الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم الظعينة بين دريد بن الصّمّة وربيعة بن مكدّم
قال أبو حانم عن أبى عبيدة قال: خرج دريد بن الصّمّة فى فوارس من بنى جشم حتى إذا كانوا فى واد يقال له: الأخرم، وهم يريدون الغارة على بنى كنانة، إذ رفع له رجل فى ناحية الوادى ومعه ظعينة، فلمّا نظر اليه قال لفارس من أصحابه:
صح به: خلّ الظّعينة وانج بنفسك، فانتهى اليه الفارس، فصاح به وألحّ عليه، فألقى زمام الراحلة وقال للظعينة:
سيرى على رسلك سير الآمن
…
سير رداح ذات جأش ساكن
إنّ انثنائى دون قرنى شائنى
…
أبلى بلائى واخبرى وعايتى
ثم حمل عليه فصرعه وأخذ فرسه وأعطاه للظّعينة، فبعث دريد فارسا آخر لينظر ما صنع صاحبه، فلمّا انتهى اليه ورآه صريعا صاح به فتصامّ عنه، فظنّ أنه لم يسمع، فغشيه، فألقى زمام الراحلة إلى الظّعينة ورجع وهو يقول:
خلّ سبيل الحرّة المنيعه
…
إنّك لاق دونها ربيعه
فى كفّه خطّية مطيعه
…
أولا فخذها طعنة سريعه
والطّعن منّ فى الوغى شريعه
ثم حمل عليه فصرعه، فلمّا أبطأ على دريد بعث فارسا [ثالثا «1» ] لينظر ما صنعا، فلما انتهى إليهما رآهما صريعين ونظر إليه يقود ظعينته ويجرّ رمحه. فقال له:
خلّ سبيل الظّعينة، فقال للظعينة: اقصدى قصد البيوت، ثم أقبل عليه فقال:
ماذا تريد من شتيم عابس
…
ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس
ثم حمل عليه فصرعه وانكسر رمحه، وارتاب دريد وظنّ أنهم قد أخذوا الظّعينة وقتلوا الرجل، فلحق ربيعة وقد دنا من الحىّ، فوجد أصحابه قد قتلوا، فقال:
أيها الفارس، إنّ مثلك لا يقتل، ولا أرى معك رمحا والخيل ثائرة بأصحابها، فدونك هذا الرّمح فإنّى منصرف إلى أصحابى فمثبّطهم عنك، فانصرف دريد وقال لأصحابه:
إنّ فارس الظّعينة قد حماها وقتل فرسانكم وانتزع رمحى، ولا مطمع لكم فيه فانصرفوا، فانصرف القوم، فقال دريد:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
…
حامى الظّعينة فارسا لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزة
…
ثم استمرّ كأنه لم يفعل
متهلّلا تبدو أسرّة وجهه
…
مثل الحسام جلته كفّ الصّيقل
يزجى ظعينته ويسحب رمحه
…
متوجّها يمناه نحو المنزل
وترى الفوارس من مخافة رمحه
…
مثل البغاث «1» خشين وقع الأجدل
يا ليت شعرى من أبوه وأمّه
…
يا صاح من يك مثله لا يجهل
وقال ربيعة بن مكدّم:
إن كان ينفعك اليقين فسائلى
…
عنّى الظعينة يوم وادى الأخرم
إذ هى لأوّل من أتاها نهبة
…
لولا طعان ربيعة بن مكدّم
إذ قال لى أدنى الفوارس ميتة
…
خلّ الظّعينة طائعا لا تندم
فصرفت راحلة الظّعينة نحوه
…
عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرّمح الطويل إهابه
…
فهوى صريعا لليدين وللفم
ومنحت آخر بعده جيّاشة
…
نجلاء فاغرة كشدق الأضجم
ولقد شفعتهما بآخر ثالث
…
وأبى الفرار لى الغداة تكّرمى
ثم لم تلبث بنو كنانة «1» أن أغارت على بنى جشم «2» ، فقتلوا وأسروا دريد بن الصّمّة فأخفى نفسه، فبينما هو عندهم محبوس إذ جاءه نسوة تتهادين إليه، فصرخت إحداهنّ وقالت: هلكتم وأهلكتم! ماذا جرّ علينا قومنا! هذا والله الذى أعطى ربيعة رمحه يوم الظّعينة! ثم ألقت عليه ثوبها وقالت: يا آل فراس، أنا جارة له منكم، هذا صاحبنا يوم الوادى! فسألوه: من هو؟ فقال: أنا دريد بن الصّمّة فمن صاحبى؟ قالوا: ربيعة بن مكدّم، قال: فما فعل؟ قالوا: قتلته بنو سليم! قال: فما فعلت الظّعينة؟ قالت المرأة: أنا هيه، وأنا امرأته، فحبسه القوم وآمروا أنفسهم، فقال بعضهم: لا ينبغى لدريد أن تكفر نعمته على صاحبنا! وقال آخرون:
والله لا يخرج من أيدينا إلّا برضا المخارق الذى أسره، فانبعثت المرأة فى الليل، وهى ريطة بنت جذل الطّعان، تقول:
سنجزى دريدا عن ربيعة نعمة
…
وكلّ امرئ يجزى بما كان قدّما
فإن كان خيرا كان خيرا جزاؤه
…
وإن كان شرّا كان شرّا مذمّما
سنجزيه نعمى لم تكن بصغيرة
…
بإعطائه الرّمح الطويل المقوّما
[فقد أدركت كفّاه فينا جزاءه
…
وأهل بأن يجزى الذى كان أنعما «3» ]
فلا تكفروه حقّ نعماه فيكم
…
ولا تركبوا تلك التى تملأ الفما
فلو كان حيّا لم يضق بثوابه
…
ذراعا غنيا كان أو كان معدما