الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالجملة فكتب اللغة بأسرها شاهدة على ذلك. لأنهم إذا بينوا معنى لفظ فيها فقل ما يسندوا ذلك إلى النقل، بل استدلوا عليه بالاستعمال، إما في شعر أو في مثل، وذلك يدل على اتفاقهم أن الأصل في الكلام هو الحقيقة.
ورابعها: المجاز يتوقف على وضع اللفظ لمعنى، وعلى نقله إلى غيره، واستعماله فيه عند من يعتبر الوضع فيه، وعلى شرط ذلك النقل، وهو المناسبة، وعلى قرينة تصرفه عن الحقيقة، وتدل على المجاز، والحقيقة لا تتوقف إلا على الوضع، والاستعمال، وما يتوقف على أكثر المقدمات يكون مرجوحا بالنسبة إلى ما يتوقف على أقلها.
المسألة الثالثة عشرة
[حمل اللفظ على المعنى اللغوي إن لم يكن له معنى سواه]
اللفظ إن لم يكن له معنى سوى اللغوي وجب حمله عليه.
وإن كان له بحسب العرف أو الشرع معنى آخر، فإن كانت دلالته عليه مساوية لدلالته على المعنى اللغوي، أو كانت راجحة عليها، لكن لم ينتبه الرجحان إلى أن يصير المعنى اللغوي مهجورا بالكلية، فإن اللفظ يكون كالمشترك بينهما، ورجحانه كرجحان بعض مفهومات المشترك على البعض، وإن صار مهجورا بالكلية، فاللفظ يجب حمله على المفهوم العرفي، أو الشرعي وعند الاجتماع يجب تقديم المعنى الشرعي، ثم العرفي ثم اللغوي ثم المجاز إن صدر اللفظ من الشارع، أما إن صدر من أهل العرف أو اللغة، فإنه يجب تقديم المعنى العرفي، أو اللغوي، لأن الظاهر من حال المتكلم أن يتكلم بكلامه.
وقال القاضي أبو بكر رحمه الله: يكون اللفظ مجملا بين الحقيقة الشرعية واللغوية، لأن الشارع كان يناطقهم بكلامهم، كما كان يناطقهم بكلامه، فلا يرجح أحدهما على الآخر إلا لمرجح. وهذا تفريع منه على القول بالحقيقة الشرعية، وإلا فهو منكر لها. وهو ضعيف لما سبق. ولأن الغالب على كلامه استعمال الألفاظ في مفهوماتها الشرعية، فيجب تقديمه إلحاقا للفرد بالأعم والأغلب، ولأنه عليه السلام مبعوث لبيان المعاني الشرعية وأحكامها، وقد صلح اللفظ أن يكون بيانا لها فيضاف إليه.
ثم ليعلم أن الحقيقة اللغوية، إنما تقدم على المجاز اللغوي الذي / (58/أ) ليس هو براجح، أما إذا كان راجحا ولم ينته إلى أن يكون حقيقة فيه.
فقد اختلفوا فيه:
فذهب أبو حنيفة رضي الله عنه ومن تابعه إلى ترجيح الحقيقة المرجوحة.
وذهب أبو يوسف إلى ترجيح المجاز الراجح. وتوقف فيه بعضهم