الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار ملوك اليونان وأنسابهم
قد تنازع الناس فى اليونانيّين، فذهبت طائفة منهم أنهم ينتمون الى الروم ويضافون الى ولد إسحاق؛ وقالت طائفة: إنّ يونان هو ابن يافث بن نوح. وقال آخرون: إنه يافث بن الأصغر. وذهب قوم الى أنهم من ولد أوراش بن «1» ماذان ابن سام بن نوح. وذهب آخرون الى أنهم من قبيل متقدّم فى الزمن الأوّل.
وقال المسعودىّ: وقد ذكر أنّ يونان أخو قحطان، وأنه من ولد عابر بن شالخ، وأن أمره فى الانفصال عن دار أخيه كان سبب «2» الشكّ فى الشركة فى النسب، وأنه خرج من أرض اليمن. وكان يونان جبّارا عظيما، وسيما جسيما. وكان جزل الرأى، كبير الهمّة، عظيم القدر. وهكذا ذكر يعقوب بن إسحاق الكندىّ فى نسب يونان أنه أخ لقحطان، وردّ عليه أبو العباس [عبد «3» الله بن محمد] الناشى فى قصيدته حيث قال:
أبا يوسف إنّى نظرت فلم أجد
…
على الفحص رأيا صحّ منك ولا عقدا
وصرت حكيما عند قوم إذا امرؤ
…
بلاهم جميعا لم يجد عندهم عهدا
أتقرن إلحادا بدين محمد
…
قد جئت شيئا- يا أخا كندة- إدّا
وتخلط قحطانا بيونان ضلّة
…
لعمرى لقد باعدت بينهما جدّا
قيل: ولمّا كثر ولد يونان خرج يطلب موضعا يسكنه، فأتى الى موضع من الغرب، فأقام به هو ومن معه من ولده، وكثر نسله إلى أن أدركه الموت، فجعل
وصيّته إلى الأكبر من ولده واسمه جريبوش، وأوصاه بأولاده ونسله، ومات وبقى ابنه على مكانه، وكثر نسلهم فغلبوا على بلاد الغرب من الفرنجة والنّوكبرد والصقالبة وغيرهم.
وذكر بطليموس فى كتابه: أن أوّل ملك ملك من ملوك اليونانين فيلبّس وتفسيره محبّ الفرس، وقيل اسمه نفليص، وقيل فيلفوس. وكانت مدّة ملكه سبع سنين.
ثم ملك بعده ابنه الإسكندر ذو القرنين وليس هو صاحب الخضر رضى الله عنه. والإسكندر هذا هو الذى قتل دارا بن دارا ملك الفرس، ونثر عقد مملكة فارس، وقرّر ملوك الطوائف فيما ذكرناه.
وكان سبب قتله لدارا أن سائر الملوك كانت تؤدّى الإتاوة الى ملوك الفرس منذ دوّخ بختنصّر البلاد، وذلّل لهم الملوك على ما ذكرناه آنفا فى أخبار الفرس، ولا حاجة الى إعادته.
قالوا: وكان فيلبّس أبو الإسكندر قد صالح دارا على إتاوة يؤدّيها اليه فى كل سنة. فلمّا ولى الإسكندر وظهر أمره، وكان بعيد الهمّة، فامتنع أن يودّى الى دارا الخراج الذى كان يحمله أبوه اليه، فأسخط دارا ذلك، فكتب اليه يؤنّبه بسوء صنيعه بتركه حمل ما كان أبوه يحمله من الخراج وقال فى كتابه: إنما دعاك الى حبس ذلك الصّبا والجهل، وبعث اليه بصولجان وكرة وبقفيز من السمسم. يعلمه بذلك أنه إنما ينبغى لك أن تلعب مع الصبيان بالصولجان ولا تتقلّد الملك ولا تلبث به، ويعلمه أنه إن لم يقتصر على ما أمره به وتعاطى الملك بعد أن أمره باعتزاله بعث اليه بمن يأتيه به فى وثاق. وأنّ عدّة جنوده الذين يبعث بهم اليه كعدّة حبّ السمسم الذى بعث به إليه.
فكتب إليه الإسكندر فى جواب ذلك: أنه قد فهم ما كتب به، ونظر الى ما أرسله إليه من الصّولجان والكرة وتيمّن به لإلقاء الملقى الكرة الى الصّولجان وإحرازه إيّاها، وأنه شبّه الأرض بالكرة، وتفاءل بملكه إياها واحتوائه عليها، وأنه يجترّ ملك دارا الى ملكه، وبلاده الى حيّزه؛ وأنه نظر الى السمسم الذى بعث به كنظره الى الصولجان والكرة لدسمه، وبعده عن المرارة والحرافة «1» ، وبعث الى دارا مع كتابه بصرّة من خردل، وأعلمه فى الجواب أنّ ما بعث به إليه قليل، غير أن ذلك مثل الذى بعث به فى القوّة والحرافة والمرارة، وأنّ جنوده فيما وصف به منه.
فلمّا وصل الى دارا جواب كتاب الإسكندر. جمع جنده وتأهّب لحربه وسار نحو بلاده، وتأهّب الإسكندر أيضا للقائه وسار نحو دارا، فالتقيا جميعا بأرض الجزيرة «2» واقتتلا سنة، وقد كان دارا ملّه قومه وأحبّوا الراحة منه، فلحق كثير من وجوه الفرس بالإسكندر وأطلعوه على عورة دارا وقوّوه عليه، ثم وثب على دارا حاجباه فقتلاه وتقرّبا برأسه إلى الإسكندر، فلما أتوه بها أمر بقتلهما وقال:
هذا جزاء من تجرّأ على ملكه.
وقد ذكر أنه سيق اليه أسير غدر به صاحب شرطته، فقال له الإسكندر:
بما اجترأ عليك صاحب شرطتك؟ قال: بتركى ترهيبه وقت إساءته، وإعطائى إيّاه وقت الإحسان باليسير من فعله نهاية رغبته، فقال الإسكندر: نعم العون على إصلاح القلوب الموغرة الترغيب بالأموال، وأصلح منه الترهيب وقت الحاجة، ثم أمر الإسكندر بقتله.
وقد قيل: إنه لمّا هزمه الإسكندر فرّ جريحا فخرج فى طلبه فى ستّة آلاف حتى أدركه، ثم لم يلبث دارا أن هلك، فأظهر الإسكندر عليه الحزن ودفنه فى مقابر الملوك «1» .
وقيل: إنّ الإسكندر كان قد نادى ألّا يقتل دارا وأن يؤسر. فلمّا علم الإسكندر بما تمّ على دارا سار حتى وقف عنده [فرآه يجود «2» بنفسه] فنزل [الإسكندر «3» ] عن دابته وجلس عند رأسه، وأخبره أنه ما أمر بقتله، وأنّ الذى أصابه لم يكن عن رأيه. وقال: سلنى ما بدا لك فإنّى أسعفك به، فقال له دارا:
لى اليك حاجتان: إحداهما أن تنتقم لى من الرجلين اللذين قتلانى وسمّاهما له، والأخرى أن تتزوّج ابنتى روشنك، فأجابه الى ذلك، وأمر بصلب الرجلين اللذين فتكا بدارا. ويقال: إنّ الرجلين اللذين قتلاه إنما فعلا ذلك عن رأى الإسكندر، وأنه كان شرط لهما شرطا على قتله، فلما طعناه دفع اليهما ما كان شرطه لهما ثم قال:
قد وفّيت لكما بالشرط ولم تكونا شرطتما لأنفسكما وأنا قاتلكما لا محالة، فإنه ليس ينبغى لقتلة الملك أن يستبقوا إلّا بذمّة لا تخفر، فقتلهما وصلبهما.