الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الخمر وأحلى من العسل. قال: إن أخرجها ربّى تؤمنون؟ قالوا: نعم على شرط أن يكون لبنها فى الصيف باردا، وفى الشتاء حارّا، لا يشربه مريض إلّا برئ، ولا فقير إلّا استغنى. قال: إن أخرجها ربّى أتؤمنون؟ قالوا: نعم، على شرط ألّا ترعى من مراعينا، بل فى رءوس الجبال وبطون الأودية، وتذر ما على الأرض لمواشينا، قال: إن أخرجها ربّى أتؤمنون؟ قالوا: نعم، على شرط أن يكون الماء لنا يوما ولها يوما، ولا يفوتنا اللّبن، وتدخل علينا بالعشيّات فى بيوتنا وتسمّى كلّ واحد منّا باسمه، وتنادى:«ألا من أراد اللّبن» ؟ فيخرج ويضع ما يريد تحت ضرعها، فيمتلئ لبنا من غير احتلاب. قال أتؤمنون حقيقة؟ قالوا:
نعم. قال صالح: قد شرطتم شرائط كثيرة، وأنا أشترط عليكم: لا يركبها أحد منكم، ولا يرميها بحجر ولا سهم، ولا يمنعها من شربها ولا فصيلها.
قالوا: هذا لك يا صالح. فأخذ عليهم المواثيق.
ذكر خروج الناقة
قال: فلمّا انتهت شروطهم وشروطه، وأخذ عليهم المواثيق، قام وصلّى ركعتين، ودعا، فاضطربت الصخرة وتمخّضت، وتفجّر من أصولها الماء، والقوم ينظرون، وسمعوا دويّا كدوىّ الرعد، فرفعوا رءوسهم، فإذا بقبّة تنقضّ من الهواء فانحدرت على الصخرة وحولها الملائكة؛ ثم تقدّم صالح إلى الصخرة فضربها بقضيب كان بيده، فاضطربت وتشامخت صعدا؛ ثم تطامنت إلى موضعها؛ ثم خرج رأس ووثبت من جوفها على الصفة كأنّها قطعة جبل، فوقفت بين يدى الملك وقومه وهى أحسن ممّا وصفوا، وهى تنادى:(لا إله إلا الله، صالح رسول الله) .
ثم مر جبريل على بطنها بحربة، فخرج فصيلها على لونها.
ثم نادت: «أنا ناقة ربّى، فسبحان من خلقنى وجعلنى آية من آياته الكبرى» .
فلما رأى الملك ذلك قام عن سريره وقبّل رأس صالح، وقال: يا معشر قبائل ثمود، لا عمى بعد الهدى، أنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأن صالحا رسول الله.
وآمن معه فى ذلك اليوم خلق كثير من أهل مملكته وغيرهم؛ فلمّا رأى داود خادم الأصنام ذلك نادى بصوت رفيع: يا آل ثمود، ما أسرع ما صبوتم إلى هذا الساحر، إن كانت الناقة قد أعجبتكم فهلّموا إلى آلهتكم فسلوها حتى تخرج لكم أحسن منها.
فوقفوا عن الإيمان، وعمدوا إلى شهاب أخ الملك، فملّكوه عليهم؛ ودخل جندع المدينة فكسر الصنم الذى كان يعبده، وفرّق أمواله على المؤمنين، ولبس الصوف، وعبد الله حقّ عبادته، وكانت الناقة تتّبع صالحا كاتّباع الفصيل لأمّه؛ فلمّا كان بعد ذلك أقبلت ثمود على صالح، وقالوا: إن لم نمسّ الناقة بسوء يصرف ربّك عنّا عذابه؟ قال: نعم، إلى منتهى آجالكم. وكانت الناقة تخرج وفصيلها خلفها، فتصعد إلى رءوس الجبال، ولا تمرّ بشجرة إلّا التفّت عليها أغصانها فتأكل أطايب أوراقها؛ ثم تهبط إلى الأودية فترعى هناك، فإذا أمست تدخل المدينة وتطوف على دور أهلها، وتنادى بلسان فصيح: ألا من أراد منكم اللّبن فليخرج.
فيخرجون بآنيتهم، فيضعونها تحت ضرعها، واللّبن يشخب حتى تمتلئ الآنية؛ فإذا اكتفوا عادت إلى المسجد، وتسبّح الله حتى تصبح؛ ثم تخرج إلى المرعى وهذا دأبها.
قال: وكان للقوم بئر يشربون منها ليس لهم سواها، فإذا كان يوم الناقة تأتى وتدلّى رأسها فتشربه وتقول:«الحمد لله الذى سقانى من فضل مائه، وجعلنى حجّة على آل ثمود» .