المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السادسةفي وجوب الموسع - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٢

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث عشر"في المجاز

- ‌المسألة الأولىفي بيانه ومعناه بحسب اللغة

- ‌المسألة الثانيةفي حده بحسب الاصطلاح

- ‌المسألة الثالثةفي أن لفظ المجاز بالنسبة إلى هذا المفهوم الاصطلاحي حقيقة عرفية ومجاز لغوي

- ‌المسألة الرابعة[في وقوع المجاز في اللغة العربية]

- ‌المسألة الخامسة[في أقوال العلماء في وقوع المجاز في كلام الله تعالى]

- ‌المسألة السادسة[في اشتمال العربية والقرآن على كلمة غير عربية]

- ‌المسألة السابعةفي تقسيم المجاز

- ‌المسألة الثامنةفي بيان جهات التجوز في المفرد

- ‌المسألة التاسعةفي أن استعمال اللفظ في كل واحد من صور المجاز، هل يفتقر إلى كونه مستعملا فيه من جهتهم أو لا يفتقر إلى ذلك

- ‌المسألة العاشرةفي السبب الموجب للتكلم بالمجاز

- ‌المسألة الحادية عشرةفي أن الغالب في الاستعمال الحقيقة أو المجاز

- ‌المسألة الثانية عشرةفي أن المجاز المفرد خلاف الأصل

- ‌المسألة الثالثة عشرة[حمل اللفظ على المعنى اللغوي إن لم يكن له معنى سواه]

- ‌المسألة الرابعة عشرةفي كيفية حمل اللفظ على معناه المجازي

- ‌الفصل الرابع عشرفي المباحث المشتركة بين الحقيقة والمجاز

- ‌المسألة الأولىفي الفرق بين الحقيقة والمجاز

- ‌المسألة الثانيةفي بيان أن اللفظ الدال على معنى قد لا يكون حقيقة ولا مجازا لغويا

- ‌المسألة الثالثةفي أن اللفظ الواحد قد يكون حقيقة أو مجازا

- ‌الفصل الخامس عشرفي الحروف

- ‌المسألة الأولىفي الحروف العاطفة

- ‌المسألة الثانيةفي بقية الحروف العاطفة

- ‌المسألة الثالثةفي الحروف الجارة

- ‌المسألة الرابعةفي الحروف النافية

- ‌المسألة الخامسة

- ‌الفصل السادس عشرفي التعارض الحاصل بين أحوال اللفظ

- ‌المسألة الأولى[في التعارض بين الاشتراك والنقل]

- ‌المسألة الثانية[في التعارض بين الاشتراك والإضمار]

- ‌المسألة الثالثة[في التعارض بين الاشتراك والمجاز]

- ‌المسألة الرابعة[في التعارض بين الاشتراك والتخصيص]

- ‌المسألة الخامسة[في التعارض بين النقل والإضمار]

- ‌المسألة السادسة[في التعارض بين النقل والمجاز]

- ‌المسألة السابعة[في التعارض بين النقل والتخصيص]

- ‌المسألة الثامنة[في التعارض بين الإضمار والمجاز]

- ‌المسألة التاسعة[في التعارض بين الإضمار والتخصيص]

- ‌المسألة العاشرة[في التعارض بين المجاز والتخصيص]

- ‌النوع الثانيالكلام في تقسيم الأحكام الشرعية وما يتعلق بها من المسائل

- ‌الفصل الأول"في الوجوب

- ‌المسألة الأولىفي حد الواجب

- ‌المسألة الثانيةفي أسماء الواجب

- ‌المسألة الثالثة[في حكم الواجب الذي لم يترجح فعله على تركه]

- ‌المسألة الرابعة[في الواجب المخير]

- ‌المسألة الخامسة[في أن وجوب الأشياء قد يكون على الترتيب أو على البدل]

- ‌المسألة السادسةفي وجوب الموسع

- ‌المسألة السابعةفي الفرض على الكفاية

- ‌المسألة الثامنة[فيما لا يتم الواجب إلا به]

- ‌المسألة التاسعة[في أقسام ما لا يتم الواجب إلا به]

- ‌المسألة العاشرة[في الواجب الذي لا يتقدر بقدر معين]

- ‌المسألة الحادية عشرة[في حكم الباقي بعد نسخ الوجوب]

- ‌المسألة الثانية عشرة[في صوم المريض والمسافر والحائض]

- ‌الفصل الثاني"في المحظور وما يتعلق به من المسائل

- ‌المسالة الأولىفي حقيقته لغة وشرعا

- ‌المسالة الثانية[في الجمع بين الطاعة والمعصية في الشيء الواحد]

- ‌المسألة الثالثةفي أن الواحد بالشخص، هل يجوز أن يكون واجبا ومحرما معا باعتبارين مختلفين أم لا

- ‌المسألة الرابعة[في أنه لا يجوز أن يكون الشيء الواحد باعتبار واحد واجبا ومكروها]

- ‌المسألة الخامسة[في المحرم المخير]

- ‌الفصل الثالث"في المباح وما يتعلق به من المسائل

- ‌المسألة الأولىفي معناه

- ‌المسألة الثانية[في المباح هل هو من الشرع أو لا]

- ‌المسألة الثالثةفي أن المباح هل هو من التكليف أم لا

- ‌المسألة الرابعةفي أن المباح هل هو حسن أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي أن المباح هل هو مأمور به أم ل

- ‌المسألة السادسة

- ‌الفصل الرابع"في المندوب وما يتعلق به من المسائل

- ‌المسألة الأولىفي معناه لغة وشرعا

- ‌المسألة الثانيةفي أن المندوب هل هو مأمور به أم لا

- ‌المسألة الثالثة[في حسن المندوب]

- ‌المسألة الرابعةفي أن المندوب هل هو من التكليف أم لا

- ‌المسألة الخامسة[أقوال العلماء في متى يلزم المندوب]

- ‌الفصل الخامسفي المكروه وما يتعلق به من المسائل

- ‌المسألة الأولىفي معناه

- ‌المسألة الثانيةفي أن المكروه الذي هو ضد المندوب، هل هو منهي عنه أم [لا]

- ‌المسألة الثالثةفي المكروه، هل هو من التكليف أم لا

- ‌المسألة الرابعةفي أن المكروه، هل هو قبيح أم لا

الفصل: ‌المسألة السادسةفي وجوب الموسع

مثال المباح الوضوء والتيمم.

مثال المندوب الجمع بين خصال الكفارات المرتبة.

‌المسألة السادسة

في وجوب الموسع

أعلم أن الشيء إذا وجب فعله، فلابد وأن يجب في وقته، فذلك الوقت، أما انقص منه فهذا لا يجوز التكليف به، إلا إذا جوز تكليف مالا يطاق أو كان المقصود من إيجابه فيه إيجاب قضاء كله أو بعضه، وهذا كما إذا طهرت الحائض، أو بلغ الغلام، أو أسلم الكافر، وقد بقي من الوقت مقدار ركعة أو تكبيرة.

إن قلنا: بالوجوب به، وأما قول بعض الفقهاء في هذه الصلاة: إن كلها

ص: 544

أداء، فهو على جهة التغليب لا على جهة التحقيق، كقول: بعضهم إن كلها قضاء.

وأما أن يكون مساويا له، نحو وجوب الصوم في بياض النهار، وهذا القسم تسميه الحنفية بالمعيار وهو مما لا نزاع فيه، وإما أن يكون زائدا عليه وهذا هو المسمى بالواجب الموسع.

وقد اختلف فيه:

فمنهم من أنكره.

ص: 545

ومنهم من اعترف به وهم جمهور الفقهاء، من الشافعية، والحنفية، والأصوليين، من الأشاعرة والمعتزلة.

ثم منهم من قال: الوجوب وإن كان متعلقا بكل واحد من أجزاء الوقت، بمعنى أنه يوصف الفعل بالوجوب فيه على وجه لا يتعين بفعله، وأنه لو أداه فيه لوقع أداء، لكن لا يجوز له التأخير عن بعض أجزاء الوقت إلى بعض آخر إلا ببدل، وهو العزم على إتيان الفعل فيه، وهم أكثر القائلين به.

ومنهم من لم يوجب البدل، بل جوز للمكلف التأخير مطلقا إلى أن يتضيق الوقت، بحيث إنه لو لم يشتغل به لخرج بعضه عن الوقت، فإنه لا يجوز له التأخير إذ ذاك، أو يغلب على ظنه أنه لو لم يشتغل به في هذا الجزء

ص: 546

لفاته في الجزء الثاني.

وأما المنكرون له فهم أربعة فرق:

أحدها: الذين قالوا: الوجوب مختص بأول الوقت/ (83/ب) وما يؤتى بعده يكون قضاء.

وثانيها: الذين قالوا: الوجوب مختص بآخر الوقت، وما يؤتى قبله يكون نفلا مانعاً للوجوب.

ص: 547

ونقل بعضهم أنه يسقط الفرص عنده وهو أوفق.

وثالثها: الذين قالوا إن المكلف إذا أتى بالصلاة في أول الوقت فهي موقوفة، فإن بقي إلى آخر الوقت تبعت المكلفين كان ما فعله واجبا وإلا فنفل، وهذا قول الكرخي.

وقد حكي عنه أيضا أن الواجب يتعين بالفعل في أي وقت كان.

ورابعها: الذين قالوا: الواجب مختص بالجزء الذي يتصل الأداء به وإلا فأخر الوقت الذي يسع الفعل ولا يفصل عنه، وهو القول المشهور من الحنفية.

وهذا لأن "سبب" الوجوب عندهم كل واحد من أجزاء الوقت، بطريق البدلية إن اتصل به الأداء، وإلا فأخره، إذ يستحيل أن يكون أوله سببا أو آخره، لاستحالة تأخر المسبب عن السبب، وتقدمه عليه، إذ يجوز الأداء في آخر

ص: 548

الوقت ولا يأثم به، ويجوز الأداء أيضا في أوله، فلم يبق السبب إلا الجزء الذي اتصل الأداء به أو آخره على التفسير المتقدم.

وإنما عدت هذه الفرقة من المنكرين للواجب الموسع مع إنهم يقولون إن الصلاة مهما أديت في الوقت في أي جزء كان [كانت] واجبة الأداء، لأنهم لم يجوزوا أن يكون الوقت فاضلا عن الفعل، بخلاف القائلين به فإنهم يجوزون ذلك.

حجة القائلين به:

هي أن الأمر يتناول جميع أجزاء الوقت من غير إشعار بالتخصيص ببعض أجزائه، قال الله تعالى:{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} .

ولو فرض أن للأمر إشعارا بالتخصيص ببعض أجزاء الوقت لم تكن تلك مسألتنا وإذا لم يكن له اختصاص ببعض أجزاء الوقت وليس في العقل ما يوجب التخصيص- أيضا- وكل الوقت قابل لذلك الفعل المأمور به، فلو خصصناه ببعض أجزاء الوقت، لكان ذلك تخصيصا للعام، أو تقييداً للمطلق

ص: 549

من غير دليل، وهو غير جائز، وإذا بطل التخصيص كان مقتضاه إيقاع الفعل المأمور به، في أي وقت أراده المكلف، إذ استغراق الوقت بالفعل غير واجب إجماعا.

فإن قيل: سلمنا أنه ليس في الأمر ما يشعر بالتخصيص، ولكن لا نسلم أنه ليس في العقل ما يدل عليه.

وهذا لأن الواجب لا يجوز تركه، على ما عرف ذلك في حده، والصلاة يجوز تركها في أول الوقت [و] وسطه، فلا يجوز أن تكون واجبة فيه/ (84/أ)، وإذا لم تكن واجبة في أول الوقت وفي وسطه تعين أن تكون واجبة في آخره، وإلا لكان لها وقت آخر غير وقت المغروب لها.

ولأن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز تأخيرها عن آخر الوقت من غير عذر، وذلك يدل على أنها واجبة فيه لا في أول الوقت.

وحينئذ يحتمل أن يكون فعلها فيه ندبا يسقط الفرض عنده، أو هي كالزكاة المعجلة.

أو يقول: الأمر وإن دل على جواز أدائها في أي جزء كان من الوقت، لكن النص والمعقول يدلان على تخصيصه بأول الوقت.

أما النص: فآتيا الاستباق، والمسارعة.

ص: 550

وأما المعقول: فهو أنه لو جاز التأخير عن أول الوقت، لجاز إما إلى بدل، أو لا إلى بدل، والقسمان باطلان فوجب أن لا يجوز التأخير.

وإنما قلنا: إنه لا يجوز التأخير إلى بدل لوجوه:

أحدها: أن ذلك البدل إن كان مساويا للمبدل في جميع الأمور المطلوبة منه، وجب أن يكون الإتيان به سببا لسقوط المبدل لحصول تلك الأمور المطلوبة منه، وإن لم يكن مساويا له لم يجز جعله بدلا عنه مطلقا حينئذ، لأن البدل المطلق، يجب أن يكون قائما مقام المبدل في جميع الأمور المطلوبة منه.

وثانيها: أن ذلك البدل، إما العزم على الفعل في الجزء الثاني، أو الثالث من الوقت، أو غيره، والثاني: باطل بالإجماع، والأول: لا يخلو أما أن يتكرر وجوبه بحسب تكرير آخر الوقت، أو لا يتكرر، والأول: باطل، لأن بدل الشيء لا يزيد عليه، فلما لم يكن المبدل متكررا، لم يكن البدل متكررا أيضا.

والثاني: أيضا باطل، لأنه يقتضي أن يجوز تأخير الصلاة عن الجزء الثاني والثالث من الوقت من غير بدل، وهذا غير القسم الذي نحن فيه، بل هو من القسم الثاني- وسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالى-.

وثالثها: أنه لو كان جواز التأخير، مشروطا بالبدل لزم أن لا يجوز الإتيان

ص: 551

به إلا عند العجز بالمبدل، كما في سائر الإبدال، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لا يجوز أن يكون له بدل.

ورابعها: أن إثبات الدليل "زيادة على مقتضى الأمر الوارد بالصلاة ولا إشعار له به فوجب أن يكون باطلا أما لأنه" زيادة على النص وهي نسخ، وإن لأن ما لا دليل عليه يجب نفيه.

وخامسها: لو كان جواز التأخير مشروطا بالعزم بالإتيان به في غير ذلك الجزء، لكان من أخرها عن أول الوقت مع الذهول عن العزم يكون عاصيا، ولم لم يكن كذلك وفاقا، علم أنه غير مشروط به.

وإنما قلنا: إنه لا يجوز التأخير لا إلى بدل، / (84/ب) لأن ذلك يقتضي أن لا تكون الصلاة واجبة في، إذ لا معنى لغير الواجب إلا أنه يجوز تأخيره لا

ص: 552

إلى بدل.

سلمنا: أنه لا يتعين لها أول الوقت ولا آخره فلم لا يجوز أن يكون وقته معين الجزء الذي اتصل الأداء به؟

إن اتفق الأداء في الوقت، وإلا فأخر الوقت، وهذا لأن سبب وجوب الصلاة هو الوقت- على ما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى-.

فأما أن يقال مجموع الوقت سبب وهو غير جائز وإلا لزم أن لا تجب الصلاة إلا بعد مضي جميع الوقت، وهو على خلاف الإجماع، أو أوله وهو أيضا باطل، وإلا لزم أن يتحقق الوجوب عقيبه، لأن تراخي المسبب عن السبب غير جائز، وإن لم يثبت عدم الجواز فلا أقل من أن يكون ذلك خلاف الأصل، وحينئذ يلزم أن لا يجوز تأخير الصلاة عن الجزء الثاني: وهو باطل وفاقا.

فإذا بطل هذان الاحتمالان لم يبق إلا ما ذكرنا من الاحتمال.

سلمنا: فساده أيضا فلم يجوز أن تكون الصلاة المؤداه في أول الوقت موقوفة؟.

الجواب عن الأول: أن نقول: ماذا تعني بقولك: الواجب لا يجوز تركه.

تعني به أنه لا يجوز تركه بوجه من الوجوه، أو أنه لا يجوز تركه ولو كان ذلك على بعض الوجوه.

والأول: ممنوع لما عرفت من حد الواجب. وكيف يقال ذلك؟

والواجب المخير والفرض على الكفاية يجوز تركه على بعض الوجوه عندنا،

ص: 553

وكذلك الواجب الموسع.

وإن عنيت به الثاني: فمسلم وهنا كذلك، فإنه لو ترك الصلاة في أول الوقت ولا يعزم على فعلها في آخر الوقت، أو وإن عزم لكنه لم يفعلها من غير عذر فإنه يعصى عند من يجعل العزم بدلا عنها في أول الوقت "من غير عذر".

[وأما من لا يقول به فإنه لا يعصى عنده إلا بالترك في جميع الوقت من غير عذر].

قوله ثانيا: الإجماع منعقد على أنه لا يجوز تأخيرها عن آخر الوقت إلى أخره.

قلنا: ذلك إنما يدل على أنه وقتها المضيق، لا على أنها غير واجبة في غيره بصفات التوسع، لأن كون الشيء واجبا بصفة التضيق في وقتا، لا يدل على أنه غير واجب في غيره على وجه التوسع.

أما قوله: يحتمل أن يكون فعله ندبا في أول الوقت يسقط الفرض عنده فباطل.

أما أولا: فلأنه لو أداه بنية الندب لم يقع الموقع إجماعا، وإن كان ندبا لم يكن بنيته مضرة.

وأما ثانيا: فلأن سقوط الفرض عند أداء الندب بعينه لم يعهد مثله في الشرع.

وقوله: أو هي كالزكاة.

قلنا: هذا باطل أيضا لأنه إذا أداها بنية التعجيل يوجب أن تنعقد صلاته بها

ص: 554

كالزكاة المعجلة. وبالإجماع/ (85/أ) ليس كذلك.

وعن الثاني من وجهين:

أحدهما: الوجه الإجمالي: وهو أنه يلزم منه التعارض، بين ما ذكرتم من الدليل المخصوص أو المقيد، وبين العام أو المطلق الدال على جواز الصلاة في أي جزء كان من الوقت والتعارض على خلاف الأصل في المستلزم له أيضا كذلك.

فإن قلت: هذا المحذور واقع على ما ذكرتم أيضا.

وبيانه: إنكم وإن أجريتم العام أو المطلق الدال على جواز الصلاة في جميع أجزاء الوقت على ظاهره، لكن خصصتم ما ذكرنا من الآيتين بتلك الدليل فإنهما يقتضيان وجوه المسارعة والاستباق في كل ما هو من الخيرات، أو من أسباب المغفرة، ولا شك أن الصلاة كذلك، وذلك قال عليه السلام (الصلاة خير موضع) وإذا كان كذلك، فلم كان تخصيصكم الآيتين أولى من تخصيصنا أو تقييدنا ذلك الدليل على جواز الصلاة في كل الأوقات؟

قلت: تخصيصنا الآيتين أولى.

ص: 555

أما أولا: فلأنهما مخصوصتان بصور كثيرة، غير ما نحن فيه من الصور، بخلاف ذلك الدليل، فإنه ليس مخصوص أو مقيد بشيء، ولا شك أن تخصيص المخصوص أولى من تخصيص أو تقييد ما ليس بمخصوص أو بمقيد.

وأما ثانيا: فلأن كل واحد من الآيتين وذلك الدليل، وإن كان أعم من وجه وأخص من وجه، لكن عموم ما ذكرتم من الآيتين فيما هما عامتان فيه أكثر من عموم ما ذلك الدليل عام فيه، وكان تخصيصهما به أولى من تخصيصه بهما.

وأما ثالثا: فلأنه ورد فيه من النصوص ما لا يمكن تخصيصه بهما، كحديث جبريل عليه السلام، فإنه يدل على جواز الصلاة في أول الوقت ووسطه وآخره بصراحته.

-

ص: 556

- - - - - - - - - -

ص: 557

فلو قلنا: باختصاصها في أول الوقت لزم تعطيل مقتضاه.

وثانيهما: وهو الوجه التفصيلي، أما آية المسارعة، فلا دلالة فيها على المطلوب، وهذا لأن دلالتها على المسارعة إلى أسباب المغفرة على طريق الاقتضاء والمقتضي لا عموم له.

ولئن سلمنا: أن له عموما لكن لا نسلم إن مطلق الأمر للوجوب حتى يدل على وجوب الإتيان بأول الوقت، فيكون مختصا به لا يجوز التأخير عنه.

ولئن سلمنا: ذلك لكن لا نسلم إن هذا الأمر للوجوب، بل هو للندب،

ص: 558

إما بالإجماع، وإما لأنه لو كان للوجوب لزم تخصيصات لا حصر لها، وهو خلاف الأصل، وإذا كان كذلك لم تكن الآية دالة على اختصاصها بأول الوقت، بحيث لا يجوز التأخير/ (85/ب) عنه، بل على وجه البدل، ونحن نقول به وهو الجواب بعينه عن آية الاستباق.

وعن الوجه المعقول: أن نقول: لم لا يجوز أن يكون جواز التأخير مشروطا بالبدل؟

قوله: أولا البدل، إما أن يكون مساويا للمبدل، أو لا يكون إلى آخره.

قلنا: لم لا يجوز أن يكون مساويا له في ذلك الوقت المعين لا مطلقا؟ وحينئذ لا يكون الإتيان به سببا لسقوط تكليف الأصل بالكلية.

وما قيل: في تضعيفه بأن الأمر لم يقتض وجوب الفعل إلا مرة واحدة، فإذا قام هذا البدل مقامه في هذا الوقت في جميع الأمور المطلوبة منه فقد قام مقامه مرة واحدة، فوجب أن يسقط التكليف عن الفعل بالكلية وذلك غير مستقيم.

لأن المعنى من قولنا: أنه قائم مقامه في الوقت المعين، أنه بدل عن تقديميه لا عن أصله، فلا جرم لا يلزم منه سقوط التكليف عن الأصل بالكلية، إذ لا يلزم من قيام الشيء مقام تقديم الشيء في الأمور المطلوبة من التقديم أن يكون قائما مقامه مطلقا.

سلمنا: فساد هذا القسم فلم لا يجوز أن يكون مساويا له؟

وهذا لأنه لا يساويه عندنا إلا في رفع الإثم.

قوله: لأن البدل المطلق يجب أن يكون قائما مقامه في كل الأمور.

ص: 559

قلنا: نعم لكن من قال إنه بدل عنه مطلقا ونحن لا نجعله بدلا إلا عن التقديم، كما تقدم ذكره، وبهذا أيضا خرج الجواب عن الوجه الثاني.

وأما الجواب عن الثالث: فهو أنا لا نجعله من الإبدال المترتبة حتى يلزم ما ذكرتم، بل هو من الإبدال المخيرة.

وعن الرابع: فهو لا يلزم من عدم دلالة الأمر على وجوبه، عدم الدلالة مطلقا.

وعن الخامس: فهو أنه إنما لم يعص، لأن الغافل عن الشيء غير مكلف به.

سلمنا: فساد هذا القسم فلم لا يجوز أن يكون جواز التأخير غير مشروط بالبدل؟.

قوله: هذا لا يقتضي أن تكون الصلاة واجبة في الوقت الذي يجوز تأخيرها عنه من غير بدل، إذ لا معنى لغير الواجب إلا ذلك.

قلنا: لا نسلم أنه لا معنى لغير الواجب إلا ذلك، بل معنى غير الواجب أن يجوز تركه أبدا من غير بدل، وما نحن فيه ليس كذلك، إذ لا يجوز تركه إذا تضيق الوقت، وتحقيقه أن نسبة الفعل إلى جواز الترك وعدم جوازه، بحسب انقسام العقلي على ثلاثة أقسام:-

[قسم يجوز تركه مطلقا، ولا ينتهي إلى وقت لا يجوز له فيه ألبته، وهذا القسم هو المسمى بالندب عندنا.

وقسم لا يجوز تركه مطلقا، بالنسبة إلى وقته، وهذا القسم هو الواجب المضيق].

وقسم يجوز تركه بالنسبة إلى بعض أجزاء الوقت، ولا يجوز تركه بالنسبة

ص: 560

إلى مجموع الوقت، وهذا هو الواجب الموسع عندنا.

فإن جعل الخصم هذا القسم داخلا في القسمين الأولين بأن يجعله ندبا بالنسبة إلى الوقت الذي يجوز تركه فيه، وواجبا بالنسبة/ (86/أ) إلى الوقت الذي لا يجوز تركه فيه، فهو نزاع لفظي، وما ذكرنا أولى بدليل عدم انعقاد صلاة الظهر أو العصر مثلا بنية النفل في أول الوقت وانعقادها بنية الفرض فيه بإجماع السلف أو الخلف.

وأما الجواب عن الاحتمال الثالث: فهو أنه إن أراد بقوله: إن وقت المعين هو ما اتصل به الأداء إن ذلك وقته بطريق البدلية، بمعنى أن الأمر يقتضي إيقاع الفعل في أحد أجزاء الوقت لا بعينه، فإذا اتصل الفعل بأحد أجزائه تبينا سقوط الفرض به، كما في خصال الكفارة، فهذا مما نقول به.

فإن حاصل الواجب الموسع عندنا يرجع إلى الواجب المخير وكأن الشارع قال له: أوجبت عليك إيقاع الفعل في أحد أجزاء الوقت لا بعينه ولك الخيرة في تعيينه، وإذا لم يبق من الوقت ما لا يفضل عن الفعل فأوقعه لا محالة ولا تؤخره عنه.

وإن أراد به أنا نتبين عند الأداء أن ذلك وقته، وأن ما سوى ذلك لم يكن وقته له فهذا باطل لما تقدم "وإن أراد به غير ذلك، فلابد من إفادة تصوره حتى يمكن التصديق".

وأما قوله: أول الوقت لا يجوز أن يكون سببا للوجوب وإلا لزم تراخي المسبب عن السبب.

ص: 561

فجوابه: إنا لا نسلم ذلك، وهذا فإن أول الوقت سبب للوجوب على وجه التوسع وقد تحقق ذلك معه فلا يلزم تراخي المسبب عن السبب والاستدلال بجواز التأخير على عدم الوجوب باطل لما عرفت من قبل، ولو فرض ذلك بالنسبة إلى وجوب الأداء.

فجوابه: بعينه ما تقدم، لأن وجوب الأداء قد يكون على وجه التضييق وقد يكون على وجه التوسع.

وأما عن الاحتمال الرابع: فهو أنه على خلاف إجماع السلف إذا أجمعوا على أن من صلى في أول الوقت، ومات قبل آخره مؤديا لفرض الله تعالى، كما نواه فإنه نوى أداء فرض الله تعالى.

ص: 562

فروع ثلاثة:

الأول: اعلم أن الواجب الموسع ينقسم إلى ماله غاية معينة معلومة للمكلف لا يجوز له تأخيره عنها، كصلاة الظهر والعصر.

وإلى ما ليس له غاية معينة معلومة له، وإن كانت له غاية في نفس

ص: 563

الأمر وفي علم الله، كالحج والنذر والكفارات وقضاء العبادات التي فاتت من غير تقصير من المكلف، فإن جميع هذه العبادات تجب في جميع العمر وليس نهايته معلومة للمكلف.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الأول: يتضيق بطريقتين:

إحداهما: بالانتهاء إلى آخر الوقت بحيث لا يفضل زمانه عنه.

وثانيهما: بغلبة الظن بعدم البقاء إلى آخر الوقت، فإنه/ (86/ب) مهما علب ذلك على ظنه يجب عليه الفعل قبله.

وأما الثاني: فإنما يتضيق بالطريق الثاني فقط.

إذ لو لم يقل به فإما أن يقال: إنه يجوز للمكلف التأخير أبدا، وهو باطل، لأنه يقتضي أن لا يكون واجبا، أو يقال: إنه يجوز له التأخير إلى زمان معين ولا يجوز التأخير عنه من غير أن يعين ذلك الزمان بعلامة وأمارة، أو تعيين لخصوصيته وهو أيضا باطل، لأنه تكليف ما لا يطاق، وذلك مثل أن يقال: إن كان في علم الله تعالى إنك تموت بعد هذا الزمان قبل الفعل ولا تتفرغ له فأنت عاص بالتأخير عن هذا الوقت، وإن كان في علمه إنك لا تموت قبل الفعل وتتفرغ له بعد هذا الزمان فلك التأخير، فإن للمكلف أن

ص: 564

يقول: ما يدريني ماذا في علم الله تعالى؟. وما حكم الله في حق الجاهل بما في علمه؟ فلابد من الجزم بالجواز وعدمه، وإذا بطل هذان الاحتمالان لم يبق إلا ما ذكرنا من الاحتمال.

فعلى هذا لو أخر المكلف الصحيح السليم الصلاة عن أول الوقت إلى آخره مع العزم على فعلها لو اعتبر العزم بدلا أو بدونه إن لم يعتبر ومات في وسطه، فإنه لم يلق الله تعالى عاصيا، لأنا جوزنا له التأخير ومعه يستحيل أن يحكم بأنه يعصي.

ولا يمكن أن يقال: إن جواز التأخير مشروط بشرط سلامة العاقبة، كعدم وجوب الضمان في التعازير، فإنه مشروط بها.

لأنه على خلاف إجماع السلف إذ يعلم من عادتهم بالضرورة أنهم ما كانوا يؤثمون من مات فجأة في أثناء الوقت، إذا كان عازما مصمما على الامتثال، ولأن العاقبة مستورة عنه غير معلومة له فلا يجوز أن يناط به التكليف لما تقدم "ذلك".

ولذلك المعزر إذا غلب على ظنه السلامة ولم يسلم، فإنه لم يعص، وإن

ص: 565

وجب عليه الضمان، لأن جواز فعل الشيء ينافي المنع منه ومدار العصمة عليه، ولا منافاة بين جواز الفعل وبين وجوب الضمان بسببه، بل قد يجتمع مع وجوب الفعل كما في أكل طعام الغير في حالة المخمصة، ولذلك إذا غلب على ظنه فوات الواجب الموسع بمرض أو هرم بتقدير التأخير فأخره، فإنه يعصى وإن لم ينته الفعل بعده.

الفرع الثاني: اعلم أن الواجب: إن أدى في وقته سمي "أداء"، سواء كان مسبوقا بنوع من الخلل، أو لم يكن.

أما إذا فعل في الوقت، مع نوع من الخلل، ثم فعل ثانيا فيه سمي "إعادة"، فعلى هذا كل إعادة أداء من غير عكس.

وفي بعض المؤلفات ما يدل على عدم اعتبار الوقت في "الإعادة"/ (87/أ) فعلى هذا بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه.

أما إن أدى خارج وقته المضيق، أو الموسع المقدر بالتعيين سمي "قضاء" سواء كان التأخير بعذر أو بغيره، وسواء كان مسبوقاً بنوع من

ص: 566

الخلل أو لم يكن.

واحترزنا بقولنا: "المقدر بالتعيين". عما إذا كان الوقت مقدرا لا بالتعيين، بل بضرب من الاجتهاد.

مثاله: من الموسع "الحج" إذا صار وقته متعينا بسبب غلبة الظن بعدم البقاء لمرض، أو لكبر، فإنه إن بقي بعد ذلك وأداه خارج ذلك الوقت، فإنه لا يكون قضاء، وهو اختيار الغزالي.

خلافا للقاضي أبي بكر رحمه الله وسيأتي حجاجهما.

ومن المضيق كا "الزكاة" الواجبة على الفور [على رأينا، فإنه لو أخر ولو مع القدرة على "الأداء " لا يكون قضاء.

ص: 567

وكالواجب بمطلق الأمر على الفور] عند من يقول به، فإنه لو أخره المكلف إلى الزمن الثاني أو الثالث، فإنه لا يكون "قضاء" عند البعض منهم: إذ قالوا الفعل واجب في الزمان الثاني إن فات عن الأول، وفي الثالث: إن فات عن الثاني، والقضاء عندهم لا يجب إلا بأمر جديد.

وذهب البعض منهم: إلى أنه قضاءكما في المقدر بالتعيين إذ قالوا: يحتاج في وجوب الفعل في الزمان الثاني إن فات عن الأول إلى أمر جديد.

احتج القاضي: بأن الوقت صار مقدرا مضيقا بسبب غلبة الظن بعدم البقاء، ولهذا يعصى بالتأخير عنه إجماعا فصار كما لو أخر الواجب عن وقته المقدر المعين بالتعيين.

واحتج: من زعم أن يكون أداء: بأنه لما انكشف الأمر على خلاف ما ظنه زال حكمه [فصار] قضاء، كما لو ظن أنه يعيش، ويؤيده إن الظن إنما يعتبر حكمه، إذا لم ينكشف الأمر على خلافه، فأما إذا ظهر الأمر على خلافه فلا، كما لو صلى بالاجتهاد إلى غير جهة القبلة، أو يتطهر بما ظنه طهورا ثم تبين الأمر على خلاف ما ظنه، فإنه يجب عليه إعادة الصلاة،

ص: 568

واستئناف الطهارة، وغسل ما أصابه الماء الأول، وإن كان لا يجب ذلك عند عدم اكتشاف الأمر، ونظائره كثيرة.

وأما كونه يعصي بالتأخير لا يصح به الاستدلال على كون ذلك الفعل بعده قضاء، فإن المكلف لو أخر الفعل عن أول الوقت من غير نية الاستبدال على فعله فيما بعده، فإنه يعصي، والقاضي مساعد عليه مع أن ذلك الفعل بعد أول الوقت ليس بقضاء وفاقا.

وقريب من هذا النمط الحجاج في صورة الفور والزكاة.

فالحاصل إن القضاء عند هؤلاء اسم مخصوص لعبادة فاتت عن وقتها المقدر بالتعيين. وعند القاضي عبارة عن عبادة فاتت عن/ (87/ب) وقتها الذي يعصي بالتأخير عنه مطلقا.

الفرع الثالث: قد علمت مما سلف إن الواجب إن أدي خارج الوقت سمي "قضاء"، فتسميته به: إما لأنه وجب فيه وترك، أو لأنه وجد سبب وجوبه وأن لم يجب وترك.

ص: 569

فمنهم من مال إلى الأول زاعما أن القضاء إنما شرع استدراكا لما فات من مصلحة الواجب، ولهذا لا يسمى ما يأتي به الصبي والجنون بعد البلوغ والإفاقة من الصلاة والصيام الفائتة في خالة الصبي والجنون قضاء إجماعا، لما أنه لم يجب عليهما وستدراك مصلحة الواجب حيث لا وجوب غير متصور، فعلى هذا إطلاق القضاء عند هؤلاء على شيء وجد سبب الوجوب ولم يجب إما لفوات شرط أو لوجود مانع سواء كان ذلك المانع يمنع الأداء أيضا، إما عقلا كالنوم أو الإغماء.

إذا قلنا: إن الإغماء ليس ملحقا بالجنون. وأما شرعا كالحيض أو لا يمنعه وهو إما من جهة المكلف كالسفر أو ليس من جهته كالمرض الذي لا يخاف الهلاك منه بالصوم، وإنما قيدنا به، لأن المرض الذي يخاف منه الهلاك بالإمساك يمنع الأداء أيضا، على رأي كالحيض إن كان بطريق التجوز يلزم منه المجاز، وإن كان بطريق الحقيقة يلزم منه الاشتراك، وقد عرفت أنهما على خلاف الأصل،

ومنهم من مال إلى الثاني- وهو الحق-: محتجا بأن اسم القضاء استعمل حيث تحقق الوجوب وحيث وجد سبب الوجوب ولم يجب، كما في الصور المذكورة فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك، وهو بإزاء ما وجد سبب وجوبه وجب، أو لم يجب دفعا للاشتراك والمجاز، وأما ما يأتي به

ص: 570