الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الكلبىّ: ثم قالوا بعد ذلك: «لم نقتله نحن» ، وأنكروا، فلم يكونوا قطّ أقسى قلبا ولا أشدّ تكذيبا منهم لنبيّهم عند ذلك، ولذلك يقول الله تعالى:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً.
قال الكلبىّ: يبست واشتدّت.
وقال أبو عبيدة: جفّت من الشدّة فلم تلن.
وقيل: غلظت.
وقيل: اشتدّت.
وقال الزّجاج: تأويل القسوة ذهاب اللّين والرحمة والخشوع والخضوع.
قوله: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
، أى من بعد ظهور الدّلالات، فهى فى غلظها وشدّتها كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
، أى بل أشدّ قسوة.
ثم عدّد الله تعالى الحجارة وفضّلها على القلب القاسى، وقال تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
، أى ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
ذكر بناء بيت المقدس وخبر القربان والتابوت والسكينة وصفة النار
وهذا البيت ليس هو البيت المقدّس الموجود الآن، وإنما هو الذى تسميه اليهود:«قبة الزمان» ويزعمون أن ذلك نص التوراة، وكان من خبر هذه القصة ما رواه الثعلبىّ بإسناده عن وهب بن منبّه قال: أوحى الله تعالى إلى موسى- عليه السلام أن يتّخذ مسجدا لجماعتهم. وبيت قدس للتوراة، وتابوتا للسكينة وقبابا للقربان، وأن يجعل لذلك المسجد سرادقات باطنها وظاهرها من الجلود
الملبسة عليها، وأن تكون تلك الجلود من جلود ذبائح القربان، وحيالها من أصواف تلك الذبائح؛ وعهد إليه ألا تغزل تلك الحبال حائض، ولا يدبغ تلك الجلود جنب؛ وأمره أن ينصب تلك السرادقات على عمد من نحاس، طول كلّ عمود منها أربعون ذراعا، ويجعل فيها اثنى عشر قسما مشرجا «1» ، إذا نقضت صارت اثنى عشر جزءا يحمل كلّ جزء بما فيه من العمد سبط من الأسباط من بنى إسرائيل؛ وأمره أن يجعل سعة ذلك السرادق ستّمائة ذراع، وأن ينصب فيه سبع قباب، ستّ قباب منها مشبكة بقضبان الذهب والفضة، كلّ واحدة منهن منصوبة على عمود من فضة طول كل عمود منها أربعون ذراعا، وعليها أربعة دسوت ثياب، الباطن منها سندس أخضر، والثانى أرجوان أحمر، والثالث ديباج أصفر، والرابع من جلود القربان وقاية لها من المطر والغبار، وحبالها التى تمدّ بها من صوف القربان، وأن يجعل سعتها أربعين ذراعا، وأن ينصب فى جوفها موائد من فضّة مربّعة مرصّعة يوضع عليها القربان، سعة كلّ مائدة منها أربع أذرع، كلّ مائدة منها على أربع قوائم من فضّة، طول كلّ قائمة ثلاث أذرع، لا ينال الرجل منها إلّا قائما؛ وأمره أن ينصب بيت المقدس على عمود من ذهب، طوله سبعون ذراعا، وأن يضعه على سبيكة من ذهب أحمر طولها تسعون ذراعا، مرصّعة بألوان الجواهر، وأن يجعل أسفله مشبّكا بقضبان الذهب والفضّة، وأن يجعل حباله التى يمدّ بها من صوف القربان مصبوغة بألوان من أحمر وأصفر وأخضر؛ وأن يلبسه سبعة من الحلل، الباطن منها سندس أخضر، والثانى أرجوان أحمر، والثالث ديباج أصفر، والرابع من الحرير الأبيض، وسائرها من الدّيباج والوشى؛ والظاهر غاشية له من جلود القربان وقاية له من الأذى والندى؛ وأمره أن يجعل سعته سبعين ذراعا، وأن يفرش القباب
بالقزّ الأحمر؛ وأمره أن ينصب فيه تابوتا من ذهب كتابوت الميثاق، مرصّعا بأنواع الجواهر والياقوت والزمرد الأخضر، وقوائمه من الذهب، وأن يجعل سعته سبع أذرع فى أربع أذرع، وعلوّه قامة موسى عليه السلام، وأن يجعل له أربعة أبواب: باب تدخل منه الملائكة، وباب يدخل منه موسى، وباب يدخل منه هارون، وباب يدخل منه أولاد هارون، وهم سدنة ذلك البيت وخزّان التابوت، وأمر الله نبيّه موسى أن يأخذ من كلّ محتلم من بنى إسرائيل مثقالا من الذهب فينفقه على هذا البيت، وأن يجعل باقى المال الذى يحتاج إليه فى ذلك من الحلىّ والحلل التى ورثها موسى وأصحابه من فرعون وأصحابه؛ ففعل موسى ذلك، فبلغ عدد رجال بنى إسرائيل ستّمائة ألف وسبعمائة وخمسين رجلا فأخذ منهم ذلك المال.
وأوحى الله تعالى إليه أنى منزّل عليكم من السماء نارا لا دخان لها ولا تحرق شيئا، ولا تنطفئ أبدا، لتأكل القرابين المتقبّلة، وتسرج منها القناديل الّتى فى بيت المقدس، وكانت من ذهب معلّقة بسلاسل من ذهب، منظومة باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر؛ وأمره أن يضع فى وسط البيت صخرة عظيمة من الرّخام، وينقر فيها نقرة لتكون كانون تلك النار التى ينزل بها من السماء؛ فدعا موسى أخاه هارون وقال له: إن الله تعالى قد اصطفانى بنار ينزلها من السماء لتأكل القرابين المقبولة ولتسرج منها القناديل، وأوصانى بها، وإنى قد اصطفيتك لها وأوصيتك بها. فدعا هارون ابنيه وقال لهما: إن الله تعالى قد اصطفى موسى بأمر وأوصاه به، وإنه قد اصطفانى له وأوصانى به، وإنى قد اصطفيتكما وأوصيتكما به. وكان أولاد هارون هم الذين يلون سدانة بيت المقدس وأمر القربان والنيران؛ فشربا ذات ليلة ثم ثملا، ثم دخلا البيت وأسرجا القناديل من هذه النار التى فى الدنيا، فغضب