الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال يوسف للساقى: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ
وأعلمه أنّى محبوس ظلما.
فقال له: ما أبقى جهدا.
فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام كان من أمر السّاقى والخباز ما قاله لهما يوسف.
ثم هبط جبريل على يوسف وقال: إن الله يقول لك: نسيت نعمائى عليك فقلت للساقى يذكرك عند ربه، وهما كافران، فأنزلت حاجتك بمن كفر بنعمتى وعبد الأصنام دونى.
قال الله تعالى: وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ.
قيل: الذى أنساه الشيطان ذكر ربه هو الساقى، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ
وهو يبكى ويستغفر ويتضرع إلى الله؛ فأوحى الله إليه: أنى قد غفرت لك ذنبك، وأنه سيخرجك من السجن، ويجمع بينك وبين أبيك وإخوتك وتصدق رؤياك. فخرّ ساجدا لله تعالى.
ذكر رؤيا الملك وتعبيرها وما كان من أمر يوسف وولايته
قال: وقدّر الله عز وجل أن الملك- وهو الريّان بن الوليد بن ثروان بن أواسة بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن نوح عليه السلام رأى فى تلك الليلة رؤيا هالته؛ فدعا بالمعبّرين، فقالوا: إن هذه أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ
. فغضب الملك وقطع أرزاقهم؛ وذكّر الله الساقى؛ قال الله تعالى: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ
فتقدّم إلى الملك وذكر له خبر يوسف- وكان بين المدّتين «1» سبع سنين وسبعة
أشهر- فأرسله الملك إليه وقال: أخبره برؤياى وأتنى بتأويلها. فأقبل الساقى إلى السجن واجتمع بيوسف، واعتذر له، وأخبره برؤيا الملك، وقال: هل عندك تعبير ذلك؟ قال: لا أفعل حتى ترجع إلى الملك وتسأله ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ
؛ فرجع الساقى إلى الملك وأخبره. فاستدعى النسوة، فأتى بمن كان يعيش منهن، فقال الملك: ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
. فلما قلن ذلك قال الملك: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي
؛ فلمّا دخل عليه أجلسه معه على السرير، وسأله عن اسمه ونسبه، فانتسب له، وذكر قصّته مع إخوته؛ فقال له الملك: قد سمعت ما رأيت فى منامى. ثم قصّها عليه، فقال: رأيت سبع بقرات سمان فى نهاية الحسن، ولكل بقرة قرون كبيرة، فحملتنى واحدة على قرنيها، فجعلت أصير من بقرة إلى بقرة حتّى طفت على الجميع؛ فبينما أنا كذلك وإذا بسبع بقرات عجاف مهازيل، فعمدت فأكلت كلّ واحدة من المهازيل واحدة من السمان، وبقيت الّتى أنا على قرنيها فلمّا تقدّمت المهزولة لأكلها، رمتنى عن قرنيها، فأكلتها المهزولة؛ ثم صار للمهازيل أجنحة، فطارت ثلاث نحو المشرق وثلاث نحو المغرب، وبقيت هناك واحدة؛ فبينما أنا كذلك وإذا أنا بسبع سنبلات فى نهاية الخضرة خرجن من ذلك الوادى، ثم لاحت فيهن سبع سنبلات يابسات، فآلتففن على الخضر حتى غلبن على خضرتهن، وإذا بملك قد أقبل وقال: يا ريّان. خذ هذا الرجل فأقعده على سريرك، فإنّه لا يصلح ما رأيت إلّا على يديه؛ فهذا ما رأيت.
فقال يوسف: أما السبع بقرات السمان فهى سبع سنين يكون فيها زرع وخصب فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ
فإنّه أبقى له.
وأما البقرات العجاف، فإنّها سبع سنين فيها قحط وضيق، فتأكل ما حصدتم فى سنين الخصب إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ
فى بيوتكم.
وأما السنابل الخضر، فهى سنو الخصب، واليابسة سنو الجوع، والرجل الذى قال لك؛ أقعده على سريرك، فيكون صلاح ذلك على يديه فأنا هو؛ وقد أمرك ربى بهذا؛ فهذا تأويل رؤياك.
قال: فقال له ريّان: أشر علىّ الآن بمن أقدّمه فى هذا الأمر. فقال يوسف: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.
قال: كيف يتهيّأ لك وأنت رجل عبرانىّ لا تعرف لغة أهل مصر؟ فقال:
إنّ الله ألهمنى جميع هذه الألسنة يوم دخلت مصر. فنزع الملك خاتمه، وجعله فى اصبع يوسف، وقال لأصحابه: هذا عزيز مصر وخليفتى، فآسمعوا له وأطيعوا.
قال الثعلبىّ: قال أهل الكتاب: لما تمت ليوسف فى الأرض ثلاثون سنة استوزره فرعون مصر. وكان مرادهم- والله أعلم- أنه لما استكمل ثلاثين سنة من عمره.
وحكى الثعلبىّ أن الملك عزل العزيز وولّى يوسف، ثم هلك العزيز عن قريب وكان يوسف يوم قضائه تضرب له قبّة من الديباج يجلس فيها للحكومة بين الناس وبقيّة الأيام يدور فى عمله ويأمر بالزراعة والحرث وعمر البيوت لخزن الحبوب بسنابلها، حتى ملأها، وخزن الأتبان حتى انقضت سنو الخصب ودخلت سنو القحط، فنهى عن الزراعة فيها لعلمه أن الأرض لا تثمر فيها شيئا؛ فأكلوا ما عندهم حتى نفد؛ فالتجأوا إلى الملك، فقال الملك: عليكم بالعزيز فإن فى يده خزائن الطعام. فجاءوه، فباعهم فى السنة الأولى بالدنانير والدراهم، وفى السنة الثانية بالحلىّ