المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خبر الألواح ونزول التوراة والعشر كلمات - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث عشر

- ‌الفنّ الخامس فى التاريخ

- ‌القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى مبدأ خلق آدم وحوّاء- عليهما السلام ودخولهما الجنة، و

- ‌الباب الأوّل- من هذا القسم فى مبدأ خلق آدم وحوّاء- عليهما السلام وما كان من أخبارهما إلى حين وفاتهما

- ‌ذكر خلق آدم عليه السلام

- ‌ذكر سجود الملائكة لآدم

- ‌ذكر خلق حوّاء عليها السلام

- ‌ذكر عرض الأمانة على آدم عليه السلام

- ‌ذكر خبر إبليس والطاوس والحيّة

- ‌ذكر خروج آدم وحوّاء من الجنة

- ‌ذكر سؤال إبليس- لعنه الله تعالى

- ‌ذكر سؤال آدم- عليه السلام

- ‌ذكر سؤال حوّاء- عليها السلام

- ‌ذكر توبة آدم عليه السلام

- ‌ذكر أخذ الميثاق على ذرّية آدم- عليه السلام

- ‌ذكر اجتماع آدم بحوّاء

- ‌ذكر إبناء آدم وزرعه وحرثه

- ‌ذكر حمل حوّاء- عليها السلام وولادتها

- ‌ذكر مبعث آدم- عليه السلام إلى أولاده

- ‌ذكر قتل قابيل هابيل

- ‌ذكر وفاة آدم- عليه السلام

- ‌ذكر وفاة حوّاء

- ‌الباب الثانى من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى خبر شيث ابن آدم- عليهما السلام وأولاده

- ‌ذكر قتال شيث قابيل

- ‌الباب الثالث من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى أخبار إدريس النبى- عليه السلام

- ‌الباب الرابع من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى قصة نوح- عليه السلام وخبر الطوفان

- ‌ذكر مبعث نوح عليه السلام

- ‌ذكر عمل السفينة

- ‌ذكر خبر دعوة نوح على ابنه حام ودعوته لابنه سام

- ‌ذكر وصيّة نوح ووفاته

- ‌ذكر خبر أولاد نوح- عليه السلام من بعده

- ‌الباب الخامس من القسم الأوّل من الفن الخامس فى قصة هود- عليه السلام مع عاد وهلاكهم بالريح العقيم

- ‌ذكر مبعث هود عليه السلام

- ‌ذكر خبر وفد عاد إلى الحرم يستسقون لهم

- ‌ذكر إرسال العذاب على قوم هود

- ‌ذكر خبر مرثد ولقمان

- ‌ذكر خبر إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِوقصّة شديد وشدّاد بنى عاد

- ‌الباب السادس من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى قصة صالح- عليه السلام مع ثمود وعقرهم الناقة وهلاكهم

- ‌ذكر ميلاد صالح- عليه السلام

- ‌ذكر مبعثه- عليه السلام

- ‌ذكر خروج الناقة

- ‌ذكر خبر عقر الناقة وهلاك ثمود

- ‌الباب السابع من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى أخبار أصحاب البئر المعطّلة والقصر المشيد وما كان من أمرهم وهلاكهم

- ‌الباب الثامن من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى خبر أصحاب الرّس وما كان من أمرهم

- ‌وأمّا الرسّ الآخر

- ‌القسم الثانى من الفنّ الخامس فى قصّة إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام وخبره مع نمروذ، وقصّة لوط، وخبر إسحاق ويعقوب، وقصّة يوسف وأيّوب وذى الكفل وشعيب

- ‌الباب الأوّل منه فى قصّة إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام وخبر نمروذ بن كنعان

- ‌ذكر خبر نمروذ بن كنعان

- ‌ذكر الآيات التى رآها نمروذ قبل مولد إبراهيم- عليه السلام

- ‌ذكر حمل أمّ إبراهيم- عليه السلام وطلوع نجمه

- ‌ذكر ميلاد إبراهيم- عليه السلام

- ‌ذكر خروج إبراهيم- عليه السلام من الغار واستدلاله

- ‌ذكر معجزة لإبراهيم- عليه الصلاة والسلام

- ‌ذكر مبعث إبراهيم- عليه السلام

- ‌ذكر سؤال إبراهيم- عليه السلام فى إحياء الموتى

- ‌ذكر آية لإبراهيم- عليه السلام

- ‌ذكر خبر تكسير إبراهيم الأصنام وإلقائه فى النار

- ‌ذكر خبر صعود نمروذ إلى السماء على زعمه

- ‌ذكر خبر إرسال البعوض على نمروذ وقومه

- ‌ذكر هجرة إبراهيم- عليه السلام

- ‌ذكر خبر ميلاد إسماعيل- عليه السلام ومقامه وأمّه فى البيت المحرّم

- ‌ذكر خبر بشارة إبراهيم بإسحاق- عليهما السلام

- ‌ذكر خبر الذبيح وفدائه

- ‌ذكر وفاة إبراهيم- عليه السلام

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الخامس فى قصّة لوط- عليه السلام وقلب المدائن

- ‌ذكر خبر نزول العذاب على قوم لوط وقلب المدائن

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الخامس فى خبر إسحاق ويعقوب- عليهما السلام

- ‌ذكر مبعث يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام

- ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الخامس فى قصّة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام

- ‌ذكر خبر ميلاد يوسف- عليه السلام

- ‌ذكر رؤيا يوسف- عليه السلام وكيد إخوته له

- ‌ذكر رجوع إخوة يوسف إلى يعقوب

- ‌ذكر كلام الذئب بين يدى يعقوب

- ‌ذكر خبر خروج يوسف من الجبّ وبيعه من مالك بن دعر

- ‌ذكر خبر بيع يوسف من عزيز مصر

- ‌ذكر خبر يوسف وزليخا

- ‌ذكر خبر النسوة اللاتى قطّعن أيديهنّ

- ‌ذكر إلهام يوسف- عليه السلام التعبير

- ‌ذكر خبر الخبّاز والساقى

- ‌ذكر رؤيا الملك وتعبيرها وما كان من أمر يوسف وولايته

- ‌ذكر حاجة زليخا إلى الطعام وزواج يوسف بها

- ‌ذكر دخول إخوة يوسف- عليه السلام فى المرّة الأولى

- ‌ذكر خبر دخولهم عليه فى المرّة الثانية

- ‌ذكر خبر دخولهم عليه فى الدفعة الثالثة

- ‌ذكر خبر حديث الصاع

- ‌ذكر دعوة يوسف- عليه السلام وارتحاله عن بلد الريّان

- ‌ذكر خبر وفاة يوسف- عليه السلام

- ‌الباب الخامس من القسم الثانى من الفنّ الخامس فى قصّة أيوب- عليه السلام وابتلائه وعافيته

- ‌ذكر كشف البلاء عن أيّوب- عليه السلام

- ‌الباب السادس من القسم الثانى من الفن الخامس فى خبر (ذى الكفل)

- ‌الباب السابع من القسم الثانى من الفن الخامس فى خبر شعيب النبى عليه السلام

- ‌ذكر مبعث شعيب- عليه السلام

- ‌ذكر خبر الظّلّة

- ‌القسم الثالث من الفنّ الخامس يشتمل على قصة موسى بن عمران عليه السلام وخبره مع فرعون؛ و

- ‌الباب الأوّل من القسم الثالث من الفن الخامس فى قصة موسى بن عمران وهارون- عليهما السلام

- ‌ذكر خبر قتل الملك واستيلاء فرعون على ملكه وما كان من أمره

- ‌ذكر خبر آسية بنة مزاحم وزواج فرعون بها

- ‌ذكر شىء من الايات التى رآها فرعون قبل مولد موسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر قتل الأطفال

- ‌ذكر خبر ميلاد موسى وما كان من أمره وإلقائه فى التابوت

- ‌ذكر دخول التابوت فى دار فرعون ورجوع موسى إلى أمّه

- ‌ذكر شىء من عجائب موسى- عليه السلام وآياته

- ‌ذكر خبر القبطىّ وخروج موسى من مصر

- ‌ذكر خبر ورود موسى مدين وما كان بينه وبين شعيب وزواجه ابنته

- ‌ذكر خبر خروج موسى- عليه السلام من أرض مدين ومناجاته ومبعثه إلى فرعون

- ‌ذكر خبر مسير موسى إلى مصر واجتماعه بأخيه هارون وأمّه

- ‌ذكر خبر دخول موسى- عليه السلام إلى فرعون وما كان من أمره معه

- ‌ذكر خبر العصا حين صارت ثعبانا واليد البيضاء

- ‌ذكر خبر السّحرة واجتماعهم وما كان من أمرهم وإيمانهم

- ‌ذكر خبر حزقيل مؤمن آل فرعون

- ‌ذكر خبر بناء الصرح وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر الآيات التسع

- ‌ذكر خبر مسخ قوم فرعون

- ‌ذكر خبر قتل الماشطة

- ‌ذكر خبر قتل آسية بنت مزاحم امرأة فرعون

- ‌ذكر خبر انقطاع النيل وكيف أجراه الله عز وجل لفرعون

- ‌ذكر خبر غرق فرعون وقومه

- ‌ذكر خبر ذهاب موسى- عليه السلام لميقات ربه وطلبه الرؤية وخبر الصاعقة والإفاقة

- ‌ذكر خبر الألواح ونزول التوراة والعشر كلمات

- ‌ذكر خبر السامرى واتخاذه العجل وافتتان بنى إسرائيل به

- ‌ذكر خبر رجوع موسى إلى قومه وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبر امتناع بنى إسرائيل من قبول أحكام التوراة ورفع الجبل عليهم وإيمانهم

- ‌ذكر خبر الحجر الذى وضع موسى- عليه السلام ثيابه عليه

- ‌ذكر خبر طلب بنى إسرائيل رؤية الله تعالى وهلاكهم بالصاعقة، وكيف أحياهم الله- عز وجل وبعثهم من بعد موتهم

- ‌ذكر خبر قارون

- ‌ذكر خبر موسى والخضر- عليهما السلام

- ‌ذكر خبر البقرة وقتل عاميل

- ‌ذكر بناء بيت المقدس وخبر القربان والتابوت والسكينة وصفة النار

- ‌ذكر ما أنعم الله تعالى به على بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر

- ‌ذكر مسير موسى- عليه السلام وبنى إسرائيل لحرب الجبّارين ودخولهم القرية

- ‌ذكر خبر مدينة بلقاء وخبر بلعم بن باعورا وما يتّصل بذلك

- ‌ذكر خبر وفاة هارون عليه الصلاة والسلام

- ‌ذكر وفاة موسى بن عمران- عليه الصلاة والسلام

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر خبر الألواح ونزول التوراة والعشر كلمات

من ملائكة السموات، كلّهم يقولون بشدّة أصواتهم: سبّوح قدّوس ربّ العزّة أبدا لا يموت. وفى رأس كل ملك منهم أربعة أوجه؛ فلمّا رآهم رفع صوته يسبّح معهم ويبكى ويقول: ربّ اذكرنى ولا تنس عبدك، لا أدرى هل أتخلّص مما أنا فيه أم لا، إن خرجت احترقت وإن مكثت مت. فقال له كبير الملائكة ورئيسهم: قد أوشكت يا بن عمران أن يشتدّ خوفك وينخلع قلبك، فاصبر للذى سألت.

ثم أمر الله تعالى أن يحمل عرشه فى ملائكة السماء السابعة، فقال: أروه إيّاه.

فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة ربّ العزّة، وردّدت ملائكة السموات أصواتهم جميعا؛ فارتج الجبل، واندكت كلّ شجرة كانت فيه، وخرّ موسى صعقا ليس معه روحه؛ فقلب الله تعالى الحجر الذى كان موسى عليه وجعله كهيئة القبّة لئلّا يحترق موسى؛ وأرسل الله عليه روح الحياة برحمته؛ فقام موسى يسبّح الله تعالى ويقول: آمنت أنّك ربّى وصدّقت أنه لا يراك أحد، فنجّنى، ومن نظر إلى ملائكتك انحلع قلبه، فما أعظمك وأعظم ملائكتك! أنت ربّ الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، لا يعدلك شىء، ولا يقوم لك شىء، تبت إليك، الحمد لك لا شريك لك ربّ العالمين.

‌ذكر خبر الألواح ونزول التوراة والعشر كلمات

قال الله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ* قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ* وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ.

ص: 214

قال الثعلبىّ: ثم بعث الله جبريل- عليه السلام إلى جنّة عدن فقطع منها شجرة، فاتخذ منها تسعة ألواح، طول كلّ لوح عشر أذرع بذراع موسى، وكذلك عرضه، وكانت الشجرة من زمرّد أخضر؛ ثم أمر الله تعالى جبريل أن يأتيه بسبعة أغصان من سدرة المنتهى؛ فجاء بها، فصارت جميعا نورا، وصار «1» النور قلما طاف فيما بين السماء والأرض فكتب التوراة، وموسى يسمع صرير القلم؛ فكتب الله تعالى له فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ

وذلك يوم الجمعة، فأشرقت الأرض بالنور؛ ثم أمر الله تعالى موسى أن يأخذها بقوّة ويقرئها قومه؛ فوضعت الألواح على السماء فلم تطق حملها لنقل العهود والمواثيق؛ فقالت: يا ربّ كيف أطيق حمل كتابك الكريم الثقيل المبارك؟ وهل خلقت خلقا يطيق حمل ذلك؟ فبعث الله تعالى جبريل وأمره أن يحمل الألواح فيبلغها موسى، فلم يطق حملها، فقال: يا ربّ من يطيق حمل هذه الألواح بما فيها من النور والبيان والعهود؟ وهل خلقت خلقا يطيق حملها؟ فأمدّه الله تعالى بملائكة يحملونها بعدد كلّ حرف من التوراة؛ فحملوها حتى بلّغوها موسى؛ فعرضوا له الألواح على الجبل، فانصدع الجبل وخشع، وقال: يا ربّ من يطيق حمل هذه الألواح بما فيها؟ فلمّا وضعتها الملائكة على الجبل بين يدى موسى- وذلك عند صلاة العصر- قبض موسى عليها فلم يطق حملها، فلم يزل يدعو حتّى هيأ الله تعالى له حملها؛ فحملها، فذلك قوله تعالى: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

قال: وأمّا العشر كلمات الّتى كتبها الله تعالى لنبيّه موسى فى الألواح- وهى معظم التوراة، وعليها مدار كلّ شريعة- فهى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

، هذا

ص: 215

كتاب من الله الملك الجبّار العزيز القهار لعبده ورسوله موسى بن عمران، سبّحنى وقدّسنى، لا إله إلّا أنا فآعبدنى ولا تشرك بى شيئا، واشكر لى ولوالديك إلىّ المصير، أحيك حياة طيّبة؛ ولا تقتل النفس الّتى حرّم الله عليك فتضيق عليك السماء بأقطارها والأرض برحبها؛ ولا تحلف باسمى كاذبا فإنّى لا أطهّر ولا أزكّى من لم يعظّم اسمى؛ ولا تشهد بما لا يعى سمعك ولا تنظر عينك ولم يقف قلبك عليه فإنى أقف أهل الشهادات على شهاداتهم يوم القيامة، وأسائلهم عنها؛ ولا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلى ورزقى، فإنّ الحاسد عدوّ لنعمتى، ساخط لقسمتى؛ ولا تزن ولا تسرق فأحجب عنك وجهى، وأغلق دون دعوتك أبواب السموات؛ ولا تذبح لغيرى، فإنه لا يصعد إلىّ من قربان الأرض إلّا ما ذكر عليه اسمى؛ ولا تغدرنّ بحليلة جارك فإنّه أكبر مقتا عندى؛ وأحبّ للناس ما تحبّ لنفسك.

فهذه العشر كلمات؛ وقد أنزل الله- عز وجل على نبيّنا محمد- صلى الله عليه وسلم مثلها فى ثمانى عشرة آية، وهى قوله تعالى فى سورة بنى إسرائيل:

وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً* وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً* وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً* وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ

ص: 216

خِطْأً كَبِيراً* وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا* وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً* وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا* وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا* كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً* ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً

ثم جمعها فى آيتين من سورة الأنعام، وهى قوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

وقد روى أبو إسحاق الثعلبىّ- رحمه الله عن ابن عبّاس- رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمّا أعطى الله موسى الألواح نظر فيها وقال: يا ربّ لقد أكرمتنى بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلى. قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ.

ص: 217

وأخرج «1» الحافظ: تموت على حبّ محمد عليه السلام. قال موسى: يا ربّ وما محمد؟ قال: أحمد الذى أثبتّ اسمه على عرشى من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفى عام، وإنه لنبيّى وحبيبى وخيرتى من خلقى، هو أحبّ إلىّ من جميع خلقى ومن جميع ملائكتى. قال: يا ربّ إن كان محمد أحبّ إليك من جميع خلقك فهل خلقت أمّة أكرم عليك من أمّتى.؟ قال الله تعالى: إنّ فضل أمّة محمد- عليه السلام على سائر الأمم كفضله على سائر الخلق. قال: يا ربّ ليتنى رأيتهم.

قال: إنّك لن تراهم، ولو أردت أن تسمع كلامهم لسمعت. قال: يا ربّ فإنّى أريد أن أسمع كلامهم. قال: يا أمّه محمد. فأجبنا كلّنا من أصلاب آبائنا وأرحام أمّهاتنا: لبّيك اللهمّ لبّيك لا شريك لك. قال الله تعالى: يا أمّة محمد. إنّ رحمتى سبقت غضبى، وعفوى عقابى، قد أعطيتكم من قبل أن تسألونى، وقد أجبتكم من قبل أن تدعونى، وقد غفرت لكم من قبل أن تعصونى، من جاء يوم القيامة يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبدى ورسولى دخل الجنة ولو كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر. وهذا قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

وروى الثعلبىّ أيضا بسند رفعه إلى (كعب الأحبار) أنّه رأى حبرا من أحبار اليهود يبكى، فقال له: ما يبكيك.؟ فقال له: ذكرت بعض الأمر. فقال كعب:

أنشدك الله إن أخبرتك بما أبكاك أتصدّقنى؟ قال: نعم. قال: أنشدك الله هل تجد فى كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر فى التوراة فقال: إنى أجد أمّة هى خير أمّة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يؤمنون بالكتاب الأوّل

ص: 218

وبالكتاب الآخر، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجّال. فقال موسى: يا ربّ اجعلهم أمّتى. قال: هى أمّة أحمد يا موسى. فقال له الحبر:

نعم. قال كعب: أنشدك بالله هل تجد فى كتاب الله المنزّل أنّ موسى نظر فى التوراة فقال: إنى أجد أمّة هم الحامدون، الرّعاة الشّمس «1» المحكّمون، إذا أرادوا أمرا قالوا:«نفعله إن شاء الله تعالى» فاجعلهم أمّتى. قال: هى أمّة أحمد يا موسى.

قال له الحبر: نعم. قال: أنشدك الله هل تجد فى كتاب الله المنزّل أنّ موسى نظر فى التوراة فقال: ربّ إنّى أجد أمّة يأكلون كفّاراتهم وصدقاتهم.

قال: «وكان الأوّلون يحرقون صدقاتهم بالنار، غير أنّ موسى كان يجمع صدقات بنى إسرائيل فلا يجد عبدا مملوكا ولا أمة إلّا اشتراه ثم أعتقه من تلك الصدقة وما فضل حفر له حفيرة عميقة وألقاه فيها، ثم دفنه كيلا يرجعوا فيه» وهم المسبّحون والمسبّح لهم، وهم الشافعون والمشفّع لهم. قال موسى: يا ربّ اجعلهم أمّتى.

قال: هم أمّة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم. قال كعب: أنشدك الله أتجد فى التوراة أنّ موسى نظر فى التوراة فقال: إنّى أجد أمّة إذا أشرف أحدهم على شرف كبّر الله تعالى، وإذا هبط واديا حمد الله تعالى؛ الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيثما كانوا، يتطهّرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حين لا يجدون الماء؛ غرّ محجّلون من آثار الوضوء، فآجعلهم أمّتى. قال: هى أمّة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم. قال كعب: أنشدك الله هل تجد فى كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر فى التوراة فقال: يا ربّ إنّى أجد أمّة إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها تكتب له، فإن عملها ضوعفت عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وإذا همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها تكتب عليه

ص: 219

سيّئة مثلها. فاجعلهم أمتى. قال: هى أمّة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم.

قال كعب: أنشدك الله أتجد فى كتاب الله المنزّل أنّ موسى نظر فى التوراة فقال:

ربّ إنّى أجد أمّة مرحومة ضعفاء «يرثون «1» الكتاب الّذين اصطفينا» فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ

فلا أجد أحدا منهم إلّا مرحوما فاجعلهم أمتى. قال: هى أمّة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم. قال كعب:

أنشدك الله هل تجد فى كتاب الله المنزّل أنّ موسى نظر فى التوراة فقال: يا ربّ إنّى أجد أمّة مرحومة، مصاحفهم فى صدورهم، يلبسون ألوان ثياب أهل الجنّة يصفّون فى صلاتهم صفوفا كصفوف الملائكة؛ أصواتهم فى مساجدهم كدوىّ النحل، لا يدخل النار منهم أحد إلّا من الحساب مثل ما يرمى الحجر من وراء الشجر. فاجعلهم أمتى. قال: هى أمّة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم. قال:

فعجب موسى من الخير الذى أعطاه الله محمدا وأمّته، وقال: يا ليتنى من أصحاب محمد. فأوحى الله تعالى إليه ثلاث آيات يرضيه بهنّ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي

إلى قوله: دارَ الْفاسِقِينَ

وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

قال: فرضى موسى كلّ الرضا.

ولنصل هذا الفصل بما ورد فى تفسير قوله تعالى: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ

وقوله: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

قال الثعلبىّ: قال أهل المعانى: هذا كقول القائل لمن يخاطبه: «سأريك غدا إلى ما تصير إليه حال من يخالف أمرى» على وجه الوعيد والتهديد.

ص: 220

وقال مجاهد: سأريكم دار الفاسقين، يعنى مصيرهم فى الآخرة.

وقال الحسن: جهنّم.

وقال قتادة وغيره: سأدخلكم الشأم فأريكم منازل الكافرين الذين هم سكّانها من الجبابرة والعمالقة.

وقال عطيّة العوفىّ: معناه سأريكم دار فرعون وقومه، وهى مصر.

قال أبو العالية: رفعت مصر لموسى حتّى نظر إليها.

وقال السدّىّ: دار الفاسقين: مصارع الفاسقين، ما يمرّون عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكوا.

وقال ابن كيسان: دار الفاسقين، يعنى إلى ما يصير قرارهم فى الأرض.

وقيل: الدار الهلاك، وجمعه أدوار؛ وذلك أن الله تعالى لمّا أغرق فرعون وقومه أمر البحر أن يقذف أجسادهم إلى الساحل؛ ففعل، فنظر إليهم بنو إسرائيل، فأراهم هلاك الفاسقين.

وقال يمان: يعنى مسكن فرعون.

وأما ما ورد فى تفسير قوله تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

قوله تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى

، يعنى بنى إسرائيل أُمَّةٌ

جماعة يَهْدُونَ بِالْحَقِ

، أى يرشدون إلى الحق.

وقيل: معناه يهتدون ويستقيمون عليه ويعملون به وَبِهِ يَعْدِلُونَ

أى ينصفون من أنفسهم لا يجورون.

ص: 221

قال السدّىّ: هم قوم بينكم وبينهم نهر من شهد.

وقال ابن جريح: بلغنى أن بنى إسرائيل لمّا قتلوا أنبياءهم وكفروا- وكانوا اثنى عشر سبطا- تبرّأ سبط منهم؛ واعتذروا وسألوا الله تعالى أن يفرّق بينهم وبينهم، ففتح الله تعالى لهم نفقا فى الأرض، فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصّين؛ فهم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا.

قال الكلبىّ وربيع والضّحاك وعطاء: هم قوم من المغرب خلف الصين على نهر يحوى «1» الرمل يسمى نهر أوران «2» ، وليس لأحدهم مال دون صاحبه؛ يمطرون بالليل، ويصحون بالنهار ويزرعون، لا يصل إليهم منّا أحد ولا منهم إلينا وهم على الحقّ.

قال: وذكر عن النبىّ- صلى الله عليه وسلم أن جبريل ذهب به ليلة أسرى به إليهم؛ فكلّمهم؛ فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلّمون؟ قالوا: لا.

قال: هذا محمّد النبىّ الأمّىّ. فآمنوا به وقالوا: يا رسول الله، إن موسى أوصانا وقال: من أدرك منكم أحمد فليقرأ منّى عليه السلام. فردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم على موسى وعليهم السلام؛ ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم تكن نزلت فريضة سوى الصلاة والزكاة، فأمرهم بالصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، وكانوا يسبتون، فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت.

حكاه أبو إسحاق الثعلبىّ فى تفسيره.

نرجع إلى تتمّة أخبار موسى- عليه السلام.

ص: 222