الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر نبذة من أخبار من الملك مصر بعد غرق فرعون
قال أبو الحسن على بن عبد الله المسعودى فى كتابه مروج الذهب «1» ومعادن الجوهر: لما أهلك الله تعالى فرعون وقومه بالغرق خشى من بقى بمصر من الذرارى والنساء والعبيد أن يغزوهم ملوك الشام والمغرب؛ فملكوا عليهم امرأة يقال لها دلوكة؛ فبنت على أرض مصر حائطا يحيط بجميع البلاد من حدّ أرض رفج الى برقة، وجعلت الحرّاس على مسافة كل ميل منها يصل أخبار بعضهم الى بعض، فإذا حدث أمر فى أوّل ملكها بليل رفعت النيران فى وقت حدوثه فعلم فى آخر المملكة بالخبر من ليلته، وإن كان بالنهار دخن. وهذا الحائط موجود الى حين وضعنا لهذا الكتاب ويسمى حائط العجوز. وقيل فيه: حائط «2» الحجوز. وقيل: إنها بنت هذا الحائط من خوفها على ولدها.
واتخذت دلوكة بمصر البرابى وصوّرت فيها الصور، وأحكمت آلات السحر، وجعلت فى البرابى صور من يرد فى البر ودوابّهم إبلا كانت أو خيلا، ومن يرد
فى البحر فى المراكب من بلاد الغرب وسواحل الشام، وأحكمت جميع ذلك بحركات فلكيّة. فكان إذا ورد عليها عدوّ من نحو الحجاز واليمن عوّرت تلك الشخوص التى فى البرابى من الإبل وغيرها فيحدث العور فى ذلك الجيش وتهلك دوابّهم، وكذلك كل من يقدم عليها من البر والبحر اذا بلغها خبر مقدمه صنعت فى تلك الصور ما يحدث مثله فى ذلك الجيش من الآفات، فهابها سائر ملوك الأمم. وخبر هذه المرأة مشهور. وأكثر هذه البرابى باق الى وقتنا هذا وفيها التصاوير إلا أنها لا فعل لها.
وقد قيل فى البرابى: إنها اتخذت مع الأهرام قبل الطوفان. والله تعالى أعلم.
وقيل أيضا: إن مما أنشأته هذه المرأة منارة الإسكندرية، وقد تقدّم ذكر خبرها فى المبانى القديمة وهو فى السفر «1» الأول من كتابنا هذا من هذه النسخة.
قال: وملكت هذه المرأة نحوا من ثلاثين سنة، وقيل أقل من ذلك.
ولما هلكت دلوكة ملك بعدها دركوس «2» بن بلوطس. ثم ملك بعد ولده بورش. «3»
ثم ملك بعده ولده بغاش «4» بن بورش نحوا من خمسين سنة. ثم ملك بعده دنيا «5» ابن بورش نحوا من عشرين سنة. ثم ملك بعده بلوطس عشرين سنة. ثم ملك بعده بلوطس بن متناكيل «6» أربعين سنة. ثم ملك بعده مالس «7» بن بلوطس. ثم ملك
بعده بوليه «1» بن متناكيل؛ وكانت له حروب وسير فى الأرض وهو فرعون الأعرج «2» الذى غزا بنى إسرائيل وخرّب بيت المقدس. ثم ملك بعده وينوس بن مرينوس «3» ثمانين سنة. ثم ملك بعده قومس «4» بن بغاس «5» عشر سنين. ثم ملك بعده مكاييل وكانت له حروب مع ملوك الغرب، وهو الذى غزاه بختنصّر فقتله وقتل رجاله وخرّب أرض مصر، فقيل إنها خرّبت مدة أربعين سنة. وانقرض ملك الفراعنة.
وملك الروم أرض مصر فتنّصر أهلها؛ ولم تزل بيد ملوك الروم الى أن ملك كسرى أنو شروان فارس فغلبت جيوشه على الشام وسارت نحو مصر، فملك الفرس أرض مصر، وغلبوا عليها نحوا من عشر سنين. وكانت بين الروم وفارس حروب كثيرة، فصار أهل مصر يؤدّون خراجين: للروم وللفرس، ثم انجلت الفرس عن الشام ومصر لأمر حدث فى بلادهم، فغلبت الروم على مصر والشام وأظهروا النصرانية، واستمرّ ذلك الى أن جاء الله تعالى بالإسلام. وكان المقوقس ينوب عن ملك الروم، وهادى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم تزل الديار المصرية
والشام بيد ملوك الروم الى أن فتحت فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه على ما سنورد ذلك إن شاء الله تعالى فى خلافة عمر فى الباب الثانى من القسم الخامس من هذا الفن، وهو فى السفر السابع عشر من هذه النسخة.
قال المسعودى رحمه الله: والذى اتفقت عليه التواريخ، مع تباين ما فيها، فى عدد ملوك مصر الى آخر أيام الفراعنة أنهم اثنان وثلاثون ملكا. قال: فمن ملوك بابل الى آخر أيام ابنة ماموم- يشير الى دليفة- أحد عشر ملكا وملكة. ومن العماليق أربعة ملوك. ومن الفراعنة من لدن الوليد بن مصعب فرعون موسى بن عمران عليه السلام، والى أن خرج بختنصّر الفارسىّ على مكاييل وقتله سبعة عشر ملكا بما فى ذلك من ملك دلوكة، وهو إنما يشير الى من ملكها بعد الطوفان. وأما من ملكها قبل الطوفان فإنه لم يتعرّض الى ذكرهم. قال: وملكها من الروم سبعة ملوك. ومن اليونان عشرة ملوك. قال: وذلك قبل ظهور المسيح عليه السلام.
قال: وملكها أناس من الفرس فكانت مدّة من ملكها من الفراعنة ومن بعدهم والعماليق والفرس والروم واليونان ألفى سنة وثلاثمائة سنة. والله أعلم بالصواب.