الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد منه أن كل واحد من الرجال خير من المرأة، إذ قد تكون المرأة خيرا من الرجل، الدرهم قد يكون خيرا من الدينار، بل المراد منه الجنس.
واعلم أنا إنما لم نذكر أحوال تعارض هذه الجهات المتأخرة مع ما قبلها من الجهات، لأنه يمكنك معرفتها مما تقدم فلا يطول الكتاب بذكرها.
المسألة التاسعة
في أن استعمال اللفظ في كل واحد من صور المجاز، هل يفتقر إلى كونه مستعملا فيه من جهتهم أو لا يفتقر إلى ذلك
؟
يل يكفي فيه وجود العلاقة المعتبرة في التجوز المستفادة من كلامهم، إما صريحا بأن كان منصوصا عليها نصا كليا أو ضمنيا، بأن كانت معلومة من استقراء كلامهم المجاز كما سبق في بيان جهات التجوز.
اختلفوا فيه: فمنهم من ذهب إلى اشتراطه. ومنهم من لم يشترطه، بل يشترط وجود العلاقة المعتبرة فقط. ويعرف من هذا أن مجرد العلاقة
والمناسبة من غير أن يشهد باعتبارها كلامهم بالتفسير المذكور غير كافية إجماعا، وإن كان كلام بعضهم ليشعر بخلافه.
احتج الشارطون بأنه يجوز أن يستعار الأسد للرجل الشجاع لمشابهته إياه في الشجاعة، ولا يجوز أن يستعار للأبخر مع مشابهته إياه في البخر.
وكذلك يجوز اطلاق "النخلة" على الإنسان الطويل لمشاركته إياها، ولا يجوز ذلك في غيره من الأشياء الطويلة، وتخلف الحكم عن المقتضي خلاف الأصل، فهو إذن لفقده، ولأنه لو لم يشترط الاستعمال في كل واحد من الصور بل يكفي فيه حصول جهة من جهات التجوز، لجاز تسمية العشرة بالخمسة وبسائر الأجزاء، ولأنهم استعملوا اسم الجزء في الكل في غير موضع واحد، وكذا تسمية البيت بالحائط والسقف، وكذا تسمية الصيد بالشبكة، وبالعكس، والثمرة بالشجرة وبالعكس، والابن بالأب وبالعكس، لأن علاقة السببية والمسببية موجودة بينهما، وكذا تسمية ظل كل شيء باسمه لمشابهته إياه في الصورة، وهي إحدى جهات التجوز، ولما لم يجز كل ذلك علمنا أنه لابد من الاستعمال منهم أو النقل الصريح بتجويز
الاستعمال
فإن قيل: لا نسلم أن ما ذكرتم يدل على مقصودكم، أما الصورتان الأوليان فإنما لم يجز الاستعارة فيهما لعدم حصول العلاقة المعتبرة في التجوز، وذلك لأن العلاقة المعتبرة في الاستعارة هي المشابهة في أشهر الصفات / (55/ب) وأخصها، و "البخر" ليس من الصفات المشهورة للأسد، والطول وحده ليس من أخص الصفات للنخلة، وإنما أطلقت على الإنسان الطويل لا لمشاركته إياها في الطول فقط، بل لمشاركته إياها في الطول وفي أمور أخر يصير المجموع أخص صفاتها، فمن تلك الأمور أنها منتصبة القامة، وأن منها ذكرا وأنثى، وأنها لا تثمر إلا بالتلقيح، وأنها لا تعيش إذا قطعت رأسها، وأن الأنثى منها يتماثل إلى الذكر على ما قيل، وبعض هذه الصفات وإن كانت قد توجد في الحيوانات التي غير الإنسان، وبعضها في الجمادات كانتصاب القامة، لكن مجموع هذه الصفات لا توجد إلا في الإنسان، ولذلك قال عليه السلام:"أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من بقية طينة آدم عليه السلام". وإذا كان كذلك فلم يدل عدم جواز الاستعارة فيهما على جواز النقل والإشارة منهم.
وأما الملازمة الثانية فهي ممنوعة أيضا لجواز أن يكون عدم جواز وإطلاق اسم أحدهما على الآخر لمانع، لا لتوقفه على الاستعمال فيه، ألا ترى أن
الحقيقة قد لا تطرد لمانع وذلك لا يقدح في كونها مقتضيه له، وإذا كان كذلك فالمجاز أولى بأن لا يطرد لمانع، وذلك لا يقدح في العلاقة المسوغة له.
ويمكن أن يجاب عن الأول: إن الاشتهار إن اعتبر بالنسبة إلى كل أهل اللسان فهو متعذر أو متعسر، وإن اعتبر بالنسبة إلى أهل العلم والخبرة منهم فهو حاصل في البخر وأمثاله، مما لا يجوز الاستعارة بسبب الاشتراك فيه وغيرهما غير مضبوط فلا يجوز تعليق الحكم به.
وأما قوله: لعل المعتبر الاشتراك "في أخص الصفات".
قلنا: هذا الاحتمال مدفوع بما أنهم يطلقون اسم أحد السببين على الآخر بأدنى ملابسة بينهما، كإطلاقهم اسم الحال على المحل، وأحد المجاوزين على الآخر، واسم أحد الضدين على الآخر، مع أن الحالية والمحلية والمجاورة والضدية ليست من أخص صفاتها.
وعن الثاني: أن الأصل عدم المانع- وأيضا- بأن إحالة عدم الحكم إلى عدم المقتضى أولى من إحالته إلى وجود المانع لئلا يلزم التعارض، واحتج من نفي الاشتراط بوجوه:-
أحدها: أن إطلاق الاسم على معناه المجازي وتمييز بعض أنواعه عن البعض يحتاج إلى بحث عميق ونظر دقيق، وما يكون نقليا لا يكون كذلك.
وثانيها: أنك إذا أطلقت الاسم على غير موضوعه الأصلي / (56/أ) على وجه الاستعمال، إما لتعظيم، أو لتحقير، فالمقصود غير حاصل بمجرد إطلاق الاسم "بل" بإعارة ذلك المعنى الذي لأجله استعير اللفظ له، فاستعارة اللفظ تابعة لاستعارة المعنى، وهي ليست من الأمور النقلية بل هي
حاصلة بمجرد القصد وتوهم وجوده للمبالغة في المدح أو الذم، فكذلك استعارة اللفظ بحيث إن لا تكون متوقفة على النقل وإلا لزم أن لا تكون تابعة لها، بل هي مستقلة بنفسها.
وثالثها: لو كان إطلاق الاسم عل معناه المجازي نقليا، لما افتقر إلى العلاقة والمناسبة التي تكون بين محل الحقيقة والمجاز، بل كان النقل كافيا فيه كالوضع الأول، ولما لم يكن كذلك، علمنا أنه غير مفتقر إليه.
وأجيب عن الأول: أنا لا نسلم أن إطلاق الاسم على معناه المجازي يفتقر إلى النظر الدقيق، بل المحتاج إليه هي العلاقة المصححة للتجوز لا نفس الإطلاق.
وأجاب الإمام عن الثاني: بأن إعارة المعنى أمر تقديري لا تحقيقي، فجاز أن يمنع [منه] الواضع في بعض الصور. هو غير سديد.
أما الأول: فلأن احتمال المنع غير المنع، وهو غير مانع إذ لو كان مانعا لتحقق المنع في كل موضع، يكون المانع غير ممتنع.
وأما ثانيا: فلأن حاصله يرجع إلى أن عدم جواز استعمال اللفظ في معناه المجازي، يمنع الواضع منه، أو لاحتمال المنع بتقدير كونه مانعا أيضا لا لتوقفه على النقل. والنزاع إنما هو في الثاني دون الأول، فإن من يقول: العلاقة كافية في التجوز، إذا منع مانع منه من عرف أو غيره لا يجوز الاستعمال فيه مع وجود العلاقة المصححة له. بل الجواب عنه بمنع أن