الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار ملوك الروم المتنصّرة وهم ملوك القسطنطينية
قال المسعودىّ «1» : لمّا هلك قليطانس ملك بعده قسطنطين برومية، وهو أوّل من انتقل من ملوك الروم عن رومية إلى بيزنطيا، وهى القسطنطينية، فبناها هذا الملك وسمّاها بهذا الاسم. قال: وكان خروجه من رومية ودخوله فى دين النصرانية لستّ خلت من ملكه، وذلك أنّ أمّه هلانا «2» خرجت إلى أرض الشام وبنت الكنائس وسارت إلى بيت المقدس وطلبت الخشبة التى تزعم النصارى أنّ عيسى عليه السلام صلب عليها، فلمّا ظفرت بها حلّتها بالذهب والفضة واتّخذت يوم وجودها عيدا، وهو عيد الصليب، لأربع عشرة ليلة خلت من أيلول. وهى التى ابتنت كنيسة حمص على أربعة أركان، واستخرجت الدفائن بمصر والشام، وصرفت ذلك فى بناء الكنائس وتشييد دين النصرانية، فكلّ كنيسة بالشام ومصر من بناء هذه الملكة هلانا.
قال: ولسبع عشرة سنة خلت من ملك قسطنطين اجتمع ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا بمدينة نيقية «3» بأرض الروم فأقاموا دين النصرانية. وهذا الاجتماع أوّل
الاجتماعات الستة التى تذكرها الروم فى كلامهم وتسمّيها القوانين، ومعنى هذه الاجتماعات السّنودسات واحدها سونودس. فالأوّل بنيقية وكان الاجتماع فيه على أرنوس، وهذا اتفاق من سائر أهل دين النصرانية. والسّنودس الثانى بقسطنطينية على مقدونس، وعدّة المجتمعين فيه من الأساقفة مائة وخمسون رجلا. والثالث بأقسيس وعدّة من اجتمع فيه من الأساقفة مائة رجل. والرابع بخلقدونية «1» وعددهم ستمائة وستون رجلا. والخامس بقسطنطينية وعددهم مائة وستة وأربعون رجلا.
والسادس كان فى [ملكة «2» ] المدن، وعدّتهم مائتان وثمانون رجلا.
قال: وكان السبب فى دخول قسطنطين فى دين النصرانية أنه خرج فى بعض حروب أبرجان أو غيرهم من الأمم، فكانت الحرب بينهم سجالا نحوا من سنة، ثم كانت عليه فى بعض الأيام فقتل من أصحابه خلق كثير وخاف البوار فرأى «3» فى نومه كأنّ رماحا نزلت من السماء فيها عذب «4» وأعلام على رأسها صلبان من الذهب والفضة والحديد والنحاس وأنواع الجواهر والخشب، وقيل له: خذ هذه الرماح وقاتل بها عدوّك تنتصر، فجعل يحارب فى النوم فرأى عدوّه قد انهزم، فاستيقظ من نومه ودعا بالرماح وركّب عليها الصّلبان مثل ما رأى، ورفعها فى عسكره وزحف إلى عدوّه فكسرهم وأخذهم السيف، فرجع إلى مدينة نيقية وسأل عن تلك الصّلبان وهل يعرفون ذلك فى شىء من الآراء والنّحل؟ فقيل له: إنّ بيت المقدس من أرض الشام يجمع هذا المذهب، وأخبروه بما فعله من قبله من الملوك من قتل
النصارى، فبعث إلى الشام وبيت المقدس وحشر له ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا فأتوه بنيقية فقص عليهم أمره فشرعوا له دين النصرانيّة؛ فهذا هو السّنودس الأوّل.
وقيل: إنّ أمّه كانت قد تنصّرت وأخفت ذلك عنه قبل هذه الرؤيا. وكان ملكه إلى أن هلك إحدى وثلاثين سنة، وقيل خمسا وعشرين.
ثم ملك بعده قسطنطين بن قسطنطين. فكانت مدّة ملكه أربعا وعشرين سنة.
وابتنى كنائس كثيرة وشيّد دين النصرانية.
ثم ملك بعده ابن عمه بوليانس «1» المعروف بالحنيفى ويسمّى البرباط. قال:
ولما ملك رجع عن دين النصرانية وغيّر رسومها وغزا العراق فى ملك سابور بن أردشير فأتاه سهم غرب «2» فذبحه. ولمّا هلك جزع من كان معه من الملوك والبطارقة ففزعوا إلى بطريق كان معظّما عندهم يقال له يونياس «3» ، وقيل: إنه كان كاتبا للملك الماضى، فأبى عليهم إلّا أن يرجعوا إلى دين النصرانية، فأجابوه إلى ذلك فملّك عليهم يونياس المذكور.
قال: ولمّا ملك كان له مراسلات مع سابور ومهادنة واجتماع، ثم انصرف بجيوش النصرانيّة موادعا لسابور وأخلف عليه ما أتلف الملك الماضى من أرضه بأموال حملها إليه وهدايا من ألطاف الروم، وشيّد النصرانيّة وأعاد معالمها، ومنع من عبادة الأصنام والتماثيل، وقتل من كان على عبادتها. فكان ملكه سنة.
ثم ملك بعده أوالس قال: ولمّا ملك كان على دين النصرانيّة ثم رجع عنه، وهلك فى بعض حروبه، فكان ملكه الى أن هلك أربع عشرة سنة. وقيل:
إن فى أيامه استيقظ أهل الكهف.
ثم ملك بعده غراطيانس «1» . فكانت مدّة ملكه خمس عشرة سنة، ولسنة من ملكه كان اجتماع النصرانيّة، وهو آخر الاجتماعات، فأتمّوا القول فى روح القدس، وهو السّنودس الثانى.
ثم ملك بعده بدرسيس الأكبر، وتفسير هذا الاسم عطيّة الله. قال:
ولما ملك قام بدين النصرانية وعظّم أمرها وابتنى الكنائس، ولم يكن من أهل بيت المقدس ولا من الروم؛ بل كان أصله من الأشبان، وهم بعض الأمم السالفة. قال: وقد كانت ممن ملكت الشام ومصر والمغرب والأندلس. وقد تنازع الناس فيهم، فذكر الواقدىّ فى كتاب فتوح الأمصار أنّ بدءهم من أهل أصبهان، وأنهم ناقلة من هنالك، وهذا يوجب أنهم من قبل ملوك فارس.
قال: وذكر عبيد الله بن خرّداذبه نحو ذلك، وساعدهما على ذلك جماعة من أهل السّير والأخبار.
قال المسعودىّ: والأشهر من أمرهم أنهم من ولد يافث بن نوح، وهم اللذارقة ملوك الأندلس واحدهم لذريق، وقد تنوزع فى دياناتهم، فمنهم من رأى انهم على دين المجوس، ومنهم من رأى أنهم على مذهب الصابئة وغيرهم من عبدة الأصنام. قال: وكان ملك بدرسيس الى أن هلك تسع عشرة سنة.
ثم ملك بعده أوقاديس «2» . فكان ملكه أربع عشرة سنة [وكان «3» ] على دين النصرانية.
ثم ملك بعده بدرسيس الأصغر، وذلك بمدينة أقسس، وجمع مائتى أسقف وهو الاجتماع الثالث من الأسنودسات، ولعن فيه نسطورس البطرك، وإليه تنسب النسطوريّة من النصارى. وكان ملك هذا الملك الى أن هلك اثنتين وأربعين سنة.
ثم ملك بعده مرقياقس «1» وزوجته بلجاريا. فكانت ملكة معه. وكان ملكهما سبع سنين، وفى أيامهما كان خبر اليعاقبة ووقوع الخلاف بينهم فى الثالوث.
قال: وأكثر اليعاقبة من النصارى بالعراق وتكريت والموصل والجزيرة ومصر وأقباطها إلا اليسير فإنهم ملكيّة، والنوبة والأرمن يعاقبة؛ ومطران اليعاقبة بين الموصل وبغداد وتكريت، وكان لهم بالقرب من رأس «2» عين واحد فمات، وانتقل مطرانها الى بلاد حلب وقنّسّرين والعواصم.
قال المسعودىّ: وكرسى اليعاقبة [رسمه «3» ] أن يكون بمدينة أنطاكية، وكذلك لهم كرسى بمصر.
ثم ملكا بعدهما ليون الأصغر بن ليون. فكان ملكه ستّ عشرة سنة، وفى أيامه أحرم مسعدة «4» اليعقوبىّ بطرك الإسكندرية، واجتمع له من الأسقافة ستمائة وثلاثون أسقفا. وفى تاريخ الروم أنّ عدّة المجتمعة ستمائة وستون رجلا، وذلك بخلقدونية، وهذا الاجتماع هو السّنودس الرابع عند الملكية. واليعاقبة لا تعتدّ بهذا السنودس.
قال: واليعاقبة أضيفت الى يعقوب البرذعىّ وبه عرفت، وكان من أهل أنطاكية، وكان يعمل البراذع بها.
ثم ملك بعده ابن له على دين الملكية. فكانت مدّة ملكه الى أن هلك سنة.
ثم ملك بعده بير وهو من بلاد الأرمينان، وكان ملكه سبع عشرة سنة، وكان يميل الى رأى اليعاقبة، وكان له حروب مع خوارج خرجوا عليه فى دار ملكه فظقر بهم.
ثم ملك بعده نسطاس، وكان يذهب الى مذهب اليعاقبة، وهو الذى بنى مدينة عمّوريّة، وأصاب كنوزا ودفائن عظيمة. وكان ملكه تسعا وعشرين سنة.
ثم ملك بعده نوسطيانس تسع سنين.
ثم ملك بعده سطيانس. فكان ملكه تسعا وثلاثين سنة، وبنى كنائس كثيرة، وشيّد دين النصرانيّة وأظهر مذاهب الملكية، وبنى كنيسة الرّها. وهى إحدى عجائب مبانى العالم.
قال: وقد كان فى هذه الكنيسة منديل يعظّمه أهل دين النصرانية، وهو أن اليسوع الناصرىّ حين أخرج من ماء المعموديّة نشّف به، فلم يزل هذا المنديل يتداول الى أن قرّر على كنيسة الرّها؛ فلمّا اشتدّ أمر الروم على المسلمين وحاصروا الرّها فى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة أعطى هذا المنديل للروم فوقعت الهدنة عليه، وفرح الروم به فرحا عظيما.
ولما هلك هذا الملك ملك بعده قوسطيس وهو ابن أخيه، وكان ملكه الى أن هلك ثلاث عشرة سنة.