الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر هجرة إبراهيم- عليه السلام
-
قال: وجمع إبراهيم أصحابه الّذين آمنوا به، وسار يريد الشأم، فجاء إلى (حرّان) فأقام بها مدّة من عمره، وترك بها طائفة من المؤمنين، وسار حتى أتى الأردنّ وكان اسم ملكها صادوق، فمرّ به وهو فى منظرة له، فنظر إلى سارّة مع إبراهيم فأحضرهما، وقال لإبراهيم: من أنت؟ قال: أنا خليل الله إبراهيم. وذكر له ما كان من أمر نمروذ. فقال له: من هذه؟ قال: هى أختى. فقال: زوّجنيها.
قال: هى أعلم بنفسها منّى، وإنّها لا تحلّ لك. فاغتصبها منه، وقام إلى مجلس آخر وأمر بحملها إليه. فدعا إبراهيم الله تعالى، فارتجّ المجلس بالملك، ويبست يده فقال لسارّة: ألا ترين ما أنا فيه؟ قالت: لأنّك أغضبت خليل الله.
قال: فتضرّع إلى إبراهيم؛ فسأل الله فى ردّ يده عليه؛ فأوحى الله إليه:
لا أطلقه دون أن أخرجه من ملكه ويسلم؛ فأسلم وخرج عن الملك، ووهب سارّة هاجر، وهى أمّ إسماعيل.
قال وارتحل إبراهيم حتى أتى الأرض المقدّسة فنزلها.
وقد روينا هذه القصة بسندنا إلى البخارىّ- رحمه الله وسنذكر الحديث- إن شاء الله تعالى- فى أخبار طرطيس أحد الملوك بمصر، فقد ورد أنه صاحب القصة؛ والله أعلم.
ذكر خبر ميلاد إسماعيل- عليه السلام ومقامه وأمّه فى البيت المحرّم
قال: وأقام إبراهيم بالأرض المقدّسة ما شاء الله أن يقيم حتى كبرت سارّة وأيست من الولد، فخافت من انقطاع نسل إبراهيم- عليه السلام فوهبته هاجر فقبلها، وواقعها، فحملت بإسماعيل، ووضعته كالقمر وفى وجهه نور نبيّنا محمد
صلّى الله عليه وسلّم؛ فأحبّته سارّة حتى بلغ من عمره سبع سنين، فداخلت الغيرة سارّة، ولم تطق أن ترى إبراهيم مع هاجر، فقالت: يا نبىّ الله، إنى لا أحبّ أن تكون هاجر معى فى الدار، فحوّلها حيث شئت.
فأوحى الله إليه أن انقلها إلى الحرم؛ وجاءه جبريل بفرس من الجنّة، فقال له: يا إبراهيم، احمل هاجر وإسماعيل على هذا الفرس. فأركب إبراهيم هاجر وإسماعيل من ورائها، وسار بهما حتى بلغ الحرم.
فأوحى الله إليه أن أنزل بهما هاهنا. فأنزلهما بالقرب من البيت، وهو يومئذ أكمة حمراء كالربوة من تخريب الطوفان. ثم قال إبراهيم لهاجر: كونى هاهنا مع ولدك فإنى راجع، فبذلك أمرنى ربّى. فلما أراد إبراهيم أن ينصرف قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.
ثم رجع وتركهما هناك ولا ثالث لهما إلّا الله تعالى.
فلما علا النهار، واشتدّ الحرّ، ونفد ما معهما من الماء، قامت هاجر تعدو يمينا وشمالا فى طلب الماء فلم تجده؛ فعادت إلى إسماعيل فرأته يبحث بأصابعه فى موضع بئر زمزم وقد نبع الماء؛ فسجدت لله، وأخذت تجمع الحصا حول العين لئلّا ينتشر الماء وهى تقول: زمّ زمّ يا مبارك.
فناداها جبريل: لا تخافى وأبشرى، فإن الله سيعمر هذا المكان.
قال وهب: لولا أن هاجر جمعت الحصا حول الماء لتمّت العين نهرا جاريا على وجه الأرض إلى يوم القيامة.
قال: وأقبل ركب من اليمن يريدون الشأم، وطريقهم على الحرم، فرأوا الطير تهوى إلى الأرض، فقالوا: إن الطير لا تنقضّ إلّا على الماء والعمارة.
وأقبلوا فرأوا هاجر وإسماعيل والعين؛ فسألوها، فقالت: أنا جارية خليل الله إبراهيم وهذا ابنه، خلّفنا وانصرف إلى الشأم.
فآستأذنوها فى الماء؛ فأذنت لهم. ثم قالوا: هل أحد ينازعك على هذا الماء؟
قالت: لا، فإنّ الله أخرجه لى ولولدى. قالوا: إن حضرنا بأهالينا وسكّنا فى جواركم هل تمنعيننا من هذا الماء؟ قالت: لا، فإنه لله يشربه خلق الله.
فرجعوا إلى بلدهم، واحتملوا أهاليهم وأتوا الحرم بها وبمواشيهم، فصاروا لهما أنسا.
ونشأ إسماعيل حتى بلغ مبلغ الرجال، فكان يخرج إلى الصيد معهم ويرجع وماتت أمه هاجر، وتزوّج إسماعيل منهم، وبلغ إبراهيم خبر موت هاجر، فاشتاق إلى إسماعيل، فاستأذن سارّة فى ذلك، فأذنت له، فجاءه جبريل بفرس فركبه وسار حتى وقف على بيت ولده إسماعيل بالحرم، فقال: السلام عليكم يا أهل المنزل.
فقالت له المرأة: إن صاحب البيت غائب. فقال إبراهيم: إذا رجع فقولى له:
ابدل عتبة دارك، فإنّى لا أرضاها لك. وانصرف إلى الشأم.
فلما عاد إسماعيل أخبرته بالخبر، فقال: صفيه لى. فوصفته؛ فقال: الحقى بأهلك.
فجاء أهلها وقالوا: ما الذى كرهت منها؟ قال: لأنها لم تعرف لخليل الله قدرا.
ثم تزوّج امرأة من جرهم، فأولدها إسماعيل ستّة أبطن، فاشتاق إبراهيم إلى ولده، فجاءه جبريل بفرس فركبه وسار إلى الحرم، وقد عمر ذلك المكان بجرهم؛ فوقف على باب إسماعيل وقال: السلام عليكم يا أهل المنزل. فبادرت المرأة وسلّمت عليه، وقالت: فدتك نفسى، إن صاحب المنزل غائب، وإنه يعود عن قريب. قال: هل عندك طعام؟ قالت: نعم، عندنا خير كثير. وجاءته بطبق