الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فواكه الجنّة فأكلا، فكانا فى الجنّة خمسمائة عام من أعوام الدنيا فى أتمّ السرور وأنعم الأحوال.
ذكر خبر إبليس والطاوس والحيّة
قال: ولمّا سمع إبليس أن الله تعالى أباح لآدم أن يأكل من ثمار الجنّة إلّا شجرة واحدة، فرح بذلك، وقال: لأخرجنّهما من الجنة. ثم مرّ مستخفيا فى طرقات السموات حتى وقف على باب الجنّة، فإذا الطاوس قد خرج من الجنة وله جناحان إذا نشرهما غطّى بهما سدرة المنتهى، وله ذنب من الزمرّد الأخضر على كلّ ريشة منه جوهرة بيضاء، وعيناه من الياقوت الأحمر؛ وهو أطيب طيور الجنّة صوتا وتغريدا؛ وكان يخرج ويمرّ فى السموات يخطر فى مشيته ويرجع إلى الجنّة.
فلما رآه إبليس كلّمه بكلام ليّن، وقال: أيّها الطائر العجيب الخلق الطيّب الصوت، من تكون من طيور الجنة؟ فقال: أنا الطاوس، فمالك أيها الشّخص كأنّك مرعوب تخاف من طالب يطلبك؟ قال إبليس: أنا من ملائكة الصّفيح «1» الأعلى من زمرة الكروبييّن «2» ، وقد أحببت أن أنظر إلى الجنّة وإلى ما أعدّ الله فيها لأهلها فهل لك أن تدخلنى الجنّة وأنا أعلّمك ثلاث كلمات من قالها لا يهرم ولا يسقم ولا يموت؟ فقال له: وأهل الجنّة يموتون؟ قال: نعم ويسقمون ويهرمون إلّا من كانت عنده هذه الكلمات، وحلف له على ذلك، فوثق به الطاوس ولم يظنّ أحدا يحلف بالله كاذبا؛ فقال: ما أحوجنى إلى هذه الكلمات، غير أنّى أخاف أن يستخبرنى (رضوان) عنك، ولكنى أبعث إليك الحيّة فإنّها سيّدة دوابّ الجنة.
قال: وجاء الطاوس إلى الحية وهى يومئذ على صورة الجمل، ولها زغب كالعبقرىّ «1» ما بين أبيض وأحمر وأسود وأخضر، ولها عرف من اللؤلؤ، وذوائب من الياقوت ورائحة كرائحة المسك والعنبر، وكان مسكنها فى جنّة المأوى، وكانت تساير آدم وحوّاء فى الجنة، وتخبرهما بالأشجار.
فلما أخبرها الطاوس بالخبر أسرعت الحية نحو باب الجنة، فتقدم إبليس إليها وقال لها كقوله للطاوس، وحلف لها؛ فقالت: حسبك، ولكن كيف أدخلك؟ فقال: إنى أرى ما بين نابيك فرجة، وهى تسعنى. ففتحت الحيّة فاها، فوثب وقعد بين نابيها، فصار نابها إلى آخر الدهر سمّا، وضمّت الحيّة شفتيها، ودخلت الجنّة ولم يكلّمها رضوان للقضاء السابق؛ فلمّا توسّطت الجنّة قالت: أخرج وعجّل. قال: إن حاجتى من الجنّة آدم وحوّاء، فإنى أريد أن أكلّمهما من فيك، فإن لم تفعلى ذلك فما أعلّمك الكلمات، فجاءت إلى حوّاء فقال إبليس من فيها: يا حوّاء، ألست تعلمين أنّى معك فى الجنة، وأحدّثك بكلّ ما فيها، وأنا صادقة فى كلّ ما حدّثتك به؟ قالت حوّاء: نعم؛ قال إبليس:
يا حوّاء، أخبرينى ما الّذى أحلّ لكما ربّكما من هذه الجنة وحرّم عليكما؟ فأخبرته بما نهاهما عنه؛ فقال إبليس: لماذا نهاكما عن شجرة الخلد؟ فقالت حوّاء: لا أعلم بذلك؛ قال: أنا أعلم، إنما نهاكما لأنه أراد ألّا يفعل بكما ما فعل بالعبد الذى مأواه تحت شجرة الخلد.
هذا وحوّاء تظنّ أن الخطاب لها من الحيّة؛ فوثبت حوّاء عن سريرها لتنظر إلى العبد، فخرج إبليس من فيها كالبرق، فقعد تحت الشجرة، فأقبلت
حوّاء فوقفت بالبعد منه ونادته: من أنت أيها الشخص؟ قال: خلق من خلق الله، خلقنى من ناركما تريننى، وأنا فى هذه الجنة منذ ألفى عام، خلقنى كما خلقكما بيده، ونفخ فىّ من روحه، وأسجد لى ملائكته، وأسكننى جنّته، ونهانى عن أكل هذه الشجرة، فكنت لا آكل منها، حتى نصحنى بعض الملائكة وقال لى: كل منها، فإنّ من أكل منها كان مخلّدا فى الجنّة أبدا. فأكلت منها، فأنا فى الجنة إلى وقتى هذا، قد أمنت الهرم والسقم والموت والخروج من الجنّة.
ثم قال: والله (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)
ثم نادى: يا حوّاء اسبقى وكلى قبل زوجك، فمن سبق كان له الفضل على صاحبه. فأقبلت حوّاء إلى آدم وهى مستبشرة فرحة، فأخبرته بخبر الحيّة والشخص، وأنه قد حلف لها بأنّه لها لمن الناصحين، فذلك قوله تعالى:
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)
؛ وتقدّمت حوّاء إلى الشجرة ولها أغصان لا تحصى، وعلى الأغصان سنابل، كل حبة منها مثل قلال هجر «1» ، ولها رائحة كالمسك، أبيض من اللبن وأحلى من العسل؛ فأخذت منها سبع سنابل من سبعة أغصان، فأكلت واحدة وادّخرت واحدة، وجاءت بخمس إلى آدم.
قال ابن عبّاس- رضى الله عنهما-: لم يكن لآدم فى ذلك أمر ولا إرادة بل كان فى سابق العلم، لقوله تعالى:(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
. فتناول آدم السنابل من يدها، وقد نسى العهد الذى أخذ عليه من أجلها، فذلك قوله تعالى:(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)
فذاق من الشجرة كما ذاقت حواء؛ قال الله تعالى: (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) .