الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثانى من الفنّ الخامس فى قصّة إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام وخبره مع نمروذ، وقصّة لوط، وخبر إسحاق ويعقوب، وقصّة يوسف وأيّوب وذى الكفل وشعيب
وفيه سبعة أبواب
الباب الأوّل منه فى قصّة إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام وخبر نمروذ بن كنعان
.
ولنبدأ من هذه القصّة بخبر نمروذ؛ ثم نذكر قصّة إبراهيم- عليه السلام لتعلّق قصّته به، لأنّ إبراهيم ولد فى زمانه، وآيته الكبرى معه.
ذكر خبر نمروذ بن كنعان
هو نمروذ بن كنعان بن كوش، وهو أحد ملوك الدنيا الأربعة الّذين ملكوا شرقها وغربها.
وقد ورد أنهم مؤمنان وكافران: فالمؤمنان سليمان بن داود والإسكندر ذو القرنين المذكور فى سورة الكهف؛ والكافران: شدّاد بن عاد ونمروذ ابن كنعان.
وقد قيل: بدل شدّاد بختنصّر.
قال الكسائىّ: قال وهب: لمّا أهلك الله تعالى أهل الرسّ بالمسخ ومن تقدّمهم بما ذكرناه، أنشأ قرونا آخرين، فكان ممّن أنشأ من ولد حام بن نوح كوش ابن قرظ بن حام، وكان جبّارا شديد القوّة عظيم الخلق، له مخاليب كالسّباع وهو الذى أنشأ كوثاربّا من أرض العراق، وولد له بها ولد سمّاه كنعان، وكان له
ولد آخر يقال له: الهاص؛ فلما مات كوش استقل الهاص بالملك دون كنعان واستقلّ كنعان بالصيد، وولع به حتّى ألهاه عن طلب الملك؛ وكان مع ذلك شديد البطش والقوّة، فبينما هو يتصيّد إذ رأى امرأة ترعى بقرات، فأعجبته فراودها عن نفسها، فامتنعت واعتذرت بزوجها؛ فقال: ويلك، هل على وجه الأرض من يطاولنى وأنا من ولد كوش، ونحن ملوك الأرض؟ فضحكت المرأة كالمستهزئة، وقالت: لا تذكر الملوك وأنت رجل صيّاد.
ثم أقبل زوجها فقتله كنعان وأخذ المرأة ووطئها، فحملت بنمروذ، ونقلها كنعان إلى قصره، فكانت من أحظى نسائه؛ ثم قتل أخاه بعد ذلك، واستقلّ بالملك.
ثم رأى فى منامه كأنّه صارع إنسانا فصرعه وقال: أنا مشئوم أهل الأرض ومنزلى الظلمة. وقد أجّلتك حتّى أخرج من ظلمتى هذه إلى ضوء الدنيا.
فانتبه مرتاعا، وأحضر أصحاب علم النجوم، وقصّ رؤياه عليهم؛ فقالوا:
سيولد مولود هو الآن فى بطن أمّه يكون هلاكك على يديه.
وتبيّن حمل الراعية- وكان اسمها شلخاء- وكانت تسمع من بطنها صوتا عجيبا، فسمعه كنعان فقال: ويحك، هذا ليس بآدمىّ؛ وإنما هو شيطان؛ وهمّ أن يدوس بطنها ليقتل من فيه؛ فهتف به هاتف: مه يا كنعان، ليس إلى قتله سبيل.
فلمّا كملت مدّة الحمل وضعته أسود أحول أفطس أزرق العين؛ وخرجت حيّة من حجر فدخلت فى أنفه، ففزعت شلخاء؛ وأخبرت كنعان بخبره؛ فقال: اقتليه فإنّه شؤم. فقالت: لا تطيب نفسى بقتله. قال: فاحتمليه واطرحيه فى البرّيّة.
فاحتملته الى البرّيّة، فمرّت براعى بقرات فعرضته عليه، فأخذه، وعادت الى منزلها؛ فلمّا وضعه الراعى بين البقر نفرت وتفرّقت وعسر عليه جمعها؛ وأقبلت امرأته فأخبرها بخبر الغلام؛ فقالت: اقتله فإنّه شؤم. فأبى وقال: اطرحيه فى النهر.
فطرحته فى نهر عظيم، فألقاه الماء إلى البرّ؛ فقيّض الله له نمرة فأرضعته وانصرفت؛ فرأته امرأة من قرية هناك فعجبت وأخبرت أهل القرية، فخرجوا إليه واحتملوه وربّوه وسمّوه نمروذ، فلمّا بلغ جعل يقطع الطريق ويغير على النواحى، واجتمع له جمع كثير، فبلغ خبره كنعان، فجعل يبعث إليه بقائد بعد قائد وهو يهزمهم؛ وعظم أمره حتى صار فى جيش عظيم؛ فسار الى كوثاربا وقاتل كنعان، فهزم جيوشه وظفر به، وقتله وهو لا يعلم أنه أبوه، واحتوى على ملكه؛ ثم أخذ فى غزو الملوك حتّى ملك الشرق وسائر ممالك الدنيا؛ ثم رجع الى كوثاربّا فاستدعى وزراءه وقال: أريد أن أبنى بنيانا عظيما لم أسبق إلى مثله. فدلّوه على تارح وذكروا أنّه عارف بأمر النجارة والبناء؛ فأحضره ومكّنه من خزانته، وأمره بإنشاء قصر عظيم؛ فخرج تارح وشرع فى بنائه، وتأنّق فيه، وأجرى فيه الأنهار؛ فلمّا كمل ورآه نمروذ خلع على تارح، وجعله وزيره.
وأخذ نمروذ فى التكبّر حتى ادّعى الألوهية.
وكان مولعا بعلم النجوم، فأتقنه؛ فجاءه إبليس فى صورة شيخ وسجد له وقال: إنك قد أتقنت علم النجوم؛ وعندى علم ما هو أحسن منه، وهو السحر والكهانة. فعلّمه ذلك، ثم حسّن له عبادة الأصنام، فدعا بتارح وأمره أن يتخذ له صنما على صورته، ويتّخذ لقومه أصناما أخرى؛ فاتخذها تارح من الجوهر والذهب والفضّة والقوارير والخشب على أقدار الناس، وكلّها على صورة نمروذ حتى اتّخذ سبعين صنما، وأمر نمروذ قومه أن يتّخذوها؛ ففعلوا ذلك وانهمكوا