الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بيان المفصل
سبق أن بيّنا الطوال والمئين والمثاني وهذا الفصل لبيان المفصل.
والمفصل سمي بذلك قيل: لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقيل: لقلة المنسوخ فيه (ذكره الزركشي في البرهان 1/ 245) وقيل: على قول ضعيف في تحديده للفصل بين سوره بالتكبير. (انظر غريب الحديث للخطابي 2/ 452) وهو قول من قال: أوَّله الضحى.
وفي تحديده ثلاثة عشر قولًا كلها ضعيفة جدًّا، حيث لا دليل عليها سوي قول واحد هو الصحيح الثابت وقول آخر فيه شبهة.
فالقول الصحيح قول من قال: أوله سورة ق وسيأتي دليله.
وما بعده قول من قال: الرحمن، وسيأتي الرد عليه.
وقيل: أوله الجاثية، وقيل: القتال (محمد، وقيل: الحجرات، وقيل: الصافات، وقيل: الصف، وقيل: تبارك، وقيل: الفتح، وقيل: هل أتي، وقيل: سبح، وقيل: الضحى.
ذكر هذه الاثني عشر قولًا الزركشي في البرهان 1/ 245، السيوطي في الإِتقان 1/ 84، 85 وذكرا من قال بها).
والقول الأخير عم يتساءلون، ذكره ابن كثير، ونسبه للعوام، وقال: لا أصل له ولم يقله أحد من العلماء رضي الله عنهم المعتبرين فيما نعلم.
(التفسير 7/ 370).
وذكر الحافظ قولًا - قال عنه: شاذ - أنه جميع القرآن (انظر الفتح 2/ 249). وأقول: هذا المراد به قوله: {كتاب فصلت آياته} ونحوها.
والدليل على القول الأول:
ما أخرجه أحمد 4/ 343، 9 واللفظ له، وابن سعد 5/ 510، وأبو داود 1/ 220، وابن ماجه 1/ 427، والخطابي في غريب الحديث 2/ 452 من طرق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلي الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي، عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلموا من ثقيف من بني مالك، أنزلنا في قبة له، فكان يختلف إلينا بين بيوته وبين المسجد، فإذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلينا فلا يبرح يحدثنا، ويشتكي قريشًا ويشتكي أهل مكة، ثم يقول:"لا سواء، كنا بمكة مستذلين أو مستضعفين فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب علينا ولنا". فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: "طرأ عني حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه"، فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ست سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من ق حتى تختم.
وهذا إسناد لا بأس به؛ عبد الله صدوق يهم، وعثمان سكت عنه البخاري وأبو حاتم وابنه، ووثقه ابن حبان، وروي عنه جماعة من الثقات، وهو من التابعين، وعده الحافظ من الثالثة، وسكت على حديثه هذا أبو داود، وقد تابعه على هذا الحديث عبد ربه بن الحكم عند ابن سعد 5/ 511، فصح الحديث إن شاء الله تعالى.
وهو صريح جدًا في المطلوب، ولذا قال الزركشي: والصحيح عند أهل الأثر أن أوله "ق"(البرهان 1/ 246).
وقال ابن كثير: وهذه السورة هي أول حزب المفصل على الصحيح، ثم ذكر الحديث ثم قال: فتعين أن أوله سورة "ق". (التفسير 7/ 370، 371) وهو الذى قلناه، ولله الحمد والمنة.
وقال الحافظ ابن حجر: "تقدّم أنه من ق إلى آخر القرآن على الصحيح". وقد قال قبل ذلك: "وفي المراد بالمفصل أقوال؛ ستأتي في فضائل القرآن، أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن"(الفتح 2/ 195، 259).
وأما القول الثاني: وهو من الرحمن، وذلك على تأليف مصحف ابن مسعود استنادًا لحديث النظائر المتقدم في سورة الدخان، وفي هذا نظر؛ لأن ذلك كان تأليفًا خاصًا بابن مسعود، والأول هو الذي بين أيدينا هو تأليف الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم والذي اتفق عليه عند الجمع فهو الثابت الصحيح.
وأما الأقوال الأخرى فلا محل لها من النظر إذ لا دليل عليها البتة، وبالله التوفيق.