الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: إنه كان له بعد العافية أربعة آلاف وكيل، رزق كلّ واحد فى الشهر مائة مثقال من الذهب، وبين يديه اثنا عشر من البنين، ومثلهم من البنات وملّكه الله جميع بلاد الشأم، وأعطاه مثل عمره الّذى عمّره فى الماضى.
فلما أدركته الوفاة أوصى أولاده أن يخلفوه فى ماله كما كان يفعل مع الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل؛ ثم مات، وتوفيت امرأته قبله.
وقيل: بعده بقليل؛ فدفن إلى جانب العين التى أذهب الله بلاءه فيها.
قال الثعلبىّ- رحمه الله تعالى-: وكانت مدّة ابتلائه ثمانى عشرة سنة.
الباب السادس من القسم الثانى من الفن الخامس فى خبر (ذى الكفل)
اختلف العلماء فى (ذى الكفل) من هو؟ فقال الكسائىّ: هو ابن أيوب- عليهما السلام وذكر قصته فقال:
لما قبض الله- عز وجل أيوب عليه السلام سار ابنه حوميل- وهو أكبر أولاده- فى الناس سيرة أبيه، حتى خرج عليهم ملك من ملوك الشأم يقال له: لام بن دعام، فغلب على بلاد الشأم، وبعث إلى حوميل يقول: إنكم ضيّقتم علينا بلاد الشأم، وأريد منكم نصف أموالكم وتزوّجونى أختكم حتى أقرّكم على ما أنتم عليه، وإلّا سرت إليكم بخيلى ورجلى وجعلتكم غنيمة.
فأرسل إليه حوميل يقول: إن هذه الأموال التى فى أيدينا ليس لأحد فيها حق إلا الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل؛ وأما أختنا فإنّك من غير ديننا، فلا نزوّجها لك؛ وأما تخويفك لنا بخيلك ورجلك، فنحن نتوكّل على الله ربّنا، وهو حسبنا.
فجمع الملك جنوده وقصدهم، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الكسرة على أولاد أيوب، وأسر بشير بن أيوب وجماعة معه؛ وانقلب حوميل بنفسه وجمع مالا عظيما ليحمله إلى الملك ويخلّص أخاه منه؛ فبينما هو فى ذلك إذ أتاه آت فى منامه فقال: لا تحمل هذا المال، ولا تخف على أخيك، فإن هذا الملك يؤمن، وتكون عاقبة أمره خيرا.
فلما أصبح قصّ رؤياه على إخوته، ففرحوا؛ فبلغ الملك توقّفه فى حمل المال فأرسل إليه يقول: احمل ما تكفل به أخاك من المال وإلّا أحرقته بالنار. فبعث إليه: إنى قد أمرت ألّا أحمل لك شيئا، فاصنع ما أنت صانع. فغضب الملك وأمر أن تجمع الأحطاب؛ فجمعت وألقى فيها النار والنّفط، وأمر ببشير فألقى فيها فلم تحرقه؛ فعجب الملك من ذلك، وآمن بالله، واختلط بعضهم ببعض، وزوّجوه أختهم، وسمى بشير ذا الكفل، وأرسله الله إلى الشأم؛ وكان الملك يقاتل بين يديه الكفار، فلم يزل كذلك حتى مات أولاد أيّوب؛ ثم مات الملك وغلب العمالقة على الشأم، إلى أن بعث الله- عز وجل شعيبا رسولا.
وحكى الثعلبى فى تفسيره وقصصه فى قصّة ذى الكفل غير ما تقدّم، وساق القصّة تلو قصة اليسع، فقال: قال مجاهد: لما كبر اليسع قال: لو أنى استخلفت رجلا على الناس فعمل عليهم فى حياتى حتى أنظر كيف يعمل. فجمع الناس وقال:
من يتكفّل لى بثلاثة أستخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب.
فقام رجل شاب تزدريه العين قال: أنا. فردّه ذلك اليوم؛ وقال مثل ذلك فى اليوم الآخر؛ فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال: أنا. فاستخلفه؛ فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان. فأعياهم؛ فقال: دعونى وإياه. فجاءه
فى صورة شيخ فقير حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام بالليل إلّا تلك النومة؛ فدقّ الباب؛ فقال: من هذا؟ فقال: شيخ مظلوم. ففتح الباب، فجعل يقص عليه قصته، فقال: إن بينى وبين قوم خصومة، وإنهم ظلمونى وفعلوا وفعلوا وفعلوا؛ وجعل يطوّل عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة؛ فقال له: إذا رحت فإنّى قد أخذ بحقك. فانطلق وراح، فكان فى مجلسه، فجعل ينظر هل يرى الشيخ؟
فلم يره؛ فلما رجع وأخذ مضجعه أتاه ودقّ الباب، فقال: من هذا؟ قال: أنا الشيخ المظلوم. فقال: ألم أقل لك: إذا قعدت فأتنى. قال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا: نحن نطيعك ونعطيك حقّك، وإذا قمت جحدونى.
قال: فانطلق، فإذا رحت فأتنى، ففائته القائلة، فراح فجعل ينظر فلا يراه وشقّ عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنّ أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنى قد شق علىّ النعاس. فلما كانت تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل، فنظر فرأى كوّة فى البيت، فتسوّرها فإذا هو فى البيت، وإذا هو يدقّ الباب من داخل؛ فاستيقظ ذو الكفل، وقال: يا فلان، ألم آمرك ألّا تأذن لأحد علىّ؟ فقال:
أمّا من قبلى فما أتيت، فانظر من أين أتيت.
فقام إلى الباب فإذا هو مغلق والرجل معه فى البيت، فقال له: أتنام والخصوم ببابك؟ فقال: فعلتها يا عدوّ الله. قال: نعم، أعييتنى فى كل شىء ففعلت ما ترى لأغضبك، فعصمك الله منى، فسمّى ذا الكفل، لأنه متكفّل بأمر فوفى به.
وروى الثعلبىّ أيضا بسند رفعه إلى ابن عمر- رضى الله عنهما- قال:
سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يحدّث حديثا لو لم أسمعه إلّا مرة أو مرتين لم أحدّث به، سمعته منه أكثر من سبع مرات.