحدس أو تستخلص من هذه المصادر بوسيط البرهان.
ومع ذلك فالكثيرون يؤكدون بيّنة (دليل) الإدراك الحسى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} صدق اللَّه العظيم - سورة يونس الآية 101، ويعتبرون منهج البرهان صعب وغير مؤكد، ومن ثم كان التركيز على الاتفاق العام (الإجماع والاجتماع) كمعيار ممكن للحقيقة، وعندما لا يكون هناك اتفاق فهنا فقط يكون البحث والاستقصاء ضروريا.
وقد أدخلت تعديلات كثيرة جدًا فى الفكر الإسلامى المزدوجة لأصحاب المذهب الانتقائى (الحواس مقابل العقل) وذلك بإدخال الأحدية (الحقيقة كل عضوى واحد) العقلية أو الفكرية فى صوفية "باطنية" الأفلاطونية المحدثة والمنطق الأرسطى.
وإذا كانت المراحل المختلفة للمعرفة البشرية قد تميزت كل منها عن الأخرى، فإن المعرفة الحقة كان لابد أن تأتى من الحدس المنطقى والنشاط الوسيط
وقد قيل لنا إن هناك شعبة من "المرجئة" يقولون إن الإيمان بدون النظر ليس ايمانا كاملا.
وربما يكون الأشعرى نفسه أفضل دليل على أن تأمل العقل البشرى لم يعتبر مصدرا (أو منهجا) لمعرفة اللَّه (سبحانه) لأول مرة فى مدرسته، بل قبل ذلك فى طوائف عديدة فقد كان النظر (مثل الرأى فى الفقه) ينطبق على نشاط عقل الفقيه المتأمل (وبجانب النظر نرى صطلحات تستخدم كثيرا بدلالات مختلفة مثل بحث وحدس ورأى وفحص، وفكر وفكرة، وحديث النفس والتفكر والتأمل والطلب، وربما مصطلحات أخرى) والمناهج (الأساليب) المنطقية المستخدمة هنا يطلق عليها القياس (الاستنتاج بالتماثل) والاستدلال (وهو البرهان بالبّينة التى تقوم على الظروف). . . ومما نعرفه عن القياس فى الفقه يتحتم علينا أن نفكر فى عملية هى مزيج من الاستقراء والاستنتاج، تستخدم بدقة شديدة، والاستنتاج (الاستدلال) بالنسبة لأرسطو وأتباعه فى الإسلام (الفارابى. . الخ) له معنى واحد فهم يعتقدون فى السببية أو بالأحرى فى النشاط الخلّاق للفكر المجرد. ولم ترق الأغلبية الكبيرة من رجال الدين والقضاة والأطباء إلى هذه الدرجة. فمنهج النظر لم يدخل إلى علم الكلام إلا مع مدرسة الأشعرى. وكان علم الكلام يعرف "بعلم الاستدلال. . وقد رفضت الأغلبية هذا المنهج فى بادئ الأمر ولكنها تقبلته تدريجيا وأصبح أداة لمواجهة الهراطقة والسوفسطائيين؛ وفى النهاية اعترفت المدرسة التقليدية المتشددة بالنظر كالتزام دينى.
ولنعد إلى المفهوم العام للعلوم النظرية. وقد نشرها الفارابى (المتوفى عام 339 هـ/ 950 م) من وجهة النظر الفلسفية فى بحث خاص (إحصاء العلوم تحقيق عثمان أمين - القاهرة 1968 م) بطريقة أصبحت نموذجا لما تلا ذلك من عصور فهو أول من عكف على منطق أرسطو من ثم أطلق على مدرسته "المنطقيون"، وهو يسلّم -مع أرسطو- بأن العقل يحتوى فى ذاته على المبادئ الجوهرية لكل المعرفة التى
يجب أن تكون دلائلها مقبولة ولكن سبيل التأمل والإثبات يؤدى إلى اللاواضح الذى يبلغ ذروته فى الدليل الدامغ (أو البرهان) فى كتاب Posterior Analyhes ومن هذا السُموّ يمكن أن نتفحص فروع المعرفة. والمنطق فى حد ذاته بالطبع "نظر" ذو هدف خاص به ويتحدث الفارابى عن علوم الطبيعيات والرياضيات - والميتافيزيقيا بفروعها الرئيسية والثانوية. ويقول إن كلا منها نظرى. فمثلا نلاحظ أن الطب من بين علوم الفيزياء مزيج من النظرى والعملى، وكذا الموسيقى والموضوعات الرياضية. أما الميتافيزيقيا فهى مثل النطق نظرية خالصة. وأخيرا فإن العلوم العملية الثلاثة عند أرسطو وهى الأخلاقيات (الأخلاق) والاقتصاد والسياسة فتتحد تحت مسمى العلوم السياسية، ويضاف إليها الفقه والكلام. ويرى الفارابى أن علم الفقه وصناعة الكلام يجب أن ترتبط فى جزء منها بالآراء وفى الجزء الآخر بالأفعال وفى الختام نعقد مقارنة بين هذا التقسيم الفلسفى وبين ما ذهب إليه الفقيه الأشعرى عبد القاهر بن طاهر البغدادى (المتوفى فى عام 429 هـ/ 1037 - 8 م) فى كتابه أصول الدين (استانبول 1928 م) فيعد التمييز بين المعرفة الإلهية، والمعرفة التى تمتلكها المخلوقات الحية الأخرى، تصنف هذه الأخيرة على النحو التالى:
1 -
ضرورى (واضح بشكل مباشر):
أ- بديهى (إدراك داخلى) ب- حسى (إدراك خارجى).
2 -
مكتسب (علوم نظرية)
أ- عقلية شرعية (مكتسبة بالعقل ومكتسبة بالقانون)
ثم تنقسم العلوم النظرية بعد ذلك إلى ربعة حسب الطريقة التى اكتسبت بها:
1 -
استدلال بالعقل من جهة القياس والنظر (فقه تأملى).
2 -
علوم من جهة التجارب والعادات (الطب)
3 -
علوم من جهة الشرع (العلوم الشرعية).