الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ.
ذكر عمل السفينة
قال: وأوحى الله تعالى إليه أن يتّخذها فى ديار قومه، وأن يجعلها ألف ذراع طولا وخمسائة عرضا وثلاثمائة ارتفاعا، فأعدّ آلات النّجارة، وشرع فى عملها وأعانه أولاده ومن آمن من قومه، والناس يسخرون منه ويقولون: بعد النبوّة صرت نجّارا، ونحن نشكو القحط، وأنت تبنى للغرق. قال الله تعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
؛ وكانوا يأتون السفينة بالليل فيشعلون فيها النار ولا تحترق، فيقولون: هذا من سحرك يا نوح.
وجعل نوح رأس السفينة كرأس الطاوس، وعنقها كعنق النّسر، وجؤجؤها كجؤجؤ الحمامة، وكوثلها كذنب الديك، ومنقارها كمنقار البازى، وأجنحتها كأجنحة العقاب؛ ثم غشّاها بالزفت، وجعلها سبع طبقات لكلّ طبقة باب؛ فلمّا فرغ من بنائها نطقت بإذن الله وقالت: لا إله إلا الله إله الأوّلين والآخرين، أنا السفينة، من ركبنى نجا، ومن تخلّف عنّى غرق، ولا يدخلنى إلّا أهل الإخلاص.
فقال نوح لقومه: أتؤمنون؟ قالوا: هذا قليل من سحرك. ثم استأذن ربّه فى الحج، فأذن له؛ فلمّا خرج همّ القوم بإحراقها، فأمر الله الملائكة فاحتملوها إلى الهواء، فكانت معلّقة حتى عاد من حجّه. ولمّا قضى مناسكه رأى تابوت «1» آدم عن يمين الكعبة، فسأل ربّه فى ذلك التابوت فأمر الملائكة فحملوه إلى دار
نوح- وكانت يومئذ فى مسجد الكوفة- فلمّا رجع من حجّه نزلت السفينة من الهواء، ثم أوحى الله إليه: أن قد دنا هلاك قومك فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ
. ثم أمره الله تعالى أن ينادى فى الوحش والسباع والطير والهوامّ والأنعام؛ فوقف على سطح منزله، ونادى:«هلمّوا إلى السفينة المنجّية» . فمرّت دعوته إلى الشرق والغرب والبعد والقرب، فأقبلت إليه أفواجا.
فقال: إنّما أمرت أن أحمل من كلّ زوجين اثنين؛ فأقرع بينهم، فأصابت القرعة من أذن الله فى حمله، وكان معه من بنى آدم ثمانون إنسانا بين رجل وامرأة؛ فلما كان فى مستهلّ شهر رجب نودى من التنّور وقت الظهر: قم يا نوح فاحمل فى سفينتك من كلّ زوجين اثنين من الذكر زوجا ومن الأنثى زوجا، فحملهم. وكان معه جسد آدم وحوّاء؛ وتباطأ عليهم الحمار فى صعوده، لأن إبليس تعلّق بذنبه؛ فقال نوح بالنبطيّة: على سيطان، يعنى ادخل يا شيطان؛ فدخل ومعه إبليس فرآه نوح فقال: يا ملعون، من أدخلك؟ قال: أنت حيث قلت: على سيطان:
فعاهده ألا يغوى أهل السفينة ما داموا فيها؛ ثم أوحى الله إلى جبريل أن يأمر خزنة الماء أن يرسلوه بغير كيل ولا مقدار وأن تضرب المياه بجناح الغضب. ففعل ذلك، ونبعت العيون، وهطلت السماء (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)
وكان ماء السماء أخضر، وماء الأرض أصفر؛ وأمر الله الملائكة أن يحملوا البيت الى سماء الدنيا؛ وكان الحجر يومئذ أشدّ بياضا من الثلج؛ فيقال إنه اسودّ من خوف الطّوفان؛ وقال نوح عند ركوبه السفينة ما أخبرنا الله عنه فى كتابه العزيز: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ
فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ.
قال: كان ابنه هذا كنعان.
قال: وكانوا لا يعرفون الليل من النهار إلّا بخرزة كانت مركّبة فى صدر السفينة بيضاء، فاذا نقص ضوءها علموا أنّه النهار، واذا زاد علموا أنّه اللّيل؛ وكان الديك يصيح عند أوقات الصلاة؛ وعلا الماء على الجبال أربعين ذراعا؛ وسارت السفينة حتى بلغت موضع الكعبة، فطافت سبعا، ونطقت بالتلبية؛ وكانت لا تقف فى موقف إلّا وتناديه: يا نوح هذه بقعة كذا، وهذا جبل كذا؛ حتى طافت به الشرق والغرب ورجعت إلى ديار قومه، فقالت: يا نبىّ الله، ألا تسمع صلصلة السلاسل فى أعناق قومك؟ قال الله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً
؛ ولم تزل السفينة كذلك ستّة أشهر آخرها ذو الحجة.
وقيل: كان ركوب نوح ومن معه السفينة لعشر خلون من شهر رجب وذلك لتتمّة ألفى سنة ومائتى سنة وخمسين سنة من لدن أهبط الله تعالى آدم- عليه السلام وخرجوا منها فى العاشر من المحرّم بعد مضىّ ستة أشهر؛ ثم استقرّت على جبل الجودىّ، قال الله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.
قال: ثم فتح نوح باب السفينة، فنظر إلى الأرض بيضاء من عظام قومه؛ وبعث الغراب لينظر ما بقى على وجه الأرض من الماء؛ فأبطأ، فبعث الحمامة