الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان فى المجلس صغير ابن شهرين- وهو ابن داية زليخا- فتكلّم بإذن الله وقال: لا تعجل يا قطفير، أنا سمعت تخريق الثوب. قال الله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ* وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ
ثم لم ينطق الصبىّ بعد ذلك حتى بلغ حدّ النطق، وهذا الصبىّ أحد من تكلّم فى المهد. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
؛ وأقبل على يوسف وقال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا
الحديث لا يسمعه أحد. وقال لزليخا: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ.
وخرج قطفير من منزله، وعادت زليخا لمراودته؛ فامتنع عليها.
ذكر خبر النسوة اللاتى قطّعن أيديهنّ
قال: وفشا فى المدينة، وشاع عند نساء الأكابر خبرها، فعتبنها عليه، وهو قوله تعالى: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
فلمّا بلغها ذلك من قولهنّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً.
قال: استدعت امرأة الكاتب والوزير وصاحب الخراج وصاحب الديوان.
وقيل: إنّ النساء اللاتى تكلّمن فى أمر زليخا امرأة الساقى وامرأة الخباز وامرأة صاحب الديوان وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب؛ والله أعلم.
قيل: إنها قدّمت إليهنّ صوانىّ الأترج وصحاف العسل: وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً
وزيّنت يوسف، وقالت: إنّك عصيتنى فيما مضى، فإذا دعوتك الآن فاخرج. فأجابها إلى ذلك؛ قال الله تعالى: فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ
إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ.
قال: كنّ يأكلن الأترجّ بالسّكاكين فنالهنّ من الدهش والحيرة ما قطّعن أيديهنّ «1» وتلوّثت بالدماء ولم يشعرن؛ فقالت لهنّ زليخا ما حكاه الله عنها: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.
وقيل: إنّ النساء خلون به ليعدّلنه «2» لها، فراودته كلّ واحدة منهنّ عن نفسه لنفسها، ثم انصرفن إلى منازلهنّ.
ثم دعته زليخا وراودته، وتوعّدته بالسجن إن لم يفعل؛ فقال يوسف ما أخبر الله به عنه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ.
قال: فلمّا أيست زليخا منه مضت إلى الملك ريّان بن الوليد- وكانت لا تردّ عنه- فقالت: إنّى اشتريت عبدا، وقد استعصى علىّ، ولا ينفع فيه الضرب والتوبيخ، وأريد أن أحبسه مع العصاة. فأمر الملك بحبسه، وأن يفرج عنه متى اختارت؛ فأمرت السجّان أن يضيّق عليه فى محبسه ومأكله ومشربه؛ ففعل ذلك؛ فأنكره العزيز، وأمر أن ينقل إلى أجود أماكن السجن، ويفكّ قيده، وقال له: لولا أن زليخا تستوحش من إخراجك لأخرجتك، ولكن اصبر حتى ترضى عنك ويطيب قلبها.