الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصبهبذا ما بين الأهواز إلى أرض الروم، من غربىّ الفرات. وسنذكر أخباره إذا انتهت أخبار لهراسف.
قال: وكان لهراسف بعيد الهمة، طويل الفكرة، شديد القمع للملوك المحيطة لإيران شهر. وكانت ملوك الروم والمغرب والهند يؤدّون إليه إتاوة معلومة فى كل سنة، ويقرّون له أنه ملك الملوك هيبة له، واستمتر فى الملك إلى أن كبرت سنّة وأحس بالضعف فاعتزل الملك ونصب ابنه بشتاسب «1» . وكان ملكه فيما ذكر مائة وعشرين سنة.
ذكر أخبار بختنصّر
ويقال فى اسمه بالفارسية بخترشه «2» ، وكان مرزبانا للهراسف، ومعنى المرزبان أنه ملك على ربع من أرباع المملكة. وقد قدّمنا أن الملك لهراسف كان قد جعله أصبهبذا ما بين الأهواز إلى أرض الروم. قال: فسار حتى أتى دمشق فصالحه أهلها، ووجه قائدا له فأتى بيت المقدس فصالح ملك بنى إسرائيل، وهو رجل من بنى داود النبىّ عليه السلام، وأخذ منه رهائن وانصرف. فلما بلغ طبرية وثب بنو إسرائيل على ملكهم فقتلوه وقالوا له: إنك هادنت أهل الكفر وخذلتنا واستعدّوا للقتال؛ فكان عاقبة ذلك أن قائد بختنصر- لما بلغه ما كان من بنى إسرائيل- كتب إليه يخبره بقتلهم ملكهم، فأجابه بختنصر أن يقيم بموضعه حتى يوافيه، وأمره بضرب أعناق الرهائن الذين معه. وسار بختنصر حتى أتى بيت
المقدس فأخذ المدينة عنوة وقتل المقاتلة وسبى الذرّية وهرب الباقون إلى مصر، فكتب بختنصر إلى ملك مصر: أن عبيدا لى هربوا منى إليك فسرّحهم إلىّ وإلا غزوتك وأوطأت خيلى بلادك، فكتب إليه ملك مصر: إنهم ليسوا عبيدك، ولكنهم الأحرار أبناء الأحرار، وامتنع من إنفاذهم اليه، فغزاه بختنصر وقتله وسبى أهل مصر، ثم سار فى أرض المغرب حتى بلغ أقصى نواحيها.
قال صاحب كتاب تجارب الأمم: وقد حكى أهل التوراة وغيرهم فى أمر بختنصر أقوالا مختلفة، فذكروا منها: أن بختنصر لما خرّب بيت المقدس أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس، فقذفوا فيه من التراب ما ملأه. قال: ولما انصرف إلى بابل اجتمع معه سبايا بيت المقدس من بنى إسرائيل وغيرهم، فاختار منهم سبعين ألف صبىّ، فلما فرّق الغنائم على جنوده سألوه أن يقسم فيهم الصبيان، فقسمهم فى الملوك منهم، فأصاب كل رجل منهم أربعة، وكان من أولئك الغلمة الذين سباهم، دانيال النبىّ وحنين ومنشايل، وسبعة آلاف من أهل بيت داود، وأحد عشر ألفا من سبط بشر بن يعقوب. ثم غزا بختنصر العرب، وذلك فى زمن معدّ بن عدنان.
قال: وكانت مدّة غلبة بختنصر إلى أن مات أربعين سنة، ثم قام ابن له يقال له أو نمروذ «1» ثم [هلك، وملك مكانه ابن له يقال «2» له] بلتنصر، وذلك فى زمن بهمن، فلم يرض بهمن أمره فعزله وملّك مكانه كيرش، وتقدّم إليه بهمن أن يرفق ببنى إسرائيل ويمكّنهم من النزول حيث سألوا، أو الرجوع إلى أرضهم، وأن يولّى
عليهم من يختارونه، فاختاروا دانيال فولاه أمرهم. فكانت مدّة خراب بيت المقدس سبعين سنة، وقيل غير ذلك. ولنرجع إلى أخبار الفرس.
ولما اعتزل لهراسف الملك كما ذكرناه، ملك بعده كى بشتاسف «1» بن كى لهراسف. قال: ولما ملك بنى مدينة فسا «2» ، وهو أوّل من بسط دواوين الكتاب لا سيما ديوان الرسائل، وكان له ديوانان أحدهما: ديوان الخراج، والآخر ديوان النفقات، فكل ما يرد فإلى ديوان الخراج، وكل ما يصرف فمن ديوان النفقات. وكان له كاتب موكل بدار المملكة، فإن وقع تقصير بأحد فى منزلته، أو حطّ من درجته رجع إلى ذلك الكاتب ليبين له حال مرتبته فيجرى على رسمه وعادته.
وفى أيامه ظهر زرادشت [بعد ثلاثين سنة من ملكه فادّعى النبوّة «3» ] فأراده على قبول دينه فامتنع من ذلك ثم صدّقه وقبل دعواه، وأتاه بكتاب يكتب فى جلد اثنتى عشرة ألف بقرة حفرا فى الجلود ونقشا بالذهب، فصير بشتاسف ذلك الكتاب بإصطخرو وكل به الهرابذة «4» ، ومنع من تعليمه العامة. وبنى ببلاد الهند بيوتا للنيران، وتنسّك واشتغل بالعبادة، وهادن كى خرزاسف بن كى سواسف ابن أخى «5» فراسياب ملك الترك على ضروب من الصلح، وفى جملة شريطة الصلح ألا يكون
ببلاد خرزاسف دابة موقوفة فى منزلة الدوابّ التى تكون على أبواب الملوك، وغير ذلك مما وقعت عليه المهادنة. فأشار زرادشت على بشتاسف بنقض الهدنة ومفاسدة ملك الترك، فبلغ ملك الترك ذلك، فغضب وكتب إليه كتابا غليظا من جملته أن يوجه إليه زرادشت، وأقسم إن امتنع أن يغزوه حتى يسفك دمه ودماء أهل بيته؛ فأجابه بشتاسف بجواب أغلظ من كتابه وآذنه بالحرب وأعلمه أنه غير ممسك عنه إن أمسك هو. فسار كل منهما الى الآخر، ومع كل واحد منهما إخوته وأهل بيته، والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الدائرة على الترك، وقتل اسفنديار بن بشتاسف بيدرفش «1» الساحر مبارزة؛ وقتلت الترك قتلا ذريعا، وهرب ملكهم خرزاسف ورجع بشتاسف الى بلخ.
قال: فلما مضت لتلك الحرب سنون سعى رجل يقال فروخ «2» بإسفنديار الى بشتاسف ونسبه أنه تطاول للملك، وزعم أنه أحقّ به، فأفسد بذلك قلب بشتاسف عليه، وصدق مقالة فروخ، فأخذ فى التدبير على إسفنديار وجعل يرسله الى حرب بعد حرب، وهو يظفر وينجح ويرجع بالغنائم، ثم أمر بتقييده فقيّد، وصيره فى الحبس فى حصن من حصونه، وسار بشتاسف الى جبل يقال له طميدر لدراسة دينه والتنسك هناك، وخلّف أباه لهراسف فى مدينة بلخ، وقد كبرت سنه وهرم وعجز.
قال: فاتصل هذا الخبر بخرزاسف ملك الترك، فجمع من الجنود ما لا يحصى كثرة، وشخص من بلاده نحو بلخ حتى [إذا «3» ] انتهى الى تخوم ملك فارس قدّم أمامه
جوهرمز «1» أخيه، وكان مرشحا للملك، فى جماعة كثيرة من المقاتلة، وأمرهم أن يغذّوا السير حتى يتوسطوا المملكة، ثم يوقعوا بأهلها ويشنوا الغارة على المدن والقرى.
ففعل جوهر مز ذلك وسفك الدماء واستباح الحرم، وسبى ما لا يحصى، وأتبعه خرزاسف ملك الترك حتى انتهى الى مدينة بلخ، فأحرق الدواوين وقتل لهراسف والهرابذة، وهدم بيوت النيران، واستولى على الأموال والكنوز، وسبى ابنتين لبشتاسف وأخذ درفس كابيان، وسار فى طلب بشتاسف فتحصن منه فى جبل طميدر؛ فعند ذلك ندم بشتاسف على ما كان منه فى حق ابنه إسفنديار؛ فيقال:
إنه وجه من استخرجه من محبسه، وجاءه به؛ فلما دخل عليه اعتذر منه ووعده عقد التاج على رأسه، وأن يفعل معه كما فعل لهراسف به. وقلده أمر عساكره وندبه لحرب ملك الترك. فطابت نفس إسفنديار بكلام أبيه له، وتأهب لوقته، وسار بالجنود صبيحة النهار نحو الترك. فلما قرب منهم تبادروا لحربه؛ فكان ممن خرج اليه منهم جوهر مزواندرمان، فالتقوا والتحمت بينهم الحرب، فانقضّ إسفنديار على عساكر الترك بنفسه واختلط بهم، وقاتل حتى ثلم فيهم ثلمة عظيمة، وفشا فى الترك أن إسفنديار قد أطلق من محبسه، وأنه هو الذى يقاتلهم، فانهزموا لا يلوون على شىء. واسترجع إسفنديار من الترك الدّرفس وعاد الى أبيه، فاستبشر وأمره باتّباع القوم وقتال خرزاسف وقتله- إن ظفر به- بجدّه لهراسف، وقتل جوهر مز واندرمان بمن قتل من ولده، وأن يهدم حصون الترك ويحرّق مدنهم ويقتل أهلها بمن قتلوا من أهل بلاده، ويستنقذ من سبوه من بناته. فدخل إسفنديار بلاد الترك ورام ما لم يرمه أحد قبله، واعترض العنقاء ورماها على ما يزعم الفرس، ودخل مدينة الصفر عنوة، وقتل ملكها وأخوته ومقاتلته، واستباح
أمواله وسبى ذراريه ونساءه واستنقذ أختيه، وكتب بالفتح الى أبيه. ولم يستقل إسفنديار هذا بالملك.
والذى ملك الفرس بعد بشتاسف أردشير «1» بهمن بن إسفنديار بن بشتاسف. وتفسير بهمن بالعربية: الحسن النيّة.
قال: ولما ملك أردشير انبسطت يده وتناول الممالك حتى ملك الأقاليم.
وكانت ملوك الأرض تحمل اليه الإتاوة، وابتنى بالسواد مدينة وهى المعروفة بهمينيا «2» ، وهو أبو دارا الأكبر، وأبو ساسان. قال: وكان بهمن كريما متواضعا. وكانت تخرج كتبه: من أردشير بهمن عبد الله وخادم الله والسائس لأمركم. ويقال:
إنه غزا رومية الداخلة فى ألف ألف مقاتل. ومن المؤرخين من ذهب الى أن بهمن هذا هو الذى جهّز بختنّصر لغز والعرب وغيرهم. وكانت مدّة ملك أردشير [مائة «3»
و] اثنتى عشرة سنة.
ولما مات ملكت بعده ابنته جماز هرازاد، وهى جمانى «4» أمّ ابنه دارا. قال:
وكانت قد حملت منه بدارا الأكبر وسألته أن يعقد التاج للذى فى بطنها ويؤثره بالملك، ففعل أردشير ذلك. وكان ابنه ساسان يتصنع للملك ولا يشكّ أنه يكون هو الملك بعد أبيه. فلما رأى ما فعل أبوه شقّ ذلك عليه، فلحق بإصطخر وتزهّد، وخرج عن حلية الملوك، واتخذ غنيمة وكان يتولّاها بنفسه، فاستشنع «5» الناس ذلك