الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر السامرى واتخاذه العجل وافتتان بنى إسرائيل به
قال الكسائىّ والثعلبىّ وغيرهما من أهل السير ما مختصره ومعناه: إن موسى- عليه السلام لمّا توجّه إلى البقعة المباركة الّتى كلّمة الله تعالى فيها لميقات ربّه، استخلف أخاه هارون على بنى إسرائيل، وكان السامرىّ فيهم.
واختلف فيه، فقال قتادة والسدّىّ: كان السامرىّ من عظماء بنى إسرائيل من قبيلة يقال لها: (سامرة)«1» ولكنه عدوّ لله منافق.
وقال سعيد: كان السامرىّ من (كرمان) .
وقال غيرهم: كان رجلا صائغا من أهل باجرما، واسمه ميخا.
وقال ابن عبّاس- رضى الله عنهما-: اسمه موسى بن ظفر، وكان رجلا منافقا وقد أظهر الإسلام؛ وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل قلبه حبّ البقر، فلما ذهب موسى- عليه السلام لميقات ربّه- وكان قد واعد قومه ثلاثين ليلة فأتمّها الله بعشر، كما أخبر الله عز وجل فعدّ بنو إسرائيل ثلاثين، فلمّا لم يرجع إليهم موسى افتتنوا وقالوا: إنّ موسى أخلفنا الوعد؛ فاغتنمها السامرىّ ففعل ما فعل.
وقال قوم: إنهم عدّوا الليلة يوما واليوم يوما، وكان موسى قد واعدهم أربعين، فلمّا مضت عشرين يوما افتتنوا، فأتاهم السامرىّ وقال: إنّ موسى قد احتبس عنكم، فينبغى لكم أن تتّخذوا إلها، فإنّ موسى ليس يرجع إليكم، وقد تمّ الميقات. وإنما طمع فيهم السامرىّ لأنّهم فى اليوم الذى أنجاهم الله من فرعون وطلعوا من البحر، كان من أمرهم ما أخبر الله تعالى عنهم فى قوله: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا
إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
فطمع السامرىّ فيهم واغتنمها، فلمّا تأخّر موسى عن الميقات- وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلّى آل فرعون كما قدّمنا؛ فلمّا فصل موسى قال هارون لبنى إسرائيل: إنّ حلّى القبط الّذى استعرتموه غنيمة، وإنّه لا يحلّ لكم؛ فاجمعوه فاحفروا له حفيرة وادفنوه حتى يرجع موسى فيرى فيه رأيه. ففعلوا ذلك، وجاءهم السامرىّ ومعه القبضة الّتى قبضها من أثر حافر فرس جبريل- عليه السلام.
قالوا: وكان لجبريل- عليه السلام فرس أنثى بلقاء يقال لها:
«فرس الحياة» لا تصيب شيئا إلّا حيى؛ فلما رأى السامرىّ جبريل على تلك الفرس عرفه وقال: إن لهذا الفرس لشأنا. وأخذ قبضة من تراب حافرها حين عبر جبريل البحر.
قالوا: وإنّما عرف السامرىّ خبر الفرس دون غيره من بنى إسرائيل، لأنّ فرعون لمّا أمر بذبح أولاد بنى إسرائيل جعلت المرأة إذا ولدت الغلام انطلقت به سرّا فى جوف الليل الى صحراء أو واد أو غار فى جبل فأخفته؛ فقيّض الله تعالى له ملكا من الملائكة يطعمه ويسقيه حتى لا يختلط بالناس، وكان الذى ولى كفالة السامرىّ جبريل عليه السلام، فجعل يمصّ من إحدى إبهاميه سمنا، ومن الأخرى عسلا، فمن ثمّ عرفه، ومن ثمّ الصبىّ إذا جاع يمصّ إبهامه فيروى من المص.
نرجع إلى خبر بنى إسرائيل مع السامرىّ.
قال: فلمّا أمرهم هارون بجمع الحلىّ وجمعوه، جاء السامرىّ بالقبضة فقال لهارون: يا نبىّ الله، أأقذفها فيه؟ فظنّ هارون أنّها من الحلىّ، وأنّه يريد بها ما يريد أصحابه، فقال له: اقذف. فقذفها فى الحفرة على الحلىّ، فصار عجلا جسدا له خوار.
وقال ابن عبّاس- رضى الله عنهما-: أوقد هارون نارا وأمرهم أن يقذفوا الحلىّ فيها؛ فقذف السامرىّ تلك القبضة فيها وقال: «كن عجلا جسدا له خوار» . فكان كذلك للبلاء والفتنة.
ويقال: إنّ الّذى قال لبنى إسرائيل: «إنّ الغنيمة لا تحل لكم» هو السامرىّ، فصدّقوه وجمعوها، فدفعوها إليه فصاغ منها عجلا فى ثلاثة أيام ثم قذف فيه القبضة، فجثا وخار خورة ثم لم يعد.
وقال السدّىّ: كان يخور ويمشى؛ فلمّا أخرج السامرىّ العجل وكان من ذهب مرصّع بالحجارة كأحسن ما يكون، قال هذا إلهكم وإله موسى. فشبّه السامرىّ على أوغاد بنى إسرائيل وجهّالهم حتى أضلّهم وقال لهم: إنّ موسى قد أخطأ ربّه فأتاكم ربّه أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه، وأنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه، وأنه قد أظهر لكم العجل ليكلّمكم من وسطه كما كلّم موسى من الشجرة.
قالوا: فلمّا رأوا العجل وسمعوا قول السامرىّ، افتتنوا غير اثنى عشر ألفا وكان مع هارون ستّمائة ألف، فعكفوا عليه يعبدونه من دون الله تعالى، وأحبّوه حبّا ما أحبّوا مثله شيئا قطّ؛ فقال لهم هارون: يا بنى إسرائيل إنّما فتنتم به وإنّ ربّكم الرّحمن فاتّبعونى وأطيعوا أمرى* قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى.
فأقام هارون بمن معه من المسلمين، وأقام من يعبد العجل على عبادته؛ وخشى هارون إن سار بمن معه من المسلمين إلى المفتتنين الضالّين أن يقول له موسى:
فرقت بين بنى إسرائيل.