الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرّة فلم ترحمهم ولم تغثهم، أما وعزتى وجلالى لو إياى دعوا لوجدونى قريبا مجيبا.
قال قتادة: ذكر لنا أن الله تعالى يخسف بهم فى كل يوم قامة، وأنه يتخلخل»
فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.
قالوا: فلما خسف الله تعالى بقارون وصاحبيه أصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم: إن موسى دعا على قارون ليستبدّ بداره وكنوزه وأمواله. فدعا موسى حتى خسف الله تعالى بدار قارون وأمواله الأرض؛ وأوحى الله تعالى إلى موسى:
أنى لا أعبّد الأرض لأحد بعدك أبدا؛ فذلك قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ.
قال: فلما حلّت نقمة الله تعالى بقارون حمد المؤمنون الله تعالى، وندم الذين كانوا يتمّنون ماله وحاله، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ
. والله الفعّال.
ذكر خبر موسى والخضر- عليهما السلام
-
وهذا الخبر إنما رجعت فيه واعتمدت على ما ورد فى الحديث الصحيح النبوىّ مما خرّجه البخارىّ- رحمه الله تعالى- فى صحيحه، ورويناه بسندنا عنه بسنده عن ابن عباس عن أبىّ بن كعب- رضى الله عنهم- عن النبىّ صلى الله عليه وسلم:
أن موسى «2» عليه السلام قام خطيبا فى بنى إسرائيل، فسئل: أىّ الناس
أعلم؟ قال: أنا. فعتب الله تعالى عليه إذ لم يردّ العلم إليه؛ فقال: بلى، عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك.
وورد فى الحديث الآخر من رواية البخارىّ: بلى عبدنا خضر. قال: أى ربّ ومن لى به؟ قال سفيان من روايته: أى ربّ وكيف لى به؟ قال: تأخذ حوتا فتجعله فى مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ. وربما قال: فهو ثمّة.
فأخذ حوتا فجعله فى مكتل، ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما؛ فرقد موسى عليه السلام، واضطرب الحوت فخرج فسقط فى البحر: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً
؛ فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار «1» مثل الطاق؛ فانطلقا يمشيان بقيّة يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال لفتاه:
آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً
؛ ولم يجد موسى النّصب حتى جاوز حيث أمره الله تعالى؛ قال له فتاه: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً
؛ فكان للحوت سربا ولهما عجبا.
قال له موسى: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً.
فرجعا يقصّان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجّى بثوب، فسلّم موسى، فردّ عليه فقال: وأنّى بأرضك السلام. قال: أنا موسى. قال: موسى بنى إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمنى ممّا علّمت رشدا. قال: يا موسى إنى على علم من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. قال هَلْ أَتَّبِعُكَ
. قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ
تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
. إلى قوله: أَمْراً
؛ فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينة فكلّموهم أن يحملوهم؛ فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول؛ فلما ركبا فى السفينة جاء عصفور «1» فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة أو نقرتين «2» فقال له الخضر: يا موسى، ما نقص علمى وعلمك من علم الله إلّا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر. «فأخذ الفأس «3» فنزع لوحا» .
قال: فلم يفجأ «4» موسى إلّا وقد قلع لوحا بالقدوم؛ فقال له موسى: ما صنعت؟
قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً* قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً
. وكانت الأولى من موسى نسيانا. فلمّا خرجا من البحر مرّا بغلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه يقلعه بيده هكذا- وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنّه يقطف شيئا- قال له موسى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً* فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ
مائلا، فَأَقامَهُ
- أومأ بيده هكذا وأشار سفيان كأنّه يمسح شيئا إلى فوق- قال:
قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا عمدت إلى حائطهم، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.
قال النبىّ- صلى الله عليه وسلم: «وددنا أنّ موسى كان صبر فقصّ علينا من خبرهما» .
قال سفيان: قال النبىّ- صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لو كان صبر لقصّ علينا من أمرهما» .
وقرأ ابن عبّاس- رضى الله عنهما-: «أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا* وأمّا الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين» .
ثم قال لى سفيان: سمعته منه مرّتين وحفظته منه.
هذا حديث البخارىّ عن علىّ «1» بن عبد الله عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبىّ بن كعب؛ وقصّتهما فى كتاب الله تعالى:
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً* وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً
الآيات، إلى قوله: وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.
وحكى أبو إسحاق الثعلبىّ- رحمه الله فى قصصه أنّ الخضر- عليه السلام اسمه بليا «2» بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وروى حديثا عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما سمّى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، وإذا هى تهتزّ تحته خضراء.