الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هبطا من السماء، وكانا فى بئر يقال لها أفناوه، وكانا يعلّمان أهل مصر السحر. ويقال:
إن عديم استكثر من علمهما ثم نقلا إلى بابل.
قال: وأهل مصر من القبط يقولون إنهما شيطانان يقال لهما: مهلة ومهالة، وليس هما الملكين. والملكان ببابل فى بئر هناك يغشاها السحرة إلى يوم الساعة.
ولنصل هذا الفصل بخبر هاروت وماروت وإن لم يكن منه؛ وإنما الشئ بالشئ يذكر. والله أعلم.
ذكر خبر هاروت وماروت
قال الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ «1» )
الآية. قال أبو إسحاق الثعلبىّ فى تفسيره: وكانت قصّتهما- على ما ذكره ابن عباس رضى الله عنه والمفسّرون- أنّ الملائكة رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بنى آدم الخبيثة وذنوبهم الكثيرة؛ وذلك فى زمن إدريس عليه السلام فيعيّرونهم بذلك، ودعت عليهم الملائكة وقالوا: هؤلاء الذين جعلتهم فى الأرض واخترتهم فهم يعصونك؛ فقال الله عزّوجل لهم: لو أنزلتكم إلى الأرض وركّبت فيكم ما ركّبت فيهم لركبتم ما ارتكبوا؛ فقالوا: سبحانك ما كان ينبغى لنا أن نعصيك؛ قال الله تعالى: فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم. قال: وقال الكلبىّ: قال الله لهم: اختاروا ثلاثة فاختاروا عزّا وهو هاروت، وعزايا وهو ماروت، وغيّر اسمهما لمّا قارفا الذنب، وعزاييل؛ فركّب الله فيهم الشهوة التى ركّبها فى بنى آدم وأهبطهم إلى الأرض، وأمرهم أن يحكموا
بين الناس بالحق، ونهاهم عن الشرك والقتل بغير حق، ونهاهم عن الزنا وشرب الخمر. فأما عزاييل فإنه لمّا وقعت الشهوة فى قلبه استقال ربّه وسأله أن يرفعه إلى السماء فأقاله ورفعه، فسجد أربعين سنة ثم رفع رأسه. ولم يزل بعد ذلك مطأطئا رأسه حياء من الله تعالى. وأما الآخران فإنهما بقيا على ذلك، وكانا يقضيان بين الناس يومهما فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء. قال قتادة:
فما مرّ عليهما أشهر حتى افتتنا.
قال الثعلبىّ: قالوا جميعا: وذلك أنه اختصم اليهما ذات يوم الزّهرة، وكانت من أجمل النساء. قال علىّ رضى الله عنه: كانت من أهل فارس، وكانت ملكة فى بلدها، فلمّا رأياها أخذت بقلوبهما، فراوداها عن نفسها فأبت وانصرفت، ثم عادت فى اليوم الثانى ففعلا مثل ذلك، فأبت وقالت: لا! إلا تعبدا ما أعبد، وتصلّيا لهذا الصنم، وتقتلا النفس، وتشربا الخمر. فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء؛ فإن الله عزوجل نهانا عنها، فانصرفت؛ ثم عادت فى اليوم الثالث ومعها قدح من خمرو فى أنفسهم من الميل إليها ما فيها، فراوداها عن نفسها فعرضت عليهما ما قالت بالأمس فقالا: الصلاة لغير الله عظيم، وقتل النفس عظيم، وأهون الثلاثة شرب الخمر؛ فشربا فانتشيا ووقعا بالمرأة وزنيا، فلمّا فرغا رآهما إنسان فقتلاه. قال الربيع بن أنس: وسجدا للصنم فمسخ الله عزوجل الزّهرة كوكبا.
وقال علىّ بن أبى طالب والسدّى والكلبىّ رضى الله عنهم: إنها قالت لهما: لن تدركانى حتى تخبرانى بالذى تصعدان به إلى السماء. فقالا: باسم الله الأكبر.
قالت: فما أنتما بمدركانى حتى تعلّمانيه. فقال أحدهما لصاحبه: علّمها! قال:
إنى أخاف الله. قال الآخر: فأين رحمة الله! فعلّماها ذلك. فتكلّمت به وصعدت
إلى السماء. فمسخها الله تعالى كوكبا. فعلى قول هؤلاء هى الزّهرة بعينها، وقيّدوها فقالوا: هى هذه الكوكبة الحمراء واسمها بالفارسية «ناهيد» ، وبالنبطية «بيدخت» .
قال: ويدلّ على صحة هذا القول ما رواه الثعلبىّ بسنده إلى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قال: كان النبىّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى سهيلا قال: «لعن الله سهيلا إنه كان عشّارا «1» باليمن ولعن الله الزّهرة فإنها فتنت ملكين» .
وقال مجاهد: كنت مع ابن عمر رضى الله عنهما ذات ليلة فقال لى: ارمق الكوكبة فإذا طلعت فأيقظنى، فلمّا طلعت أيقظته، فجعل ينظر إليها ويسبّها سبّا شديدا، فقلت: رحمك الله تسبّ نجما سامعا مطيعا لله؟ ما له يسبّ! فقال: إن هذه كانت بغيّا فلقى الملكان منها ما لقيا. وقال نافع: كان ابن عمر رضى الله عنهما إذا رأى الزّهرة قال: لا مرحبا بها ولا أهلا. وروى أبو عثمان النهدى عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن المرأة التى فتن بها الملكان مسخت، فهى هذه الكوكبة الحمراء، يعنى الزّهرة.
قال الثعلبىّ: وأنكر الآخرون هذا القول وقالوا: إن الزهرة من الكواكب «2» السبعة السيّارة التى جعلها الله قواما للعالم، وإنما كانت هذه التى فتنت هاروت وماروت امرأة، كانت تسمّى زهرة من جمالها، فلمّا بغت جعلها الله تعالى شهابا،
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزهرة ذكر هذه المرأة لموافقة الاسمين فلعنها، وكذلك سهيل العشّار. والله أعلم.
قالوا: فلما أمسى هاروت وماروت بعد ما قارفا الذنب همّا بالصعود إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما، فعلما ما حلّ بهما فقصدا إدريس عليه السلام فأخبراه بأمرهما وسألاه أن يشفع لهما إلى الله عزوجل ففعل ذلك، فخيّرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا إذ علما أنه ينقطع، فهما ببابل يعذّبان. واختلف العلماء فى كيفيّة عذابهما فقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه:
هما معلّقان بشعورهما إلى قيام الساعة. وقال قتادة: كبّلا من أقدامهما إلى أصول أفخاذهما. وقال مجاهد: إن جبّا ملئ نارا فجعلا فيه. قال حصيف: معلّقان منكّسان فى السلاسل. وقال عمير بن سعد: منكوسان يضربان بسياط الحديد.
وروى أنّ رجلا أراد تعلم السحر فقصد هاروت وماروت فوجدهما معلّقين بأرجلهما، مزرقّة أعينهما، مسودّة جلودهما، ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلّا قدر أربع أصابع، وهما يعذّبان بالعطش، فلمّا رأى ذلك هاله مكانهما فقال: لا إله إلا الله، وقد نهى عن ذكر الله هناك. فلمّا سمعا كلامه قالا: من أنت؟ قال: رجل من الناس. قالا: من أىّ أمة أنت؟ قال: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قالا:
وقد بعث؟ قال نعم. قالا: الحمد لله! وقد أظهرا الاستبشار. فقال الرجل: وممّ استبشاركما؟ قالا: إنه نبىّ الساعة. وقد دنا انقضاء عذابنا.
قال: وأمّا كيفية تعلّم السحر، فقد روى فيه خبر جامع، وهو ما رواه أبو إسحاق بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت: قدمت علىّ امرأة من أهل دومة الجندل جاءت تبتغى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته تسأله عن شىء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به؛ قالت عائشة رضى الله عنها لعروة: يابن أختى، فرأيتها تبكى حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تبكى حتى إنى لأرحمها! تقول: إنى أخاف أن أكون قد هلكت؛ قالت: كان لى زوج فغاب عنّى فدخلت علىّ عجوز فشكوت ذلك إليها فقالت: إن فعلت ما آمرك به فلعلّه يأتيك، فلمّا كان الليل جاءتنى بكبشين أسودين فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كثير حتى وقفنا ببابل، فإذا برجلين معلّقين بأرجلهما فقالا:
ما جاء بك؟ فقلت: أتعلّم السحر، قالا: إنما نحن فتنة فلا تكفرى وارجعى، فأبيت فقلت: لا، فقالا: إذهبى إلى ذلك التنّور فبولى فيه، فذهبت ففزعت فلم أفعل، فرجعت إليهما فقالا: فعلت؟ قلت نعم، قالا: هل رأيت شيئا؟ قلت:
لم أرشيئا، فقالا: لم تفعلى، إرجعى إلى بلادك فلا تكفرى، قالت: فأبيت، فقالا:
إذهبى إلى ذلك التنّور فبولى فيه، فذهبت فاقشعرّ جلدى فرجعت إليهما فقلت:
قد فعلت، فقالا: هل رأيت شيئا؟ فقلت: لم أرشيئا، فقالا: كذبت لم تفعلى، إرجعى إلى بلادك فلا تكفرى فإنك على رأس أمرك؛ قالت: فأبيت، فقالا: إذهبى إلى ذلك التنّور فبولى فيه، فذهبت إليه فبلت فرأيت فارسا مقنّعا بحديد خرج منّى حتى ذهب فى السماء وغاب عنّى حتى ما أراه، فجئتهما فقلت: قد فعلت؛ قالا:
فما رأيت؟ قلت: رأيت فارسا مقنّعا بالحديد خرج منّى حتى ذهب فى السماء حتى ما أراه، قالا: صدقت، ذلك إيمانك خرج منك؛ اذهبى. فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئا، وما قالا لى شيئا. فقالت: لن تريدى شيئا إلا كان؛ خذى هذا القمح فابذرى،