المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ولنرجع الى أخبار الملوك - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس عشر

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الرابع من الفن الخامس في أخبار الملوك]

- ‌[تتمة الباب الثاني من القسم الرابع من الفن الخامس]

- ‌ذكر أخبار مصر

- ‌ذكر خبر بناء الأهرام وسبب بنائها وشىء من عجائبها

- ‌ولنرجع الى أخبار الملوك

- ‌ذكر خبر كهّان مصر وحالهم مع الملوك

- ‌ذكر من ملك مصر بعد الطوفان من الملوك

- ‌ذكر خبر هاروت وماروت

- ‌ولنرجع إلى أخبار عديم بن البودسير الملك

- ‌ذكر أخبار أشمون ومن ملك من بنيه

- ‌ذكر أخبار أتريب الملك

- ‌ذكر» أخبار صابن قبطيم بن مصريم بن بيصر بن حام ابن نوح عليه السلام

- ‌ذكر خبر عون وما فعله فى غيبة الوليد وخبر المدينة التى بناها

- ‌ذكر عود الوليد إلى مصر وهرب عون إلى مدينته

- ‌ذكر نبذة من أخبار من الملك مصر بعد غرق فرعون

- ‌الباب الثالث من القسم الرابع من الفن الخامس فى أخبار ملوك الأمم من الأعاجم

- ‌ذكر أخبار ملوك الفرس وهم الفرس الأول

- ‌ذكر أخبار بختنصّر

- ‌ذكر أخبار ملوك الطوائف

- ‌ذكر أخبار الملوك الساسانية

- ‌ذكر قطعة من سير كسرى أنو شروان وسياسته

- ‌ذكر خطبة أنوشروان

- ‌ذكر حيلة لأبرويز على ملك الروم

- ‌ذكر سبب هلاك أبرويز وقتله

- ‌ذكر أخبار ملوك اليونان وأنسابهم

- ‌ذكر شىء من مكايد الإسكندر وحيله فى حروبه

- ‌ذكر شىء من أخبار الإسكندر وما اتفق له مع ملكى الهند والصين

- ‌كلام الحكماء عند وفاة الإسكندر

- ‌ذكر أخبار ملوك السّريان

- ‌ذكر أخبار الملوك الكلوانيّين وهم ملوك النّبط ملوك بابل

- ‌ذكر أخبار ملوك الروم وأنسابهم

- ‌ذكر خبر أصحاب الكهف

- ‌ذكر أخبار ملوك الروم المتنصّرة وهم ملوك القسطنطينية

- ‌ذكر ملوك الروم بعد ظهور الإسلام

- ‌ذكر أخبار ملوك الصّقالبة والنّوكبرد

- ‌ذكر خبر ملوك الإفرنجة والجلالقه

- ‌ذكر طوائف السودان وشىء من أخبارهم ونسبهم

- ‌الباب الرابع من القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك العرب ويتّصل بهذا الباب خبر سيل العرم

- ‌ذكر أخبار ملوك قحطان

- ‌ذكر خبر سيف بن ذى يزن وعود الملك إلى حمير

- ‌ذكر أخبار ملوك الشام من ملوك قحطان

- ‌ذكر أخبار ملوك الحيرة وهم من آل قحطان

- ‌الباب الخامس من القسم الرابع من الفنّ الخامس

- ‌ذكر وقعة طسم وجديس

- ‌ذكر حروب قيس فى الجاهلية يوم منعج لغنىّ على عبس

- ‌يوم بطن عاقل لذبيان على بنى عامر

- ‌يوم رحرحان لعامر على تميم

- ‌يوم شعب جبلة لعامر وعبس على ذبيان وتميم

- ‌يوم الخريبة وفيه قتل الحارث بن ظالم

- ‌ذكر حرب داحس والغبراء وهى من حروب قيس

- ‌يوم المريقب لبنى عبس على بنى ذبيان

- ‌يوم ذى حسى لذبيان على عبس

- ‌يوم اليعمريّة لعبس على ذبيان

- ‌يوم الهباءة لعبس على ذبيان

- ‌يوم الفروق لبنى عبس

- ‌يوم قطن

- ‌يوم غدير قلبى

- ‌يوم الرقم لغطفان على بنى عامر

- ‌يوم حوزة الثانى

- ‌يوم ذات الأثل

- ‌يوم الظعينة بين دريد بن الصّمّة وربيعة بن مكدّم

- ‌يوم الصّلعاء لهوازن على غطفان

- ‌يوم فزارة لكنانة على سليم

- ‌يوم أقرن لبنى عبس على بنى دارم

- ‌يوم دارة مأسل لتميم على قيس

- ‌أيام تميم على بكر يوم الوقيط

- ‌يوم الحائر وهو يوم ملهم لبنى يربوع على بنى بكر

- ‌يوم القحقح وهو يوم مالة لبنى يربوع على بكر

- ‌يوم رأس العين لبنى يربوع على بكر

- ‌يوم الغبيط لبنى يربوع على بكر

- ‌يوم مخطّط لبنى يربوع على بكر

- ‌يوم جدود

- ‌يوم سفوان

- ‌أيام بكر على تميم يوم الزّويرين

- ‌يوم الشّيّطين لبكر على تميم

- ‌يوم صعفوق لبكر على تميم

- ‌يوم مبايض لبكر على تميم

- ‌يوم فيحان لبكر على تميم

- ‌يوم ذى قار الأوّل لبكر على تميم

- ‌يوم الحاجز لبكر على تميم

- ‌يوم الشقيق لبكر على تميم

- ‌ذكر حرب البسوس وهى حرب بكر وتغلب ابنى وائل

- ‌ذكر مقتل كليب وائل

- ‌يوم النّهى

- ‌يوم الذنائب

- ‌يوم واردات

- ‌ يوم عنيزة

- ‌يوم قضة

- ‌يوم تحلاق اللّمم

- ‌الكلاب الأوّل

- ‌يوم الصّفقة وهو يوم الكلاب الثانى

- ‌يوم طخفة

- ‌يوم فيف الريح

- ‌يوم زرود الأوّل

- ‌يوم غول الأوّل وهو يوم كنهل

- ‌يوم الجبابات

- ‌يوم الشّعب

- ‌يوم غول الثانى فيه قتل طريف شراحيل وعمرو بن مرثد المحلّمىّ

- ‌يوم الخندمة

- ‌يوم اللهيماء

- ‌يوم خزاز

- ‌يوم النّسار

- ‌يوم ذات الشقّوق

- ‌يوم خوّ

- ‌أيام الفجار

- ‌الفجار الأوّل

- ‌الفجار الثانى

- ‌الفجار الثالث وهو بين كنانة وهوازن

- ‌الفجار الآخر وهو بين قريش وكنانة كلها وبين هوازن

- ‌يوم العبلاء

- ‌يوم شرب

- ‌يوم الحريرة

- ‌يوم عين أباغ

- ‌يوم ذى قار

- ‌صورة ما ورد بآخر الجزء الثالث عشر فى أحد الأصلين الفتوغرافيين المرموز له بنسخة (ا)

- ‌صورة ما ورد بآخر الجزء الثالث عشر أيضا فى الأصل الثانى الفتوغرافى المرموز له بنسخة (ب)

الفصل: ‌ولنرجع الى أخبار الملوك

‌ولنرجع الى أخبار الملوك

قال: وأقام سوريد فى الملك مائة سنة وسبع سنين، وقد كان منجّموه عرّفوه الوقت الذى يموت فيه واليوم والساعة، فأوصى الى ابنه هرجيب وعرّفه ما يعمل، وأمره أن يدخل جسده الهرم، وأن يجعله فى الجرن الذى أعدّه لنفسه ويغشّيه بكافور، ويحمل معه ما أعدّه من فاخر الثياب والسلاح والآلات، فامتثل جميع ما أمره به.

ولما مات ملك بعده ابنه هرجيب «1» بن سوريد فسار بستره أبيه فى العدل والعمارة والرأفة بالناس، فأحبّوه. وبنى الهرم الأوّل من أهرام دهشور وحمل اليه من المال والجوهر. وكان غرضه جمع المال وعمل الكيمياء واستخراج المعادن ودفن ما تهيّأ له من الكنوز فى كل سنة. وكانت له ابنة أفسدت مع بعض خدمه فنفاها الى ناحية الغرب، وأمر أن تبنى لها مدينة هناك ويقام عليها علم ويزبر عليها اسمها، وأسكن معها كل امرأة مسنّة من أهل بيته. قال: وشجّ رجلا فأمر بقطع أصابعه، ووجد سارقا من العامّة فملّك رقّه الذى سرق منه، وعمل منارات ومصانع وطلّسمات، وملكهم نيّفا وسبعين سنة.

وملك عليهم بعده ابنه منقاوش بن هرجيب وكان جبّارا أثيما فآذى الناس وسفك الدماء واغتصب النساء واستخرج كنوز آبائه، وبنى قصورا بالذهب والفضة [وأجرى «2» ] فيها الأنهار، وجعل حصباءها من صنوف الجواهر، وتخرّق «3» فى الهبات وأغفل العمارات فأبغضه الناس، وأباح أصحابه غصب نساء العامّة. وأطاف به أهل الشرّ من كل ناحية، وكان يفترع النساء قبل أزواجهنّ، وامتنع عليه قوم

ص: 34

فى شىء أمرهم به فأحرقهم بالنار، وسلّط رجلا من الجبّارين اسمه قرناس «1» من ولد وراديس بن آدم على الناس ووجّهه لمحاربة الأمم الغربية فقتل منهم أمما.

وكان أشجع أهل زمانه ثم هلك، فأغتمّ عليه الملك وأمر أن يدفن مع الملوك فى الهرم. ويقال: بل عمل له ناووسا وأقام عنده أعلاما وزبر عليها اسمه وما عمله فى وقته. وملك منقاوش ثلاثا وسبعين سنة ومات، فجعل فى الهرم مع أجداده فى حوض مرمر مصفّح بالذهب والجوهر، وحمل معه كثير من ذخائره وأمواله وسلاحه وعجائبه.

وملك بعد ابنه أقروش «2» بن منقاوش، وكان عاقلا فخالف آثار أبيه وعدل فى الناس وردّ النساء الّلاتى غصبهنّ منقاوش الى أهلهنّ. وعمل فى وقته فوّارة قطرها مائة ذراع وطولها خمسون ذراعا، وركّب فى جميع جوانبها أطيارا تصفر بأصناف اللغات المطربة لا تفتر. وعمل فى وسط المدينة منارتين من صفر عليهما صورة رأس إنسان من صفر كلّما مضت ساعة من النهار صاح ذلك الرأس صياحا عاليا، وكذلك الليل، فيعلم به دخول الساعات، وجعل فيه علامة لكلّ ساعة تمضى تعرف بها عدّتها.

وعمل منارا آخر وجعل على رأسه قبّة صفر مذهب ولطخها بلطوخات، فإذا غربت الشمس اشتعلت تلك القبّة نارا «3» يضىء بها أكثر المدينة لا تطفئها الأمطار ولا الرّياح، فإذا كان النهار قلّ ضوءها بضوء الشمس. ويقال: إنه أهدى الدرمسيل [بن محويل «4» ] الملك ببابل مائدة «5» من الزبرجد قطرها خمسة أشبار، وكان استهداه ذلك ليجعلها فى بيت القربان. ويقال إنها وجدت بعد الطوفان. ويقال أيضا: إنه عمل على الجبل

ص: 35

الشرقىّ صنما عظيما قائما على قاعدة [وهو «1» ] مصبوغ بلطوخ أصفر مصوّر بالذهب ووجّهه الى الشمس يدور معها حتى تغرب، ثم يدور ليلا الى الناحية الجنوبيّة حتى يحاذى الشمس «2» مع الصبح، فلم يزل الى أن سقط فى أيام فرغان «3» الملك فتهشم. وكان نصبه تعظيما للشمس. ويقال: إن أقروش كان يطلب الولد فنكح ثلاثمائة أمرأة يبتغى الولد منهنّ فلم يكن ذلك. وقيل: إنّ فى عصره عقمت الأرحام لما أراد الله عزوجل من هلاك العالم بالطوفان، وعقمت أرحام البهائم ووقع الموت فيها.

وقيل: إن الأسد كثرت فى وقته حتى كانت تتخلّل البيوت، فاحتالوا لها بالطّلّسمات المانعة والحيل المضرّة لها، فكانت تغيب وقتا وتعود، فرفعوا ذلك الى الملك فقال:

هذه علامة مكروهة، وأمر أن تعمل أخاديد وتملأ نارا واجترّوا إليها الأسد بالدّخن التى تجلب روحانيتها وألقوها على تلك النّيران، فاجتلبتها تلك الدخن فتهافتت فى تلك النيران فاحترقت. وبنى فى وقته مدائن فى ناحية الغرب تلفت بالطوفان مع أكثر مدنهم.

قال: وارتفعت الأمطار عنهم وقلّ الماء فى النيل فأجدبوا، وهلك الزرع بالنار والريح الحارّة وغيرها، فأضرّ ذلك بهم، فاحتالوا لدفع النار بطلّسماتهم فكانت تذهب وتعود. وقيل: إنّ الذى فعل بهم ذلك ساحر من سحرتهم كان منقاوش غصبه امرأته فكان يعمل الحيلة قليلا قليلا فى إفساد طلّسماتهم؛ لأن لكل طلسم شىء تبطل به روحانيته. وبهذه العلّة دخل بختنصّر الفارسىّ مصر وقد كانت ممتنعة من جميع الملوك. فلمّا أفسد ذلك الساحر الطلّسمات، سلّط عليهم تلك الآفات وأفسد طلّسمات التماسيح فهاجت عليهم ومنعتهم الماء وعذّبهم عذابا كبيرا الى أن

ص: 36

فطنوا به من قبل تلاميذه؛ وذلك أن أحدهم لامه على فعله فانتهره ونفخ فى وجهه فأظلم عليه بصره، فجاء الى وزير الملك وعرّفه القصّة فأنهاها الى الملك، فأمر الملك بإدخاله عليه فأدخل، فسأله عن الخبر فعرّفه يفعل الساحر، فأنفذ اليه جيشا ليأتوه به، فلمّا نظر الساحر الى القوم وقد أقبلوا دخّن دخنة أغشت أبصارهم وارتفعت منها عجاجة نار أحرقت وحالت بينه وبينهم، فهالهم ذلك، فرجعوا الى الملك وعرّفوه ما جرى فأمر بجمع السحرة، وكان من رسم السحرة أن يعاهدوا ملوكهم على أن يكونوا معهم ولا يخالفونهم ولا ينالهم منهم مكروه ولا يبغونهم الغوائل، فمن فعل ذلك سلب علمه، وكان للملك أن يسفك دمه ودم أهل بيته وولده، وكانوا مع الملوك على هذه الحال يوفون بعهودهم. فلمّا اجتمع السحرة عند الملك أخبرهم خبر الساحر، وكان يقال له: أختاليس، وبما عمله وقال: تحضرونه إلىّ وإلّا أهلكتكم؛ فسألوه النّظرة «1» فأنظرهم، فأخذوا أولادهم ونساءهم وخرجوا هاربين، فلمّا خرجوا عنه تكلّموا بينهم وقالوا: إنكم لتعرفون كثرة علم أختاليس وشدّة سحره، وما نرى لنا به طاقة، ومنقاوش الملك الذى نقض عهده وتعدّى عليه وأخذ امرأته غصبا، فاحتالوا لخلاصكم منه؛ فأجمعوا أنهم يصدقون الملك عن أنفسهم، ويستأذنونه فى الذهاب اليه ومداراته حتى يأتوه به بعد أن يأخذوا له أمانا منه ويجدّد العهد بينه وبينه.

فمضوا الى الملك وصدقوه عن أنفسهم، فأجابهم الى ما سألوه من ذلك، ثم مضوا الى أختاليس فلطفوا به ووعظوه الى أن أجابهم الى ما أرادوا، فكتبوا الى الملك بذلك، فكتب للساحر أمانا وعهدا، فرجع وردّت اليه امرأته، فأكرمها وردّها الى دار الملك، وعرّفهم أنه لا يرى فى ذمّته أن يلابس امرأة لابسها الملك على حال من الأحوال لما كانوا يراعونه من حقوق الملك، فسرّ الناس بذلك وعجبوا من عقله

ص: 37

وحكمته، وصلح أمر الناس، وعمل أختاليس طلّسمات وعجائب كثيرة. قال:

وملكهم أقروش أربعا وستين سنة، وهلك وليس له ولد ولا أخ، فدفن فى الهرم وجعلت معه أمواله وذخائره وجواهره والصنائع التى عملت فى وقته، واجتمع الناس على تمليك رجل من أهل بيت الملك.

فملّكوا عليهم أرمالينوس، فلمّا ملك أمر بجمع الناس وقال: أرى الأمم الغربية قد تطرّقت إليكم فى نواحيكم، ويوشك أن تسير إليكم، وأنا مانع لبلادكم ودمائكم منهم بغزوهم والخروج إليهم وتحويلكم إياهم، وأحتاج الى معونة من حكمائكم بالأعمال الهائلة والتخاييل العجيبة، فشكروه ودعوا له بالتوفيق. وقالت الحكماء: نحن نخرج مع الملك إذا خرج ونبلغ له مجابه أو يقيم ونحن نخرج مع الجيش مكانه ونبذل أنفسنا دونه. فامتنع من ذلك وخرج فى جيش عظيم وحارب تلك الأمم ونكأ «1» فيها أعظم نكاية، ورجع غانما وخلّف فى وجوههم جيشا، فاجتمعت تلك الأمم فهزمت جيشه ورجع أصحابه مغلوبين فعظم ذلك عليه. وكانت أصابته علّة من تغيّر الهواء فأنفذ ابن عمّ له يقال له فرعان بن مسور، وكان أحد الجبابرة الذين لا يطاقون، وهو أوّل «2» فرعون تسمّى بهذا الاسم ومن سمّى بعده سمّى تشبيها به؛ فأنفذه الملك أرمالينوس فى جيش عظيم فأجلى تلك الأمم ونفاها الى أطراف البحر، وعاد ومعه خلق كثير من الأسرى والرءوس، فأمر الملك بنصب تلك الرءوس حول مدينته وقتل جميع الأسرى. وكان منهم كاهن فأمر الملك أن يوشر «3» بمنشار، وهو أوّل من فعل

ص: 38

ذلك، فأعلم «1» الملك فرعان وألبسه خلعا منظومة بالجوهر، وأمر بأن يطاف به ويذكر فضله، وأمر له ببعض قصوره.

واتفق أن امرأة من نساء الملك عشقته وراسلته فامتنع فرعان من ذلك وفاء للملك، ولأنّ التحظّى الى نساء الملوك كان من الأمور العظيمة عندهم. فلمّا طال ذلك عليها أحضرت ساحرة ولا طفتها وذكرت لها حالها ووجدها بفرعان، فضمنت لها بلوغ مأربها منه وسحرته لها، فاهتاج اليها وندم على ردّها وجعل يدسّ اليها الى أن اجتمعت معه، وتمكّن حبّ كلّ واحد منهما من صاحبه، الى أن ذاكرته أمر الملك وأنها لا تأمن أن يتّصل به خبرهما وقالت: أنا أعمل الحيلة فى قتله وتكون أنت الملك وأكون لك ونأمن على أنفسنا. فمن شدّة ما عنده من حبّها حسّن لها ذلك، فسمّت الملك فى شرابه فمات لوقته وحمل الى الهرم.

وملك بعده فرعان بن مسور وجلس على سرير الملك فلم ينازعه أحد، وفرح الناس بمكانته لشجاعته. وهو الذى كان الطوفان فى وقته. قال: ولمّا ملك علا فى الأرض وتجبّر واغتصب الناس أموالهم وأنفسهم ونساءهم، وعمل ما لم يعمله ملك قبله؛ وأسرف فى القتل وهابته الملوك وأقرّوا له. وهو الذى كتب الى الدرمسيل ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام. وذلك أن الدرمسيل بن محويل كتب الى الأقاليم يسألهم: هل يعرفون آلهة غير الأصنام؟ ويذكر قصّة نوح وأنه يريد تغيير ذلك، وأن له إلها غيرها، فكلّ أنكر ذلك. ولمّا أخذ نوح فى بناء السفينة كتب فرعان الى الدرمسيل يشير عليه بإحراقها، وكان عند أهل مصر خبر الطوفان ولكنهم لم يقدروا كثرته وطول مقامه على الأرض، فاتّخذوا السراديب تحت الأرض

ص: 39