الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعزي ذلك إلى الشافعي رحمه الله، لأن الحقيقة، وإن كانت مرجوحة من حيث الاستعمال، لكنها راجحة من حيث إنها حقيقة، والمجاز وإن كان مرجوحا من حيث إنه مجاز، لكنه راجح من حيث الاستعمال، وإذا تقاومت الجهتان وجب التوقف.
المسألة الرابعة عشرة
في كيفية حمل اللفظ على معناه المجازي
قد عرفت أنه إذا تعذر حمل اللفظ على معناه الحقيقي، وجب الحمل على المعنى المجازي، ثم المجاز إما أن يكون من نوع واحد، أو من أنواع مختلفة. وعلى التقديرين، إما أن يكون لحقيقة واحدة، أو لحقيقتين، أو للحقائق فإن كان الثاني: فالأمر في ترجيح بعض المجازات على البعض كما سبق في المشترك فلا حاجة إلى الإعادة
وإن كان الأول: وهو أن يكون المجاز لنوع واحد من الحقيقة، فإن كانت تلك المجازات مختلفة الأنواع، حمل اللفظ على الراجح منها. وقد عرفت فيما سلف، ما هو الراجح منها عند التعارض.
وإن كان من نوع واحد فذلك النوع، إما أن يكون بعض مدلولات اللفظ بطريق الحقيقة، أو لا يكون كذلك بل هو خارج عنها. فإن كان الأول تعين الحمل عليه على رأي من يرى أن العام المخصوص حجة في الباقي.
وإن كان الثاني: فأما إن كان نوعه في فرد واحد، أو أفراد كثيرة فإن كان الأول: تعين الحمل عليه]، وإن كان الثاني: فإما أن يكون بعض تلك الأفراد أولى من البعض أو لا يكون كذلك.
فإن كان الأول: حمل اللفظ عليه رعاية لتلك الأولوية.
وإن كان الثاني: فإما أن يمكن حصر تلك الأفراد عادة، أو لا يمكن، وعلى التقديرين، فإما أن يكون مع اللفظ قرينة تدل على اعتبار البعض أو إلغاء البعض، أو لا يكون معه قرينة فهذه أقسام ستة:
أحدها: أن تكون محصورة ومع اللفظ قرينة تدل على اعتبار البعض، فإن كان ذلك البعض سواء كان واحدا، أو كثيرا حمل اللفظ عليه على المذهبين، وإن لم يكن معينا بل ليس فيها دلالة إلا على البعض، من حيث إنه بعض من غير تعيين كان القول فيه كما إذا لم يوجد قرينة.
وثانيها: أن تكون محصورة، ومعه قرينة تدل على إلغاء البعض، فإن كان الباقي بعد الإلغاء واحدا تعين الحمل عليه، وإن كان أكثر من ذلك كان القول فيه كما إذا لم توجد القرينة.
وثالثها: أن يكون محصوره، وليس معه قرينة تدل على اعتبار البعض، ولا على الغائبة / (58/ب)، فاللفظ إما أن يكون عاما أو خاصا. فإن كان الأول فمن جوز منهم استعمال اللفظ في مفهومين مختلفين، قال: يحمل اللفظ على جميع تلك الأفراد كلها، ومن لم يجوز ذلك، فحكمه عنده كحكم الخاص وسيأتي.
وإن كان الثاني: وهو أن يكون اللفظ خاصا، فالمجوزون لحمل اللفظ على المفهومين المختلفين، قالوا: بحمل اللفظ على تلك الأفراد بأسرها على البدل، إذ اللفظ ليس بعام حتى يحمل على الجمع، وليس البعض أولى من البعض، والتعليل بالكلية باطل بالاتفاق، فيتعين الحمل على البدل. هذا [ما] نقله الإمام. وفيه نظر. وهذا لأن قياس مذهبهم، يقتضي حمله على الكل بطريق الشمول، إذ ليس عندهم من شرط حمل اللفظ على المفهومين المختلفين أن يكون اللفظ عاما، وإلا لم يجز حمل المشترك على كلا مفهوميه حالة الإفراد من غير لام التعريف، ومن غير ما يقوم مقامه، كالإضافة لكنه جائز عندهم، وكيف لا، والقوم جوزوا ذلك في الأفعال كما في قوله تعالى:{إن الله وملائكته يصلون على النبي} ، وقوله:
ومعلوم أن الفعل لا عموم له، وكلام القاضي في "العمدة" يدل أيضا على ما ذكرناه، وأما من لم يجوز، فاللفظ يبقى عنده مجملا بين تلك الأفراد، وحينئذ لابد من البيان.
ورابعها وخامسها: أن تكون الأفراد غير محصورة ومع اللفظ قرينة تدل على اعتبار البعض، أو الغائبة، والحكم فيها كما في نظيرتهما من المحصورة من غير فرق.
وسادسها: أن يكون الأفراد غير محصورة، وليس معه قرينة تدل على الاعتبار، ولا على الإلغاء، فاللفظ، إما أن يكون عاما أو خاصا [فإن كان خاصا] قال القاضي عبد الجبار: لابد من دلالة معينة لتعذر الحمل على الكل، مع أنه متعذر الحصر.
قال أبو الحسين البصري: هذا غير مستقيم على رأيه، فإنه يجوز استعمال
اللفظ في مفهومين مختلفين، فيمكن حمله على الكل بطريق البدل.
نعم يليق ذلك بمذهب من لم يجوز ذلك، لأن اللفظ لم يوضع للتحسين حتى يمكن الحمل على الكل بطريق البدل.
"الفصل الرابع عشر"
في المباحث المشتركة بين الحقيقة والمجاز