الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن ماء السماء. وذلك فى مملكة كسرى بن هرمز، فغزاه الحارث الغسّانىّ، وكان بالشام من جهة قيصر، فالتقوا بعين أباغ، فقتل المنذر، فولّى كسرى النعمان بن المنذر، ثم سعى الى كسرى فى النعمان فقتله، وقد تقدّم ذكر سبب ولايته ومقتله.
وكان النعمان لمّا تحقّق غضب كسرى عليه هرب، ثم علم أنه لا منجى له من يد كسرى فقدم إليه فقتله. واستعمل كسرى على العرب إياس بن قبيصة الطائىّ.
وكان النعمان لمّا شخص الى كسرى أودع حلقته، وهى ثمانمائة درع وسلاحا كثيرا، هانىء بن مسعود الشّيبانىّ، وجعل عنده ابنته هندا التى تسمّى حرقة، فلمّا قتل النعمان قالت فيه الشعراء، فقال زهير بن أبى سلمى من أبيات:
ألم تر للنّعمان كان بنجوة
…
من الشرّ لو أنّ امرأ كان ناجيا
فلم أر مخذولا له مثل ملكه
…
أقلّ صديقا باذلا أو مواسيا
يوم ذى قار
قال أبو عبيدة: يوم ذى قار هو يوم الحنو، ويوم قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذات العجرم، ويوم بطحاء ذى قار، وكلّها حول ذى قار.
قال أبو عبيدة: لم يكن هانىء بن مسعود المستودع حلقة النعمان، وإنما هو ابن ابنه، واسمه هانىء بن قبيصة بن هانىء بن مسعود، لأنّ وقعة ذى قار كانت وقد بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم وخبّر أصحابه بها فقال:«اليوم أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبى نصروا» .
ولما قتل النعمان كتب كسرى إلى إياس بن قبيصة يأمره أن يضمّ ما كان للنعمان، فأبى هانىء بن قبيصة أن يسلّم ذلك إليه، فغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل، فقدم عليه النعمان بن زرعة التغلبىّ فقال: يا خير الملوك، ألا أدلّك
على غرّة بكر بن وائل، قال نعم، قال: أقرّها وأظهر الإضراب عنها حتى يجليها القيظ ويدنيها منك، فأقرّهم، حتى إذا قاظوا نزلت بكر حنو ذى قار، فأرسل إليهم كسرى النعمان بن زرعة يخيّرهم بين ثلاث خصال: إمّا أن يسلّموا الحلقة، وإمّا أن يعرّوا الدّيار، وإمّا أن يأذنوا بحرب. فتنازعت بكر بينها، فهمّ هانىء بن قبيصة بركوب الفلاة، وأشار به على بكر وقال: لا طاقة لكم بجموع الملك، فلم تر من هانىء سقطة قبلها.
وقال حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلىّ: لا أرى غير القتال، فإنّا إن ركبنا الفلاة لمتنا عطشا، وإن أعطينا بأيدينا تقتل مقاتلتنا وتسبى ذراريّنا، فراسلت بكر عنها وتوافت بذى قار، ولم يشهدها أحد من بنى حنيفة، ورؤساء بكر يومئذ ثلاثة نفر: هانىء بن قبيصة الشيبانىّ، ويزيد بن مسهر الشّيبانىّ، وحنظلة بن ثعلبة العجلىّ.
فقال حنظلة بن ثعلبة لهانىء بن قبيصة: يا أبا أمامة، إنّ ذمّتكم ذمّتنا عامّة، وإنه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا، فأخرج هذه الحلقة ففرّقها بين قومك، فإن تظفر فستردّ عليك، وإن تهلك فأهون مفقود، ففرّقها فيهم. وقال للنعمان:
لولا أنك رسول ما أبت إلى قومك سالما.
قال: فعقد كسرى للنعمان بن زرعة على تغلب والنّمر. وعقد لخالد بن يزيد البهرانىّ على قضاعة وإياد. وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب، ومعه كتيبتاه: الشهباء ودو سر. وعقد للهامرز التّسترىّ على ألف من الأساورة، وكتب إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ذى الجدّين- وكان عامله على طفّ سفوان- يأمره أن يوافى إياس بن قبيصة، فسار إليه.
وسار إياس بمن معه من الجند وغيرهم، فلما دنوا من بكر أقبل قيس بن مسعود الى قومه ليلا، فأمرهم بالصبر ثم رجع.
فلما التقى الزّحفان وتقرّب القوم، قام حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلىّ فقال:
يا معشر بكر، إنّ نشّاب الأعاجم يفرّقكم، فعاجلوهم الى اللّقاء وابدءوهم بالشدّة، وقال هانىء بن مسعود: يا قوم، مهلك مقدور، خير من منجى مغرور.
إنّ الجزع لا يردّ القدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفر، المنيّة خير من الدنيّة، واستقبال المنيّة خير من استدبارها، فالجدّ الجدّ، فما من الموت بدّ.
ثم قام حنظلة بن ثعلبة فقطع وضن «1» النساء فسقطن الى الأرض وقال: ليقاتل كلّ رجل عن حليلته، فسمّى مقطّع الوضن.
قال: وقطع يومئذ سبعمائة من بنى شيبان أيدى أقبيتهم من مناكبها لتخفّ أيديهم لضرب السيوف فتجالد القوم، وقتل يزيد بن حارثة اليشكرىّ الهامرز مبارزة، ثم قتل يزيد بعد ذلك. فضرب الله وجوه الفرس فانهزموا، واتبعتهم بكر حتى دخلوا السواد فى طلبهم، وأسر النعمان بن زرعة التغلبىّ. ونجا إياس بن قبيصة على فرسه الحمامة، فكان أوّل من انصرف إلى كسرى بالهزيمة هو. وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلّا نزع كتفيه. فلمّا أتاه إياس بن قبيصة سأله عن الجيش فقال: هزمنا بكر بن وائل وأتيناك ببناتهم. فأعجب ذلك كسرى وأمر له بكسوة، ثم استأذنه إياس فقال: أخى قيس بن قبيصة مريض بعين التّمر، فأردت أن آتيه، فأذن له.
ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة وهو بالخورنق فسأل: هل دخل على الملك أحد؟ فقالوا: إياس، فظنّ أنه قد حدّثه الخبر، فدخل عليه وأخبره بهزيمة القوم