الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمانين ذراعا فى الهواء، وقالت: يا فرعون، وعزّة ربّى لو أذن لى لابتلعتك بقصورك وأموالك. فلمّا نظر فرعون إلى ذلك وثب عن سريره- وهو أعرج- وجعل يعدو ويقول: يا موسى بحقّ التربية والرضاع، وبحقّ آسية كفّها عنّا.
فناداها، فأقبلت، فأدخل يده فى فيها، وقبض على لسانها فإذا هى عصا كما كانت؛ فعاد فرعون إلى مكانه وقال: يا موسى، لقد تعلّمت بعدى سحرا عظيما. قال:
يا فرعون، أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
. قال فرعون: هل عندك سحر غير هذا؟ قال: نعم؛ فأدخل يده فى جيبه، ثم أخرجها وعليها نور وشعاع؛ قال الله تعالى:
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ* قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ* قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ.
ذكر خبر السّحرة واجتماعهم وما كان من أمرهم وإيمانهم
قال: فأمر فرعون بجمع السّحرة؛ فاجتمع إليه سبعون ألف ساحر؛ فاختار منهم سبعين ساحرا- وهم أحذق الخلق-.
وحكى الثعلبىّ عن عطاء قال: كان رئيسا السحرة بأقصى مدائن الصعيد وكانا أخوين؛ فلما جاءهما رسول فرعون قالا لأمّهما: دلّينا على قبر أبينا. فدلّتهما عليه؛ فأتياه فصاحا باسمه، فأجابهما؛ فقالا له: إن الملك قد وجّه إلينا أن نقدم إليه، لأنّه أتاه رجلان ليس معهما رجال ولا سلاح، ولهما عزّ ومنعة، وقد ضاق الملك ذرعا بهما، ومعهما عصا إذا ألقياها لا يقوم لها شىء حتى تبتلع الحديد والخشب والحجارة. فأجابهما أبوهما: انظرا إذا هما ناما، فإن قدرتما أن تسلّا العصا فسلّاها، فإنّ الساحر لا يعمل سحره وهو نائم، فإن عملت العصا وهما نائمان فذلك
أمر ربّ العالمين فلا طاقة لكما به ولا للملك ولا لجميع أهل الدنيا. فأتياهما خفية وهما نائمان ليأخذاها، فصدّتهما.
قال الكسائىّ: وبعث فرعون إلى موسى فأحضره وقال ما أخبر الله تعالى به عنه: قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً* قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى.
قال: ويوم الزينة هو أوّل يوم من السنة؛ فلمّا كان فى ذلك اليوم اجتمع الناس من أطراف أرض مصر فى صعيد واحد، فأخذ فرعون يقول للسحرة:
اجتهدوا أن تغلبوا موسى. قالوا إنّ لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين. قال فرعون:
نعم وإنّكم لمن المقرّبين.
وأقبل موسى وهارون وقد أحدقت بهما الملائكة، فرأى موسى الوادى وقد امتلأ من الحبال والعصىّ؛ فقال موسى: ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى.
قال: وكان فى السحرة ساحران عظيمان- وهما رأس السحرة- فقالا:
يا موسى إمّا أن تلقى وإمّا أن نكون أوّل من ألقى. فهمّ موسى أن يلقى، فمنعه جبريل، وأجرى الله على لسانه فقال: بل ألقوا؛ فألقوا وسحروا أعين النّاس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. قال الله تعالى: فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى
. فامتلأ الوادى من الحيّات، وجعلت يركب بعضها بعضا؛ وقالوا بعزّة فرعون إنّا لنحن الغالبون؛ قال الله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى * وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما