الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عن مجاهد قال: إنما سمّى الخضر لأنه حيثما صلّى اخضرّ ما حوله.
قال الثعلبىّ: وكان الخضر فى أيام أفريدون الملك على قول عامّة أهل الكتب الأوّل.
قال: وقيل إنه كان على مقدّمة ذى القرنين الأكبر الذى كان فى أيام ابراهيم- عليه السلام وذلك فى أيام مسيره فى البلاد، وأنه بلغ مع ذى القرنين نهر الحياة وشرب من مائه وهو لا يعلم ولا يعلم ذو القرنين، فخلّد، وهو حىّ إلى الآن؛ والله أعلم.
وسنذكر- إن شاء الله تعالى- فى السّفر الذى يلى هذا السفر خبره فى ظفره بماء الحياة فى أخبار ذى القرنين.
ذكر خبر البقرة وقتل عاميل
قال أبو إسحاق الثعلبىّ- رحمه الله تعالى- فى تفسيره عن السّدىّ وغيره: إن رجلا كان فى بنى إسرائيل كان بارّا بأبيه، وبلغ من برّه به أن رجلا أتاه بلؤلؤة فابتاعها منه بخمسين ألفا، وكان فيها فضل وربح؛ فقال له البائع: اعطنى الثمن.
فقال: إن أبى نائم، ومفتاح الصندوق تحت رأسه، فأمهلنى حتى يستيقظ فأعطيك الثمن. فقال له البائع: أيقظ أباك وأعطنى المال. قال: ما كنت لأفعل ولكن أزيدك عشرة آلاف وأنظرنى حتى ينتبه. فقال الرجل: أنا أعطيك عشرة آلاف إن أيقظت أباك وعجّلت النقد. فقال: أنا أزيدك عشرين ألفا إن انتظرت انتباهه. ففعل ولم يوقظ أباه؛ فلما استيقظ أبوه أخبره بذلك، فدعا له وجزاه خيرا، وقال له: أحسنت يا بنىّ، وهذه البقرة لك بما صنعت. وكانت بقيّة بقر كانت لهم.
قال: وقال ابن عبّاس ووهب وغيرهما: كان فى بنى إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وكان له عجلة، فأتى بها إلى غيضة وقال: اللهم إنى استودعتك هذه العجلة لابنى حتى يكبر. ومات الرجل، فشبّت العجلة فى الغيضة وصارت عوانا وكانت تهرب من كلّ من رامها؛ فلما كبر الأبن- وكان برّا بوالدته، وكان يقسم الليل ثلاثة أثلاث: يصلى ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمّه ثلثا؛ فإذا أصبح انطلق واحتطب على ظهره، ويأتى به السوق فيبيعه بما شاء الله، ثم يتصدق بثلثه، ويأكل ثلثه، ويعطى والدته ثلثه.
وحكى الكسائىّ عن وهب قال: كان فى بنى إسرائيل عبد صالح، فمات وترك امرأته حاملا، فولدت غلاما، فسمّته ميشى، فكبر، وكان يحتطب من المواضع المباحة، وينفق على نفسه وأمه، وكان كثير العبادة؛ فلم يزل كذلك حتى كبر وضعف وعجز عن الاحتطاب.
قالوا: فقالت له أمه: إن أباك ورّثك عجلة وذهب بها إلى غيضة كذا واستودعها الله- عز وجل فانطلق إليها وادع إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يردّها عليك، وإنّ من علامتها أنك إذا نظرت إليها يخيّل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها- وكانت تسمّى المذهبة لحسنها وصفرتها وصفاء لونها- فأتى الفتى إلى الغيضة، فرآها ترعى، فصاح بها وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها وقادها، فتكلّمت بإذن الله- عز وجل وقالت: أيّها الفتى البارّ بوالدته، اركبنى فإنّ ذلك أهون عليك. فقال: إنّ أمى لم تأمرنى بذلك، ولكن قالت: خذ بعنقها. فقالت البقرة: وإله بنى إسرائيل لو ركبتنى ما كنت تقدر
علىّ أبدا، فانطلق فإنّك لو أمرت الجبل أن ينقطع من أصله وينطلق معك لفعل، لبرّك بوالدتك. فسار الفتى بها، فاستقبله عدوّ الله إبليس فى صورة راع فقال: أيها الفتى، إنى رجل من رعاة البقر، اشتقت إلى أهلى فأخذت ثورا من ثيرانى، فحملت عليه زادى ومتاعى، حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لأقضى حاجتى، فعدا الثور وسط الجبل وما قدرت عليه، وإنى أخشى على نفسى الهلكة، فإن رأيت أن تحملنى على بقرتك. فلم يفعل الفتى وقال له: اذهب فتوكّل على الله- عز وجل فلو علم الله منك الصدق لبلّغك بلا زاد ولا راحلة.
فقال له إبليس: إن شئت فبعنيها بحكمك، وإن شئت فاحملنى عليها وأعطيك عشرا مثلها. فقال الفتى: إن أمّى لم تأمرنى بذلك. فبينا الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يديه، فنفرت البقرة هاربة فى الفلاة، وغاب الراعى، فدعا الفتى باسم إله إبراهيم، فرجعت إليه وقالت: أيها الفتى البارّ بوالدته، ألم تر إلى الطائر الذى طار، إنه إبليس عدوّ الله اختلسنى، أما إنه لو ركبنى ما قدرت علىّ أبدا، فلمّا دعوت بإله إبراهيم جاء ملك وانتزعنى من يد إبليس وردّنى إليك لبرّك بأمّك وطاعتك لها. فجاء بها الفتى إلى أمّه، فقالت له أمّه: إنك فقير لا مال لك ويشقّ عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل، فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها.
قال: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير، ولا تبعها بغير رضاى ومشورتى.
فكان ثمن البقرة فى ذلك الوقت ثلاثة دنانير، فانطلق بها الفتى إلى السوق فبعث الله- عز وجل ملكا ليرى فى خلقه قدرته، وليخبر الفتى كيف برّه بوالدته، وكان الله تعالى به خبيرا؛ فقال له الملك: بكم تبيع هذه البقرة؟ قال:
بثلاثة دنانير، وأشترط عليك رضا والدتى. فقال له الملك: فأنا أعطيك ستة دنانير ولا تستأمر أمّك. فقال الفتى: لو أعطيتنى وزنها ذهبا لم آخذه إلّا برضا أمّى.
فردّها إلى أمّه، وأخبرها الخبر، فقالت: ارجع فبعها بستة دنانير على رضا منى.
فانطلق بها إلى السوق، وأتى الملك، فقال: استأمرت والدتك؟ فقال الفتى:
إنها أمرتنى ألا أنقصها عن ستة دنانير على أن أستأمرها. فقال الملك: فإنى أعطيك اثنى عشر دينارا على ألّا تستأمرها. فأبى ورجع إلى أمّه فأخبرها بذلك؛ فقالت: إنّ ذلك الرجل الذى يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك فى صورة آدمىّ ليختبرك، فإذا أتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل الفتى ذلك؛ فقال له الملك: اذهب إلى أمّك فقل لها: أمسكى هذه البقرة، فإن موسى بن عمران يشتريها منكم لقتيل يقتل من بنى إسرائيل، فلا تبيعوها إلّا بملء مسكها دنانير. فأمسكوا البقرة، وقدّر الله على بنى إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها مكافأة له على برّه بأمّه؛ وذلك أنه وجد قتيل فى بنى إسرائيل اسمه (عاميل) ولم يدر قاتله.
واختلفوا فى قاتله والسبب فى قتله؛ فقال عطاء والسدّىّ: كان فى بنى إسرائيل رجل كثير المال. وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره، فلما أبطأ عليه موته قتله ليرثه.
قال: وقال بعضهم: كان تحت عاميل بنت عمّ له تضرب مثلا فى بنى إسرائيل بالحسن والجمال، فقتله ابن عمّها لينكحها.
وقال الكلبىّ: قتله ابن أخيه لينكح ابنته، فلمّا قتله حمله من قريته إلى قرية أخرى وألقاه هناك.
وقيل: ألقاه بين قريتين.
وقال عكرمة: كان لبنى إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا، لكل سبط منهم باب، فوجد قتيل على باب سبط، وجرّ إلى باب سبط آخر؛ فاختصم السّبطان فيه.
وقال ابن سيرين: قتله القاتل ثم احتمله فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يطلب بثأره ودمه ويدّعيه عليه.
قالوا: فجاء أولياء القتيل إلى موسى- عليه السلام وأتوه بأناس وادّعوا عليهم القتل، وسألوه القصاص؛ فسألهم موسى عن ذلك، فجحدوا، فاشتبه أمر القتيل على موسى- عليه السلام ووقع بينهم خلاف.
قال الكلبىّ: وذلك قبل نزول القسامة فى التوراة، فسألوا موسى- عليه السلام أن يدعو الله ليبيّن لهم ذلك؛ فسأل موسى- عليه السلام ربّه عز وجل؛ فأمرهم بذبح بقرة؛ فقال لهم موسى ما أخبر الله تعالى به فى قوله:
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ
. أى تستهزئ بنا حين نسألك عن القتيل وتأمرنا بذبح البقرة؛ وإنما قالوا ذلك لتباعد ما بين الأمرين فى الظاهر، ولم يدروا ما الحكمة فيه. قال موسى: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ
، أى من المستهزئين بالمؤمنين؛ فلما علم القوم أنّ ذبح البقرة عزم من الله عز وجل، سألوه الوصف، فذلك قوله تعالى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ.
قال: ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم؛ وإنما كان تشديدهم تقديرا من الله- عز وجل وحكمة.
قال: ومعنى ادْعُ لَنا رَبَّكَ
. أى سل؛ وهكذا فى مصحف عبد الله:
«سل لنا ربّك يبيّن لنا ما هى وما سنّها» . قال موسى: إنه- يعنى الله عز وجل يقول: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ
: لا كبيرة ولا صغيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ
أى نصف بين السّنين.
وقال الأخفش: العوان التى نتجت مرارا، وجمعه عون. فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ
:
من ذبح البقرة، ولا تكرروا القول. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ.
قال ابن عبّاس: شديدة الصّفرة.
وقال قتادة وأبو العالية والربيع: صاف.
وقال سعيد بن جبير: صفراء القرنين والظّلف.
وقال الحسن: سوداء. والعرب تسمّى الأسود أصفر.
وقال العتبىّ: غلط من قال: الصفراء هاهنا السوداء، لأن هذا غلط فى نعوت البقر، وإنما هو من نعوت الإبل، وذلك أن السود من الإبل يشوب سوادها صفرة.
وقال آخر: إنه لو أراد السواد لما أكّده بالفقوع، لأنّ الفاقع: البالغ فى الصفرة، كما يقال: أبيض يقق، وأسود حالك، وأحمر قانئ، وأخضر ناضر. تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
إليها، ويعجبهم حسنها وصفاء لونها، لأنّ العين تسرّ وتولع بالنظر إلى الشئ الحسن.
وقال علىّ- رضى الله عنه-: من لبس نعلا صفراء قلّ همّه، لأنّ الله تعالى يقول: صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ
أسائمة أم عاملة إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
أى إلى وصفها.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «وايم الله لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد» . قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ
، أى مذلّلة للعمل. تُثِيرُ الْأَرْضَ
، أى تقلبها للزراعة وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ
أى بريئة من العيوب
وقال الحسن: مسلّمة القوائم، ليس فيها أثر العمل. لا شِيَةَ فِيها
، قال عطاء: لا عيب فيها.
وقال قتادة: لا بياض فيها أصلا.
وقال مجاهد: لا بياض فيها ولا سواد.
وقال محمد بن كعب: لا لون فيها يخالف معظم لونها. فلما قال هذا قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ
، أى بالوصف البيّن التامّ؛ فطلبوها فلم يجدوا كمال وصفها إلّا عند الفتى البارّ بوالدته؛ فاشتروها منه بملء مسكها ذهبا.
وقال السدّىّ: اشتروها بوزنها عشر مرّآت ذهبا.
وقيل: اشتروها بوزنها مرّة؛ قاله أبو عبيد.
وقيل: بوزنها مرّتين.
وقال الكسائىّ: إنهم أتوا إلى ميشى فى بيع البقرة فقال: لا أبيعها إلّا بحضرة موسى. فرضوا بذلك، وأخرج البقرة إلى موسى، قال: بكم تبيعها؟ قال: المساومة بينى وبينك لا خير فيها، لا أبيعها إلّا بملء جلدها ذهبا. فقال موسى لبنىء إسرائيل:
ذلك لتشديدكم على أنفسكم فشدّد الله عليكم. فضمنوا له ذلك، قال الله تعالى:
فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ
من غلاء ثمنها.
وقال محمد بن كعب: وما كادوا يجدونها باجتماع أوصافها.
وقال الكسائىّ: بوفاء المال؛ قال الله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
، يعنى عاميل. فَادَّارَأْتُمْ
: اختلفتم، قاله ابن عبّاس ومجاهد.
وقال الضحّاك: اختصمتم.
وقال عبد العزيز بن يحيى: شككتم.
وقال الربيع بن أنس: تدافعتم. وأصل الدّرء: الدفع، يعنى ألقى هذا على هذا وهذا على ذاك، فدافع كلّ واحد عن نفسه لقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ*
، أى يدفعون. قال الله تعالى: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
يعنى القتيل ببعض البقرة.
واختلفوا فى هذا البعض ما هو.
فقال ابن عباس: ضربوه بالعظم الّذى يلى الغضروف، وهو المقبل.
وقال الضحّاك: بلسانها.
قال الحسين بن الفضل: وهذا أولى الأقوال، لأنّ المراد كان من إحياء القتيل كلامه، واللسان آلته.
وقال سعيد بن جبير: بعجم ذنبها.
قال يمان بن زرياب: وهو أولى التأويلات بالصواب، لأنّ العصعص أساس البدن الّذى ركّب عليه الخلق، وأنّه أوّل ما يخلق، وآخر ما يبلى.
وقال مجاهد: بذنبها.
وقال عكرمة والكلبىّ: بفخذها الأيمن.
وقال السدّىّ: بالبضعة الّتى بين كتفيها.
وقيل: بأذنها. ففعلوا ذلك، فقام القتيل- بإذن الله عز وجل وأوداجه تشخّب دما، وقال: قتلنى فلان. ثم مات وسقط مكانه؛ قال الله تعالى:
كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.